فقر الدم اللاتنسجي يمنع تكوين «خلايا جديدة»

03:00 صباحا
قراءة 6 دقائق
يعد الدم وسيلة توصيل الحياة لسائر أعضاء الجسم، فعن طريقه يتم نقل الغذاء إلى الخلايا المختلفة، ومعظم الخلل الذي يصيب الشخص يبدأ باضطراب وقصور في الدورة الدموية؛ ولذلك فإن الدم بالفعل يساوي الحياة. ويعد الدم أحد أنواع الأنسجة الضامة في جسم الإنسان، وهو سائل أحمر اللون له عدة المكونات، وهي خلايا الدم الحمراء والبيضاء، والصفائح الدموية، والبلازما.
وتتكون البلازما من 90% ماء، إضافة إلى عدد من المواد الذائبة فيها؛ مثل: الأملاح المعدنية والبروتينات، وبعض الفضلات التي تنتج من العمليات الحيوية.
تنقل مكونات الدم معاً الأكسجين والغذاء والهرمونات إلى جميع الخلايا، كما أنه تخلصها من الفضلات وثاني أكسيد الكربون.
وتتعدد الأمراض التي تصيب الدم، ومنها ما يدخل تحت السيطرة، ومنها ما يكون خارج التحكم، ويحتاج إلى تغيير الدم، ومن أمثلة هذه الأمراض فقر الدم اللاتنسجي، وهي حالة مرضية تعبر عن فقدان الجسم للقدرة على تكوين خلايا دم جديدة. ونتناول في هذا الموضوع مرض فقر الدم اللاتنسجي بكل جوانبه، ونقدم العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه المشكلة، والأعراض التي تظهر بسببه، وكذلك طرق الوقاية الممكنة مع أساليب العلاج المتبعة والحديثة.

ثلاثة أنواع

يصيب فقر الدم اللاتنسجي الرجال والنساء بمعدلات متساوية، وتعد أكبر مرحلة عمرية معرضة للإصابة هي الفترة من 14 إلى 31 سنة، وكذلك فوق الـ60.
وتؤدي الإصابة بهذا المرض إلى الشعور العام بالإجهاد الدائم، ويكون المصاب أكثر عرضة للعدوى، فالدم من أكثر أجزاء الجسم نقلًا للعدوى واستجابة لها.
وتوجد لهذا المرض 3 أنواع، الأول وهو ما يعرف بمتلازمة فانكوني، وهو خلل وراثي، يأتي في صورة تشوهات بالهيكل العظمي، ويؤدي إلى زيادة فرصة الإصابة بالسرطان.
ويعرف النوع الثاني بمتلازمة شواخمن دايموند، ويصاحب الإصابة بهذه المتلازمة في كثير من الأحيان فشل البنكرياس؛ وذلك بسبب سوء امتصاص الغذاء.
ويصيب النوع الثالث، وهو خلل التقرن الخلقي، الذكور فقط، باستثناء بعض الحالات القليلة للغاية، ويكون في الغالب مصحوباً بمشاكل في الجلد.
وتختلف المدة التي تحدث فيها الإصابة كاملة، فمن الممكن أن تكون طويلة نسبياً مع مرور الوقت، أو تكون بشكل أسرع.
وتتعدد صور علاج حالات فقر الدم اللاتنسجي بحسب كل حالة، فربما احتاج المريض إلى عملية نقل دم، أو امتد الأمر إلى زراعة النخاع.

إرهاق عام

تبدأ الإصابة بفقر الدم اللاتنسجي فجأة، مع ظهور عدد من الأعراض التي تنذر بوجود خلل في أهم عناصر الجسم، وهو الدم.
وتتمثل في شعور المصاب بالإرهاق بشكل عام، حتى مع عدم بذله أي مجهود، وكأنه يعمل بشكل مستمر.
وتظهر الأعراض بشكل كبير؛ بعد ممارسة المجهود الفعلي؛ حيث يجد المصاب نفسه لا يستطيع التنفس إلا بصعوبة، مع تسارع في النفس بصورة ملفتة للنظر، ويشير هذا العرض إلى أن هناك خللاً ما أصاب الجسم.
وتمتد الأعراض إلى الإصابة بنزيف من الفم أو الأنف، ويعد هذا من العلامات البارزة، إضافة إلى شحوب لون الجلد، وهذا يؤكد أن الدم يلعب دوراً كبيراً في نضارة؛ بل وقوة أعضاء الجسم المختلفة، خاصة الجلد.
ويضاف إلى ما سبق إحساس دائم بالصداع والدوخة؛ جرّاء عدم تجدد الدم، وهو ما ينذر بأزمة صحية شديدة.
ويمكن أن يظهر على البشرة طفح جلدي في بعض الحالات، ويجب الانتباه إلى هذه الأعراض، والعمل على سرعة التعامل معها، حتى لا تتعرض حياة المصاب للخطر، وخاصة عند من لا يملكون الوعي الكافي بهذا النوع من الأمراض.

تلف النقي العظمي

تبدأ المشكلة في حالات فقر الدم اللاتنسجي؛ من خلال الخلل الذي يصيب النقي العظمي، وهو الجزء الذي يساعد على تسريع تجدد إنتاج الدم.
وتؤدي إصابة هذا الجزء بالتلف إلى نزول معدل إنتاج كرات الدم إلى أقل من المطلوب وربما تتوقف، وهذا الخلل عندما يحدث تبدأ المشكلة في الظهور، مع مرور الوقت وظهور الأعراض.
وتتعدد الأسباب التي تجعل النقى العظمي يتعرض للتلف، ومن ثم يؤثر في إنتاج كرات الدم، والصفائح الدموية، ومن هذه الأسباب التعرض للعلاج الإشعاعي أو العلاج الذي يحتوي على مواد كيماوية، خاصة المستخدمة في علاج الأمراض الخطرة؛ مثل: السرطان.

الخلايا السليمة والضارة

يمتد تأثير العلاج إلى الأجزاء السليمة من الجسم، فهو كما يقتل الخلايا الضارة يؤثر سلباً في الأخرى السليمة، ويقع خطر الإصابة بتلف النقي العظمي، ومن ثم فقر الدم اللاتنسجي.
ويمكن أن تحدث نفس الحالة عند استخدام أدوية أخرى ذات تأثير على أمراض التهابات المفاصل، وكذلك في حالات الإصابة باضطراب مناعي في الجسم؛ لأن اضطراب الجهاز المناعي ربما يؤدي إلى مهاجمة الأنسجة السليمة.
وتؤثر هذه الأدوية بصورة غير مباشرة في أنسجة العظم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى الإصابة بفقر الدم اللاتنسجي.
ويعد الحمل أحد الأمور التي تتسبب في الإصابة بفقر الدم اللاتنسجي؛ لأنه يؤدي إلى ضعف مناعة جسم المرأة الحامل، مما يؤثر في أنسجة العظام، وبالتالي يؤدي إلى ضعفها؛ لذا تنصح المرأة الحامل بالمتابعة الجيدة مع الطبيب، للتدخل في الوقت المناسب، إذا كان هناك أي خلل يطرأ على الدم أو العظام.

الاستماع للأعراض

يمثل العرض على الطبيب الضمانة الكبرى في تحديد المشكلة الخاصة بفقر الدم اللاتنسجي؛ حيث يبدأ بالاستماع للأعراض التي يشعر بها المريض.
ويمكن أن يبدأ في سؤاله عن شعوره بالإجهاد، ومتى يكون وهل هو مرتبط بالعمل أم لا؟، وكذلك هل يشعر بالصداع والغثيان بصورة مستمرة أم متقطعة؟، وهل تعرض للنزف أم لا؟، ومن أي الأماكن حدث هذا النزيف؟، هل الفم أم الأنف أم اللثة أم أن هناك نزيفاً تبادلياً؟؛ حيث إنها أعراض يستطيع الطبيب أن يتبين ما إذا كانت هناك مشكلة تخص الدم أم لا.

اختبارات الدم

يطلب الطبيب المعالج اختبارات الدم التي تبين عدد كرات الدم، وكذلك حالته من حيث التجدد، وهل هو في الإطار الطبيعي أم لا؟، وتعد اختبارات الدم من أهم الخطوات التي يحدد من خلالها المشكلة.
ويضاف إلى الخطوات الإجرائية في تشخيص الحالة، أخذ عينات من النخاع، والتي تبين ما إذا كان المصاب بحاجة إلى زرع نخاع أم لا.
ويتصدر اهتمامات الطبيب معرفة السبب الذي أدى إلى تلف الأنسجة، وعدم تجدد كريات الدم بنوعيها الحمراء والبيضاء، وخاصة المواد الكيماوية والأشعة واضطرابات جهاز المناعة.

نقل دم

يقوم الطبيب بعد تشخيص الإصابة بفقر الدم اللاتنسجي، ومعرفة الأسباب التي أدت إليها، بالإجراءات الطبية اللازمة لمثل تلك الحالات.
وتتمثل هذه الإجراءات أولاً في نقل الدم، والذي تكون الغاية منه تعويض جسم المصاب ما فقده؛ جرّاء النزف المتعدد، وكذلك حتى يستعيد المصاب نشاطه وقدرته على المقاومة.
ويحرص في عملية نقل الدم على المتابعة الدقيقة للكميات التي تدخل جسم المريض، حتى لا تحدث أضرار غير مقصودة، يسببها تراكم عناصر متحدة في جسمه، ومن الممكن أن تضره ضرراً بالغاً. ويهتم الطبيب ثانياً بتخليص الجسم من أي عناصر ضارة؛ من خلال المضادات اللازمة، التي تضمن معالجة اضطراب الجهاز المناعي، خاصة في حالة وجود عدوى فيروسية.

زرع النخاع العظمي

يعد أحد علاجات فقر الدم اللاتنسجي المطروحة بقوة؛ هو زرع النخاع العظمي، وتتجاوز نسب نجاح هذا النوع من العلاج 85%، وإن كان يرتبط الأمر بسن المريض، وتوفر المتبرع، ومدى الملاءمة بين المريض والمتبرع.
ويفضل في هذه الحالة أن يكون المتبرع قريباً من الدرجة الأولى، ويتم كل ذلك بحرص شديد، خاصة أن الجسم من الممكن أن يقوم بإنتاج أجسام مضادة، يقاوم من خلالها عملية الزرع، ما يعرض المريض إلى مضاعفات، ربما تضر أجهزة حيوية بالجسم، كالرئتين والقلب والكلى.

إجراءات مفيدة

تشير دراسة حديثة إلى أن الأشخاص الذين يعانون فقر الدم اللاتنسجي ينبغي عليهم أن يحرصوا على بعض الأمور، التي تضمن سلامتهم من ناحية، وعدم تطور الحالة من ناحية أخرى؛ مثل: الراحة وعدم تعريض الجسم للإجهاد، الذي يتبعه التعرض للنزف أو الصداع أو تقرحات الجلد، ويعد من الأمور التي تحسن من إنتاج الدم، الاهتمام بالتغذية السليمة والنوم الجيد
وينصح كذلك بعدم التعرض للتغيرات المناخية، والتي يحتمل حدوث عدوى فيها بأنواعها المختلفة؛ مثل الأماكن التي تتم فيها عمليات جراحية، أو بيئة تكثر فيها الحشرات الضارة والناقلة للعدوى كالناموس والبعوض، وكذلك عدم التعرض للمبيدات الحشرية، أو المكوث في أماكن ينتشر فيها الوباء.
وتعد المتابعة مع الطبيب والحرص على الاختبارات الدورية أمراً مهماً لمرضى فقر الدم اللاتنسجي؛ للوقاية من المضاعفات، ولمعرفة سبل تعويض الفاقد؛ ولذلك يجب على المريض أن يطرح كل ما يريد من أسئلة على الطبيب؛ بحيث يحيط بكل ما يتعلق بهذا المرض وخطة علاجه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"