«القلق».. اضطراب مدمر

02:34 صباحا
قراءة 6 دقائق
إذا كنت تتنفس بصعوبة، ويصيبك دوار في كثير من الأحيان، وتشعر بوخز في أصابعك، وسخونة وبرودة في الوقت نفسه، ولديك إحساس أنك تفقد توازنك تماماً، وتستند إلى الحائط، وتنتظر لبعض الوقت حتى تزول هذه الأعراض التي تشعر بها، والتي أصابتك بالفزع والذهول، ومرات عديدة لا تذهب إلى عملك أو دراستك على مدى عدة أيام تالية، وتظل ملازماً الفراش تحت غطاء سميك، معتقداً أنه سوف يجلب لك الشفاء، أو يحميك من المضاعفات التي يمكن أن تصيبك، من جراء تلك الحالة التي لا تعرف عنها شيئاً، ثم تذهب إلى الطبيب المختص وبعد أن يفحصك جيداً، تكتشف أنك غير مريض بأي مرض عضوي ولا تعاني شيئاً، هذه أعراض حالة «القلق» الشديد الذي استولى عليك وتمكن منك، وتبالغ في التعامل معه.
القلق حالة توتر شامل وانفعال يجمع بين الخوف وتوقع الخطر، ومن الجائز أن يكون موجوداً فعلاً، أو يكون متخيّلاً لا وجود له في الواقع، ويصاحبه أعراض في الجسم مثل التعرق، وتسمى الأعراض الجسمية المصاحبة للحالات النفسية (النفسجسمية)، أوهو خبرة انفعالية غير سارة يعاني منها الفرد عندما يشعر بخوف أو تهديد من شيء ما، ولا يستطيع تحديده تحديداً دقيقاً، والقلق في حد ذاته أمرٌ طبيعي ومفيد، فهو يؤدي وظيفة مهمة، حيث يعد بمثابة إشارة إنذار لحالة خطر فعلية، حتى يستطيع الإنسان الاستعداد لمجابهة كل ما يمكن أن يُهدّد بقاءه ووجوده، إذاً هو ضروري لأنه يعد إشارة إنذار بأنّ هناك أمراً عليك الانتباه له أو الحذر منه، ولكنّه يصبح مشكلةً إذا تعدّى الحدّ الطبيعيّ، أما إذا كان الإحساس بالقلق يتكرر في أحيان متقاربة، وبصورة حادة دون أي سبب حقيقي، وإلى درجة إعاقة مجرى الحياة اليومي الطبيعي، فالمرجح أن هذا الإنسان يعاني اضطراب القلق المُتَعَمِّم، وهذا الاضطراب يسبب القلق الزائد وغير الواقعي، وشعوراً بالخوف يفوق ما يمكن اعتباره رد فعل طبيعياً على حالة معينة.
تأثيرات مدمرة

هناك أشياء عديدة تميز بين اضطراب القلق وبين الأحاسيس العادية للقلق، حيث تحدث الأعراض عادة بدون سبب ظاهر، وتستمر هذه الأعراض لفترة طويلة، ولا يخدم القلق أو الذعر المستمر الذي يحس به الأفراد المصابون أي هدف مفيد، وذلك لأن هذه المشاعر في هذه الحالة عادة لا تتعلق بمواقف الحياة الحقيقية أو المتوقعة، وبدلاً من أن تعمل هذه المشاعر على دفع الشخص إلى التحرك والعمل المفيد، يكون لها تأثيرات مدمرة، حيث تفسد العلاقات الاجتماعية مع الأصدقاء وأفراد العائلة والزملاء في العمل، فتقلل من إنتاجية العامل في مهنته، وتجعل تجربة الحياة اليومية مرعبة بالنسبة للمريض منذ البداية، وإذا تُرك المرض بغير علاج، فيمكن حينئذٍ أن يحد عرض القلق المرضي من حركة الإنسان بشكل كامل، أو أن يدفعه إلى اتخاذ تدابير متطرفة، مثل أن يرفض المريض أن يترك بيته أو تجنبه المواقف التي قد تؤدي إلى زيادة قلقه.
أسباب متنوعة

من غير الواضح ما هو السبب الرئيسي وراء الإصابة بحالة اضطراب القلق، فالباحثون يعتقدون بأن مواد كيميائية طبيعية في الدماغ تؤثر في حدوث هذه الاضطرابات، وإجمالاً يمكن الافتراض بأن لهذه المشكلة مجموعة متنوعة من الأسباب، تشمل عمليات بيولوجية تتم داخل الجسم، وعوامل وراثية جينية، وعوامل بيئية محيطة، ونمط الحياة، وتعتبر الوراثة وكيمياء المخ والشخصية والتجارب الحياتية، من الأسباب التي تلعب دوراً في حدوث اضطراب القلق، وهناك أدلة كافية على أن أعراض القلق المرضي تحدث في عائلات بعينها، وتظهر الدراسات أنه إذا كان أحد التوأمين المتشابهين يعاني القلق المرضي، فإنه يرجح أن يصاب توأمه بنفس العرض المرضي، على عكس الحال في التوأم غير المتشابه، كما تشير نتائج الأبحاث إلى أن عنصر الوراثة ينشط من خلال التجارب الحياتية، ويدفع ببعض الناس إلى هذه الأمراض، كذلك يبدو أن كيمياء المخ تلعب دوراً في بداية ظهور اضطراب القلق، حيث لوحظ أن أعراض القلق تخف عادة عند استعمال الأدوية التي تؤثر في كيمياء المخ.
وظائف المخ

تلعب وظائف المخ دوراً، حيث أجريت أبحاث لتحديد المناطق المحددة في المخ التي تصبح نشطة في الأشخاص الذين يعانون أعراض القلق المرضي، ويمكن أن تلعب الشخصية دوراً مهماً، فالباحثون لاحظوا أن الأفراد الذين لا يُظهرون الكثير من التقدير لأنفسهم، وذوي مهارات التكيف الضعيفة، معرضون لأعراض القلق أكثر من غيرهم، وربما كان السبب في ذلك أن عرض القلق المرضي ظهر في الطفولة، مما أدى إلى فقدان الثقة في النفس، وبالإضافة إلى ذلك فمن الممكن أن تؤثر التجارب الحياتية في حساسية الشخص للتعرض لهذه المشكلات، ويعتقد الباحثون أن العلاقة بين أعراض القلق المرضي، وبين التعرض طويل المدى للأذى والعنف أو الفقر، هو من مجالات الدراسات في المستقبل، ويمثّل عدم الشعور الداخليّ بالأمن سبباً رئيسياً للقلق، فاضطراب القلق المُزمن نتيجة لانعدام الشعور بالأمن والشكوك حول الذات، وفقدان الشعور الداخليّ بالأمن هو نتاج مجموعة من العوامل، منها عدم الثبات والنقد الزائد والكمال الزائد والشعور بالذنب وتقليد الوالدين، وسوف تمكن التكنولوجيا الحديثة العلماء من معرفة المزيد عن العناصر البيولوجية والنفسية والاجتماعية، والتي تسبب أعراض القلق، ومع تحسن فهم الأسباب، يمكن أن يتحسن العلاج والوقاية في المستقبل القريب.
أعراض نفسية وجسدية

يكون اضطراب القلق عادة مصحوباً بعدد من الأعراض، وهي تقسم إلى قسمين، أعراض نفسية تتمثل في الخوف والخجل والانطواء والعزلة، ومن الممكن أن تصل إلى حد السلوك العدواني، نتيجة الخوف الشديد من المجتمع، وأعراض جسدية تظهر مع حالة التوتر والقلق، حيث يتحول الشخص من حالة نفسية عادية إلى مرض نفسي، وتلك الأعراض تختلف من شخص لآخر، ومنها حدوث اضطراب في نبضات القلب، وضيق في عملية التنفس، وآلام في العظام والمعدة، ويتصف كل مرض من أمراض اضطراب القلق بمجموعة معينة من الأعراض، كما هو الحال في جميع الأمراض، وتختلف شدة ومدة الأعراض باختلاف الأفراد، ويرتبط عرض الخوف المرضي بحدوث نوبات متكررة وغير متوقعة من الذعر، وحالات مفاجئة من الخوف الطاغي من خطر ما، ويتزامن هذا الخوف مع أربعة على الأقل من الأعراض التالية، زيادة ضربات القلب، وآلام في الصدر، وحالة التعرق، والارتعاش أو الاهتزاز، وضيق النفس، والإحساس بحالة من الاختناق، وأن هناك شيئاً يسد الحلق، والإصابة بالغثيان وآلام ملحوظة بالمعدة، والدوخة أو دوران الرأس، والإحساس بأن الإنسان في عالم غير حقيقي أو أنه منفصل عن نفسه، والخوف من فقدان السيطرة «الجنون» أو الموت، والتنميل، والإحساس بالبرد الشديد أو السخونة الشديدة في الأطراف.
دوائي ونفسي

يتركب علاج القلق من نوعين رئيسيين، هما العلاج الدوائي والنفسي، كل منهما على حدة أو كلاهما معاً، ومن الممكن أن تستدعي الحاجة إلى فترات تجربة وخطأ، وذلك من أجل تحديد العلاج الأكثر ملاءمة لمريض معين، حتى يشعر بالراحة والاطمئنان، والعلاج الدوائي تتوفر منه أنواع شتى، وتهدف إلى التخفيف من أعراض القلق الجانبية، التي ترافق اضطراب القلق المتعمم، ومن بينها أدوية مضادة للقلق، تعمل على التخفيف من حدة الشعور بالقلق في غضون فترة قصيرة، إلا أنها تسبب الإدمان في حال تناولها لفترة تزيد على بضعة أسابيع، وهناك أدوية مضادة للاكتئاب، حيث تؤثر في عمل الناقلات العصبية، ويشمل العلاج النفسي تلقي المساعدة والدعم من جانب العاملين في مجال الصحة النفسية، من خلال التحدث والإصغاء، فالتعبير عن المشاعر يؤدي إلى التنفيس بدلاً من كبتها وتحملها بمفرده، ويمكن لبعض العادات البسيطة والتي نشغل الوقت بها مثل ممارسة بعض الرياضات البدنية، أو النظر إلى عقارب ساعة الحائط، أن تؤدي دوراً مهماً، إذا ما هاجمتنا نوبات القلق القاسية، ويمكننا أن نقي أنفسنا وأطفالنا الكثير من الأمراض النفسية منذ البداية، من خلال اتباع إرشادات تربوية سليمة، وعدم التعرض للضغوط النفسية التي تسبب التوتر والقلق والشعور بالخوف، وأن نساعد أحباءنا على التقرب من الله، والتطوير الذاتي والتعلم، فهذه الأساليب تنير البصيرة وتحفظ القلب من القلق والخوف الزائد.

النساء.. الأكثر إصابة

تفيد أرقام تقارير الدراسات الحديثة، بأن أعداد المصابين بالحالة المرضية اضطراب القلق وصلت إلى أكثر من 35 مليون شخص يعاني القلق على مستوى جميع أنحاء العالم، وتوضح الأبحاث أن نسبة النساء اللواتي تم تشخيص إصابتهن باضطراب القلق أعلى من الرجال، والملاحظ أن عدد النساء اللاتي يعانين هذه الحالة ضعف عدد الرجال، وأن نسبة من 1% إلى 2% من الأفراد يعانون سنوياً من هذا العرض المرضي، وتظهر الدراسات وجود تاريخ مرضي داخل العائلة، ما يشير إلى أن بعض الأشخاص يكونون أكثر ميلاً للإصابة بهذا العرض المرضي من الآخرين، كما أن بعض من يعانون اضطراب القلق يتم تشخيصهم عندما يذهبون إلى أقسام الطوارئ بالمستشفيات على أنهم يعانون أزمة قلبية أو مرضاً طبياً خطيراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"