“غيْمان”

حل وترحال
04:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

غيْمان هو اسْمُ مجلّة أدبية جديدة تصدر في اليمن. يشرف عليها الشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح. ويهمني في بداية حديثي عن هذه المجلّة أنْ أتوقّف قليلاً عند اسْمها، الذي - فيما أظن - يعني الغيْم في إحدى اللغات القديمة التي عاشت في اليمن، حيث الألف والنون في نهاية الاسم هما بمثابة أل التعريف، وليسا علامة المثنّى كما هما معروفٌ في لغتنا الفصحى.

هذا ما شرحه لي يوماً بعضُ أصدقائي اليمنيين، ونحن في مكان رائع في اليمن يدعى كوكبان، ويعني - بحسب ما تقدم - الكوكب. ولا يخْفى على زوّار اليمن وجودُ أمكنة كثيرة تحمل أسماء تنتهي بالألف والنون مثل: عَمران، غمدان، خولان.. الخ.

غيمان إذنْ هو اسْمٌ جميلٌ على وزن فعْلان، يجمع بين رخامة الصوت، ورهافة المعنى، والإشارة إلى عراقة التاريخ الذي تتميّز به أمكنةُ اليمن، على اختلافها وتنوّعها.

غيمان مجلّةٌ فصليةٌ تُعْنى بالكتابة الجديدة. وفي الأسبوع الماضي بعثَ إلي الصديق الشاعر عبدالعزيز المقالح بالعدديْن الثالث والرابع منها. وأوّل ما شدّني - لدى تصفحي العدديْن - تنوع المادة الأدبية، وتنوع كُتّابها العرب من يمنيين وغير يمنيين، في تبويب يضَعُ هؤلاء الكُتّاب في ما يشبهُ الأسرة.

يعبرُ الدكتور المقالح، في افتتاحية العدد الثالث، عن اتجاه المجلّة وتطلعاتها فيقول: سعتْ غيْمان منذ عددها الأوّل إلى أنْ تجمعَ بين الإبداع والتنظير، وفتحتْ صدْر صفحاتها لأشكال من النصوص وأنواع من الرؤى النقدية، إحساساً منها بضرورة الحوار، فكان سؤالُ الشعر، ثم سؤالُ النقد.... ويعبرُ أيضاً عن أهمية الدور الذي ينبغي أنْ تلعبَه المجلّة، فيقول: نؤكّد أنّ غيْمان تحرصُ على إقامة الجسور بين المبدعين في الساحتيْن المحلية والعربية، مستهجنةً ما يبدو أحياناً على سطح الحياة الأدبية من أحقاد قاتلة، وما يتعرضُ له بعضُ المبدعين هنا وهناك من تُهَم ومحاكمات استفزازية، تتّسِمُ بالعدوانية والجهل بمعاني الإبداع... الخ .

نحن اليومَ، في الساحة الثقافية العربية، نشعرُ بالحاجة الماسّة إلى مجلّة أو مجلات أدبية جادّة، وقادرة على التعبير عن رؤىً جديدة حقّا. وقد بدا لي، من عدديْها الثالث والرابع، أنّ غيمان ماضيةٌ في سعيها إلى تحقيق الأهداف التي أعلنتْ عنها. وهذا الأمر ليس سهلاً، بل يتطلّب الكثير من الجُهْد والمثابرة والبحث والتدقيق والتجرد. ففي ظروفنا الحالية، التي يتوسع فيها الإعلامُ توسعاً أُفُقياً هائلاً، وتتكاثرُ فيها كالفِطْر وسائلُ الإعلام المكتوبة وغير المكتوبة، يصعبُ على المشاريع الثقافية الجادّة أنْ تشق سُبُلَها من دون مشَقّة، لأنها تجدُ نفسَها محاصَرةً بِما هو خفيفٌ أو سطحي أو مبتذَل.

الحوار، أو إقامة الجسور، أسمى ما تسعى إليه مجلّةٌ ثقافيةٌ عربية. ذلك أنّ المثقفين العرب يعيشون اليومَ حالةً من التشرذم والتخبط والضياع.. وما إلى ذلك. بل يعيشون حالةً من التنابُذ تجعل بعضهم ينخرطون أحياناً في سجالات ضحْلة، أو في معارك لا طائلَ تحتها. وقد أشار الدكتور المقالح إلى ذلك عندما تحدّث عن الأحقاد التي تطفو على سطح الحياة الأدبية العربية.

إذن، الحاجةُ ماسّةٌ إلى إطلاق حوارات عميقة بين المثقفين العرب على اختلاف مشاربهم وأهوائهم، وذلك في مختلف ميادين الفكر والأدب والعلم والسياسة.. وغيرها. ومجلّة غيْمان تنطلق من الشعور بهذه الحاجة. وتبدو لنا جادّةً في اندفاعتها وتوجهها نحو أهدافها.

تهتم مجلّةُ غيْمان بشؤون الشعر والرواية، وتنشر الدراسات والنصوص الإبداعية ذات الاتجاهات المختلفة، لدارسين وشعراء من مختلف الأقطار العربية. وهي لا تكتفي بذلك، وإنما تعمل على إقامة الصلة بالآداب الأجنبية، إذْ تنشر بعض النصوص المعربة، كما فعلتْ في العدد الرابع، إذْ ضمتْ نصوصاً مختارةً من كتابات شاعر الهند طاغور.

تحيّتي إلى مجلّة غيْمان وإلى القائمين على إصدارها. ولتكُنْ قدْوةً لغيرها من مجلاّت عربية تبحثُ عن الجميل والجديد، وتسعى إلى إقامة الصداقة والتفاعل بين الأدباء العرب، وبينهم وبين أدباء العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"