لا مصالحة.. لا وحدة وطنية فلسطينية

03:27 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى
 
انتهت جولة أخرى من جولات المصالحة بين حركتَي «فتح» و«حماس» برعاية مصرية بالعودة مجدداً إلى دائرة تبادل الاتهامات بين الطرفين. وأعلنت أوساط من حركة فتح عن وقف محادثات المصالحة معتبرة أن ما يجري ليس سوى «حوار طرشان» فيما أكدت أخرى أن «فتح» لن تتوقف عن محاولات تحقيق المصالحة.
 
رغم الحدة في الاتهامات المتبادلة جرى ترطيب الأجواء بدفاع السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة عن حركة «حماس» في وجه مشروع أمريكي لإدانة إطلاقها الصواريخ رداً على عدوان «إسرائيلي». ويبدو أن الفشل المتكرر لجولات المصالحة في القاهرة لم يفتّ في عضد المخابرات المصرية التي تعتبر تحقيق المصالحة الفلسطينية من مقتضيات الأمن القومي المصري لذلك دعت من جديد قيادة حركة الجهاد لمواصلة المساعي. 
 
 وبدا الفشل الأخير لجهود المصالحة وكأنه فاجأ البعض لأن الإشارات الإيجابية من القاهرة كانت كثيرة هذه المرة. واعتبر كثيرون أن مجموع الإخفاقات المتوالية لمحاولات المصالحة لا بد أضاء الطريق هذه المرة وجعل الجميع يضعون أصابعهم على مواضع الخلل الحقيقية. فالطرفان الفلسطينيان يعلنان صباح مساء أن هدف المصالحة واجب التحقيق لأن القضية الوطنية من دون المصالحة في خطر. ولكن هذه الإعلانات لم تدفع الطرفين حتى الآن للعثور على الوصفة السحرية لتحقيق المصالحة. وتقريباً بقيت المحادثات تدور بين الطرفين برعاية مصرية على النقاط ذاتها التي بدأت بها هذه المحاولات. وما زاد الطين بلة أن محاولات الماضي كانت تتم في اجتماعات مباشرة بين الطرفين في حين صار تحقيق اجتماع بين الوفدين هدفاً صعب المنال بحد ذاته.
 
 وبعيداً عن العبارات الصاخبة ظلت محادثات المصالحة تدور حول «تمكين» حكومة رامي الحمد الله باعتبار ذلك مدخلاً لإجراء انتخابات عامة في وقت لاحق. ويصطدم «التمكين» بإشكالية حل مسألة عشرات ألوف الموظفين في حكومة «حماس» والذين تم توظيفهم على مدى أكثر من عقد مضى على سيطرة «حماس» على حكم قطاع غزة عام 2007. ورغم مناقشة هذه المسألة مئات المرات وإحالتها إلى لجنة إدارية تم الاتفاق عليها في اتفاق 2011 إلا أن شيئاً على هذا الصعيد لم يحدث.
 
 وقد لخصت جهات ضالعة في محادثات المصالحة العقبات التي اعترضت أي تقدم نحو الاتفاق بالاشتراطات المتبادلة من الطرفين. إذ تشترط «حماس» أي تقدم نحو تمكين الحكومة برفع العقوبات المفروضة على غزة منذ العام 2017 وحل مسألة الموظفين العموميين المدنيين والعسكريين في القطاع. كما أنها ترى في تنفيذ اتفاقية 2011 التي أبرمت بحضور كل الفصائل الفلسطينية في القاهرة مدخلاً للمصالحة والمشاركة. وفي المقابل تشترط «فتح» رفع «العقوبات/‏الإجراءات» عن غزة والبدء بالمصالحة ب«تمكين» عمل حكومة الحمد الله بالكامل وتسليمها كل الصلاحيات وفق منطق حكومة واحدة وسلاح واحد. وطبعاً كل هذا من دون الاتفاق على منهجية التعاطي مع سلاح المقاومة في القطاع وهو واحدة من أهم نقاط الخلاف غير الظاهرة.
 
وقد بدا للبعض أن الانطباعات الإيجابية واحتمالات نجاح الوساطة المصرية هذه المرة قائمة بسبب تغيير ما في الظروف الموضوعية. فنجاح الفصائل في التصدي للمجموعة الأمنية «الإسرائيلية» في خان يونس وتنامي المخاوف لدى السلطة في رام الله من نجاح محاولات فصل القطاع عن الضفة «بمبررات إنسانية» وخطورة المشروع السياسي الأمريكي دفع الكثيرين للاعتقاد بفرص نجاح المساعي المصرية هذه المرة. وزاد من هذا الاعتقاد ذلك الاهتمام الشديد بالتوصل إلى تهدئة مع الاحتلال بسبب الحاجة إلى «استراحة محارب» في القطاع الذي يقترب من كارثة إنسانية جراء تردي الأوضاع الاقتصادية. 
 
ولكن هذه الأسباب ذاتها قادت جهات للاعتقاد بصعوبة تحقيق المصالحة نظراً لأن الضواغط السياسية والاقتصادية على «حماس» لم تعد بالشدة السابقة. فدخول الوقود والأموال القطرية لرواتب موظفي «حماس» بإشراف أممي قلل من شدة الضائقة الاقتصادية على القطاع. كما أن النجاح في مواجهة الوحدة الأمنية «الإسرائيلية» الخاصة وما رافق ذلك من مشاعر فخر في القطاع فضلاً عن استمرار مسيرات العودة بزخم كبير زاد من ثقة «حماس» بأن الأمور تتجه إلى الانفراج شاءت السلطة في ذلك أم أبت. وهذا دفع «فتح»، وفق بعض المحللين، للتشدد أكثر حتى لا تفسر أي مرونة لها بأنها نجاح لتشدد «حماس». 
 
عموماً على هذه الخلفية تعود «حماس» و«فتح» إلى دائرة الخلاف الأولى وهو ما أعلنه قياديون في الحركتين. إذ أعلن رئيس وفد «فتح» إلى محادثات المصالحة، عزام الأحمد في مقابلة مع تلفزيون فلسطين: «نحن لا نثق ب«حماس»، ومتأكدون أن ليس لديها نية لإنهاء الانقسام، فالبداية بالنسبة إلينا هي أن تتسلم حكومة الوفاق مسؤولياتها كافة». وردت «حماس» باعتبار هذه التصريحات «انقلاب واضح على جهود مصر لتحقيق المصالحة، وتحمل تهديداً صريحا لأهلنا في القطاع». وكان عضو وفد «فتح» لمحادثات المصالحة حسين الشيخ قد اعتبر المحادثات «حوار الطرشان الذي يتم منذ 11 عاماً» وأنه «مضيعة للوقت» و«لا شراكة مع «حماس» في المنظمة أو حكومة وحدة من دون إنهاء كل مظاهر الانقلاب في غزة».
 
وطبيعي بعد ذلك أن يخرج القيادي في حركة الجهاد، خالد البطش، ليعلن أن «تعدد جولات الحوار والمصالحة لم يعد لها طعم». ورأى أن لا حل سوى بالحوار الوطني المباشر وأن يرسل الرئيس محمود عباس وفداً من اللجنة المركزية لحركة فتح إلى القطاع لإدارة هذا الحوار لتطبيق اتفاق 2011. والواقع أن كثيرين في الحلبة الفلسطينية يؤمنون بأن أحد أهم أسباب فشل جهود المصالحة كونها غالباً تدور بين فصيلين مهيمنين ينطلقان من مواقع حزبية أكثر مما ينطلقان من مواقع وطنية عامة.
 
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"