«المهاق»..خلل جيني يسبب أمراضاً معدية

01:00 صباحا
قراءة 5 دقائق
المهق أو كما يُعرف بـ«البرص» أو «البهق» أو «الأغراب»؛ هو اضطراب خلقي ينتج عن انعدام إنتاج الصباغ في الجلد والشعر والعيون؛ نتيجة خلل جزئي أو كامل في المحفز البيولوجي الجزئي، والذي يشارك بدوره في إنتاج مادة صبغية بروتينية تُعرف بالميلانين.
يتم إفراز مادة الميلانين من خلايا تعرف بالخلايا الطلائية، التي تتواجد في جلد الإنسان، وفي بصيلات الشعر، ويؤدي خلل إنتاج مادة الميلانين إلى حدوث اختلال وظيفي في الخلايا الصبغية. يصيب المهاق الذكور والإناث، ولكن ترتفع نسبة إصابته بين الذكور بالتحديد، وتظهر أعراضه في سن مبكرة، وقد يساعد طبيب العيون في الكشف عن حالات المهاق؛ من خلال فحص العين؛ حيث تحدث تغيرات تتعلق بنقص الصبغة في العين؛ نتيجة نقص في نمو تجويف صغير في شبكية العين يُعرف بالنقرة المركزية المسؤولة عن حدة النظر؛ لذلك فإن المهاق يترافق مع العديد من مشاكل الرؤية كترجرج الحدقة الاضطراري والحول، وفي بعض الحالات النادرة، يصاحب المهاق قصور في نقل حبيبات الميلانين، والذي قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض معدية.

أعراض وعلامات المهاق

تتمثل أبرز السمات العامة، التي تصاحب الاضطراب الخلقي لدى المصابين به، في غياب لون الشعر والجلد أو العينين؛ بحيث يكون لون الشعر أبيض كالكتان، أو أن يكون لون الجلد شاحباً ولون العينين زرقاوين. وفي بعض الحالات الأخرى، تظهر سمات عامة في المصاب تختلف باختلاف الأفراد، فقد تتمثل السمات العامة بلون شعر أصبهي فاتح أو متوسط اللون، أو بقع جلدية شاحبة أو ذات لون غائب. وتشمل الأعراض الأخرى الضيق من الضوء أو رهاب الضوء، وتضوء القزحية و«الرأرأة» أو ما يعرف بـ«ترجرج الحدقة الاضطراري»، والذي ينتج عنه درجة من القصر أو الرؤية المحدودة، إلى جانب نقص الصبغة بأطراف الشبكية واللابؤرية، وهو عيب تكون فيه الرؤية مشوشة. وقد تولد المشاكل البصرية المصاحبة للمهق خوفاً مرضياً من الضوء لدى المصابين، وتعد التغيرات البصرية أعراضاً شائعة في كل أنواع المهاق، وتجدر الإشارة إلى أن المهاق لا يؤثر في الحياة الصحية العامة للمصابين، ولا على متوسط الأعمار ولا الخصوبة ولا على معدلات الذكاء.

أنواع المهاق

* المهاق البصري الجلدي

ينقسم المهاق لنوعين أساسين، يعرف الأول بالمهاق البصري الجلدي، أما النوع الآخر فيطلق عليه اسم المهاق البصري. يعد المهاق البصري الجلدي الأكثر شيوعاً في العالم، ويمتد بآثاره ليشمل العينين والجلد والشعر، وغالباً ما يحدث نتيجة نقص في صبغة الميلانين في كل من الشعر والجلد والعيون. ينقسم المهاق البصري الجلدي إلى أربعة أنواع، ويحدث النوع الأول نتيجة خلل في المحفز البيولوجي الجزئي «التيروزينايز»، فإما أن يعاني الشخص المصاب غياباً تاماً في مادة الميلانين الموجودة في الشعر والجلد والعيون، أو قد يعاني إنتاجاًَ قليلاً لمادة الميلانين، والتي قد تنقص تدريجياً مع تقدم العمر.
أما النوع الثاني، فيعد الأكثر شيوعاً في كل من الصحراء الكبرى والأمريكيين من أصل إفريقي، إضافة إلى مناطق جنوب إفريقيا وعرقية الهنود الحمر. غالباً ما يحدث المهاق نتيجة عيب وراثي في الجين الأزرق (p) على الصبغيx، ليقلل بذلك نسبة التلوين، فيظهر على جلد العديد من المرضى بالمهاق الجلدي البصري من النوع الثاني، والذي يتمثل في النمش والشامات مع زيادة السن، كما يكون لدى المصابين بالمرض نفس العلامات بالعين الموجودة بالنوع الأول.
يعرف النوع الثالث بالمهاق البني أو بمهق روفوس «Rufous»، ويصيب أصحاب البشراء الداكنة على وجه التحديد، فيكثر في جنوب إفريقيا؛ حيث يكون لدى هؤلاء الأشخاص جلد بني وشعر محمر وعيون بنية أو عسلية. يعود سبب الإصابة بهذا النوع من المهاق لخلل يعرف بخلل جين TYRP1. أما النوع الرابع فيحدث نتيجة خلل في بروتين ناقل يؤدي إلى إنتاج الحد الأدنى من مادة الميلانين، وغالباً ما يكون منتشراً بكثرة في اليابان، ويشبه إلى حد كبير النوع الثاني من المهاق الجلدي البصري.

* المهاق البصري

يعرف النوع الآخر من المرض بالمهاق البصري؛ حيث يصيب العينين فقط، وينطوي المهاق البصري على انعدام إنتاج مادة الميلانين على مستوى العينين، وقد تبدو القزحية شفافة لدرجة من الممكن أن تحدث انخفاضاً حاداً في البصر وترجرجاً اضطرارياً في الحدقة، وصعوبة السيطرة على حركة العين، وغالباً ما يكون الشعر والجلد بحالتيهما الطبيعية، مع العلم أن هذا النوع يصيب الذكور بشكل حصري. يأتي هذا النوع من المهاق؛ نتيجة طفرة جينية على الصبغ x، وقد يتطلب تشخيص هذا النوع من المهاق اختبارات جينية معقدة.
وقد يظهر المهاق بأشكال أقل انتشاراً وشيوعاً، فمتلازمة هيرمانسكي بودلاك، هي إحدى الأشكال النادرة للمهاق الذي يحدث نتيجة خلل جيني يطلق عليه اسم LYST، ويترافق مع اضطرابات نزفية في الرئة والأمعاء. تتشابه أعراض هذا النوع إلى حد كبير مع المهاق البصري الجلدي، ويترافق مع هذا النوع عدة أعراض، يتمثل أبرزها في النزيف خلال أيام الولادة، ويمر المريض خلال مراحله العمرية بأشكال مختلفة من النزيف، تتراوح بين الطفيف والمعتدل أثناء الطمث أو فترة النفاس أو خلع أحد الأسنان، أو في حالات الالتهاب القولوني، وقد يظهر النزيف على شكل كدمات أو رعاف أو نزيف في اللثة، وغالباً ما يكون الجهاز التنفسي هو المتضرر الأول، لتنتج عن ذلك أمراض رئوية خلال العقد الأول من العمر، فتتطور بشكل سريع، مخلفة اضطرابات جلية في سائر وظائف الجسم.
هنالك أنواع نادرة من مرض المهاق، يعرف إحداها باسم متلازمة شدياق هيجاشي، وهو النوع الذي غالباً ما يحدث نتيجة خلل في جين LYST، ورغم أن أعراضه تتشابه إلى حد كبير مع المهاق الجلدي البصري، إلا أنه لا يشمل جميع مناطق الجلد. وعادة ما يكون الشعر بنياً أو أشقر مع لمعة فضية، أما الجلد فيكون بلون خفيف أو رمادي. يعاني المصابون بهذه المتلازمة خللاً في خلايا الدم البيضاء، الأمر الذي يزيد من خطر الإصابة بالعدوى، فيحدث بذلك عدوى تنفسية خلال الأيام الأولى من الولادة، وتزداد حالة الإصابة بالعدوى بشكل متكرر مع تقدم المريض بالعمر، فتسرع مرحلة الإصابة بالأمراض، والتي غالباً ما تظهر في العقد الأول من عمر المريض.
أما النوع الأكثر ندرة من المرض فيعرف بمتلازمة غريسيلي، وهو اضطراب وراثي نادر للغاية، ويرجع ذلك إلى وجود خلل في أحد ثلاثة جينات، وعادة ما تترافق مع هذه المتلازمة أعراض لا تؤثر في الجسم بأكمله، مثل مشاكل الجهاز المناعي والمشاكل العصبية، وقد تحدث بعد الولادة بفترة بسيطة مشاكل صحية أبرزها نقص المناعة والخلل العصبي، وعادة ما ينتج عنها الموت خلال العقد الأول من العمر.

عوامل الخطورة والتشخيص

يعد المهاق اضطراباً وراثياً يكون في أغلب الأحيان موجوداً منذ الولادة، وتزداد فرص الإصابة بهذا الاضطراب إذا ما كان الآباء يحملون الجين المسبب له. تختلف الإجراءات التشخيصية باختلاف نوع المهاق، ففي متلازمة شدياق هيجاشي مثلاً، يتم التشخيص من خلال فحص عينة من الدم، والتي يتم التعرف من خلالها إلى الخلايا المتعادلة لكرات الدم البيضاء، والتي تحتوي على حبيبات السائل الخلوي، وقد تكون نتيجة التخطيط الكهربي للمخ والعضلات غير الطبيعية. وقد تكشف الفحوص المجهرية عن وجود أجسام صبغية ضخمة في النوع الأول من المهاق البصري الجلدي.
أما في متلازمة هيرمانكس بودلاك، فقد يتم اعتماد الفحوص المجهرية الإلكترونية؛ لمراقبة حبيبات دلتا والصفائح الدموية، ويتم تأكيد التشخيص في متلازمة جريسيلى؛ من خلال تقييم الوظيفة المناعية وإجراء أشعة مقطعية وأشعة رنين مغناطيسي، وقد يساعد هذا الإجراء في الكشف عن الخلل العصبي، فضلاً عن الاختبارات الجينية التي تعمل على كشف اضطرابات الجينات أو الجينات المتعلقة بالمهاق. وكذلك قد تشمل الإجراءات التشخيصية إجراء الفحوص؛ لاختبار حساسية العين للضوء، والتي قد تكشف بدورها عن المشاكل المتعلقة بالمهاق.

العلاج

لا يوجد علاج معين للمهاق، ولكن يمكن توجيهه من خلال اعتماد نمط حياة منظم يساعد المرضى على العناية بأنفسهم من حروق الشمس من خلال المتابعة المستمرة مع أطباء الجلد؛ للتأكد من سلامة جلودهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"