متلازمة الصدغ الفكي مرض شائع لا يفهمه العلماء

منذ اكثر من عام، والمدرسة البريطانية، بات كوين من جلاسكو تعاني من وجع مزمن ينبض في اذنها وحنجرتها، ونتيجة لذلك كانت تغيب في اجازات مرضية تمتد عدة اسابيع احيانا من شدة الألم.

وتتذكر بات (65 عاما) ما عانت منه قائلة كنت اشعر كأن شخصا ما يشد رباطا مطاطيا حول رقبتي، ورغم اني تناولت كميات هائلة من مسكنات الألم الا انها لم تفعل الا القليل.

فبعد ثلاثة اشهر من مراجعة الاطباء - الذين لم ينجحوا في تشخيص سبب الألم قابلت بات طبيب أسنان أعادها إلى الطبيب العام والذي حولها من طرفه إلى اخصائي أمراض أذن وأنف وحنجرة.

وتقول قال لي الاستشاري ان حنجرتي تبدو ملتهبة، لكنه لا يستطيع تحديد سبب لذلك.

وانتهى الامر بطلب اجازة مدتها سبعة اشهر، ومع نهاية عام من هذه المعاناة قابلت طبيب أسنان آخر شخص على الفور ما كانت تعاني منه: متلازمة ألم المفصل الصدغي الفكي والتي يختصرها اطباء الاسنان باسم TMD.

ومع ان القليل قد سمعوا عن هذه المتلازمة، الا انها حالة شائعة.

ويقول الخبراء ان 70% من البشر يعانون من هذه المشكلة في مرحلة ما، وهي تصيب النساء بنسبة اربعة اضعاف الرجال، وغالبا ما تحدث في عمر يتراوح بين 20 50 عاماً.

وعموما، لا يتم تشخيص العديد ممن يصابون بهذه المتلازمة، فالاعراض التي تظهر عليهم تصنف تحت الصداع، أو التهابات الأذن، أو مشاكل في الاسنان أو حتى مشاكل في الظهر.

ونتيجة ذلك يمكث هؤلاء أسابيع، وشهوراً أحياناً، أو مدداً اطول من ذلك وهم يصارعون الألم حتى يجدوا من يشخّص حالتهم بشكل صحيح، ويصبح علاج حالات عديدة منهم امراً هيناً وسهلاً بعد ذلك.

والمفصل الصدغي الفكي هو قرص غضروفي يصل الجمجمة بالفك السفلي أمام الأذن مباشرة على جانب الوجه. وهذا المفصل ليس ملتصقا بالجمجمة بشكل مباشر، لكنه موجود في مكانه بواسطة عضلة. ووظيفة هذا القرص الغضروفي هو امتصاص الصدمات.

اما مصطلح متلازمة TMD اختصاراً لاسمها بالانجليزية: Temporomandibular Joint Pain Dysfunction Syndrome، فهو يستخدم ليشمل عدة مشكلات تتعلق بالمفصل أو القرص الغضروفي او الانسجة المحيطة. ويمكن ان تسببها عدة عوامل. فمضغ اللبان بصورة مستمرة، والاصطكاك أو إطباق الاسنان، تسبب حدوث التهابات. وتقول البروفيسورة تارا رينتون، اخصائية الألم في معهد طب الاسنان بكلية لندن هذه هي اهم الاسباب الاكثر شيوعاً.

وتوضح بعض الناس تصطك اسنانهم ويطحنونها في الليل ولا يعون ذلك الا عندما يبدأ شعورهم بالألم أو يحدث تشنج الفكين في الصباح.

واضافت ان الضغط والاجهاد يجعل الناس اكثر عرضة للاصابة بذلك، فنرى ان حالات ألم المفصل الفكي الصدغي تزيد في اوقات الامتحانات، أو عندما يعاني الناس من الضغط في مكان العمل.

كما ان الاصابة بجرح بسيط، أو معالجة سنية مثل تركيب تاج أو عدة حشوات تبعد الفك قليلا عن مكانه، يمكن ان تسبب متلازمة TMD.

وبالمقابل، فان سوء تموضع الفك يمكن ان يسبب ازاحة للمفاصل الاخرى، وهو ما يسبب ألما في الرقبة والظهر.

ويقول طبيب الاسنان مالكولم ليفنكند بعض الآم متلازمة الصدغ الفكي يمكن ان يسببها الوقوف الخاطئ والذي يؤثر بشكل غير ملحوظ في وضعية مفصل الفك.

اما الدكتور روي هيجسون رئيس الجمعية البريطانية لدراسات اطباق الاسنان فيرى ان سوء الاطباق أي عندما لا ينطبق الصف الاعلى من الاسنان على الصف الاسفل منها بصورة طبيعية يمكن ان يسبب ألم المفصل الصدغي الفكي. والإطباق يعني إطباق سطح العضتين في الجزء الخلفي من الاسنان، إلا ان بعض الاطباء لا يتفقون مع ذلك.

سوء التموضع

ولكن مهما كان السبب، فان النتيجة النهائية هي نفسها: ألم موجع جداً.

وما يجعل التشخيص صعبا هو ان الألم غالبا ما يكون متصلاً ببعضه، فالعديد من الناس يعانون من الصداع، وألم الأذن، وألم الرقبة، وألم يمتد من ثنايا الكتف إلى اسفل الظهر.

كما يمكن لمتلازمة الألم الصدغي الفكي ان تسبب ألما في العينين نظرا لان العضلة القريبة من الفك متصلة بعصب يقع خلف العين.

ولذلك، غالباً ما يساء تشخيص TMD كما يقول البروفيسور رينتون.

ويضيف يذهب الناس إلى الطبيب يشكون من ألم في الاذن أو من صداع، ولا يرى الطبيب شيئا غير عادي، لذلك يتخلص من المريض أو ينصحه بمراجعة طبيب اسنان، وفي النهاية، قد يتم تحويله إلى اخصائي اذن وانف وحنجرة، فيكتشف على الفور ان مشكلة المريض سببها الفك. غير ان المريض ربما يمر على عشرة أو 15 اخصائيا من دون ان يجد هذا الذي يستطيع اكتشاف المشكلة سريعا ويخلصه من آلامه.

ويقول الدكتور هيجسون ان اطباء الاسنان هم اول من يراجعهم المريض، لكن الكثير منهم قد لا يستطيعون التعرف إلى الحالة.

ووضح قائلا رغم الألم الذي يمكن ان تسببه متلازمة TMD، ومدى شيوعها بين الناس، الا ان بعض اطباء الاسنان لم يتلقوا التدريب الكافي لتشخيص هذا المرض وعلاجه.

ويضيف ان التشخيص الصحيح هو أمر حيوي لكنه صعب ايضا، فالمرضى يمكن ان يسمعوا أن مصدر آلامهم ياتي من عدة اسباب، حتى الاسباب النفسية، وبعضهم ممن يشكون من ألم في الاسنان، قد تخلع اسنانهم من دون داع لذلك طالما ان طبيب الاسنان لا يعرف ان مصدر الألم موجود في عضلة الفك. وتقول هيثر والاس رئيسة مؤسسة الاهتمام بالألم الخيرية نتلقى الكثير من الاتصالات عن متلازمة TMD، خاصة من اولئك الذين عالجوا اسنانهم أو خلعوا بعضها لتخفيف الألم في فكهم، لكن بدلا من ان يشعروا بالتحسن، ازدادت حالتهم سوءاً.

وتضيف تلقينا اتصالا من امرأة قامت على فترات بنصيحة من طبيب اسنانها بازالة كل اسنانها رغم انها كانت سليمة كلها في محاولة لوقف ألم فكها الذي كانت تعاني منه الامرين.. وبعد كل ذلك.. أصبحت أكثر ألماً.

اما الجيد في الأمر فهو انه ما ان يتم التشخيص الصحيح حتى تعالج الحالة. ويوضح البروفيسور رينتون قائلا ان نحو 90% من الحالات يمكن علاجها بخطوات بسيطة، مثل التوقف عن مضع اللبان أو استخدام واقيات لعضات الاسنان لمنع اصطكاكها وتطاحنها أو قوة اطباقها على بعضها، وبالتالي اراحة عضلات المنطقة.

ويضيف بعض الناس يتناولون ايضا مسكنات مضادة للالتهابات أو ادوية متوسطة ضد الكآبة والتي تساعد على ارتخاء العضلات.

قابلية العلاج

ويقول الدكتور هيجسون ان المهم اختيار واقية العض المناسبة، مشيراً إلى ان الواقيات الناعمة، مثل التي تشترى من الرف، تصبح طرية بالماء، وعندما يتم ادخالها تحتاج إلى تكييف مع شكل الفم، ومثل هذه الواقيات لا تنفع مقارنة بالجسور الصلبة التي يصممها طبيب الاسنان حسب مقاسات الاسنان.

وقد عانت احدى النساء من هذا المرض، ووجدت في تقنية بوين التي تعتمد على التدليك والمساج علاجا مناسبا.

وكانت المرأة وتدعى جين كرولي (44 عاما) وهي ربة منزل قد افاقت ذات صباح وهي غير قادرة على فتح فمها من دون الشعور بألم شديد.

وتقول على مقياس واحد من عشرة، كانت درجة الألم ثماني درجات، ولذلك تعطل كل شيء عندي بسبب الألم الشديد.

وتضيف كل ما اعطاني اياه طبيب الاسنان هو نشرة عن ألم TMD فقط، ثم اراني باب الخروج من عيادته.

وللتغلب على يأسها، ذهبت جين في فبراير/شباط الماضي إلى طبيب ممارس يعالج داء بوين، واثناء ذلك كان الألم قد وصل إلى رقبتها وكتفها.

وتقول جربت جسور الاسنان في الليل، لكنها لم تنفع، ثم قرأت في الانترنت ان المصابين بمتلازمة TMD وجدوا في تقنية بوين ما خفف أوجاعهم، لذلك فكرت في تطبيقها.

وتكمل ذكرول ان هذا العلاج يساعد على اعادة ترتيب العضلات، ويعيدها إلى موضعها الصحيح عن طريق مسّاجة دائرية ناعمة تمرر على الخد. ومن اول جلسة استطعت ان افتح فمي واسعا لتناول قطعة من الكيك. وتضيف لم اصدق ذلك، فقد كنت اتلقى العلاج كل ليلة من ثلاثة اشهر قبل ذلك، ويومها شعرت بأني افضل تماماً. ويقوم بعض اطباء الاسنان حاليا بالعمل مع اخصائيين في العضلات وتجبير المفاصل ومقومي العظام لعلاج طبيعي. ويقول الدكتور لفكيند كطبيب اسنان يمكنني اعطاء المريض جسرا لمساعدة فكه، لكن بالعمل مع مقوم العظام الذي يستطيع تحسين وقفة المريض يمكننا حل مشكلة ألم الظهر أيضاً.

ويرى فريدي لوثر، المحاضر الرئيسي واستشاري تقويم العظام الزائر في جامعة ليدز البريطانية ان العلماء لا يفهمون متلازمة TMD تماماً.

ويقول هناك كثير من التبسيط حول هذه المتلازمة، لكننا لا نعرف لماذا يطبق بعض الناس بقوة على اسنانهم فتحدث لديهم هذه المتلازمة، بينما لا يحدث ذلك مغ غيرهم. واضاف اننا لا نفهم حقا لماذا تصاب النساء بهذه المتلازمة اكثر من الرجال، لكنه رجح ان يكون للهرمونات دور في ذلك، فبينما يصاب البعض بالصداع، فإن البعض الآخر يصاب بمتلازمة TMD.

وبالنسبة لمشكلة المدرسة بات كوين فقد حلت اخيرا بحبوب ترخي العضلات وجسر مطابق للاسنان لوقف عملية اصطكاك اسنانها.

وقالت صرت أفضل حالاً خلال اسبوع وانا جيدة منذ ذلك الوقت.. كان الشعور بالارتياح فوق ما كنت اتصور. قد تحدث الآم الاذن أو الظهر أو الصداع بسبب متلازمة الصدغ الفكي وهو المفصل الذي يوصل الجمجمة بالفك السفلي على جانب الوجه.