الإمارات توجه بوصلة التعليم من «تطوير العلوم» إلى «تصدير المعرفة»

حتمية تفرضها متغيرات المستقبل المتسارعة
02:21 صباحا
قراءة 14 دقيقة
تحقيق: محمد إبراهيم

التعليم ركيزة أساسية للمجتمعات في بناء أجيال قادرة على مجابهة تحديات المستقبل، ويعتبره المحللون والخبراء، المحرك الرئيسي في اقتصادات الدول «نهضتها» و«نكستها»، فتطويره ضرورة حتمية تفرضها المتغيرات المتسارعة في المجالات كافة.
وفي وقت تعد المعرفة مصدراً رئيسياً للنمو المستدام، ودعامة أساسية لتقدم الأمم وازدهارها، وبناء المجتمعات المتسلحة بقوة العلم، ومصدراً للثروات التي لا تنفد، ويشكل هذا أهمية الحراك نحو إقامة اقتصاد فاعل، قوامه التطوير المستدام للتعليم، وسلاحه إنتاج المعرفة وتصدير العلوم.
ولعل خطاب سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي رئيس مجلس التعليم والموارد البشرية، أمام القمة العالمية للحكومات السادسة، كشف عن حقائق حول إنجازات التعليم حالياً، وما نحتاج إليه في المستقبل لتدخل الإمارات سباق التنافسية العالمية في مجالات إنتاج المعرفة، ومواكبة المتغيرات التي طالت المجالات كافة.
ومحاور الخطاب ركزت على التعليم، وأهمية التطوير لبناء أجيال تعي المنافسة المستدامة لتحقيق الريادة، فجاءت رسالة سموه ترسم مسارات جديدة، استندت في مضمونها إلى «التعليم في الطفولة المبكرة، والتطوير لرفع تنافسية الطالب الإماراتي عالمياً، والاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، وتشجيع التعليم المستمر»، للانتقال بالإمارات من مرحلة «تطوير العلوم» إلى «إنتاج المعارف وتصديرها»، وتحقيق القفزة الاستثنائية التي نحتاج إليها.
وعلى الرغم من احتياجاتنا لمزيد من الجهد للخروج من حيز «التطوير» إلى «الإنتاج والتنافسية»، إلا أننا لا ننكر أهمية دور وزارة التربية والتعليم، في تبنى مسارات متنوعة، ركزت على الابتكار والإبداع، وتشييد المدرسة الإماراتية التي باتت واقعاً يحاكي النظم العالمية، والبيئة المدرسية التي أصبحت مصانع لإنتاج عقول الإبداع والتميز، وتدعم قدرة الطلبة على البحث والتحليل والتفكير الناقد.
ولكن مع قدوم «الثورة الصناعية الرابعة، وتنامي مسارات الذكاء الاصطناعي، وطغيان عصر الآلة، الذي يفرز نوعية جديدة من المنافسة في المجتمعات، ووظائف المستقبل»، التي لم نعلم ماهيتها بعد، يفرض أهمية القفزة الاستثنائية، لمواكبة تلك الوقائع التي تدعو بمزيد من الدراسة والتحليل، لاسيما أنها تحدد نوعية الأجيال المقبلة، وتضع مواصفات لمخرجات التعليم في المستقبل، وترسم مساقات جديدة لتخصصات الجامعات، وفقاً لاحتياجات سوق العمل، الذي سيطيح بوظائف ويستقطب أخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، يركز على كيفية الانتقال من مرحلة «تطوير العلوم» إلى «الإنتاج وتصدير المعرفة»؟، وهذا بيت القصيد.
«الخليج» تناقش مع الخبراء ورؤساء الجامعات والتربويين، سبل تحقيق القفزة الاستثنائية التي تحمل نظامنا التعليمي إلى التنافسية العالمية في المعرفة واقتصادها، ولماذا التركيز على تلك المحاور الأربعة تحديداً وكيف تنعكس على المخرجات والأجيال في المستقبل؟

التطوير المستدام

البداية كانت مع حسين بن إبراهيم الحمادي وزير التربية والتعليم، الذي أكد أن التعليم ركيزة أساسية للثورة الصناعية الرابعة، تركز أهدافه على التطوير المستدام، لبلورة تجربة رائدة وديناميكية، تسهم في الارتقاء بالمخرجات، وتلبية المتطلبات الجديدة لتلك الثورة، من خلال التركيز على العلوم والتقنيات المتقدمة والابتكار والذكاء الاصطناعي.
وقال إن المدرسة الإماراتية دخلت فعلياً مجال التنافسية العالمية، إذ باتت قادرة على مواكبة التطلعات، وتعليمها نوعي يكسب المهارات الحديثة للطلبة، ويدعم الجهود الوطنية في التحول إلى اقتصاد المعرفة، وتتيح للطلبة المنافسة والتفوق على أقرانهم على مستوى العالم، فعملية التطوير مستمرة لا تتوقف، والمبادرات النوعية والسياسات الداعمة لمنظومة التعليم «مستدامة»، والعام المقبل سيشهد انطلاقات جديدة في مختلف الاتجاهات، فمنظومة المدرسة الإماراتية مطورة سنوياً، وتحديث الكتب يتم في كل فصل دراسي.

إنتاج المعرفة

وفي شرحه لما تركز عليه وزارة التربية في المرحلة المقبلة، أكد أن التطوير المستدام ركيزة أساسية في عمل الوزارة، لتصبح المدرسة الإماراتية حاضنة للإبداع والابتكار واكتساب الطلبة مهارات القرن 21، وركيزة في تحول الدولة نحو مجتمع اقتصاد المعرفة المستدام، لتواكب طموحات الدولة ورؤيتها التنموية، فضلاً عن تتويج مئوية الإمارات بأجيال متسلحة بالعلم وإنتاج المعرفة.
وفي وقفته مع المناهج، قال إن تطويرها واستحداثها عملية مستمرة، لمواكبة كافة المهارات والمستجدات المستقبلية التي تكشف عنها المتغيرات المتسارعة عالمياً في المجالات كافة، موضحاً أن العمل حالياً يركز على مواءمة المواد بشكل أفقي للمراحل الدراسية كافة، لضمان تكامل المهارات والمحتوى وتعزيزهما وترسيخهما، فضلاً عن استحداث مواد اختيارية لتوسيع آفاق الطلبة وتلبية ميولهم، وهذا بالطبع يجري مع التطوير الطبيعي للمناهج الحالية بما يضمن مواكبتها للعديد من الأبحاث مع الأخذ بعين الاعتبار، التغذية الراجعة من الميدان.
وأكد أهمية التركيز على قدرة المعلم، على تبني فكر عصري يرسخ للتعلم مدى الحياة، وكيفية أن يكون مبتكراً وملهماً للطالب لمنحه القدرة على اكتساب المعرفة وتوظيفها بالشكل الأمثل، لجعل المدرسة منطلقاً للتعلم المستمر مدى الحياة، مشيراً إلى أن سمو الشيخ عبد الله بن زايد، صاغ بخطابه منهجية عمل ملهمة ومتطورة لتحقيق تعليم فعال، إذ يعد وثيقة تعليمية تاريخية برؤية مستقبلية واضحة.

اﻷطر التطويرية

وترى جميلة بنت سالم مصبح المهيري، وزيرة دولة لشؤون التعليم العام، أهمية صياغة اﻷطر التطويرية المستقبلية للتعليم، وتركيزها على الطالب، فينبغي وضع اﻷسس التي تدعم نموه ذهنياً وفكرياً ومعرفياً وقيمياً، فضلاً عن غرس المسؤولية بداخله حتى يتمكن من القدرة على التخطيط السليم للمستقبل، مشددة على أهمية وضع الخطط التعليمية المستقبلية التي يجب أن تضمن للطالب فرصاً نوعية للتعلم والالتحاق بتخصصات جامعية يتطلبها سوق العمل في المستقبل.
وذكرت أن الوزارة تركز على رسم خريطة مستقبل التعليم للفترة المقبلة، مؤكدة القدرة على تحقيق القفزة الاستثنائية من خلال أفكار ورؤى ومبادرات تعزز من توجهات الدولة في تحقيق تعليم من الطراز الرفيع، مشيرة إلى أهمية تقييم PISA، نظراً لأنه يدخل ضمن قائمة الأجندة الوطنية، التي ترسم ملامح مستقبل الدولة، وتضع الخطوط العريضة للمستهدفات العامة، ومن ضمنها أن تكون الدولة ضمن أفضل 20 دولة على مستوى العالم في هذا التقييم بحلول عام 2021.
وأفادت أن تقييم PISA، غير مرتبط بمنهج دراسي محدد، كون طبيعته تركز على قياس جاهزية الطلبة، ومدى فعاليتهم في الحياة العملية من خلال اكتساب مهارات حياتية عديدة، منها مهارات التفكير العليا، فضلاً عن قدراتهم على تطبيقها ضمن سيناريوهات الحياة المتنوعة ليصبحوا عناصر فاعلة في المجتمع.
وشددت على أن الإمارات مصممة على بلوغ الأهداف الموضوعة لحصد مركز متقدم في تقييم PISA، وفق رؤية الدولة 2021، لتكون ضمن أفضل 20 دولة عالمياً، وبالعمل والتخطيط والمتابعة يمكننا تجاوز العقبات، وصولاً إلى تحقيق نتيجة مرضية وملبية للطموحات.
وأوضحت أن الوزارة اتخذت عدداً من الخطوات الداعمة للجهود، ووضعت أهدافاً فردية لكل مدرسة في الدورات المقبلة في التقييم، وإصدار تقارير مدرسية ذكية تؤهل المدارس لتحليل نتائجها في التقييم، وتنفيذ برنامج تدريبي شامل لجميع المدارس في الدولة لتحسين الأداء المدرسي، موضحة أنه لا يفصلنا في تقييم TIMSS سوى دورة واحدة فقط، ستنطلق في العام 2019 لتحقيق الأجندة الدولية المتمثلة بأن تكون الدولة ضمن قائمة أفضل 15 دولة في هذا التقييم.

زخم معرفي

وفي وقفة معه، أكد الدكتور أحمد بالهول الفلاسي وزير دولة لشؤون التعليم العالي والمهارات المتقدمة، أن عصر الاقتصاد المعرفي يتطلب مهارات وزخماً معرفياً متنوعاً في شتى المناحي والمجالات، موضحاً أن منظومة التعليم العالي، تركز في المرحلة المقبلة على توحيد آليات العمل بين التعليم الجامعي الحكومي والخاص، داخل وخارج المناطق الحرة، لاسيما بعد إضافة دائرة التعليم والمعرفة بأبوظبي، وهيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي، إلى مجلس التعليم والموارد البشرية، الذي يترأسه سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، لردم أي فجوة موجودة بين مسارات التعليم العالي ومؤسساته سواء أكان حكومياً أم خاصاً.
وقال إن وظائف المستقبل أصبحت متداخلة، في عصر الفضاء والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي، فلم يعد هناك تخصص واحد فقط يؤدي إلى عمل معين، ومن ثم فإن معظم الوظائف المستقبلية تحتاج إلى ما نسميه تعدد التخصصات، وبالتالي بما أن هذه الوظائف تحتاج إلى تخصصات كثيرة، أصبح من الضروري أن يكون هناك توافق وترابط أكثر بين الحقائب الوزارية الموجودة، خصوصاً بعد إطلاق مبادرة الثورة الصناعية x لتأهيل الطلبة للمستقبل من ناحية البرمجية.

مراجعة التخصصات

وأشار إلى أنه أصبح لأول مرة، المجال مفتوحاً أمام جميع العلماء داخل الدولة، سواء من المواطنين أو المقيمين لاستخدام المختبرات المتوافرة بالجامعات داخل الدولة، فضلاً عن التركيز على فتح المجال أمام جميع العلماء للاستفادة من أجهزة جامعاتنا ووسائل البحث بها، مؤكداً أن هناك لجنة لمراجعة التخصصات الأكاديمية التي تدرسها الجامعات الحكومية والخاصة في الدولة، ومن المتوقع في منتصف العام الجاري تحديد التخصصات المطلوبة التي يجب تدريسها.
وأوضح أن الوزارة تركز منذ العام الماضي، على دراسة وتقييم جميع التخصصات الموجودة في الجامعات الاتحادية أو الجامعات الخاصة، إذ إن ما نشهده اليوم من تطور على جميع الصعد يتطلب إعادة النظر في جميع البرامج الموجودة، لتحديد ما يفي منها بالغرض، ويلبي احتياجات الدولة حالياً ومستقبلاً، وتحديد إذا ما كان الأمر يتطلب إضافة برامج جديدة من عدمه.
وأكد أن عملية التقييم تشمل رصد البرامج الأكاديمية المتوفرة كافة، وتحديد حاجة سوق العمل، وبناءً على الدراسة، تتضح الأعداد التي يحتاج إليها سوق العمل، من كل برنامج، وهنا ينبغي الالتفات إلى الطلب لتحديد ما يتم تقديمه من برامج، موضحاً أهمية التركيز على النوعية عند إضافة جامعات جديدة، لمعرفة ماذا ستضيف هذه الجامعة الجديدة لسوق العمل الإماراتي، والوقوف على مدى جودة برامجها، والتخصصات المطلوبة.

مواكبة المستقبل

في إطار مواكبة تطورات المستقبل ومساراته، أطلقت وزارة التربية والتعليم برنامج الثورة الصناعية( X IR-X ) الأول من نوعه في المنطقة، لتمكين مواطني الدولة بالمعرفة والمهارات والخبرات العملية اللازمة، لمواكبة التطورات العالمية العلمية والتكنولوجية الحديثة، وتم إطلاق البرنامج مؤخراً تزامناً مع شهر الابتكار.

رؤية الجيل الثاني

قال الدكتور عبد اللطيف الشامسي مدير مجمع كليات التقنية العليا، إن المحاور التي تضمنها خطاب سمو الشيخ عبد الله بن زايد، تتماشى مع رؤية الجيل الثاني لكليات التقنية العليا من ناحية التركيز على القطاع الخاص وتهيئة الطلبة للعمل والمنافسة فيه، لذلك حددنا ضمن الاستراتيجية الجديدة أن يلتحق 50 في المئة من الخريجين بالقطاع الخاص في 2021، فضلاً عن أن فتح الباب لبرامج التدريب العملي في القطاع الخاص، يلعب دوراً كبيراً في تزويد الطلاب بمخرجات تلبي متطلبات سوق العمل.

المهارات المستقبلية

تركز استراتيجية التعليم العالي2030، على المخرجات ونوعية التعليم وكيفية مواكبة المتغيرات وإعداد الخريجين وكيف تكون المهارات المستقبلية جزءاً لا يتجزأ من المناهج التعليمية، مع ضرورة أن تكون المؤسسات الأكاديمية مبادِرة في هذا الإطار.
وأكد أن هذا تحدٍّ كبير، ليس في دولة الإمارات فحسب، وإنما على مستوى العالم لوضع آلية عمل واضحة لإدخال تلك المهارات وتطبيقها.

اختفاء 74% من الوظائف

يتوقع كلاوس شواب مؤسس ورئيس المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، اختفاء 74% من الوظائف مستقبلاً، بسبب الطفرات الكبيرة للذكاء الاصطناعي، وحالة الدمج التي تنتج عنه لكثير من الوظائف، معتبراً أن الذكاء الاصطناعي قفزة جديدة في مستقبل البشرية، ورغم المواقف المختلفة من تأثيره على إنسان المستقبل، إلاّ أنه يبقى مثل كثير من الأدوات التي طوعتها البشرية لتوصلها إلى ما هي عليه الآن.

10 ملايين وظيفة جديدة 2020

تشير توقعات الخبراء إلى أن الذكاء الاصطناعي، يخلق نحو 10 ملايين وظيفة جديدة بحلول 2020، لكنه سيدفع إلى اختفاء ملايين الوظائف، وعل الرغم من ذلك فإن منطق العلم في عصر الذكاء الاصطناعي يتّسم بالشمولية، فلا يفتح باباً ليغلق نافذة، وأشد الأفكار طموحاً لا تقدّم تصوراً علمياً لمستقبل يَخرُج فيه الإنسان من الخدمة. العنصر البشري يبقى عماد كل شيء، بما في ذلك العلم، وكل ما ينتجه من مخترعات تخدم البشرية وتعود على أجيالها القادمة بالنفع.

اختبارات وطنية

تجري الاختبارات الوطنية «إم سات» التي تم استحداثها كاختبار وطني، يقيس مهارات الطلبة استعداداً للمرحلة الجامعية، على نطاق واسع في المدارس الحكومية للصفوف «الرابع والسادس والثامن والعاشر» في ثلاث مواد «الإنجليزية والعلوم والرياضيات»، وستستمر للصف الثاني عشر، إذ تقدم للمعنيين فرصة مهمة لمتابعة أداء الطلبة.

تعليم الأطفال.. استثمار في علماء المستقبل

جاءت الطفولة المبكرة أحد محاور القفزة الاستثنائية، لدخول تعليم الإمارات إلى التنافسية العالمية؛ إذ تعد تلك مرحلة من أخصب وأهم المراحل في حياة الإنسان، حيث إنها جوهرية وتأسيسية، وفيها يتم نمو اللغة والعاطفة والعلاقات الاجتماعية ويسهل فيها توظيف مهارات واتجاهات وتفكير الطفل.
ويرى الخبير التربوي الدكتور وافي الحاج، أن التحاق الطفل بالروضة، يشكل رافداً مهماً لعملية نموه من خلال ما يقدم له من أنشطة وخبرات، وما يوفر له من إمكانات تتلاءم مع حاجاته وخصائصه، ومن استطاع تأهيل وتعليم طفل في سن مبكرة؛ استطاع أن يستثمر في عالِم مستقبلاً، معتبراً أن تلك المرحلة من أهم مرتكزات مخرجات التعليم المستقبلي.
وأكد أن مرحلة الطفولة المبكرة ركيزة أساسية لباقي المراحل، والاهتمام بتطويرها وكافة محتوياتها يدفع نحو تشكيل عقول الأجيال بحسب متطلبات المستقبل بشتى مجالاته، لذلك ينبغي أن تكون عملية التطوير مستدامة، تواكب المتغيرات الحديثة في التعليم، لاسيما لأبناء تلك المرحلة.
وأكد أهمية التركيز على تطوير المناهج لرفع أداء الطلبة بما يتماشى مع المستجدات العالمية في التعليم، ويحاكي في الوقت ذاته مجتمع المعرفة، وتطوير المعلمين وأدائهم المهني من خلال تدريب مستمر متنامٍ وفقاً لما يشهده من مستجدات، لمواكبة الحراك العالمي في مهنة التدريس، معتبراً أن معلمات الرياض أهم الفئات في المدارس، إذ يتعاملن مع أطفال في مرحلة تطوير مهمة، ينبغي دخولهن في خطة تطويرية مستمرة وخاصة، تختلف في مضمونها عن تلك الشائعة بين معلمي المراحل الأخرى، فالتطوير والتنمية المهنية المستمرة، توفر ظروفاً ومواقف تعلم مناسبة لهؤلاء الأطفال.
وأفاد بأن المعلم هو النقال الرسمي الصحيح للمعلومات إلى الطلبة، وفق مستجدات عملية التعليم والتعلم، فضلاً عن توفير بيئة جاذبة آمنة نستطيع من خلالها ترجمة الواقع المعرفي لأبنائنا الطلبة، ونبلور مجموعة الأهداف التي يجري من أجلها التطوير.
وأوضح أن وزارة التربية وضعت خطة متكاملة لتطوير تلك المرحلة، تماشياً مع الانفتاح الاجتماعي، باعتبارها حلقة وصل بين البيت والمدرسة والركيزة الأساسية، لباقي المراحل الدراسية في حياة الطالب، مؤكداً أن الآلية الجديدة لتقييم التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، وإدخال برنامج التنمية اللغوية، والعمل على تسريع عملية التطوير، وإعادة تنظيم البرنامج اليومي لها، يسهم بإيجابية على إنتاج ثمار نوعية في المرحلة المقبلة، مؤكداً أهمية تدريب إداريات ومعلمات ومشرفات رياض الأطفال لتمكنهن من الاكتشاف المبكر للأطفال ذوي الإعاقة ورعايتهم بالشكل الأمثل، وإدخال معلمات ضمن مبادرة ترخيص مهنة التعليم، لتحفيزهن على التنمية الذاتية المستمرة.

التقييمات الدولية تقيس واقع التعليم

يؤكد خبراء المعرفة، أن التطوير المستدام في التعليم، يفرز أجيالاً قادرة على التنافسية العالمية، ويستندون في هذا الشأن إلى الاختبارات الدولية التي لا تنتمي لمنهاج بعينه، بل يركز محتواها على قياس مهارات الطالب العلمية والفكرية والتعليمية.
يقول الخبير الدكتور عبد الله مصطفى: إذا أردنا أن ينافس أبناؤنا في المدارس على المستوى العالمي في التعليم، فعلينا إعدادهم وفق مهارات الاختبارات الدولية، فمن خلالها نستطيع أن نحكم على جودة تعليمنا ومحتوياته ومخرجاته، ونتعرف إلى مكاننا في قائمة التعليم عالمياً.
وأعتبر أن التقييمات الدولية أداة مهمة في تقييم التعلم المستمر، إذ تركز على تقييم مهارات الطلبة في تطبيق المعرفة، فضلاً عن تقديم نتائج دراسية واقعية، مما يجعلها مقياساً ومؤشراً مهماً في الأداء وسبل تجويد التعليم، وتزويد المعنيين بمعلومات حول جودة التعليم في الدولة، واتخاذ قرارات التطوير المناسبة، ووضع النظم والآليات لقياس القدرات والمهارات، من خلال مقارنة أداء الطلبة بنظرائهم على المستوى العالمي في مواد مختلفة، فضلاً عن تزويد معدي المناهج بمعلومات حول التغييرات المطلوبة في المناهج الدراسية وتطويرها.
وأكد أهمية وجود خطة مستدامة تستهدف تحسين نتائج أداء الطلبة في اختبارات «بيسا PISA» و«تيمز TIMSS»، فضلاً عن برنامج تدريبي مستمر، يمتلك نفس سمات وخصائص الأسئلة الامتحانية لهذا النوع من الاختبارات، وفقاً لأبحاث ودراسات ونتائج المشاركات السابقة للمدارس.
وقال إن تحقيق القفزة الاستثنائية في المؤشرات العالمية الخاصة بالتعليم، ليس بالأمر اليسير، ولكنه ليس مستحيلاً، لاسيما إذا تم تعزيز طرائق التعلّم التفاعلي، والتطوير المستمر لمعايير المناهج لمواكبة الاحتياجات والإمكانيات الفردية، والتطوير المهني المستمر للمنسقين والمدرّسين، وزيادة مصادر التعلّم وتنويعها، وترسيخ ثقافة التعلم مدى الحياة، وإشراك أولياء الأمور في وضع استراتيجيات التعليم واتخاذ القرار، وتعزيز الدافعية لدى الطلبة، فضلاً عن غرس روح التنافسية في المجتمع الطلابي ليدركوا أهمية هذا السباق، وكيف يعزز مكانة وطنهم عالمياً في مجال المعرفة.
وأوصى الخبير الدكتور عبد الله مصطفى، بأهمية تنظيم دورات تطويرية لمدربي التقييم الرئيسيين والمنسقين في المرحلة المقبلة، لتشارك فيها المدارس الحكومية والخاصة، ويتم خلالها استعراض أفضل ممارسات التقييم والتركيز على مواءمتها محلياً وعالمياً، فضلاً عن وضع تطبيق ممارسات تتماشى مع أفضل الممارسات الدولية في مجال التقييم، وإقامة أنشطة تتوافق مع برنامج التقييم الدولي، الذي يهدف إلى الارتقاء بمستوى جودة المخرجات والنظم التعليمية.
وأكد أهمية ابتكار مسابقة، تحاكي في مضمونها الاختبارات الدولية، يراعى فيها الجدية والشفافية.

استراتيجية التعليم العالي حاضنة العباقرة

احتل التعليم العالي والبحث العلمي أهمية خاصة، حيث تم طرح ثلاث مبادرات ركزت على المعايير الوطنية لضمان جودة البرامج، وإطلاق نظام مركزي حول بيانات مؤسسات التعليم العالي في الدولة، وتقديم تمويل تنافسي للأبحاث الوطنية، ولكن لماذا التركيز على الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي؟.
في إجابته عن هذا السؤال أكد الدكتور نور الدين عطاطرة المدير المفوض لجامعة الفلاح، أهمية تلك الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي 2030، إذ تركز على تزويد الطلبة بالمهارات الفنية والعملية لدفع عجلة الاقتصاد في القطاعين الحكومي والخاص، وتخريج أجيال من المتخصصين والمحترفين في القطاعات الحيوية، ليكونوا ركيزة رئيسية في بناء اقتصاد معرفي، ويشاركون بفاعلية في مسارات الأبحاث وريادة الأعمال وسوق العمل.
وقال في قراءته للاستراتيجية، إنها تضم 4 ركائز رئيسية، تحاكي الأولى «الجودة» لدعم مؤسسات التعليم العالي للتنافس عالمياً من خلال تطبيق معايير اعتماد عالية الجودة، وتوفير حوافز للمؤسسات، وتأهيل هيئة تدريس مميزة، وتركز الثانية على «الكفاءة»، بهدف الوصول إلى مؤسسات تعليم عالٍ ذات إنتاجية عالية، ومعدل استكمال عالٍ للطلبة، وبرامج أكاديمية متكاملة مدعومة بآليات تمويل فعالة.
أما الركيزة الثالثة فاختارت «الابتكار» سبيلاً، لتطوير بيئة محفزة للبحث العلمي تؤهل وتستقطب أفضل الباحثين، وتوفر تمويلاً تنافسياً يركز على تحقيق نتائج بحثية مؤثرة تساهم في رفد اقتصاد معرفي، وتتمثل الرابعة في «المواءمة»، لإعداد جيل من الخريجين مؤهل للتنافس في سوق العمل بقطاعيه العام والخاص، من خلال بناء الشراكات مع القطاع الخاص في جميع مراحل التعليم العالي، وتصميم وطرح البرامج والتدريب، معتبراً أن تلك الركائز مسارات نوعية لتحقيق القفزة.
وأضاف أن الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي، تضم أكثر من 33 مبادرة أساسية، تشمل مبادرة لإطار الجودة الوطني: وتهدف إلى تطوير معايير وطنية مرنة وقادرة على فهم الاحتياجات المحلية والنماذج البديلة، مع وضع نظام فعال لضبط الجودة وشفافية تصنيف المخرجات، وإطلاق مجلس للقطاع الخاص: يهدف إلى تنظيم مساهمة سوق العمل، وتحديد احتياجات التوظيف، وتصميم الخبرات المهنية المتميزة، وتوفير الدعم للأبحاث، ومبادرة الاستثمار في المعرفة، وتهدف إلى مضاعفة أعداد طلبة الدكتوراه ثلاث مرات من خلال زيادة دعم تمويل الدراسات العليا، وتعزيز جاذبية التعليم العالي وربطه بإمكانية الحصول على فرص عمل أفضل.
وتركز مبادرة التمويل البحثي التنافسي على تأسيس منصة لتوفير التمويل اللازم للأبحاث ضمن القطاعات الحيوية، وتحفيز التعاون بين مؤسسات التعليم العالي والقطاع الخاص، في وقت تعمل مبادرة التحليلات على تحسين معدلات استكمال الدراسة بين الطلبة من خلال تتبع المسارات الأكاديمية لهم، والتعامل مع المعرضين منهم لإمكانية الانسحاب من الدراسة.

التعليم المستمر.. معارف متجددة مدى الحياة

لا شك أن التعليم المستمر، بات ركيزة أساسية في معظم دول العالم، إذ يعتبره الخبراء، معارف متجددة مدى الحياة، يؤثر في المجتمع وأفراده ومؤسساته، ولا يقتصر على مرحلة عمرية بعينها، ويعمل دائماً خارج الصندوق.
يقول الخبير الدكتور حسين عوض، إن التعليم المستمر أسلوب تعليمي يحرص فيه الإنسان على تعلم أشياء جديدة في مختلف مراحل حياته، ويشكل الاستدامة في العلوم المختلفة، بمختلف مراحل تطورها في مجموعة مِن المجالات المعرفية، استناداً لدوافع شخصية أو مهنية أو تدريبية أو جميعها.
وأكد أن أهمية التعليم المستمر يبلورها الحصول على خبرات تعليمية، ومعرفية دون ارتباطها بسن معينة، أو فترة زمنية بعينها، أو مرحلة دراسية بذاتها، ويمكن تطبيقه من خلال دورات متخصصة، أو قراءة مجموعة مختارة من الكتب في مجالات مختلفة، مما يسهم في مواكبة التطورات والمتغيرات المتسارعة، في المجالات كافة، لاسيما مع التقدم التكنولوجي الذي يخرج علينا بالجديد يومياً، وهنا الجميع في حاجة إلى هذا النوع من التعليم، الذي يتيح لكل فرد في المجتمع التواصل مع آخر التطورات العلمية الحديثة.
وأوضح أن سمات التعليم المستمر كثيرة ومتنوعة، إذ يسهم في حصول الفرد على المعلومات بمختلف أنواعها «سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية» وفي المجالات كافة، فضلاً عن تعزيز قدرة الإنسان على التحليل المنطقي وتطوير مهاراته الشخصية، وتعزيز دور المشاركة الاجتماعية عند المتعلم، وجعله يتواصل مع الآخرين في مُختلف مجالات العلم.
ورصد 5 استراتيجيات ممنهجة، إذ ينبغي الاستناد إليها في هذا النوع من التعليم، تضم «الاهتمام بأنواع التعليم وتطوراته وعدم الاكتفاء بمناهج دراسية معينة، وتوفير الموارد التعليمية لتحقيق أهدافه ونتائجه، ومواكبة تطورات العلم في مختلف المجالات، وتذليل المعوقات أمام الراغبين في التعلم المستمر، وتطبيق مبدأ العدالة في الحصول على فرص التعليم».
وأوضح أن التعلم المستمر في مضمونه، يهدف إلى رفع مستوى المهارات الوظيفية، والرغبة في التقدم العلمي والمهني، فضلاً عن زيادة المهارات والخبرات، والتعرف إلى ثقافات وحضارات مختلفة، وهذا لا يكون إلاّ من خلال التعليم المستدام، لاسيما أنه يسهم في زيادة القدرة على التحليل المنطقي والتفكير النقدي، مما يساعد الإنسان على تمييز الحقائق والملاحظة والمرونة في التفكير والقدرة على صياغة الأسئلة والتمييز بين الافتراضات الصحيحة والخاطئة، فكلما زاد علمك ومهاراتك في مجالات الحياة، زاد تأثيرك وفاعليتك في المجتمع الذي تعيش فيه.
وأفاد بأن ما نشهده من تقدم علمي في دول العالم، نتيجة طبيعية للاهتمام بعملية التعلم المستمر ومواكبة التطورات العلمية المتسارعة، في مختلف العلوم وشتى المجالات، فالمجتمع هنا بمختلف مؤسساته حكومية أو خاصة، في حاجة إلى تعليم دائم مستدام، ليلحق أفراده كافة بركب التقدم العلمي عالمياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"