مانع سعيد العتيبة.. الوزير الشاعر

خبير في الاقتصاد.. وحكيم في السياسة
01:47 صباحا
قراءة 5 دقائق
إعداد:شادي صلاح الدين

الوزير الشاعر مانع سعيد العتيبة، خبير في الاقتصاد، حكيم في السياسة.. يعيش الوطن بكل خلجاته لحظة بلحظة، يتابع أحوال الأمة بروح الشاعر يرصد تغيراتها بعين الصقر.
يعالج قضاياها بفلسفة الشعر وحكمة التاريخ.. إذا تناقشت معه في أحوال الإمارات، ترى الوطن دُراً يعيش في أعماقه، وإذا طال الحديث عن أحوال الأمة، تشعر وكأنه يمتطي جواده سريعاً، يريد أن يمر على العرب بيتاً بيتاً وشخصاً شخصاً، ليحذر من مغبة الجهل والمرض والتخلف، يستنهض الهمم، مذكراً بمجد ما زالت آثاره تربض في الأعماق كالأصداف في قاع البحر.. وإذا مسك الهوى وتلامست مع الشعر.. تفاجئك رقة كلماته وكأن فجراً جديداً ينبلج من بين قطرات الندى.. فالكلمة عنده عروس بحر نثرت شعرها على صفحة الماء.. كل حرف يلمع كسيف تتعامد عليه الشمس.. الصورة الشعرية عند مانع سعيد العتيبة.. تجول بك من رومانسية الصحراء والبحر.. إلى معارك الفرسان النبلاء.. إنه الوزير والمستشار، وقبل وبعد ذلك الشاعر الإماراتي الموسوعي الثقافة والمعرفة مانع سعيد العتيبة، الذي تجاوز عدد دواوينه ال 72 ديواناً.. إحدى أهم الشخصيات العربية التي جمعت بين العمل السياسي والاهتمام الإبداعي، حيث لا يتكئ الجيل الأول من المبدعين الإماراتيين، في الشعر وفنون الكتابة عموماً، إلا على موهبته الطازجة الطالعة من عناصر التكوين الأولى للإنسان العربي في صحرائه المزدحمة بالرسالات والقيم، التي صاغت روحه وخياله.

وُلِدَ مانع سعيد العتيبة في أبوظبي في الخامس عشر من مايو/أيار عام 1946 ليلة السابع والعشرين من رمضان.. ينتسب إلى عائلة العتيبات، وهي تنحدر من قبيلة المرر المنتسبة إلى مروان بن الحكم، وقد كانت ضمن القبائل التي تشكل تحالف بني ياس.

منذ ولادته عاش المعاناة، فقد كانت عائلته من كبار تجار اللؤلؤ، ولكن في عام 1952 كسد سوق اللؤلؤ بعد اكتشاف اليابان طريقة صناعية جديدة لزراعة اللؤلؤ في المحار سنة 1947.

نشأته:

ولد د. مانع سعيد العتيبة في أبوظبي في شهر مايو/أيار من عام 1946، وأنهى دراسته الثانوية عام 1963، وحصل على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة بغداد عام 1969.
وحمل العتيبة عبء المنصب الوزاري وهو في الثالثة والعشرين من عمره، وظل يحمله لمدة 30 عاماً متصلة، ولم يجعله ذلك طائراً مهاجراً من عالم الشعر والإبداع إلى عالم الذهب الأسود، فترجمت بعض قصائده إلى اللغتين اليابانية والإنجليزية، وحصل على شهادة الماجستير من جامعة القاهرة عام 1974، وفي عام 1976 نال شهادة الدكتوراه من الجامعة نفسها عن أطروحته «البترول واقتصاديات الإمارات العربية المتحدة».
شغل الشاعر الوزير مناصب مهمة في الدولة كوزير للبترول والثروة المعدنية، كما شغل منصب المستشار الخاص، للمغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه.
ومُنح الدكتور مانع سعيد العتيبة العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات عدة عريقة وعالمية تقديراً منها لدوره البارز وجهوده المثمرة في عالم المال.
حصل على الدكتوراه الفخرية في القانون الدولي من جامعة كيو اليابانية، والدكتوراه الفخرية في القانون العام من جامعة مانيلا في الفلبين، والدكتوراه الفخرية في فلسفة الاقتصاد من جامعة ساوث بيلار الأمريكية، والدكتوراه الفخرية في الاقتصاد من جامعة ساوباولو البرازيلية.

الشعر والبترول

حول علاقة البترول بالشعر يقول الدكتور مانع سعيد العتيبة: «كنت أظن أن البترول مادة غير شعرية، ولكن بعد فترة، وبروز أحداث ساخنة كثيرة في المنطقة، اكتشفت أن البترول مادة خصبة للشعر، ووجدت فيها متنفساً ومرونة لكي أنفذ من خلالها إلى الجهات العليا، وبذلك تمكنت من معالجة العديد من القضايا المتعلقة بالبترول من سياسة تسويق وإنتاج وأسعار وخلافه.. أما بداياتي مع قصائد البترول، يقول مانع سعيد العتيبة، كانت بقصيدة واحدة، فعندما كنت في لندن وفي اجتماع يتعلق بمناقشة قضايا بترولية، وقد احتدم النقاش حول العديد من المسائل المتعلقة بسقف الإنتاج والحصص والأسعار، وامتد لثلاثة أسابيع عسيرة، ولدت خلالها أولى قصائدي، ثم تبعتها قصائد أخرى، وأحمد الله أن هذه القصائد وجدت تجاوباً إعلامياً وسياسياً».

أهم دواوينه

ربما يكون ديوان «المسيرة» من أهم دواوينه، وهو ملحمة شعرية للعتيبة، وفيه يحكي من خلال الشعر معاناة شعب الإمارات قبل ظهور النفط، ويسطر مراحل تاريخية عاشها أبناء المنطقة ابتداء بالمرحلة الأولى التي تمثل عصر اللؤلؤ، والتي أبرز من خلالها حياة الأسلاف ورحلاتهم المريرة المملوءة بالمغامرة والتحدي بحثاً عن الرزق في أعماق البحار، ورسم من خلال تناوله لهذا الواقع صوراً ولوحات شعرية رائعة جسد في فضاءاتها حالات إنسانية متوهجة، كما صور من تلك المرحلة معاناة البدو في الانتقال تحت لهيب الشمس الحارقة من أبوظبي إلى حاضرة ليوا، وواحات النخيل في مدينة العين على ظهور الجمال، وفي مسيرة العتيبة الشعرية قصائد عديدة في أحوال الأمة العربية المتصدعة، وفي القدس المغتصبة الأسيرة، كما كتب قصائد ممتازة عن زياراته لعدة بلدان وعواصم عربية مثل القاهرة ودمشق وبيروت ومراكش وغيرها.

سلاسة القصائد

تتميز القصيدة عند العتيبة بسلاستها ورقتها وصدق مشاعرها ووضوحها، إلى الحد الذي دفع ببعض الفنانين الكبار إلى غناء وتلحين بعض قصائده، ومن الملحنين الذين لحنوا قصائد العتيبة سيد مكاوي، وبليغ حمدي، ومحمد سلطان، والسوري صفوان بهلوان، ومن الذين غنوا له ميادة الحناوي، ووردة الجزائرية، والفنان العراقي كاظم الساهر وغيرهم.. ذلك أن القصيدة عنده زاهدة في الغموض، كونها ليست مقتصرة على جمهور النخبة، بقدر ما تخاطب وجدان الجماهير تاركة لهم فرصة الاستمتاع بها، والانفعال بمناخاتها وصورها الشعرية، فهي قصائد تقال ولا تكتب فقط، ففي إطلالة على بعض قصائده تلمح ذلك الاشتباك الرهيف ما بين الذاتي والعام، كما تحضر فيها تلك الأنفاس من أغراض القصيدة العربية القديمة وبخاصة الأغراض التي يستدعي استحضارها، أحداث تأخذ الشاعر إلى ممرات الألم العامرة برقة العاطفة، على نحو ما يقول شعراً في مرثيته لابنته التي رحلت إلى العالم الآخر:

«بشاير ناداك قلبي أجيبي

ولا تتركيني لصمت رهيب
أنا جئت حتى أراك فقولي
كما اعتدت بابا حبيبي حبيبي
بشاير ردي ولو مرة
وقولي أحبك بابا وغيبي»

وعرف عن العتيبة تمسكه الشديد بجمرة التراث المتوهجة، سواء في شعره الذي نظم جزءاً كبيراً منه خارج وطنه أو في دواوينه التي كتبها داخل حدود الإمارات، فعلى الرغم من كثرة أسفاره وتطوافه حول العالم، حيث إنه اعتبر الطائرة بمثابة وطن ثان له، يأخذ الجزء الكبير من وقته وتفكيره واصفاً ذلك في مطلع إحدى قصائده:

«وطائرتي غدت لي وطنا

إليه بلهفة ألفي
فمن صحراء باكستان
أو غنتوتَ والجُرفِ
إلى صحراء مغربنا
أطير أمرّ كالطيف
وأما موطني الغالي
أمر عليه كالضيف»

محطات خاصة

تشكل قطر والعراق ومصر والمغرب، محطات خاصة في قلب مانع سعيد العتيبة، وقد انعكس حبه لهذه المحطات في شعره، ففي خماسيات كتبها إلى «سيدة المحبة»، قال عن قطر:

سيدتي قلبي لنصفين انشطر.. في بوظبي نصف ونصف في قطر
وفي ابرايتون قال:


وهذي ابرايتون احتضنت مطايا صبية نفروا

أتيناها بأحلام لمن أوطانهم هجروا

لتحصيل العلوم بها ونيل حضارة حضروا
ومثل أبوظبي ابرايتون بطقس البحر تشتهر
وحين يزورها صيف تصير كأنها قطر

وعن مصر قال:

نام الخلي وعين قلبي ساهرة

انى ينام متيم في القاهرة
يامصر جئت من الخليج وفي يدي

ديوان شعري فاقرئي يا شاعرة

لك يا عروس النيل جئت مغنيا
والقلب صب سروره وسرائره
ما بيننا قربى ويجمعنا معا

تاريخ حب، ذكريات عاطرة

فتبسمي يا مصر للآتي إلى
أحضان عطفك والربوع الزاهرة
خفقات قلبي من ضلال قصائدي

تجدينها في كل حرف ظاهرة

ربما كانت الأحداث التي مرت بها الأمة العربية في السنوات الأخيرة، والكوارث التي منيت بها، كوَقْع الزلزال على مانع سعيد العتيبة.. لكنه اختار «كبرياء الصمت»، لكن الجائزة المتوسطية للشعر والإبداع، التي حصل عليها عام 2015 في مراكش بالمغرب، نجحت في إخراجه من «دائرة الصمت»، ليتحدث قائلاً: صمتي كان ثورة.. الصمت الذي اخترته هو صمت فاعل شجاع، وليس استسلاماً أو يأساً أو إحباطاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"