الأخلاق والمال في الإسلام

03:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. محمود أبو زيد الصوصو *
* أستاذ المعاملات المالية في جامعة طيبة  المدينة المنورة
 
الأخلاق والمال؟ وما أدراك ما الأخلاق والمال؟ 
الأخلاق؛ هي من أعظم فضائل الإسلام، والمال؛ هو من الضروريات الخمس في الإسلام. وللأخلاق منزلة عالية، والتحلي بها يكون له الأثر الكبير في حياة الناس، وتتجلى محاسن الإسلام بوضوح من خلال مكارم الأخلاق، التي ترقى بالمجتمع الإنساني وذلك من خلال علاقات الناس ومن ضمنها معاملاتهم بالمال.
ولقد رسم اللَّه سبحانه وتعالى لعباده في القرآن الكريم كما رسم رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة، ضوابط شرعية قائمة على أسس أخلاقية ترقى بسلوك الناس في تعاملهم مع المال.
وعلى هذا: فإنَّ الجانب الأخلاقي في الإسلام يُمليه على المسلم، قول الله تعالى: «أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى..» (العلق: 14).
ومن منطلق الإيمان فإنَّ أفعال أفراد المجتمع المسلم وأقوالهم تصبح في مرضاة الله تعالى، فلا أنانية، ولا شُحَّ، ولا تقصير، ولا ربا، ولا أكلَ لأموال الناس بالباطل.
وتتمثَّل هذه الأخلاق بالحديث الذي يرويه الإمام مالك في «الموطأ» وفيما أخرجه الإمام ابن ماجة في قول رسول الله سيدنا محمد: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)، وهذا الحديث أصبح قاعدة شرعية لنفي الضرر سواءً أكان ضررًا خاصًا أم ضررًا عامًا، والإسلام لم يترك في تشريعه القضايا المالية ومعاملاتها لأهواء الناس، بل ربطها بمكارم الأخلاق، لذلك فإنَّ الإسلام ينظر إلى المال من خلال نظرة اعتقادية يدعو إليها القرآن الكريم في معرض الحديث عن الإنسان والمجتمع والمال والكون، وهذه النظرة تقوم على أساس إيمان الإنسان بالله وحده، وعلى أنَّه الخالق والمدبر لكل شيء، والقادر على كل شيء، وأنَّ الإنسان مخلوق لحكمة إلهية وأنَّه يرتبط مع المجتمع الإنساني بروابط إنسانية وشرعية تقوم على أساس العدل والتوازن، وأنَّ المال هو وسيلة الإنسان للاستمرار في حياته الدنيوية، ولهذا فهو مكلف بالسعي والعمل والكسب من دون أنْ يكون مسعاه هذا مُضرًا بمصالح المجتمع الذي ينتمي إليه.
ومن هذا المنطلق الإيماني، والجانب الإنساني، جاءت دعوة الإسلام إلى الكسب من خلال قول الله تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»، (الملك:15).
وكذلك قوله تعالى: «فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، (الجمعة:10).
ثم جاءت دعوة الإسلام إلى الاستفادة من المال من دون إسراف ولا تقتير في قول الله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا» (الفرقان:67)، وكذلك في قوله تعالى: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا»، (الإسراء: 26-27).
ثم جاء التوجيه الإلهي في القرآن بعدم جواز تنمية المال عن طريق الإضرار بالفرد أو المجتمع وأكل أموال الناس بالباطل، فقال الله تعالى: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ»، (البقرة:188).
وكذلك في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ»، (البقرة: 278-279).
ومن هذه التوجيهات التي جاءت في التشريع الإسلامي نستطيع أن نحدد الدور الاجتماعي للمال وعلاقته بالأخلاق. 
وهذا الدور يتنافى مع النظرة الفردية للمال، لأنَّ المال يرتبط بمالكه من خلال معادلة يمثل المجتمع الركن الأساسي لها، سواءً في الدعوة إلى العمل، أو الدعوة إلى الاعتدال في الإنفاق، أو الدعوة إلى عدم تنمية هذا المال عن طريق الظلم، وأكل أموال الناس بالباطل، وهذه التوجيهات لا تقتصر بدورها على التوجيه الأخلاقي، وإنما هي توجيهات أخلاقية وتشريعية تفترض الالتزام.
ولهذا يعتبر التشريع الإسلامي أنَّ كل مال ينمو من حرام عن طريق الظلم والإضرار هو مال باطل، وأنَّ كل تصرف في الأموال بطريقة خارجة عن حدود الاعتدال الذي يقرره التشريع الإسلامي والعرف الاجتماعي هو تبذير، ويستحق المبذر الحجر عليه لمنعه من التصرف في الأموال.
وعلى ما تقدم: فإنَّ بين الأخلاق والمال علاقة طردية؛ فإذا سادت محاسن الأخلاق كان كسب المال والمعاملة فيه حلالاً، وإذا سادت مساوئ الأخلاق كان كسب المال والمعاملة فيه حرامًا. وبناء على هذا يصبح فقرٌ مع الحلال خيراً من غنى مع الحرام.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"