«طفل الفقاعة».. أخطر أمراض نقص المناعة

04:34 صباحا
قراءة 6 دقائق
تحقيق: راندا جرجس
«عوز المناعة» المشترك الشديد، ويعرف أيضاً بـغياب الخلايا أو «طفل الفقاعة»، وهو يحدث نتيجة اضطراب وراثي نادر، يتسبب في غياب بعض خلايا الجهاز المناعي، المسؤولة عادة عن حماية الجسم من هجمات البكتيريا، ويرجع سبب المرض إلى تشوهات وطفرات، ونظراً لأن مرض طفل الفقاعة من أشد أنواع أمراض نقص المناعة، يُعرض الطفل المصاب به إلى عدوى بكتيرية، فيروسية أو فطرية في عمر مبكر، ولخطورة هذا المرض تناقش الصحة والطب في هذا التحقيق طرق العلاج منه.
يقول الدكتور باسل نصر الله، مختص في طب الأطفال وأمراض الحساسية والجهاز التنفسي، أن مرض عوز المناعة (طفل الفقاعة) عند الأطفال كما يطلق عليه، ويصيب عوز المناعة طفلاً لكل 100,000، ويرتفع معدل الإصابة به في المناطق ذات المعدلات الأعلى في زواج الأقارب؛ حيث إنه مرض اضطراب وراثي نادر يتسبب في غياب بعض خلايا الجهاز المناعي (الخلايا اللمفاوية تي، بي، والخلايا القاتلة الطبيعية)، وهي المسؤولة عادة عن حماية الجسم من هجمات البكتيريا، كما يتضمن المرض خللاً في استجابة الأجسام المضادة، وذلك إما بسبب خلل في الخلايا المناعية (بي) أو في وظيفة الخلايا المناعية (تي المساعدة)، ويعد عوز المناعة المشترك الشديد أشد أنواع أمراض نقص المناعة، ويرجع سبب المرض إلى تشوهات وطفرات في 9 جينات تم اكتشافها حتى الآن.
ويضيف: على الوالدين العلم بضرورة عدم تلقيح الأطفال المصابين، بفيروسات حية كلقاح جدري الماء أو الحصبة، وإذا احتاج الطفل لنقل الدم، يجب أن يكون الدم مشعاً لقتل كريات الدم البيضاء حتى لا تهاجم أجسادهم، وعلى الأطباء إعطاء تسريب وريدي IVIG لمقاومة الإنتانات، وإعطاء مضاد حيوي بشكل منتظم وبجرعة قليلة لمنع حدوث الالتهابات البكتيرية.
زرع النخاع

ويشير د. نصر الله إلى أنه لا توجد طرق للشفاء التام من المرض حتي الآن، ولكن يعد زرع النخاع الشوكي هو أفضل علاج تم استخدامه، وغالباً ما يحتاج جهاز مناعة المريض وقتاً للتطور في حالة نقل نخاع العظام، وحالياً تنجح عمليات الزرع خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عمر المريض في علاجه، كما أن زرع نخاع العظام المنقول من متبرع مطابق (كالإخوة) أو من متبرع نصف متطابق (كالأبوين) هو أشهر علاج لمرض عوز المناعة المشترك، ويتم معالجة نخاع العظام من شخص نصف متطابق، بحيث تقل فرص حدوث عملية الرفض ضد المضيف، كما نجح بعض الأطباء في بعض عمليات نقل نخاع العظام للجنين المصاب أثناء الحياة الجنينة، مما يؤهل الجهاز المناعي للجنين للتطور تدريجياً، في بيئة معقمة ومهيأة وهي الرحم.
وعن مدى انتشار مرض عوز المناعة يبين الدكتور بوبي جاسبر، استشاري طب الأطفال والمناعة، أن معظم الأمراض الجينية تنتج عن عيب وراثي، أي أن الأطفال المرضى يولدون وهم يحملون في جيناتهم عيوباً لا تتعافى من تلقاء ذاتها، وتتسم أعراض الأمراض النادرة بأنها خطرة، ويبقى المصابون بها عليلين جداً أو معاقين إلى درجة تؤثر في طول أعمارهم ونوعية حيواتهم، كما أن الأمراض الجينية مشكلة مقلقة في مجتمع الإمارات العربية المتحدة؛ إذ يعاني المواطنون والجنسيات العربية الأخرى أعلى معدلات الإصابة بالأمراض الجينية والوراثية في العالم.
ويستكمل: معدل حدوث مرض عوز المناعة المركب الشديد (SCID) في الشرق الأوسط من بين أعلى المعدلات في العالم، وترتفع الإصابة بهذا المرض في المناطق التي يكثر فيها زواج الأقارب، ففي المملكة العربية السعودية، تبلغ نسبة الإصابة به واحد لكل 5000 ولادة، وهذه أعلى نسبة معروفة بهذا المرض في العالم حتى الآن. أما في الكويت، فيبلغ معدل الإصابة 1/7500، ولا تتوفر سوى بيانات قليلة عن معدل حالات هذا المرض حالياً في دولة الإمارات العربية المتحدة.
عوز المناعة المركب الشديد

ويوضح د. جاسبر أن مرض عوز المناعة المركب الشديد (SCID)، ينتج عن نقص أساسي في المناعة؛ نتيجة عيوب وراثية، ويجعل مناعة الطفل منخفضة، أو يفقده نظام المناعة، فلا يستطيع صد أي عدوى جرثومية، ويطلق على هذه الحالة أحياناً اسم «متلازمة طفل الفقاعة»؛ لأن المصاب به يجب عزله في بيئة معقمة، وتكون الأعراض كما التالي:-
} يعاني الطفل المصاب بعوز المناعة المركب الشديد مشاكل في جهاز المناعة؛ حيث لا تتطور كرات الدم البيضاء بصورة طبيعة، ما يصعب عملية محاربة الالتهابات.
} الأطفال المصابون بمرض نقص المناعة المركب الشديد تواجههم صعوبة في التخلص من الأمراض كمرض الزكام، كما يعيق المرض نموهم، و يسبب لهم الإسهال الدائم و النقص الحاد في الوزن، وعلى عكس ما يحدث مع كل إنسان صحي غير مصاب بالمرض، ممن لديه قدرة على تحمل الأمراض، حيث يستطيع الجسم التخلص من حالة الزكام في غضون أيام.
العلاج الجيني

ويشير د. جاسبر إلى أن علاج مرض عوز المناعة المركب الشديد، كان يتطلب سابقاً خضوع المريض لعملية زرع نخاع العظام، من أجل زيادة أعداد خلايا الدم البيضاء، لكن عدم توفر متبرع مناسب لنخاع العظام يؤدي إلى فشل العملية والتسبب بمشكلات أكبر، أما اليوم، فإن لدى بعض المرضى أملاً بالشفاء، من خلال العلاج الجيني، إذا لم نجد مانحاً مناسباً لنخاع العظام، وهو باختصار استبدال الجينات الصحيحة بالجينات المعتلة، ما يؤدي إلى عودة عمل الجهاز المناعي إلى مستواه الطبيعي، وهو ببساطة، إدخال جينات طبيعية في الخلايا بديلة للجينات المفقودة أو المعتلة، بهدف تصحيح الاضطرابات الوراثية، وفي الأغلب يكون العلاج الجيني أقل وطأة على الأطفال الذين يعانون اضطرابات وراثية وأكثر أماناً.
حالة خاصة

ويذكر د. جاسبر، أنه يوجد قليل من حالات العلاج الجيني في الشرق الأوسط، كما يتم العمل على مجموعة من الدراسات والأبحاث، لتطوير العلاج الجيني؛ لاستخدامه في معالجة الأطفال الذين يعانون مجموعة واسعة من الأمراض الوراثية المهددة للحياة، مثل أمراض اضطرابات التمثيل الغذائي وأمراض الدم لدى الأطفال، وتمت معالجة 50 طفلاً من هذا المرض بالعلاج الجيني، وهناك حالة الطفل «خليفة» وهو من أوائل المصابين بمرض عوز المناعة المركب الشديد في المنطقة، واكتُشفت حالته عندما كان عمره 6 أشهر، وحينها لم يكن نخاع العظام لدى عائلة «خليفة» متوافقاً معه، وهذا يعني أن العلاج بعملية زرع نخاع العظم التقليدية لن ينجح، وكل المؤشرات الأولية كانت تؤكد أن هذا الطفل لن يعيش قط حياة طبيعية، وسيبقى رهين بيئة معقمة إلى الأبد، وعندما وصل عمره 11 شهراً، تم البحث في إمكانية علاجه باستخدام العلاج الجيني لشفائه من حالته، وأخذت خلايا نخاع العظام منه، وصححت الجينات المعيبة ثم أعيدت إلى جسده، وبعد سبعة أشهر عادت الخلايا المناعية للظهور لدى «خليفة» وأصبح جهازه المناعي يعمل بصورة صحيحة، وخضع للعلاج الجيني، وهو يجسد مثالاً لكيفية تطبيق العلاج الجيني الناجح، ويعيش حياة طبيعية وصحية بعد أعوام قليلة من العلاج، وعلى الرغم من أنه ما زال يخضع لفحوص منتظمة، لكن هذا العلاج يقدم أملاً للعائلات العربية التي تعاني أعلى معدل لهذا المرض الوراثي، الذي ينتشر في الشرق الأوسط بأعلى المعدلات حول العالم.
عصر جديد للعلاجات

وأخيراً يؤكد د. جاسبر أننا جميعاً أطباء ومرضي، نأمل أن تسفر الجهود المتواصلة في مجال أبحاث العلاج الجيني عن الوصول إلى آفاق أبعد، وتطوير العلاج الجيني والخلايا الجذعية، وتطبيقهما على عدد من الأمراض الأخرى، والعلاج بالخلايا كعلاجات قياسية للعديد من الأمراض النادرة، ما يتيح منح هذا الخيار للعديد من المرضى كعلاج أفضل، وتأسيس اتجاه «الطب الشخصي»، الذي يتيح للأطباء وضع علاجات محددة للحالات الفردية لكل طفل على حدة، ما يؤدي إلى زيادة فعالية سبل العلاج، والوصول إلى أساليب علاج هادفة تنقذ أرواحاً كثيرة، وبدأ عدد قليل من المراكز في العالم، في استخدام العلاج الجيني بإجراء تجارب أساليب العلاج الجديدة على الأطفال المولودين باختلالات وراثية نادرة، من أجل صقل تقنيات العلاج الجيني وتطويره؛ لاستخدامه في مساعدة الأطفال الذين يعانون مجموعة واسعة من الأمراض الوراثية التي تهدد حياتهم أو تقصّـرها، وتشمل تلك الأمراض بعض الاضطرابات الأيضية وأمراضاً معينة في الدم، وكي يستفيد منه أيضاً الأطفال الذين يعانون حالات مرضية أخرى، والجدير بالذكر أنه شق طريق عصر جديد من علاجات الأطفال واليافعين حول العالم والشرق الأوسط، فهو وسيلة ممتازة لتحسين صحة كثير من الأطفال المصابين بأمراض تهدد حيواتهم، والتي لا تنفع في علاجها أساليب العلاج الأخرى، أو لا توجد لها أصلاً أي علاجات.

30 ألف جين

تشير التقديرات إلى أن نحو 9.7 مليون ولادة أو 6% من مجموع الولادات السنوية في العالم، تعاني وجود خلل وراثي، ويحتوي جسم الإنسان على 30 ألف جين مسؤول عن الوظائف المختلفة، ما يستدعي وجود 30 ألف مرض وراثي، ولذلك يسلط العالم الضوء على العلاج بالخلايا الجذعية ببالغ الاهتمام؛ للقضاء على الأمراض الوراثية والمزمنة، وخاصة بعد اعتماده كعلاج لـ 80 مرضاً من قبل المنظمات العالمية المختصة، كما استخدمت الخلايا الجذعية كأداة علاجية مؤكدة، وهي أمراض سرطان الدم، والأمراض الجلدية التي تشمل الحروق والندوب، وأمراض العيون والتي تشمل تشوهات القرنية، إضافة إلى الكثير من التجارب الواعدة التي استخدمت خلالها زراعة الخلايا الجذعية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"