التجديد لا التبديد.. ضرورة عصرية يحتاجها المسلمون

02:18 صباحا
قراءة 5 دقائق
مما لا شك فيه أن المسلمين في أمسّ الحاجة إلى تجديد حياتهم الدينية والفكرية والثقافية، لكي يعيشوا العصر بكل أحداثه وتطوراته وينعموا بتعاليم وتوجيهات وآداب وأخلاقيات دينهم بعيداً عن الجمود والتطرف، وهذا الأمر يطرح العديد من التساؤلات المهمة أبرزها: ما هي مواصفات العالم أو الفقيه أو المفكر أو الخبير القادر على التجديد الذي حث عليه الإسلام؟ وهل ما يدعيه البعض الآن من تحريف وتزوير حول حقائق الإسلام يدخل في باب التجديد المطلوب؟ وهل التجديد العصري في مختلف المجالات خاصة المجال الديني تتولاه مؤسسات وهيئات، أم يظل قاصراً على جهود الأفراد كما كان في الماضي؟
تساؤلات كثيرة طرحناها على نخبة من كبار العلماء والمتخصصين لكي نوضح الخطوط الفاصلة بين المجددين الحقيقيين.. والمزورين المبددين.. وفيما يلي خلاصة ما قاله العلماء:
في البداية يشير شيخ الأزهر - د. أحمد الطيب - إلى أن كلمة «من» الواردة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة، من يجدد لها أمر دينها»، تنطبق على «الفرد» كما تنطبق على أكثر من شخص، وقال العلماء المحققون: يجوز أن يتعدد المجددون في العصر الواحد والبلد الواحد أيضاً، وهنا يكون الحديث النبوي الشريف - بهذا المعنى - سنداً شرعياً لقيام مجامع علمية معاصرة تضطلع بحركة تجديد جماعي للفكر الإسلامي.
ويوضح د. الطيب أنه لا يشترط أن يكون المجدد مجتهداً، وإن كان يشترط فيه العلم بالمجال الذي يجدد فيه، كما لا يقتصر التجديد على علم الفقه، بل يجب أن يشمل التجديد كل ما يهم المسلمين من أمور الدنيا والدين.

ثوابت خالدة

وما يؤكده شيخ الأزهر هنا، هو ضرورة أن يعرف المجدد في أمور الدين ما هو ثابت في الدين وما هو متغير، إذ من المسلّم به عند المسلمين جميعاً أن الإسلام لا بد أن يشتمل على ثوابت خالدة، وعلى متغيرات متحركة، وأنه في مجال الثوابت جاء بتحديدات لا تتأثر بتقلبات الزمان ولا بحركات التطور، وهي قابلة للتطبيق في كل عصر.
وثوابت الدين التي لا تقبل التغيير - كما يقول د. الطيب - هي العقيدة وأركان الإسلام الخمسة وكل ما ثبت بدليل قطعي من المحرمات، وأمهات الأخلاق، وما ثبت بطرق قطعية في شؤون الأسرة من زواج وطلاق وميراث ومعاملات وحدود وقصاص، أما المتغيرات فهي كل ما يتعلق بجزئيات الأحكام وفروعها العملية، وأمثلتها لا تدخل تحت حصر.
هذا الخلط - لو وقع - من شخص يقوم بالتجديد الديني، سيؤدي حتماً إلى تحول التجديد المقصود والمستهدف إلى «تبديد» وخطيئة الخلط بين ما هو ثابت ومتغير في الدين جعلت البعض يرتكب خطيئة أخرى تترتب عليها، هي الخلط بين ما هو تشريع عام وما لا يعد كذلك.

التجديد المؤسسي

المفكر الإسلامي - د. أحمد كمال أبو المجد - يضم صوته إلى صوت شيخ الأزهر، ويؤكد أن التجديد مطلوب من العلماء والخبراء المؤهلين لذلك في مختلف التخصصات والعلوم والمعارف، كما هو مطلوب من المؤسسات والهيئات المعنية، لكنه يؤكد ضرورة أن يكون التجديد في أمور الدين جماعياً من خلال المؤسسات الفقهية والبحثية المعنية بذلك، من عينة مجمع البحوث الإسلامية ومجمع الفقه الإسلامي وغيرهما من المؤسسات المعنية بالبحث والنظر والاجتهاد.
ويقول: لا يجوز إتاحة الفرصة للقول في دين الله ودنيا الناس بغير علم ولا هدى، لأن هذا الانفلات له آثاره الضارة على الناس أجمعين.. ومع احترامنا وتقديرنا لجهود العلماء الفردية، فإن ما تفرضه ظروف العصر وتطوراته اليوم هو «التجديد المؤسسي»، بمعنى أن يتم داخل مؤسسات بحثية، ينقطع فيها العلماء لمدارسة العلوم الإسلامية - ومدارسة الفقه بصفة خاصة - مدارسة لا تقف عند حد معرفة آراء الفقهاء المجتهدين أصحاب المذاهب والمدارس.. لكنها تعنى بأمرين لا يستغني قائم بالإفتاء عن الإحاطة بهما، وهما: معرفة مقاصد الشريعة في موضوع البحث واستقصاء آراء العلماء في شأن ذلك الموضوع استقصاء علمياً يستعان فيه بأدوات المعرفة والإحصاء التي وفرتها ثورة المعلومات.. والآخر: معرفة أحوال الناس معرفة قائمة على المشاهدة والتجربة والتحليل.. مع متابعة ما يطرأ على تلك الأحوال من تغيير لا بد أن تستجيب له الفتوى، ومعنى هذا أن هذه المؤسسات البحثية، ولنصطلح على تسميتها «المجامع».. لا بد أن تكون فيها أقسام متخصصة في الدراسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. بحيث توضع نتائج أبحاثها بين أيدي المتصدين للتجديد.

قطع الطريق على المزايدين

من جانبه يحاول العالم الأزهري - د. محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر - الإجابة عن السؤال السابق، فيقول: بعض الناس يفهم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها أمر دينها»، فهماً غير دقيق؛ حيث يقصر مهمة التجديد على ما يقوم به عالم أو فقيه تنطبق عليه شروط أو مواصفات المجدد، والحقيقة أن الأمر أوسع من ذلك بكثير، فالمجدد قد يكون عالماً فقيهاً، وقد يكون حاكماً عادلاً، أو رئيساً أو قائداً، وقد يكون هيئة أو مؤسسة أو منظمة، أو هؤلاء مجتمعين، وهو ما نأمله، إذ نطمح أن يسري التجديد المنضبط بضوابط الشرع والحفاظ على ثوابته في دماء كل المخلصين من أبناء أمتنا في مختلف التخصصات.
ويضيف: الرغبة في التجديد والوعي بأهميته سمة بارزة ومميزة وراسخة في النفوس الآن، ولذلك فإن واجبنا كعلماء دين أن ننطلق معاً من توديع مرحلة الجمود والانغلاق وانسداد الأفق الثقافي، والوقوف عند شواطئ الماضي، إلى الإبحار في الحاضر والانطلاق نحو المستقبل، في ضوء الحفاظ على الثوابت وعدم المساس بها، في ثورة للدين وليست ضد الدين، كما يفهم بعض الأغبياء الذين لا يدركون قيمة الدين الإسلامي في نفوس أتباعه فيصدمونهم بما يجرح شعورهم الديني ويجلب لهؤلاء المتطاولين العابثين اللعنة في الدنيا والآخرة.
وهنا يؤكد د. جمعة أن قيام العلماء الثقات بواجبهم في التجديد والتغيير يبث الثقة والطمأنينة في نفوس المؤمنين ويقطع الطريق على المزايدين والمشككين والمتربصين بدين الله.
ويقول: علينا أن ندرك أن الله - عز وجل - لم يخص بالعلم ولا بالفقه ولا بالاجتهاد قوماً دون قوم، ولا زماناً دون زمان، ولا مكاناً دون مكان، فقد دعا ديننا إلى التأمل والتفكير وإعمال العقل، فحين نزل قول الله تعالى: «إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار»، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل فيها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"