سرطان القولون.. استئصـال الورم بداية العلاج

21:41 مساء
قراءة 7 دقائق
تحقيق: راندا جرجس
سرطان الأمعاء أحد أنواع السرطان، ينشأ من القولون أو المستقيم، بسبب عوامل ذات علاقة بنمط الحياة والتقدم في السن، مع وجود عدد قليل من الحالات تنشأ بسبب عوامل وراثية غير معروفة. وفي الأغلب نتيجة لحدوث نمو غير طبيعي للخلايا، التي لديها القدرة على المهاجمة والانتشار إلى الأعضاء الأخرى في الجسم، ثم تتحول مع مرور الوقت إلى خلايا مسرطنة، وتعتمد أعراضه على ملاحظة حدوث تشنجات المستقيم، وعدم انتظام حركة الأمعاء. وفي السطور القادمة سنتعرف إلى هذا المرض، وكيفية مواجهته والوقاية منه.
يوضح الدكتور زكريا المريات، مختص في أمراض الجهاز الهضمي، أن كثيراً من المرضى يذهبون إلى الأطباء بسبب أعراض في البطن، ويتم تشخيصها على أنها من القولون العصبي أو التهاب القولون المتهيّج، وجميعها أسماء لنفس المرض الذي يترجم حرفياً باسم «متلازمة الأمعاء المتهيّجة»، وهو من أكثر الأمراض شيوعاً في العالم، حيث إن نسبة انتشاره تصل إلى حوالي 10-15% بحسب الدراسات. وتكمن المشكلة في أن هذا المرض لا يوجد له سبب واضح حتى الآن، لكنّ بعض الأبحاث والنظريات أثبتت أنه ناتج عن خلل في حركة الأمعاء والأعصاب التي تتحكم في حركة هذه الأمعاء، وهناك دراسات عديدة مستمرة تحاول تفسير أسباب حدوث هذا الخلل من حيث نوعية الأكل، والحالة النفسية، أو ربما تعرّض المريض لالتهابات متكررة في الأمعاء، عندما كان في مرحلة الطفولة.
ويضيف: «متلازمة الأمعاء المتهيّجة، مرض مزمن لكنه لا يتطور إلى أمراض خطيرة كسرطان القولون. وعلى المريض أن يتعايش معه، حيث إن نسبة قليلة من المصابين بالقولون يحتاجون إلى التدخل العلاجي، وإن كانت الأعراض شديدة يتم تناول الأدوية حسب إرشادات الطبيب لفترة قصيرة، حيث إن كثيراً من المرضى استطاعوا التغلّب عليه باتباع حمية غذائية تناسبهم، وتجنّب الأطعمة التي تسبب الآلام».
العلامات والتشخيص
ويبيّن د. المريات أن الإصابة بالقولون، يمكن أن تجعل المريض يشكو عرضاً أو اثنين، كالآلام البطن والنفخة، والغازات والإسهال والإمساك، وهذه جميعها تتشابه مع أعراض أمراض أخرى خطيرة تصيب القولون، ولكي يستطيع الطبيب تشخيص المرض بشكل دقيق، فإنه يعتمد على القصة المرضية والفحص السريري، ووجود معايير معيّنة تسمى «معايير روما 4»، حيث تنص هذه المعايير على أنه يجب أن تظل الآلام متكررة في البطن على الأقل لمدة يوم في الشهر، خلال ثلاثة أشهر، مع متابعة مدى الآلم وقت استخدام الحمام، كما أن هناك أمراضاً كحساسية القمح وغيرها من أنواع الحساسية الأخرى، ترافقها أعراض مشابهة، ولكن تكون نسبة حدوثها عالية في الأعمار المتقدمة؛ لذلك يجب أن يتم تشخيص متلازمة الأمعاء المتهيّجة في كبار السن بحذر شديد، بعد التأكد من عدم وجود أمراض خطيرة في الأمعاء، كسرطان القولون.
سرطان القولون
ويشير الدكتور سليل أ. فينجسكر، مختص في المناظير وجراحات الليزر، أن سرطان القولون مرض خطر يصيب الجزء الأخير من الأمعاء الغليظة. وفي أغلب الحالات يبدأ سرطان القولون ككتلة صغيرة من الخلايا غير السرطانية، تدعى «سليلة بوليب»، ورَمِيّة غُدّية، وبعد فترة من الزمن تتحول السلائل أو البوليبات (Polypi)، التي تكوّنت إلى كتل سرطانية متواجدة في القولون، وربما تكون هذه السلائل صغيرة ومصحوبة بعدد قليل من الأعراض إن وجدت، ولذلك ننصح بإجراء فحوص المسح بشكل منتظم، حتى نستطيع منع نشوء وتطوّر سرطان القولون، بواسطة الكشف المبكر عن السلائل، قبل أن تتحول إلى أورام سرطانية. وتظهر أعراض وعلامات سرطان القولون كالآتي:
{ تشنجات (مغص)، وانتفاخات غازية وأوجاع.
{ الشعور الدائم بالتعب أو الضعف.
{ تغيرات في وتيرة استخدام الحمام، تستمر لفترة تزيد على أسبوعين، مصحوبة بأوجاع في البطن.
{ نَزْف من فتحة الشرج.
{ هبوط غير مبرر في الوزن.
نسب الشفاء
ويبين د.فينجسكر، أن الورم في المراحل المبكّرة يتم التخلّص منه من خلال الجراحة لاستئصال جزء من القولون، الذي يحوى الخلايا السرطانية، وإذا ثبت بالتحليل الباثولوجي، أن المريض يحتاج إلى علاج كيميائي تكميلي ووقائي، يتم إعطاء المريض علاجاً لمدة 6 أشهر تقريباً، بعد إجراء الجراحة. وفي هذه المراحل المبكرة (المرحلة الأولى والثانية)، تكون نسب الشفاء عالية وربما تصل من 60 إلى 80%. أما إذا تم اكتشاف المرض في مراحل متأخرة، أو إذا تم ارتداده بعد العلاج الجراحي، فتنخفض نسب الشفاء بصورة كبيرة، ويتم التعامل مع الورم في هذه المراحل باستخدام خطوط العلاج الكيميائي الأخرى.
مضاعفات سرطان القولون
ويفيد د. فينجسكر، أن الإصابة بسرطان القولون تكون بشكل عام، عندما يحدث تغيير ما، وتخرج مجموعة من الخلايا السليمة التي تنمو وتنقسم بصورة منتظمة ومنسقة، بهدف منح الجسم إمكانية العمل وأداء مهامه، بصورة طبيعية ضمن نطاق السيطرة في بعض الأحيان، وهنا تواصل الخلايا الانقسام والتكاثر، حتى دون أن تكون هنالك حاجة لمثل هذا العدد الهائل من الخلايا، وتؤدي هذه الزيادة المفرطة إلى أن يتحوّل بعض هذه الخلايا الفائضة، إلى خلايا مسرطنة سرطانية، داخل غلاف القولون الداخلي، ويتم ذلك خلال فترة زمنية طويلة، يمكن أن تصل إلى عدة سنوات، وفي مراحل متقدمة يمكن لسرطان القولون أن يخترق جدار القولون، وأن يتفشى إلى الغدد اللمفاوية القريبة، أو إلى أعضاء داخلية أخرى، وكما هو الحال في جميع أنواع السرطان، لا يزال السبب الحقيقي الدقيق لتكوّن سرطان القولون غير معروف حتى الآن.
فحوص التشخيص
ويشير د. فينجسكر، إلى أنه لتشخيص الإصابة بسرطان القولون، يفضل إجراء فحوص مسحيّة روتينية للكشف عنه، ابتداء من سن 50 عاماً لجميع الأشخاص، الذين يمكن أن يكونوا في قائمة الناس المعرّضين لخطر الإصابة بسرطان القولون، وهنالك عدة فحوص مسحية لكل منها إيجابيات وسلبيات، ولذلك تكون بحسب إرشادات الطبيب المعالج حول الخيارات المتاحة، ليتم اتخاذ قرار مشترك بشأن أي هذه الفحوصات أكثر ملاءمة في الحالة العينيّة، وتتوفّرعدة خيارات لفحص القولون مثل:
{ فحص التنظير السيني، بمعدل مرة واحدة كل 5 سنوات.
{ فحص سنوي للكشف عن دم خفي في الفضلات.
{ تنظير القولون الافتراضي مرة واحدة كل 5 سنوات.
{ فحص بحقنة مزدوجة التباين، مرة واحدة كل 5 سنوات.
{ تنظير القولون مرة واحدة كل 10 سنوات.
الأكثر إصابة
ويفيد د. فينجسكر، أن هناك فئة من الأشخاص تعانى احتمال الإصابة بمرض سرطان القولون أكثر من غيرها، وهم من تتوفر فيهم العوامل الآتية:
{ 90% تقريباً ممن تم تشخيص إصابتهم بسرطان القولون تجاوزوا سن 50 عاماً.
{ المصابون بأمراض التهابية في الأمعاء.
{ من يعانون خللاً وراثياً في المتلازمات التي تنتقل في العائلة من جيل إلى آخر، يمكن أن تزيد خطر الإصابة بالمرض، حيث إن هذه المتلازمات مسؤولة عن 5% من مجمل حالات سرطان القولون، كما أن إحدى هذه المتلازمات الوراثية تدعى داء السلائل الورميّة الغُـدّيّة العائلي، وهي متلازمة نادرة تتسبب في نشوء آلاف السلائل على جدران الأمعاء، وفي داخل المستقيم.
{ إذا كانت في العائلة إصابات سابقة بمرض سرطان القولون، أو الأمعاء أو بسلائل في القولون.
{ ربما ترتبط الإصابة بسرطان القولون بالأنظمة الغذائية قليلة الألياف، أو الغنية بالدهون والسعرات الحرارية، أو السمنة المفرطة.
{ عدم أو قلة ممارسة النشاط الجسماني والبدني.
{ مرض السكري.
{ التدخين وتناول الكحوليات.
{ اضطرابات في هرمون النمو.
{ معالجات إشعاعية للسرطان.
مراحل التطور
ويذكر د.فينجسكر، أن الإصابة بسرطان القولون تمر بعدة مراحل هى:
{ المرحلة صفر، عندما يكون الورم السرطاني لا يزال في مراحله الأولية، لم ينمُ أو ينتشر بعد إلى خارج البطانة الداخلية (المخاطية) للقولون أو المستقيم، وفي هذه النقطة يمكن وصف السرطان بأنه ورم خبيث محلي.
{ المرحلة الأولى، التي ينمو فيها الورم السرطاني وينتشر إلى خارج بطانة القولون، لكنه لم ينتقل إلى خارج جدار القولون أو المستقيم بعد.
{ المرحلة الثانية وفيها يكون الورم السرطاني نما وانتشر واخترق جدار القولون أو المستقيم، لكنه لم ينتقل بعد إلى العقد اللمفاوية المجاورة.
{ المرحلة الثالثة التي يصل فيها سرطان القولون إلى العقد اللمفاوية المجاورة، لكنه لا يؤثر على أعضاء أخرى في الجسم.
{ المرحلة الرابعة وفيها يتقدّم الورم وينتشر السرطان على نطاق واسع في الجسم، وخاصة الأعضاء الداخلية مثل الكبد أو الرئتين، أو إلى الغشاء الذي يغلّف تجويف البطن، أو إلى أحد المبيضين (لدى النساء).
العلاج
ويوضح د.فينجسكر، أن الجراحة لاستئصال القولون تعتبر الحل الرئيسي لمعالجة مرض سرطان القولون، ويتم تحديد نوع العلاج من قبل الطبيب المعالج، بحسب المرحلة التي وصل إليها المريض، وتتمثّل أنواع العلاجات الرئيسية في المعالجة الجراحية، والمعالجة الكيميائية والمعالجة الإشعاعية. أما بالنسبة لحجم الجزء الذي سيتم استئصاله من القولون خلال العملية الجراحية، أو عما إذا كانت هناك أنواع علاجية إضافية أخرى، كالمعالجة الإشعاعية أو الكيميائية، التي تُشكل حلاً مناسباً لهذا المريض، فإن ذلك يخضع لعوامل عدة أهمها، مكان الورم السرطاني، والعمق الذي اخترقه، وحفره في جدار القولون، وما إذا كان السرطان انتقل أو تفشّى إلى الغدد اللمفاوية، أو أعضاء داخلية أخرى في الجسم.
إرشادات وقائية
ويؤكد د.فينجسكر أن أهم العوامل التي تدعم العلاج الطبي، تكمن في توفير الرعاية الصحية لمريض سرطان القولون، وتقديم الدعم النفسي له، خاصة من عائلته والطاقم الطبي المعالج، وهو الشيء الذي يساهم بشكل كبير في إتمام الشفاء والعلاج المرحلي، كما يجب أن ينصح الطبيب مرضاه بالتخلّص من الضغوط والأعمال المرهقة، واتباع تعليمات اختصاصي التغذية، بحيث يجب تناول كثير من الفواكه، والخضار والحبوب الكاملة، والتقليل من الدهون، خاصة الدهون المشبّعة، واتباع نظام غذائي متّزن ومتنوع، من أجل زيادة كمية الفيتامينات والمعادن التي يحتاجها الجسم، والتقليل من استهلاك المشروبات الكحولية، والتوقف عن التدخين، وممارسة النشاط البدني، والحفاظ على وزن صحي.
أرقام صادمة
يعد سرطان القولون السبب الثاني للوفيات، ويبدأ عادة من تحوّل بطيء من بعض الأورام الحميدة، التي تتكون لدى البعض في الجدار الداخلي للقولون أو المستقيم، إلى ورم سرطاني، وذلك خلال 10-15 سنة، وبشكل عام فإن السرطان مرض يحمل أكثر من 100 نوع، ويصيب الجنسين على حد سواء بمختلف أعمارهم، حيث يتسبب في وفاة 8 ملايين نسمة (نحو 13% من مجموع الوفيات) سنوياً، ومن أهم الأمراض السرطانية الرئيسية: سرطان الرئة الذي يتسبب في وفاة 1.4 مليون حالة سنوياً، وسرطان المعدة الذي يحصد 866 ألف حالة، وسرطان الكبد الذي يودي بحياة 653 ألف حالة، وسرطان القولون الذي يقتل 677 ألف حالة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"