حليب الأم والحليب الصناعي أيهما الأفضل لمستقبل الطفل؟

13:43 مساء
قراءة 15 دقيقة

ازدادت نسبة تغذية الأطفال بواسطة الحليب الصناعي تافي الوقت الحاضر، إذ وصلت الى 90% في بعض الدول، وانخفضت نسبة تغذية الأطفال من حليب الأم الى 10% فقط .

وهناك جدل كبير حول حسنات حليب الأم ومساوئ الحليب الصناعي، وسوف نحاول في هذه الأسطر المقارنة بين الحليبين ونترك للقارئ معرفة وتمييز الأصلح .

مكونات الحليب الصناعي وحليب الأم

تختلف المكونات الرئيسية من البروتين والكاربوهيدرات والدهون والفيتامينات والمعادن الموجودة في حليب الأم عن مكونات الحليب الصناعي .

البروتين

حليب الأم = 1غم

الحليب الصناعي = 5 .3 غم

يحتوي الحليب الصناعي على كمية كبيرة من البروتين بحدود ثلاثة أضعاف ما يحتويه حليب الأم، ولهذه الزيادة مساوئها:

1- عملية التمثيل الغذائي للبروتين ينتج عنها صنع اليوريا، وهذه اليوريا تطرد بواسطة الكلى .

والحليب الصناعي لاحتوائه على بروتين عال ينتج كميات كبيرة من اليوريا التي تشكل ثقلاً كبيراً على الكلى عند طردها وخصوصاً في الأطفال الخدج الذين ولدوا قبل أوانهم أو أقل وزناً من الطبيعي، حيث تكون الكلى ضعيفة ولا تتحمل هذه الكمية الكبيرة من اليوريا .

2- يحتوي البروتين على الكازين، وحليب الأم يحتوي على 20% كازين بينما يحتوي الحليب الصناعي على 50% كازين .

والكازين في معدة الطفل يتخثر ويصبح على شكل كتلة صلبة، ولوجود كازين عال في الحليب الصناعي فإن ذلك يؤدي الى تكون كتلة كبيرة في معدة الطفل ما يؤدي الى إصابته بسوء الهضم وحدوث الغازات وثقل في المعدة، وخصوصاً لأن البروتين لا يمتص سريعاً من الأمعاء .

3- مكونات البروتين من الأحماض الأمينية تكون متوفرة بدرجة عالية في حليب الأم، مما يجعل عملية نمو الطفل أكثر كفاءة من الحليب الصناعي .

4- يتوفر الحامض الأميني السستايين في حليب الأم بكمية عالية، والسستايين يتكون في الجسم من الحامض الأميني المثييونين، وعملية تحول المثيونيين الى سستايين تكون مفقودة عند الأطفال في بداية الأسابيع الأولى من عمرهم، مما يجعل تناول السستايين عن طريق الحليب ضرورياً جداً . ويتحول السستايين الى تاورين الذي يتحد مع المادة الصفراء المفرزة من الكبد ليكون تايروكولك أسيد وهو المهم في عملية تحلل الدهون في الجسم وفي عملية هضم الشحوم في الغذاء وامتصاصها .

الدهون

حليب الأم = 4 غم

الحليب الصناعي= 8 .3 غم

الدهون تكون أكثر نسبياً في حليب الأم منها في الحليب الصناعي، والاختلاف يكون في مكونات الدهون من الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة والتي تكون نسبة كبيرة في حليب الأم (2 .7 غم/100غم من الدهون)، بينما تكون بنسبة قليلة في الحليب الصناعي (4 .1غم/100غم الدهون) .

والأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة ضرورية جداً في عملية نمو الطفل، حيث أثبتت بحوث عديدة أن نقص هذه الأحماض يؤدي الى تأخر النمو عند الأطفال وإصابتهم بالأكزيما الجلدية .

ويجب ألا تقل نسبة الطاقة الناتجة عن الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة عن 5 .0% من إجمالي الطاقة التي يحتاجها الطفل .

ويحتاج الطفل الى نسبة 1% طاقة تأتي من الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة لعملية نموه .

وحليب الأم يمنح الطفل 6% تأتي من الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة، أما الحليب الصناعي فإنه يمنح الطفل 5 .0% طاقة من الأحماض الدهنية غير المشبعة المتعددة .

نمو الطفل وزيادة الوزن

يولد الطفل ويسير نموه على خط معين يحافظ فيه على وزنه بالنسبة لعمره أو لطوله .

وإعطاء الحليب الصناعي الذي يحتوي على نسبة عالية من البروتينات يجعل الطفل متقبلاً للتغير من خط نموه الطبيعي الى خط أعلى مما يصيبه بزيادة في الوزن والإصابة بالسمنة .

وفي بحوث عديدة أجريت على أشخاص مصابين بالسمنة ومضاعفاتها وجدوا أنهم كانوا يتناولون الحليب الصناعي في السنوات الست الأولى من عمرهم مما يجعل الطفل عرضة للإصابة بزيادة الوزن وتضخم الخلايا الشحمية .

وحسب الجدول الذي يوضح خط سير نمو الطفل الطبيعي، فإن هناك أطفالاً يولدون على خط سير ،3 وآخرين على خط 10 و50 و90 و،97 وكل خط له وزنه الخاص بالنسبة الى عمر الطفل .

وعند إعطاء الطفل الحليب الصناعي فإنه ينتقل الى خط أعلى من خطه الطبيعي مما يجعل وزنه أكثر من الطبيعي . وتبدأ الخلايا الشحمية بالتضخم واستيعاب كمية أكبر من المواد الشحمية وبالتالي الإصابة بالسمنة .

الكاربوهيدرات (اللكتوز)

حليب الأم = 4 .7 غم

الحليب الصناعي = 5 .4 غم

يحتوي حليب الأم على كمية كبيرة من اللكتوز، واللكتوز يساعد على امتصاص الكالسيوم من الحليب، وهو مصدر كاربوني جيد لبعض البكتيريا في الأمعاء تدعى لاكتو-باسيلوز، والأمعاء عند الأطفال تمتص 10% من اللكتوز الموجود في الحليب والباقي تستفيد منه هذه البكتيريا في الأمعاء .

الفيتامينات

يحتوي كل من حليب الأم والحليب الصناعي على كمية جيدة من الفيتامينات ما عدا فيتامين D، حيث يكون بنسبة قليلة في الحليب الصناعي .

فحليب الأم يحتوي على 8 مايكروغرام/100 سي .سي حليب من فيتامين D، أما الحليب الصناعي فإنه يحتوي على كمية قليلة جداً من فيتامين D (أقل خمس مرات من كمية فيتامين D الموجود في حليب الأم) .

وفيتامين D الموجود في حليب الأم له خاصية فريدة كونه يذوب في الماء مما يساعد على عملية امتصاصه من قبل الأمعاء والاستفادة منه، فلذلك نجد الأطفال الذين يعتمدون على حليب الأم أقل عرضة للإصابة بالكساح .

أما فيتامين C (ه) فيوجد في حليب الأم بكمية تتراوح بين 3 - 4 ملغم/100 سي .سي من الحليب، وهذه الكمية تكون كافية لمنع الطفل من الإصابة بالاسقربوط (نزف اللثة وعدم التئام الجروح والتحام الكسور) وبما أن فيتامين C يتأثر بالحرارة فإن تحضير الحليب الصناعي يحتاج الى غليان مما يفقد الحليب ميزة احتوائه على فيتامين C، لأنه يتأكسد بالحرارة العالية مما يجعل الطفل عرضة للإصابة بالاسقربوط، فلذلك وجب إعطاء الأطفال الذين يعتمدون على الحليب الصناعي قطرات طبية حاوية على فيتامين C .

ويحتوي حليب الأم على 10 - 20 مايكروغرام/100 سي .سي حليب من فيتامين B1 .

أما فيتامين B2 فحليب الأم يحتوي على 30 مايكروغرام/100 سي .سي حليب .

وهذه الكمية تكون كافية بالنسبة للطفل .

أما الحليب الصناعي فإنه يحتوي على كمية كبيرة من فيتامين B2 230 مايكروغرام/ ليتر من الحليب، ولكن تعرض الحليب الى أشعة الشمس يجعله خالياً من فيتامين B2 لأنه يتأكسد بوجود أشعة الشمس .

المعادن والأملاح

تختلف نسبة المعادن والأملاح الموجودة في حليب الأم أو الحليب الصناعي، حيث تكون نسبة الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنزيوم والفوسفور والزنك عالية في الحليب الصناعي وتكون نسبة الحديد والنحاس في حليب الأم .

وهذه الزيادة في نسبة المعادن لها تأثير في جسم الطفل وعمل الأعضاء الداخلية .

أ - الصوديوم

حليب الأم = 7 ملمول/ ليتر

الحليب الصناعي = 25 ملمول/ ليتر

الحليب الصناعي يحتوي على كمية كبيرة من الصوديوم، وكل هذه الكمية تمتص وتطرد عن طريق الكلى، وبما أن فاعلية الكلى عند الأطفال تكون غير متكاملة، فإن ذلك يؤدي الى عدم طرح جميع الصوديوم في الإدرار، وزيادة نسبة الصوديوم في الدم والإصابة بالتيبس المائي (فقدان الماء من الجسم) .

وأغلب الأمهات يحضرن الحليب الصناعي بطريقة خاطئة، بحيث يكون أكثر تركيزاً ويحتوي على كمية قليلة من الماء، مما يجعل كمية الصوديوم عالية في الرضعة الواحدة، ويؤدي الى زيادة نسبة الصوديوم في الدم، ونتيجة لكثرة الإصابة بالإسهال المرافق للرضاعة الصناعية الآتي من عدم أو قلة تعقيم أدوات الرضاعة، فإن ذلك يساعد على زيادة نسبة الصوديوم بالدم والإصابة بالتيبس المائي للطفل .

وهناك 1000 - 6000 حالة وفاة لأطفال من الذين يعتمدون على الرضاعة الصناعية مصابين بالتيبس المائي وفقدان الماء من الدماغ .

ب - الكالسيوم

حليب الأم = 34 ملغم/100 سي .سي

الحليب الصناعي = 120ملغم/100 سي .سي

الحليب الصناعي يحتوي على كمية كبيرة من الكالسيوم الموجود في الحليب يمتص ويطرد على طريق الكلى، والمشكلة في وجود فيتامين D الذي يساعد على امتصاص الكالسيوم، فعدم وجوده في الحليب الصناعي يجعل الشركات المصنعة للحليب تضيف كميات كبيرة من فيتامين D مما يؤدي الى زيادة امتصاص الكالسيوم والإصابة بتكلس الكلى والمثانة .

ج - الفوسفور

حليب الأم = 14 ملغم/100 سي .سي

الحليب الصناعي - 95 ملغم/100 سي .سي

تحدث حالات من التشنجات العضلية للأطفال في الأسابيع الأولى من عمرهم، أو الأطفال الخدج، وكذلك يعتمدون على تناول الحليب الصناعي .

وسبب هذه التشنجات وجود نسبة عالية من الفوسفور في الحليب الصناعي والذي لا تستطيع الكلى طرده في الإدرار مما يؤدي الى زيادة نسبة الفوسفور في الدم .

وهناك خاصية تجاذب بين الفوسفور والكالسيوم مما ينتج زيادة سحب الكالسيوم من الدم وقلة نسبة الكالسيوم في الدم تصيب الطفل بحالات التشنج العضلية .

المناعة

يكون الجنين في داخل الرحم خالياً من البكتيريا، وعند الولادة وفي الأسابيع الأولى من عمره يكون عرضة لغزو من قبل أنواع عديدة من البكتيريا .

وعند عدم وجود المناعة الكافية لديه تزداد نسبة إصابته بالالتهابات وترتفع نسبة الوفاة .

المادة اللزجة التي تفرزها الأم في الأيام الأولى من بدء الرضاعة تدعى كلوستروم، وتحتوي على نسبة عالية من عوامل المناعة التي تمنح الطفل المناعة الكافية والضرورية ضد البكتيريا التي تغزو جسمه .

ومن هذه العوامل ال IGA ولكتوفرين وليزوزايم، وهذه العوامل تحمي الطفل من الإصابة بالأمراض وخصوصاً أمراض الجهاز الهضمي .

وبالإضافة الى وجود هذه العوامل المهمة في حليب الأم يوجد عامل آخر يدعى عامل بيفيدوس، وعمله تنشيط بعض البكتيريا في أمعاء الطفل وهي بكتيريا اللكتور بسيلوز والتي تعمل على جعل الوسط في الأمعاء حامضاً مما يؤدي الى قتل البكتيريا الضارة أو عدم تكاثرها .

أما الحليب الصناعي فإنه لا يحتوي على هذه العوامل التي تمنح جسم الطفل المناعة ضد البكتيريا والأمراض، فلذلك نجد أغلب التهابات الأمعاء منتشرة عند الأطفال الذين يعتمدون على التغذية الصناعية .

الالتهابات

الأطفال الذين يعتمدون على الرضاعة الصناعية تكثر لديهم الإصابة بالالتهابات وخصوصاً التهاب المعدة والأمعاء الحاد، مما يؤدي الى زيادة نسبة الوفيات عند الأطفال، وتأتي هذه الزيادة في الوفيات نتيجة عدم وجود عوامل المناعة المتوفرة في حليب الأم . وكذلك تلوث الزجاجات أو (القناني) وعدم تعقيمها تعقيماً جيداً، مما يؤدي الى دخول البكتيريا المضرة الى أمعاء الطفل، بينما يكون حليب الأم معقماً ونظيفاً وخالياً من البكتيريا الضارة، ولذلك نجد أن نسبة وفيات الأطفال الذين يعتمدون على الرضاعة الصناعية تكون أضعاف نسبة وفيات الأطفال الذين يعتمدون على حليب الأم في تغذيتهم .

تحديد النسل

الفائدة الأخيرة لحليب الأم هي تحديد النسل، فعملية الرضاعة المستمرة تحفز غدة الهايبوتاملس الموجودة في الدماغ، الذي يتأثر بقلة هرمون الاستروجين والذي يؤدي الى عدم نضوج البويضة، مما يمنح فرصة كبيرة للمرأة بعدم الحمل .

وأغلب النساء تكون الرضاعة المستمرة لأطفالهن بمثابة مانع طبيعي للحمل طوال فترة الرضاعة .

الرضاعة تحافظ على النحافة

أظهرت دراسة أمريكية أن الرضاعة تساعد الأمهات على الحفاظ على نحافتهن لاحقاً .

وأفاد موقع هلث داي نيوز الأمريكي أن الدراسة التي أجراها مجموعة من الباحثين في جامعة بيتسبرغ بيّنت أن لدى النساء اللواتي أرضعن أطفالهن لفترة، كميات قليلة من الدهون في منطقة البطن هي أقل من تلك الموجودة لدى غير المرضعات .

ونقل عن المسؤولة عن الدراسة كانداس ماكلور قولها إن البطن هو المنطقة الأقل صحة للمرأة لتخزين الدهون، ويبدو أن الرضاعة الطبيعية تستهدف هذه الدهون السيئة . ووجدت الدراسة التي شملت 351 امرأة بلغ متوسط أعمارهن 51 سنة، أن حجم النساء متوسطات الأعمار، اللواتي أرضعن أطفالهن، في منطقة البطن أقل بمعدل 08 .5 سنتيمتر عن غير المرضعات . وكانت وزارة الصحة الأمريكية أشارت إلى أن للرضاعة الطبيعية منافع كبيرة للرضع بينها التخفيف من خطر التعرّض لأمراض الأذن، وضيق التنفس، ومشاكل المعدة، والأمراض التنفسية، والحساسية الجلدية، والسكري ومتلازمة الموت الفجائي لدى الرضع.

ماجستير تغذية علاجية - جامعة لندن

E .mail: dr_msh2009@yahoo .com

* * *

الرضاعة الطبيعية أفضل حتى للمصابات بالإيدز

قد تكون الرضاعة الطبيعية من الثدي طبيعية، لكنها ليست بسيطة دائماً .

وتقول أنّا كوتسوديز، البروفيسور في قسم طب الأطفال وصحة الأطفال في جامعة كوازولو ناتال، دوربان، في جنوب افريقيا إن المشكلة تبدأ في الأسابيع الأولى من الرضاعة الطبيعية، مضيفة ان مقدمي الرعاية الصحية يفتقدون المهارات المطلوبة لتقديم الدعم والنصيحة . وتتابع: وبذلك عندما تظهر المشاكل - كالحلمات المشقوقة فلن يرضع الطفل ولن يكون راضياً - وغالباً ما تحصل الأمهات على نصائح غير مجدية، وبعدها يصبن بالإحباط ويُطلَب منهنَّ إيقاف الرضاعة الطبيعية تماماً وإعطاء البدائل الصناعية .

تقول ثيلما راكا، استشارية الحمل والولادة المعتمدة في مستشفى موبراي للتوليد في كيب تاون إذا كانت الأم مصابة بفيروس العوز المناعي البشري سيزداد الشك مضيفة: ان بعض المستشارين أنفسهم يعانون من الحيرة حول ممارسات تغذية الرضع الصحيحة والعدوى بفيروس العوز المناعي البشري .

وحتى وقتٍ قريب، كانت منظمة الصحة العالمية تنصح الأمهات المصابات بفيروس العوز المناعي البشري بتجنب الرضاعة الطبيعية إذا كنّ قادراتٍ على تأمين الحليب الصناعي وإعداده وتخزينه بشكلٍ آمن . لكن ظهرت أبحاثٌ، وبخاصة في جنوب إفريقيا، أظهرت أنّ الحفاظ على الإرضاع المقتصر على الثدي مع المعالجة بمضادات الفيروسات القهقرية يمكن أن يقلّل على نحو يعتد به إحصائياً من خطر انتقال العدوى بفيروس العوز المناعي البشري إلى الأطفال عن طريق الإرضاع الطبيعي .

وأطلقت منظمة الصحة العالمية في 30 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2009 توصياتٍ جديدةً عن تغذية الرضّع من الأمهات المصابات بفيروس العوز المناعي البشري مستندةً إلى هذه البيّنة الجديدة .

وللمرة الأولى، تنصح منظمة الصحة العالمية بأن تأخذ الأمهات المصابات بفيروس العوز المناعي البشري أو الرضّع مضادات الفيروسات القهقرية طوال فترة الرضاعة الطبيعية وإلى أن يصبح عمر الرضيع 12 شهراً . وهذا يعني أنّ الطفل يستطيع أن يستفيد من الرضاعة من الثدي باختطار قليل جداً لإصابته بعدوى فيروس العوز المناعي البشري .

وأظهر بحثٌ سابق أنّ الاقتصار على الإرضاع من الثدي طوال الأشهر الستة الأولى من حياة الرضيع يرتبط مع تناقص اختطار الإصابة بالعدوى بفيروس العوز المناعي البشري بمقدار ثلاثة إلى أربعة أضعاف بالمقارنة بالرضّع الذين يرضعون من الثدي ويتلقون أيضاً أنواعاً أخرى من الحليب الصناعي أو الأطعمة .

وقد أسهمت دراستان إفريقيتان رئيسيتان في صدور التوصيات الجديدة حيث نُشرت نتائجهما في تموز/يوليو2009 في مؤتمر الجمعية الدولية للإيدز والعدوى بفيروسه في كيب تاون .

ووجدت دراسة كيشو بورا التي أدارتها منظمة الصحة العالمية أن إعطاء الأمهات المصابات بفيروس العوز المناعي البشري توليفة من مضادات الفيروسات القهقرية خلال الحمل والولادة والرضاعة الطبيعية قلّل من اختطار انتقال فيروس العوز المناعي البشري إلى الرضّع بنسبة 42% .

كما أظهرت دراسة الرضاعة الطبيعية ومضادات الفيروسات القهقرية والتغذية التي أجريت في مالاوي أيضا تناقصاً في اختطار الإصابة بفيروس العوز المناعي البشري حتى 8 .1% فقط بين الرضّع الذين أُعطوا النيفرابين كدواءٍ مضاد للفيروسات القهقرية يومياً أثناء الرضاعة الطبيعية لستة أشهر .

وبالرغم من هذه الاكتشافات ستظل هناك تحديات أمام تبديل الثقافة المتأصِّلة عن الإرضاع الصناعي في جنوب إفريقيا .

فقد تأثرت المواقف الراهنة بالانتشار المرتفع لفيروس العوز المناعي البشري- حيث إن 18% من البالغين مصابون بالفيروس وفقاً لتقديرات عام 2008 لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الايدز والعدوى بفيروسه .

ووجد المسح الصحي الديموغرافي لجنوب إفريقيا لعام 2003 أن أقل من 12% من الرضّع يرضعون رضاعة مقتصرة على الثدي خلال الشهور الثلاثة الأولى من عمرهم، وتنخفض هذه النسبة إلى 5 .1% للرضع الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وستة أشهر .

ولا يزال بعض العمال الصحيين أنفسهم غير مقتنعين بمنافع الرضاعة الطبيعية من الثدي، حتى بالنسبة للأمهات غير المصابات بفيروس العوز المناعي البشري .

وتقول ليندا غلين، استشارية الرضاعة الطبيعية في مستشفى موبراي للتوليد في كيب تاون: توجد هنا فكرة شائعة بأن الرضاعة من الثدي غير مهمة، ولا توجد ضرورة حتمية للإرضاع من الثدي، خصوصاً عندما يمكن اللجوء إلى التغذية الصناعية . وتضيف يعتقد بعض العمال الصحيين هنا أنّ الرضاعة الطبيعية مضيعةٌ للوقت وأنها غير ملائمة .

وكثيراً ما تقع المخاطر الناجمة عن عدم الرضاعة الطبيعية من دون أن تُلاحظ . فمعظم الأطفال الذين يولدون لأمهات مصابات بفيروس العوز المناعي البشري ويتغذون على الألبان والتغذية الصناعية لا يموتون بسبب الايدز لكنهم يموتون بسبب نقص التغذية والإسهال والالتهاب الرئوي وأسباب أخرى غير متعلقة بفيروس العوز المناعي البشري .

إن مزايا الرضاعة الطبيعية لا تقتصر على إمداد الأطفال بالمغذيات التي يحتاجونها للنماء فحسب، بل أيضاً إمدادهم بالأضداد التي يحتاجون إليها لحمايتهم من الأمراض الشائعة والمميتة .

وتوصي منظمة الصحة العالمية بأن تمارس كلُّ الأمهات بغض النظر عن إصابتهن أو عدم إصابتهن بفيروس العوز المناعي البشري الرضاعة المقتصرة على الثدي - وهي تعني عدم إعطاء أي سوائل أو أطعمة أخرى بما في ذلك الماء - طوال الشهور الستة الأولى من عمر الرضيع . وبعد انقضاء الشهور الستة، يجب البدء بتغذية الطفل بالأطعمة التكميلية . ويجب على الأمهات غير المصابات بفيروس العوز المناعي البشري أن يمارسن الإرضاع من الثدي حتى يصبح عمر الرضيع سنتين أو أكثر .

وتقول بيني رايمرز من قسم التمريض في جامعة دوربان للتكنولوجيا انه حدث تدهور أشد في الرضاعة الطبيعية في البلدان التي كان يوُزِّع فيها الحليب الصناعي مجاناً، وتعتبر جنوب إفريقيا المثال الأكبر على ذلك . فقد وُزِّع حليب الرضّع الصناعي من قِبل السلطات الوطنية والمحلية ومن قبل المنظمات المحلية غير الحكومية لمنع انتقال فيروس العوز المناعي البشري من الأم للطفل، وقد أضعفت هذه المبادرة على نحو جسيم الإرضاع الطبيعي .

وتقول رايمرز: كانت النتيجة غير المتوقعة لهذه الحملة أنه حتى الأمهات غير المصابات بفيروس العوز المناعي البشري قد توجَّهن لاستخدام الحليب الصناعي .

وأحد الأسباب وراء هذا التغير هو انتشار الاعتقاد الخاطئ بأن الألبان الصناعية أفضل من لبن الثدي، وهو إدراكٌ نتج جزئياً، بحسب اعتقاد الباحث كوتسوديز، عن حملات التسويق القوية والمضلِّلة لشركات الألبان الصناعية التي أدت إلى انتشار ادِّعاءاتٍ لا أساس لها من الصحة بأن الحليب الصناعي يحتوي على مكوِّناتٍ خاصةً تحسِّن صحة الطفل .

ويقول كوتسوديز: إنه يتم حجب الحقائق عن الأمهات، ولا يُخبرن بأفضلية لبن الثدي التي لا مثيل لها لصحة الرضّع، ولا يخبرن بمخاطر الحليب الصناعي؛ وأنه ليس منتجاً معقماً دائماً بل يتعرض للتلوث بسهولة .

وبجانب حملات التسويق التي يشنها منتجو الألبان الصناعية، هناك وسائل ضغط أخرى كان لها دور مماثل، ومنها تغير دور المرأة في المجتمع في جنوب إفريقيا، فالعديد من النساء خرجن للعمل في أعمال مأجورة لأكثر من عشرين سنة مضت، وتعاني الكثير من الأمهات في المواءمة بين أوقات الإرضاع وأوقات العمل .

فعندما رُزقت باتو بانزي، وهي موظفة في إدارة محكمة الصلح في وينبرغ، بابنها الثاني مُنحت أربعة أشهر إجازة أمومة وفقاً لقانون العمل في جنوب إفريقيا، لكنها عانت بعد ذلك عندما حان وقت العودة إلى العمل .

وتقول: كنت محظوظة لأنني كنت أعيش قريباً من مكان عملي بحيث كنت أستطيع أن أعود للمنزل لإرضاع طفلي والعودة بسرعة إلى العمل . وتحولَت لاحقاً إلى تعصير لبن الثدي، وحفظه في زجاجات، لكن كان عليها أن تذهب إلى قاعة اجتماعات مجلس إدارة الشركة لتكون بعيدة عن الأنظار وتشعر بالخصوصية أثناء تعصير الثدي .

وكانت ديدري زيمري، مديرة العمليات في إحدى شركات النقل، تقوم بتعصير الثدي في غرفة الانتظار عندما تخلو الغرفة . وتشعر كل من بانزي وزيمري بأن إجازة الأمومة لمدة أربعة أشهر غيرُ كافية .

وتقول لويس غوسن، استشارية الرضاعة الطبيعية في مستشفى موبراي للتوليد في كيب تاون، إنّ العودة إلى العمل هي أحد الأسباب الأكثر شيوعاً لتوقف الإرضاع الطبيعي . وحتى بالنسبة للأمهات اللواتي لا يعملن أو لا يتوجّب عليهنَّ الجمع بين العمل ورعاية الطفل، فإن التحول لاستخدام الحليب الصناعي هو ببساطة شيءٌ مُغْرٍ بدرجة كبيرة بسبب الاعتقاد بأنه مناسب .

وتشرح غوسن قائلة على أية حال نحن بحاجة لتشجيع وتثقيف الأمهات بأهمية وسهولة إدرار حليب الثدي والمحافظة عليه لإعطائه للطفل عندما تكون الأم في العمل حتى يستمر الطفل في الحصول على أفضل تغذية ممكنة .

وتقول لولاما سيغازانا، اختصاصية التغذية العاملة في إيكامفا لابانتو، وهي منظمة غير ربحية في جنوب إفريقيا مقرها في كيب تاون: فما الذي يمكن فعله لجعل النساء يخترن بسهولة خيار الإرضاع الطبيعي؟ أظن أن على الحكومة إقناع المصانع وجهات العمل بسهولة مُواصلة الأمهات للإرضاع الطبيعي بعد عودتهن إلى العمل .

وتعتقد أيضاً أنه يجب توفير المكان والوقت الملائمين للأمهات حتى يتمتعن بالخصوصية في الإرضاع بعيداً عن الأنظار أثناء العمل .

وتقول إن الحكومة تستطيع أن تقوم بالكثير لإيصال الرسالة بأن الرضاعة الطبيعية هو الأفضل .

وتضيف يوجد بالفعل بعض الحملات مشيرةً إلى مبادرة المستشفيات الصديقة للرضع والأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية، والذي تجرى فعالياته في الأسبوع الأول من شهر آب/أغسطس، لكننا مازلنا في حاجة إلى المزيد من البرامج لتعزيز الرضاعة الطبيعية والاستمرار عليه .

وتعتقد سيغازانا أن الدعوة إلى تأييد الرضاعة الطبيعية ينبغي أن توجه إلى الذين يؤثرون في قرار المرأة في الإرضاع، أي زوجها وبقية أفراد الأسرة .

وتقول: إن ما توجه به الجدَّة، في كثير من الأسر، هو ما يجري اتباعه بالفعل . فإذا قالت الجدة أنه على الأم أن ترضع، سيكون هذا هو خيارها الأمثل، لكن إذا اتجهت الجدة نحو الحليب الصناعي، فستعتمد الأم على الحليب الصناعي . ولن يجدي الاعتماد على تثقيف الأمهات فقط، فهناك ضرورة لوجود حملات وطنية تستهدف الجميع .

ويوافق كوتسوديز، قائلاً يجب أن تمتد برامج الدعوة للرضاعة الطبيعية إلى كامل المجتمع حتى يعود الإرضاع من الثدي مرةً أخرى ليكون هو الوسيلة الطبيعية لتغذية الطفل . وذلك لا يمكن تحقيقه إذا كان العديد من العمال الصحيين سريعين في وصف الحليب الصناعي .

ويقول كوتسوديز: إن شركات الألبان الصناعية تسعى إلى التأثير في مفاهيم العاملين الصحيين، فمندوبو الشركات يزورون كثيراً العاملين الصحيين، ويوطدون العلاقاتٍ معهم، حتى يمكنهن التسويق لمنتجاتهم، ومن دون دعم العاملين الصحيين الفعال، لن يمكن تغيير المواقف الخاطئة علن نحو سريع، أليس كذلك؟ .

وهناك أمر أكيد وهو أن العاملين الصحيين سيدعمون على نحو أقوى هذه الرسالة الصحية إذا كانوا على إطّلاع وإلمام بالبحوث الراهنة . وبمعنى آخر كما قالته سيغازانا: نحتاج إلى أن نتأكد من أن الذين يتعاملون مع الأمهات ينقلون إليهن المعلومات الصحيحة .

(المصدر: منظمة الصحة العالمية).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"