البكتيريا المقاومة للمضادات تقلّد بروتينات البشر

17:42 مساء
قراءة 8 دقائق

وجد باحثون أمريكيون أن البكتيريا التي كانت تعد قابلة للعلاج عن طريق المضادات الحيوية، قد تكون تطوّر مقاومة لهذه المضادات عبر تقليد بعض البروتينات البشرية . وذكرت الدراسة التي نشرت في مجلة بابليك لايبراري للعلوم، وأعدها فريق في معهد أبحاث ترانسليشونال جينوميكس في فينيكس بولاية أريزونا الأمريكية، أن التقليد الجزيئي الذي تتبعه البكتيريا قد يساعد في تفسير سبب عودة ظهور بعض البكتيريا المسببة للأمراض البشرية خلال السنوات الأخيرة .

قالت الباحثة المسؤولة عن الدراسة ميا شامبيون إن هذا التقليد يسمح للبكتيريا بتفادي ردات الفعل الدفاعية للجسم المضيف، وتجنب جهازنا المناعي .

واستطاع العلماء تحديد عدد من عائلات البروتينات الشبيهة جداً لبروتينات بشرية، لدى بعض البكتيريا المسببة للأمراض البشرية .

وقد وجدت هذه البروتينات في البكتيريا المعدية بينها البكتيريا المسببة للسل .

وقال الباحثون إنه بسبب الشبه الكبير بين بروتينات البكتيريا وبروتينات عند الإنسان، فإنها تستطيع أن تتدخل في ردة الفعل المناعية للجسم ضد البكتيريا، وبالتالي حمايتها .

ويقول الخبراء إنه عندما تتعرض البكتيريا لنفس المضاد الحيوي فإن ذلك يؤدي حتما إلى خلق نوع جديد من البكتيريا المقاومة لهذا المضاد أي يصبح غير فعال، خصوصاً عند استخدامه لوقت طويل من دون داعٍ ومن دون إشراف طبي جيد .

وفي بعض الأحيان ينتج عن هذا التغير أن تقوم البكتيريا بمحاربة المضادات الحيوية والانتصار عليها أيضاً، عندها تقوم هذه البكتيريا بالتكاثر والانقسام حتى أثناء أخذ المضاد الحيوي حيث إنه غير فعال . ويطلق على هذا النوع البكتيريا المقاومة لهذا المضاد الحيوي .

وقد تكون بعض أنواع البكتيريا مقاومة لأكثر من نوع من المضادات الحيوية نتيجة طبيعية للاستخدامات الخاطئة للمضادات الحيوية .

ويحذر باحثون في الولايات المتحدة الأمريكية، من أن بعض أصناف البكتيريا المقاومة لعقار الميثيسيللين، وهو من المضادات الحيوية، قد تتسبب بإصابة الأطفال بالتهابات العضلات .

وأوضح الباحثون وهم علماء من كلية بايلر للطب في ولاية تكساس الأمريكية، أن البكتيريا المقاومة لعقار الميثيسيللين من نوع العنقودية الذهبية أو ما يعرف باسم staphylococcus aureus، أو مرسا (MRSA) قد تتسبب بإصابة الطفل بالتهاب العضلات . وتجد بكتيريا العنقودية الذهبية مرتعاً خصباً في المستشفيات وتودي بحياة مئات المرضى كل عام . وهي توجد عادة في الأنف والجلد . وتشق طريقها إلى الدم عبر الجراح الناجمة عن العمليات الجراحية أو عن طريق أنابيب نقل الدم أو التغذية إلى المرضى .

وتعد بريطانيا ثاني أسوأ دولة من حيث انتشار هذه البكتيريا التي قد تفضي إلى الموت عبر تسميم الدم، بعد اليونان .

وكان الباحثون في الولايات المتحدة قد قاموا برصد عدد من الحالات التي راجعت مستشفى تكساس للأطفال خلال الفترة الواقعة ما بين عام 2000 وعام ،2005 حيث شملت عينة الدراسة خمسة وأربعين طفلاً، ممن تأكدت إصابتهم بالتهابات العضلات أو التهابات العضلات الصديدية، وقد بلغ متوسط عمر الفرد في العينة خمسة أعوام ونصف العام .

وتفيد نتائج الدراسة التي نشرتها دورية الأمراض الخمجية السريرية في إصدارها المبكر للخامس عشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بأن 57,8 في المئة من حالات الالتهابات قد تسببت بها بكتيريا العنقودية الذهبية .

وحسب الدراسة، فإن أغلب الحالات قد عانت من التهابات في عضلات منطقة الفخذ، حيث ظهرت في أربعين في المئة من الحالات، كما عانى ثمانية وعشرون في المئة من أفراد العينة من التهابات العضلات في منطقة الحوض .

ووفقاً لقول الباحثين فإن عدد الحالات بين الأطفال والتي عانت من التهابات العضلات الصديدية وغير الصديدية، كانت في تزايد خلال الفترة منذ عام 2000 وحتى عام 2005 وهي مدة الدراسة .

يشار إلى أن عقار الميثيسيللين يعد من المضادات الحيوية، والتي لم تعد تستخدم علاجات سريرية وإنما يقتصر استخدامها في الجانب التشخيصي، فهي تستعمل في المختبرات الطبية بهدف تحديد نوع البكتيريا المسببة للالتهاب عند المريض، من جهة مقاومتها للميثيسيللين، بهدف تحديد نوع العلاج .

ويتسبب هذا النوع من البكتيريا بالعديد من الالتهابات التي يسهل انتشارها في الأماكن المزحمة المغلقة مثل الأندية والصالات الرياضية ومراكز رياض الأطفال، حيث يتطلب علاج المريض اللجوء لمضادات حيوية من نوع خاص، تعطى بواسطة الحقن الوريدي .

وقد مثلت بكتيريا العنقودية الذهبية خطراً طبياً قبل 100 عام، حيث تسببت في موجات وبائية ووفيات هائلة نتيجة التهابات الرئتين، وخراريج المخ، وأمراض السحايا، وتسمم الدم، وغيرها من أمراض قاتلة . ومع اكتشاف عقار البنسلين في الأربعينات من القرن الماضي، اعتقد العلماء بنجاحهم في حسم المعركة، حيث انحسر خطر تلك البكتيريا أو كاد، غير أنه وقبل مرور 5 أعوام على استعمال البنسلين اكتشف العلماء أن المكورات الجرثومية قد طورت نفسها وأصبحت قادرة على إفراز إنزيم خاص هو البنيسليناز (Penicillinase) قادر على تكسير البنسيلين ومن بعده أحد أهم مشتقاته وهو الميثيسيلين (Methicillin)، وهو مضاد حيوي كانت له المقدرة على مقاومة الإنزيم الذي تفرزه المكورات العنقودية، وكان هذا الاكتشاف إنجازاً كبيراً في علاج تلك البكتيريا .

وفي عام 1961 عرف العالم ولأول مرة تلك البكتيريا المقاومة لعقار الميثيسيللين (Methicillin-Resistant Staph . aureus) أو ما يعرف اختصاراً باسم (MRSA) ومنذ ذلك التاريخ، لم يبق مستشفى في العالم خالياً من حالات مشابهة، واختلفت معدلات الإصابة من دولة لأخرى ومن مستشفى لآخر، وكان الاختلاف في المعدلات ملحوظاً، فقد بلغ أحياناً 1% بينما بلغ في مناطق أخرى 50% . وأصبحت تلك البكتيريا مسؤولة عن جائحات وبائية شديدة وموجات مرضية حادة، وخاصة بين مرضى المستشفيات ودور رعاية المسنين .

وتعد بكتيريا MRSA من بكتيريا المستشفيات وخاصة التخصصية منها، وفي وحدات العناية المركزة للأطفال الحديثي الولادة والخدّج (الناقصي النمو)، والعناية المركزة للحروق، ووحدات الأمراض الجلدية وأقسام الجراحة، إضافة إلى دور وأجنحة رعاية المرضى كبار السن . ولقد تم مؤخراً اكتشاف حالات مماثلة في المجتمع وخارج إطار المستشفيات . وهناك بعض من الأمور الواجب الإلمام بها لفهم تلك العلاقة بين البكتيريا والمستشفيات .

وتصيب هذه البكتيريا المرضى القليلي المناعة والضعفاء، وهؤلاء عادة ما يمكثون بالمستشفيات فترات طويلة نظراً لطبيعة أمراضهم، يقابل ذلك وجود المرضى الآخرين وكذلك العاملين من الهيئة الطبية والتمريضية، وكلتا الفئتين من الممكن أن تكون حاملة لتلك البكتيريا، والتي تعيش في جسم المريض في تجويف الأنف، أو منطقة الإبطين أو ما بين الفخذين وعلى الجلد بوجه عام، ولعل هذا ما يفسر سهولة عدوى المرضى القليلي المناعة عند رعايتهم أو ملامستهم للآخرين .

وهناك فئات من المرضى يفتقدون خطوط الدفاع الطبيعية، فمرضى الحروق، وبعد تدمير طبقة الجلد في مناطق من الجسم، يصبحون عرضة لنفاذ البكتيريا إلى أنسجة أجسامهم مباشرة، ومرضى الداء السكري أو كبار السن أو المواليد عادة ما يعانون فقداً جزئياً لكفاءة الكريات البيضاء (Leucocytes) والمخصصة لمهاجمة البكتيريا وربما الضعف المناعي أيضاً، أما مرضى السرطان والعديد من الأمراض المزمنة فهم بالتأكيد قليلو المناعة وتلعب بعض الأدوية المستخدمة في علاجهم دوراً في إضعاف مقاومتهم للعدوى .

ويتفق الأطباء على أن كثرة وسوء استخدام المضادات الحيوية المختلفة، كان له دور سلبي للغاية، وأسهم في زيادة مقاومة تلك البكتيريا للمضادات الحيوية، ويشمل ذلك الاستخدام غير المناسب للمضادات الحيوية الموضعية في صورة مراهم أو كريمات (رهيمات) .

وكانت دراسة أمريكية قد اظهرت من قبل أن وجود كثير من الدمامل والبثور الحادة الكفيلة بنقل المصابين بها إلى غرف الطوارئ في المستشفيات يرجع سببها في بعض الاحيان إلى بكتيريا قاتلة لا يمكن علاجها باستخدام العقاقير التقليدية .

ووجد الاطباء في جامعه كاليفورنيا بلوس أنجلوس أن 59 في المئة من الإصابات الجلدية والانسجة الرخوة التي جرت متابعتها في 11 من غرف الطوارئ في أنحاء متفرقة من الولايات المتحدة، تأتي من نوع من البكتيريا القاتلة التي لا تستجيب للمضادات الحيوية تعرف باسم مرسا (MRSA) .

ومرسا أو ما يعرف بالبكتيريا المضادة للعلاج بالميثيسيلين Methicillin Resistant Staphylococcus Aureus هي نوع من البكتيريا المقاومة لأنواع معينة من المضادات الحيوية . ويصاب بها عادة المرضى الذين يعانون ضعفاً في جهاز المناعة في المستشفيات ودور الرعاية ويمكن أن تنتشر بسبب الافتقار إلى الرعاية الصحية .

وأظهرت الدراسة التي نشرت في دورية نيو إنغلاند الطبية إلى أي مدى شاعت سلالة مرسا في المجتمع .

وقال غريغوري موران قائد الفريق البحثي في بيان مكتوب يبدو أن الجميع اصبح الآن عرضة للخطر . حتى إذا كنت تعتقد أنك مصاب بلدغة العنكبوت أو غير ذلك من أنواع الأمراض الجلدية التي لا تندمل فإنك بحاجة إلى الذهاب إلى طبيبك الخاص للتأكد من أنها ليست نوعاً من عدوى مرسا .

وانتشار العدوى يمكن الوقاية منه بالغسل المنتظم للأيدي بالماء والصابون . كما يجب على الأفراد عدم التشارك في المتعلقات الشخصية مثل المناشف وشفرات الحلاقة .

وبرزت مرسا كمشكلة متنامية في العديد من الدول وتسببت في إصابات يصعب علاجها . ففي إنجلترا وويلز على سبيل المثال فإن عدد الوفيات المرتبطة بالاصابة بهذه البكتيريا قفز 22 في المئة ما بين عامي 2003 و2004 .

وتحدث غالبية البثور نتيجة حب الشباب الذي يصيب نحو 17 مليون شخص في الولايات المتحدة، وينشأ عادة عند انسداد مسام الجلد بالمواد الزيتية وخلايا الجلد الميتة .

وعادة ما يتم معالجتها بتصريف هذه البثور والإبقاء على الجلد نظيفاً، لكن بعض الإصابات الخطرة قد تحتاج إلى استخدام المضادات الحيوية أو تلقي علاج في المستشفى .

وفي السياق نفسه وافقت دائرة الدواء والغذاء الأمريكية على طرح مضاد حيوي جديد antibiotic يستخدم لعلاج الالتهابات الجلدية المزمنة التي يعانيها الملايين من المرضى سنوياً .

وسيطرح الدواء الجديد المعروف كيمائياً بدابتوميسين daptomycin في الأسواق تحت اسم كيوبسين Cubicin .

وقال الدكتور جانيس ثورث، رئيس قسم العقاقير المعالجة للالتهابات، بدائرة الدواء والغذاء إن المضاد الحيوي الجديد سيكون إضافة مهمة للغاية لمجموعة العقاقير المستخدمة حالياً لعلاج الالتهابات الجلدية الخطرة .

وسيستخدم الدواء الجديد الذي سيعطى عن طريق الحقن في علاج الأمراض الجلدية التي تنتشر بين مرضى المستشفيات ومنها الدمامل، الالتهابات الجلدية التي تعقب العمليات الجراحية، والتقيحات الجلدية .

وصمم كيوبسين خصيصاً لعلاج الالتهابات الجلدية الناجمة عن البكتيريا من سلالة staphylococcus منها بكتيريا S .aureus التي تتسبب في التهابات جلدية خطرة ومقاومة للمضادات الحيوية .

واستخدمت المستشفيات الأمريكية قرابة 7 ملايين نوع من المضادات الحيوية المقاومة للالتهابات الحادة خلال عام 2002 .

وقد جاء طرح كيوبسين في الأسواق بعد دراسات طبية مكثفة أجريت على 1400 مريض ثبت خلالها فعالية وأمان الدواء المعادل للعديد من أنواع المضادات الحيوية المستخدمة حالياً لعلاج الالتهابات الجلدية المزمنة ومنها vancomyclin، وoxacilin، وnafcillin .

ومن الأعراض الجانبية لاستخدام الدواء الجديد: تقلصات المعدة، ارتفاع درجة الحرارة، الصداع، والطفح الجلدي فضلاً عن الشعور بالدوار، وهي الأعراض الشائعة بين مستخدمي المضادات الحيوية المعروفة .

ومن الأعراض الجانبية النادرة للغاية لكويبسين احتمال الإصابة في العضلات، بيد أن الدراسة أثبتت تعافي المرضى من دون آثار دائمة .

والجديد أن دراسة أسترالية أظهرت أن العسل يملك خصائص يستطيع من خلالها مقاومة الجراثيم، كما أظهر فعالية ضد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، والتي طورت أجهزتها المناعية لمقاومة المضادات، ما جعل مقاومتها بالأدوية العادية أمراً صعباً .

ولطالما كان العسل في القديم والحديث يستخدم علاجاً طبياً للكثير من الأمراض، في مختلف البلدان والحضارات القديمة، لكن هذه الدراسة قد تكون نقطة تحول جديدة في الاستخدامات الطبية للعسل .

وحول الدراسة التي أجرتها جامعة سيدني الأسترالية، تقول دي كارتر الأستاذة المشاركة في كلية العلوم البيولوجية والميكروبية الجرثومية في جامعة سيدني: بين لنا البحث الذي أجريناه، أن العسل يمكن أن يحل محل الكثير من المضادات الحيوية المستخدمة في معالجة الجروح كالمراهم والكريمات المختلفة، كما أن استخدام العسل وسيلة مساعدة للعلاج سيزيد من عمر المضادات الحيوية .

وتضيف: أكثر أنواع البكتيريا التي تسبب الالتهابات في المستشفيات باتت قادرة على مقاومة نوع واحد على الأقل من المضادات الحيوية، وهذا يتطلب إنتاج أنواع جديدة من هذه المضادات لتكون قادرة على القضاء على البكتيريا المسببة للأمراض .

وتتابع: حتى لم نتعرف إلى الطريقة التي استطاع العسل من خلالها مقاومة البكتيريا، لكن على الأغلب أن مركباً داخل العسل اسمه methylglyoxal يتفاعل مع مركبات أخرى لم نعلمها حتى الآن، ليكون قادراً على تعطيل قدرة البكتيريا على إنتاج سلالات جديدة قادرة على مقاومة المضادات الحيوية .

ويعد العسل من أكثر المواد تعقيداً في تركيبته، إذ يحتوي على ما يقارب 800 مركب، وهذا التعقيد يجعل من الصعب على العلماء أن يدركوا تماماً الآلية التي يقوم من خلالها بمقاومة البكتيريا وقتلها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"