العراق..ومتاهة الانتخابات

02:27 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد سيد أحمد*

رغم مرور شهرين على الانتخابات البرلمانية التي جرت في الثاني عشر من مايو/أيار الماضي، لايزال العراق يعيش في متاهة تبعات تلك الانتخابات مع بدء إعادة الفرز اليدوي لأصوات الناخبين في ست محافظات، بدأت في محافظة كركوك في الثالث من يوليو/تموز، وتمتد لست محافظات أخرى، هي الأنبار وصلاح الدين ونينوى والسليمانية وأربيل وداهوك، وذلك بعد قرار المحكمة الاتحادية العليا بإعادة فرز الأصوات يدوياً فقط في مراكز الاقتراع التي قدمت بشأنها شكاوى وطعون وتقارير رسمية حول وجود شبهة تزوير، ورفض قرار البرلمان بإعادة الانتخابات في العراق ككل.
ورغم أن إعادة الفرز اليدوي الجزئي للأصوات تمثل مخرجاً سياسياً لأزمة شرعية نتائج الانتخابات، في ظل الجدل ما بين بإلغائها وإعادتها مرة أخرى، كما تطالب الكتل والأحزاب الخاسرة، أو إقرار النتائج السابقة لمفوضية الانتخابات كما تطالب الكتل الفائزة، إلا أنها تلقي بظلالها على المشهد العراقي برمته وتزيد من تعقيده من عدة زوايا:
أولا: إعادة فرز الأصوات يدوياً سوف يستغرق عدة شهور، كما أنه يمكن للكتل والأحزاب تقديم الطعون على النتائج الجديدة في ظل احتمالات تغير نتائج الفرز اليدوي عن نتائج الفرز الإلكتروني بشكل كبير، كما ظهر في عملية إعادة الفرز في كركوك، والذي قد يساهم في تغيير النتائج السابقة جزئياً خاصة في المحافظات الكردية والتي تصاعدت فيها اتهامات المعارضة مثل حركة التغيير والتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة للحزبين الرئيسيين، الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، بتزوير الانتخابات، وبالتالي الخشية من الدخول في حالة من الصراع وعدم التوتر في الإقليم، إذا ما أدت عملية إعادة الفرز لتغيير كبير في عدد مقاعد كل طرف، كما أن إعادة الفرز في كركوك قد تؤدي لتغيير عدد المقاعد بين الكرد، والذين حصلوا على ستة مقاعد، مناصفة مع ستة مقاعد للعرب والتركمان، وهو ما قد يؤثر على مستقبل المدينة والنزاع حولها بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان بشأن المادة 140 ويزيد من حالة عدم الاستقرار فيها.
ثانياً: تأخر إعلان النتائج النهائية للانتخابات يعني تأجيل إعلان تشكيل الحكومة الجديدة ويزيد من تعقيد المشاورات الحالية لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان والتي تواجه تحديات كبيرة مع إعادة تبدل وتغير التحالفات، التي يمثل محورها مقتدى الصدر زعيم كتلة سائرون الفائزة بالمرتبة الأولى ب54 مقعداً، حيث شهدت الأسابيع الماضية تغيرات جذرية في خريطة التحالفات، فبعد إعلان الصدر تحالفه مع كتلة الفتح بزعامة هادي العامري الفائزة في المرتبة الثانية في الانتخابات ب47 مقعداً، والذي أثار مفاجأة كبيرة وقلب موازين التحالفات، عاد الصدر وأعلن تحالفه مع كتلة النصر بقيادة رئيس الوزراء حيدر العبادي الفائزة بالمرتبة الثالثة ب42 مقعداً وقبلهما تحالفه مع تيّار الحكمة بزعامة عمّار الحكيم ومع تحالف ائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي، وهو ما أضفى مزيدا من التساؤلات حول تركيبة الحكومة المقبلة، وما إذا كانت بين الكتل الثلاث الكبرى الفائزة، أم بين كتلتين منهما مع ضم بعض الأحزاب والكتل الصغيرة الأخرى إليهما، كما يثير التساؤلات حول توجهات الحكومة المقبلة، وهل ستكون حكومة عابرة للطائفية والإثنية وتحقق استقلالية القرار العراقي بعيدا عن أية تدخلات خارجية من خلف الحدود، كما أعلن الصدر، وتقوم بمحاربة الفساد وتحقيق التنمية وتحصر السلاح بيد الدولة، أم ستكون امتدادا للحكومات السابقة في تكريس منهج المحاصصة الطائفية، ورغم أن إعادة الفرز اليدوي الجزئي للانتخابات قد لا يغير كثيرا من تراتبية الكتل الثلاث الرئيسية الفائزة، لكنه قد يغير من عدد مقاعد الكتل الصغيرة، وهذا بدوره قد يؤثر على شكل التحالفات بين الكتل الكبيرة والصغيرة لتشكيل الائتلاف الأكبر في البرلمان وتجاوز العدد 165 لتشكيل الحكومة المقبلة، ولذلك فإن إعادة الفرز يدوياً واستغراقها لشهور سيبطئ بشكل كبير من التفاهمات الدائرة حالياً بين الكتل الكبيرة خاصة التي يقودها مقتدى الصدر، والذي يسعى بكل السبل إلى تشكيل حكومة وطنية غير طائفية لكنه يواجه بتحديات الواقعية السياسية ومساعي النخب التقليدية لضمان وجودها في الحكومة المقبلة بدعم ونفوذ من قوى خارجية إقليمية ودولية.
ثالثا: حتى في ظل إعادة الفرز اليدوي للانتخابات في بعض المحافظات وبوجود مراقبين من الأمم المتحدة وتحت إشراف القضاة التسعة المنتدبين، بعد قرار البرلمان إيقاف مجلس المفوضية المستقلة الانتخابات، إلا أن العملية الانتخابية في مجملها ستظل تعاني شبهة عدم النزاهة، خاصة في ظل حوادث إحراق صناديق الفرز، كما حدث مؤخراً في كركوك وقبلها في جانب رصافة بغداد، مما يثير التساؤلات حول الجهات التي تستهدف منع إعادة الفرز، ولذلك سيظل شبح غياب الشرعية يطارد البرلمان الجديد، خاصة أن المشاركة السياسية في الانتخابات لم تتجاوز ال44% وهو أدنى معدل للمشاركة منذ عام 2003، يضاف إليها اتهامات بالتزوير لعدد كبير من المشاركين، وهو ما قد يهدد شرعية واستمرارية البرلمان ودوره في العملية السياسية، كما أن الحكومة الجديدة المنبثقة عن البرلمان الجديد ستكون بمثابة بطة عرجاء مما يؤثر على قدرتها في اتخاذ القرارات.
رابعا: تأجيل إعلان النتائج النهائية للانتخابات والمصادقة عليها لفترة كبيرة سوف يترتب عليه أيضا العديد من النتائج السلبية، أبرزها دخول البلاد في حالة من الفراغ الدستوري في ظل غياب البرلمان، بعد انتهاء ولاية البرلمان السابق وفقا للدستور وفشل البرلمان في إقرار التعديل الرابع لقانون الانتخابات بتمديد ولايته، مما يمثل خطورة كبيرة على العملية السياسية وعلى العراق في ظل المخاطر الكبيرة التي يواجهها مع استئناف تنظيم داعش الإرهابي لعملياته التفجيرية في بعض المدن العراقية، حيث بدأت خلاياه النائمة تنشط في بعض المحافظات الغربية، خاصة على الحدود مع سوريا مستغلاً حالة السيولة السياسية التي تعيشها البلاد، على هامش أزمة الانتخابات وتعثر تشكيل الحكومة الجديدة. في المقابل فإن عودة داعش وتصاعد مخاطره قد تستغلها بعض النخب السياسية التقليدية لتمرير تجاوز أزمة الانتخابات والشكوك حول نزاهتها تحت دعاوى تحقيق الأمن والاستقرار، مما يعني استمرار العملية السياسية على نسقها السابق دون إحداث تغييرات جذرية فيها، كما كان يتوقع المواطن العراقي الذي أظهر رغبة حقيقية في التغيير عبر اختيار شخصيات ونخب جديدة كشفت عنها نتائج الانتخابات السابقة، وأفضت إلى تصدر كتلة سائرون النتائج والتي رفعت شعار التغيير ومحاربة الفساد وتجاوز المحاصصة الطائفية، وهو ما يزيد من حالة الإحباط لدى المواطن في إمكانية التغيير.
التفاعلات السياسية في العراق ومأزق الانتخابات وتعثر تشكيل الحكومة أدخلته في متاهة كبيرة وحالة من الصراع بين تيار إبقاء العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية، كما هي عليه، وما بين تيار التغيير الذي يواجه بعقبات وعراقيل عديدة سواء من الداخل أو من الخارج، ويبقى المخرج الوحيد للخروج من تلك المتاهة هو تشكيل حكومة وطنية عراقية شاملة لكل العراقيين من التكنوقراط، وبعيدا عن المحاصصة الطائفية تكون مهمتها الأساسية انتشال العراق من عثراته وأزماته، وتستهدف إعادة اللحمة الوطنية مرة أخرى للشعب العراقي وتتعامل بمسؤولية مع التحديات المتزايدة، وبدون ذلك سيظل العراق يدور في حلقة مفرغة.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"