التهاب الأذن الداخلية..خطر يهدد «السمع»

00:11 صباحا
قراءة 7 دقائق
تحقيق: راندا جرجس

الأذن الداخلية عضو مركب من عدة أجزاء رئيسية، وتعتبر مجموعة من الأكياس والممرات المركبة والمعقدة، حيث تحوي الأذن الداخلية ثلاثة أجزاء هي: القوقعة، الدهليز، القنوات الهلالية، والتهابها يُعرض الشخص المصاب إلى نقص دائم أو مؤقت في السمع بدرجات مختلفة، ربما تصل لحد الصمم التام في حالات إصابة كلتا الأذنين، كما يمكن أن يحدث خللاً في وظيفة التوازن التي تؤمنها الأذن الداخلية، ما يترك أثراً دائماً على صحة المريض ومستقبله الشخصي والمهني، وفي السطور القادمة يحدثنا الخبراء والاختصاصيون عن هذا الداء وأنواعه وطرق علاجه.
يقول الدكتور سعيد الحبش، استشاري جراحة الأنف والأذن والحنجرة، إن التهاب الأذن الداخلية يرجع إلى أسباب عدة لعل أبرزها العدوى، بنوع من البكتيريا أو ميكروب فيروسي يصيب الجزء الخاص بالتوازن في الأذن الداخلية، وفي الغالب تكون نتيجة للإصابة بعدوى الجهاز التنفسي العلوي كالإنفلونزا الحادة التي تصيب الأذن الوسطى، وربما ينتقل الميكروب إلى الأذن الداخلية عن طريق الدم أو الأذن الوسطى مباشرةً، تم اكتشاف أنواع عديدة من الفيروسات التي من الممكن أن تسبب التهاباً حاداً في متاهة الأذن، لكن عملياً، تم عزل فيروسين فقط، هما الفيروس المضخّم للخلايا، والنكاف حيث تم استخراجهما من سوائل المتاهة المأخوذة من الأشخاص المصابين بهما، ومن الفيروسات الأخرى المعروفة بقدرتها على التسبب بالالتهاب، هي الحصبة الألمانية، الهربس، الإنفلونزا، أو التي تكون مسؤولة عن تلوث الجزء الأعلى من الجهاز التنفسي، ومن الممكن أن تحصل بعض حالات التلوث الفيروسية حتى قبل الولادة (في طور الجنين)، ما يؤدي لبعض الاضطرابات السمعية، بدرجات متفاوتة من الحدة، ربما تصل حد الصمم.

التهاب التيه التقيحي

يفيد د. الحبش أن التهاب التيه التقيحي يـعتبر من مضاعفات التهاب الأذن الوسطى الحاد وهو نادر الحدوث، وربما تكون الإصابة بهذا التلوث قاتلة، وذلك نظراً لأنه من الممكن أن ينتشر ويصل إلى غشاء الدماغ، ما يستدعي التدخل الطبي الفوري، وفي بعض الحالات يكون أحد مضاعفات التهاب السحايا وترافق الإصابة بهذا التلوث الجرثومي بعض العلامات مثل فقدان السمع، الشعور بالدوار الشديد، ارتفاع حرارة الجسم، التقيؤ، إضافة إلى العلاج الشامل طويل الأمد بواسطة المضادات الحيوية، كما يكون هنا حاجة أيضاً لإجراء عملية جراحية في الأذن المصابة، ولا شك أن تشخيص التهاب الأذن الداخلية صعب عند الأطفال بسبب الأعراض الغامضة التي يعانيها الصغار كالصداع والتململ والترنح، حيث لا يستطيعون التعبير عن الأعراض مثل الكبار، وربما يترافق بالنكاف الذي يتسم بتضخم في الغدة النكفية.

علامات تشخيصية

يبين د.الحبش أن المصاب يعاني بعض الأعراض السمعية والتوازنية، سواء في أذن واحدة أو الاثنتين معا، ومن أهمها الشعور بالدوخة والغثيان، فقدان السمع الذي يتزايد من خفيف إلى فقدان تام، والدوار أي الإحساس بأن المصاب أو البيئة من حوله تتحرك، كما يشعر بعض المرضى بأنهم غير قادرين على البقاء في وضع مستقيم، مع الشعور بالضغط داخل الأذن (الطنين)، تسرب سائل أو قيح من الأذن، ارتفاع في درجة الحرارة لتصل إلى 38 درجة أو أعلى، وحدوث تغيرات في الرؤية مثل عدم وضوح الرؤية أو الرؤية المزدوجة، صداع خفيف، في بعض الحالات يصاب المريض بفقدان السمع التام، ومن الممكن أن تتراوح هذه العلامات بين معتدلة إلى حادة.

تأهيل دهليز الأذن

يوضح د.الحبش أن الدوار (الدوخة) تعد من أهم الأعراض التي يجب تدبيرها بعد التهاب الأذن الداخلية، ويتطلب الأمر برنامجاً لإعادة تأهيل دهليز الأذن، والبداية تكون بإجراء تقييم معمق لمشاكل التوازن عند المصاب، ليساعد المعالج الطبيعي على تصميم برنامج تمارين خصيصا لكل مريض بحسب حاجته، ويتضمن تقييم التوازن بشكل خاص ما يلي:
* ‏فحص الجهاز العضلي الصقلي لتقييم القوة والتناغم ومهارات الليونة.
* تقييم التوازن والمشي ومقارنتهما مع من هم في سنك لفحص التفاعل بين أعضاء التوازن جميعها.
* أسئلة حول تكرر الأعراض وشدتها، متى تحدث وأين؟، وما هي العوامل التي تحفز زيادة في الأعراض والإشارات؟.
* تصنيف مستوى الدوخة عند تحركك في وضعيات مختلفة.
يستكمل: بعد حصول المعالج على صورة شاملة عن وضع المريض يقوم الطبيب المعالج بمناقشة أهداف العلاج لتحسين التنسيق بين العينين والعضلات وزيادة مستوى النشاط وكيفية تحقيق ذلك، ثم يتم تحديد عدد من التمارين التي يمكن ممارستها في المنزل دورياً بين الزيارات لمركز العلاج الطبيعي، كتمارين العين التي تركز على هدف بصري على بعد 10 إلى 20 ‏قدماً أثناء انتقالك من وضعية الجلوس إلى وضعية القيام، وهكذا دواليك، مع إبقاء العينين مفتوحتين. ثم قد يطلب منك إعادة التمرين نفسه مع إغماض العينين، ربما تتسبب هذه التمارين في البدء بالدوخة فلا تكرر المحاولة إلا قليلاً، أما ‏لاحقاً فيعتاد الدماغ عليها، أي يجد طرقاً للتعويض عن الإصابة الدهليزية، ويستطيع المريض زيادة مدة التمارين وقوتها تدريجياً، حيث تبدأ إشارات وأعراض الدوخة ‏والدوار بالزوال. تعطى تمارين زيادة قوة استجابة العضلات وتنسيقها لتحسين السيطرة على التوازن، ويتضمن ذلك برنامجاً للمشي اليومي.

جراحة الاضطرابات الدهليزية

يشير د. الحبش إلى أن علاج الدوار وأعراض الاضطرابات الدهليزية الأخرى يتم في معظم الأحيان بواسطة أدوية، أو عن طريق إعادة التأهيل إلا أن الجراحة تبقى خياراً مطروحاً في أحيان أخرى، ويعتمد ذلك على تكرر المؤشرات والأعراض وقوتها ومستوى السمع، والوضع الصحي بشكل عام للمريض، وربما تكون هذه الجراحة خياراً معقولاً للشباب ممن يعانون أعراضاً شديدة، وتتضمن العمليات الجراحية الشائعة للاضطرابات الدهليزية ما يلي:
* ‏رتق تمزق في النافذة البيضاوية أو المستديرة التي تصل الأذن ‏الوسطى بالداخلية (ناسور اللمف المحيط).
* وضع بعض الأنسجة فوق تمزق في إحدى الأقنية الهلالية (تصدع في القناة الهلالية العليا).
* إبعاد وعاء دموي يتسبب بالضغط على العصب الدهليزي.
* سحب السائل الفائض (جراحة تحويل اللمف الداخلي): حيث تجرى هذه العملية عبر سحب كيس من السائل (اللمف الداخلي) الذي يتواجد قرب العظم الخشائي خلف الأذن، وتتم أحياناً جراحة تخفيف ضغط اللمف الداخلي التي تسمح بانتفاخ أكثر لكيس اللمف الداخلي.
* قطع بعض العصب الدهليزي، حيث يقطع العصب قبل نقطة التقائه بعصب السمع لتكوين العصب القحفي الثامن، ما يؤدي إلى إزالة الدوار دون المساس بالقدرة السمعية.
* تدمير الأذن الداخلية (قطع التيه)، وهي تعتبر أسهل وأقل خطرا من قطع العصب الدهليزي، بما أن الجراحة تؤدي إلى تدمير التيه، فهي مخصصة لمن فقد السمع بشكل شبه كامل في الأذن المصابة.
* يعوض الدماغ تدريجياً بعد الجراحة فقدان توازن الأذن الداخلية على تلك الجهة بالاعتماد على الأذن السليمة بما يتعلق بكافة معلومات التوازن.

التهاب الأذن الداخلية

يقول الدكتور ثائر ضو، مختص أمراض الأنف والأذن والحنجرة، إن التهاب الأذن الداخلية أو ما يعرف باسم التهاب التيه، تعبير يستخدم للدلالة على أي حالة التهابية تصيب مكونات الأذن الداخلية بقسميها الحلزون المسؤول عن حاسة السمع، والدهليز المسؤول عن التوازن، وتتألف أعراض التهاب الأذن الداخلية من مزيج من الأعراض التالية التي تبدأ عادة بشكل مفاجئ وتتطور بسرعة عالية، كالدوار، نقص السمع، طنين الأذن، الشعور بانسداد الأذن، سيلان سائل قيحي من الأذن، الحمى، ضعف حركة عضلات نصف الوجه، ألم العنق وتصلب حركاته، ويجب الانتباه إلى أن الأعراض بمجملها تكون مفاجئة ومخيفة للمريض، وينبغي على معظم المرضى أن يراجعوا الطبيب مبكراً.

مسببات متعددة

عن أسباب الإصابة بالتهاب الأذن الداخلية تفصيلاً يذكر د.ضو عدة مسببات ينتج عنها حدوث الالتهابات ومنها:
* الفيروسات، ومن أشهرها فيروس الحصبة، النكاف، الحصبة الألمانية وغيرها، وربما تصيب هذه الفيروسات الإنسان في أي مرحلة عمرية منذ الحياة الجنينية حتى الكهولة المتأخرة، كما أنها تسبب نقص السمع الولادي أو المكتسب.
* البكتيريا، حيث يأتي التهاب الأذن الداخلية بالبكتيريا كاختلاط لالتهاب السحايا، والفئة الأكثر تعرضا هم الأطفال قبل عمر السنتين، أو التهاب الأذن الوسطى المزمن، والسبب يكون انتقال البكتيريا أو السموم التي تفرزها البكتيريا إلى الأذن الداخلية من الأذن الوسطى المصابة بالالتهاب المزمن، وبالطبع المعرضون للإصابة هنا هم المرضى الذين تتضمن إصابتهم بما يعرف بالورم الكولسترولي، وبشكل خاص الإصابات القديمة مع إهمال العلاج.
* ربما يحدث التهاب الأذن الداخلية كاختلاط لالتهاب الأذن الوسطى الحاد الاعتيادي الشائع عند الأطفال، وهنا تكمن أهمية التشخيص والعلاج المبكر لهذا الالتهاب الذي يعتبر ثاني أشيع التهاب حاد في سن الطفولة بعد التهاب الطرق التنفسية الحاد ( نزلة البرد).

فحوص تشخيصية

يشير د. ضو إلى أن التشخيص يبدأ من أخذ قصة مرضية مفصلة للمصاب، تشمل الأعراض والمدة الزمنية للمرض وغيرها، ثم يأتي دور الفحوص اللازمة لإتمام التشخيص والتي تتمثل في:-
* الفحص السريري المتخصص للأذن والأنف والحنجرة.
* الفحص العصبي لتمييز الحالة عن بعض الحالات العصبية التي ربما تعطي أعراضا مشابهة.
* تخطيط السمع بأنواعه المتعددة، الذي يفيد في تحديد شدة الإصابة من جهة، وتحديد مكان الإصابة بدقة على المسار السمعي من الأذن الوسطى للحلزون فالعصب السمعي فالمراكز السمعية العصبية المركزية في الدماغ، حيث تستخدم هذه التخطيطات السمعية لاحقا لمراقبة الشفاء، والتحسن وتقرير الإنذار النهائي للإصابة.
* تقييم وظيفة التوازن بواسطة اختبارات تجرى بواسطة أجهزة قياسية متعددة خاصة لهذا الغرض وتفيد في تشخيص الحالة، ومراقبة التحسن، وكذلك تقييم نجاح إعادة التأهيل فيما بعد.
* الاستقصاءات العامة التي تختلف بحسب متطلبات كل حالة مرضية على حدة مثل: تحاليل دموية عامة، زرع وتحسس جرثومي للسوائل الالتهابية التي يتم الحصول على عينات منها لتحديد أنواع البكتيريا المشاركة في العملية الالتهابية والمضادات الحيوية المناسبة للتصدي لها.
* الأشعة المقطعية للعظم الصدغي التي تعطينا معلومات في غاية الأهمية حول وجود تخريب عظمي حول الأذن الداخلية، واتجاهات الانتشار الالتهابي الحاصلة أو المحتملة الحصول.
* الرنين المغناطيسي للعظم الصدغي والدماغ، الذي يعتبر الاستقصاء الأساسي لتحديد الانتشار الالتهابي حول أو داخل المادة الدماغية ووجود خراجات دماغية من عدمه وبالتالي تحديد الحاجة للتدخل الجراحي ونوع هذا التداخل ومداه.

خيارات علاجية

يؤكد د. ضو أن علاج الالتهاب الحاد للأذن الداخلية الحاد يختلف بحسب سبب الإصابة من جهة والأعراض وحالة المريض من جهة أخرى، وتشمل الخيارات العلاجية على تناول المضادات الحيوية، أدوية الدوار، مضادات الفيروسات، مضادات الإقياء، وأحيانا جرعات مناسبة من الكورتيزونات، وربما تتطلب بعض الحالات تدخلا جراحيا إسعافياً، ليعطي فرصة أخيرة لإنقاذ الأذن الداخلية عند المريض، كما أن علاج إعادة التأهيل بعد تحسن الحالة الصحية العامة للمريض يساعده على استعادة أكبر قدر ممكن من وظيفة التوازن، وربما تكون السماعة الطبية حلاً مناسباً لبعض المرضى الذين أدى الالتهاب لنقص دائم في السمع لديهم وكذلك عمليات زرع القوقعة في حالات خاصة.

حماية مشددة

أشار العلماء إلى أن نقص فعالية الجهاز المناعي في الجسم، تعرّض الجسم للعديد من المضاعفات والمشكلات الصحية، ومنها الإصابة بالتهاب الأذن الداخلية، حيث إن دور الجهاز المناعي حماية الجسم من التهديدات، ومنها الفيروسات والبكتيريا والطفيليات، ويميزها عن الأنسجة السليمة، ويعد الأشخاص الأكثر إصابة المدخنين، ومدمني الكحوليات، والمراهقين الذين تنقص ساعات نومهم عن المعدل الصحي لمدة طويلة، وكذلك الأشخاص الواقعين تحت شدة نفسية أو توتر لفترة طويلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"