حليم الرومي . . ومضة على ضفاف النيل

أحد تلاميذ محمد عبدالوهاب اللامعين
09:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
بيروت - إلياس سحّاب:
منذ نحو ثلاثين عاماً، رحل عن هذه الدنيا ملحن ومطرب كبير هو حليم الرومي . ومع أن كل نتاج المرحلة الكلاسيكية الذهبية للموسيقى العربية، التي يمثل الرومي واحدًا من أعلامها المشرقيين، هو عرضة للنسيان والإهمال في أسماع الجيل الجديد من الملحنين والمطربين العرب، فإن حليم الرومي هو واحد ممن تعرضوا لأقسى عمليات النسيان والإهمال، حتى إن الجيل الجديد من الملحنين والمطربين العرب، لا يعرف عنه فنياً أكثر من كونه والد الفنانة ماجدة الرومي .
ولد حليم الرومي في مرحلة ترعرع وازدهار مدرسة القرن العشرين للموسيقى العربية، التي أطلق لها العنان العبقري سيد درويش، وتابع بعده جيل من العمالقة في مصر أولاً، ثم في بلاد الشام بعد ذلك . عندما بلغ الفلسطيني حليم الرومي العشرين من عمره، كانت قد تفتحت كل مواهبه الموسيقية والغنائية بعد أن تشبع من المرحلة التي أطلقها محمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي، عبر صوتي عبد الوهاب وأم كلثوم . عندئذ، رأى حليم الرومي وروحي الخماش، أن يشدا الرحال من فلسطين إلى القاهرة للانتساب إلى المعهد العالي للموسيقى العربية في منتصف عقد الثلاثينات .
وما كان من الموهوب حليم الرومي إلا أن أنهى دراسته في ثلاث سنوات فقط، فعاد من مصر إلى فلسطين، حيث كان قد بدأ عصر ازدهار الفن الإذاعي بتأسيس كل من إذاعتي القدس والشرق الأدنى (في جنين ثم يافا) . ويبدو أن السنوات العشر التي فصلت بين عودة حليم الرومي المظفرة من القاهرة في العام ،1938 ونكبة فلسطين في العام ،1948 كانت كافية للكشف عن كل مواهبه الموسيقية والغنائية وإنضاجها، فتولى في القاهرة بطولة فيلم أول الشهر، وبدأ يمارس في إذاعة الشرق الأدنى بالذات نشاطاً موسيقياً وغنائياً واسعاً وناضجاً . لحن خلال تلك الفترة أغانيه اللامعة الأولى، مثل قصيدة "ومضة على ضفاف النيل" وعدداً من الأغاني التي سرعان ما اندرجت في سجل الأغاني ذات الرواج الجماهيري، وتحديداً في بلدان المشرق العربي .
بعد نكبة فلسطين، كان حليم الرومي من الفنانين الفلسطينيين الذين انتقلوا إلى لبنان، فيما لجأ زملاؤه الباقون إلى دمشق أو بغداد .
في لبنان، سرعان ما قادت مواهب حليم الرومي وتجاربه الفنية الواسعة، إلى استدعائه إلى الإذاعة اللبنانية، لتسلم مكتبتها الموسيقية، وقيادة الفرقة الموسيقية فيها .
يقول لي الفنان أحمد علوان، أحد مؤسسي الفرقة الموسيقية التابعة للإذاعة اللبنانية: إنه عندما دخل حليم الرومي مبنى الإذاعة اللبنانية، كانت الفرقة الموسيقية للإذاعة تؤدي الألحان بعد حفظها سماعياً، وليس بموجب النوتة الموسيقية .
سرعان ما وضع حليم الرومي برنامجاً جاداً لتطوير الفرقة الموسيقية في الإذاعة، حتى أصبح كل أعضائها سواء كانوا من الأصليين أو من القادمين الفلسطينيين، يتقنون قراءة النوتة الموسيقية . ومع اطلاع حليم الرومي على كامل نتاج النهضة الموسيقية في القرن العشرين، فقد كان فنانه المفضل محمد عبد الوهاب، الذي طالما كان يحيطه بأعلى الألقاب عندما يتحدث عنه في مقابلاته الإذاعية .
كان حليم الرومي من الملحنين العرب المعاصرين القلائل الذين تعاطوا فن الموشح . حتى إنه فاز بالمرتبة الأولى في تلحين الموشحات بتونس، في العام التي شارك فيها عدد من الملحنين العرب اللامعين، ولعل أشهر وأنضج موشحاته القصيدة- الموشح "غلب الوجد عليه" .
مارس الرومي من موقعه المبكر في الإذاعة اللبنانية مهمة اكتشاف موهبة كثير من المطربين والمطربات، على رأسهم وديع الصافي وفيروز، وهو الذي أطلق عليهما اسميهما الفنيين (كان الاسمان الأصليان وديع فرنسيس ونهاد حداد) ووجه وديع الصافي إلى التخصص بأداء اللون اللبناني في الغناء .
من يستمع اليوم إلى تراث حليم الرومي يجد نفسه أمام ملحن لامع ومطرب شجي الصوت بديع الإلقاء، ما يحجز لصاحبه موقعاً مميزاً بين صناع الموسيقى والغناء العربيين في القرن العشرين .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"