لين العظام والمشاية وراء تشوهات أقدام الأطفال

00:11 صباحا
قراءة 6 دقائق
تحقيق: نهلة الفقي

مع بزوغ شمس كل صباح، يهبنا ضوؤها وحرارتها فيتامين (د) المعزز لوظائف الجسم، والمقاوم للأمراض المرتبطة بالنأي عن أشعتها، ومنها مرض «الكساح» أو التسمية الشائعة «لين العظام» عند الأطفال.
العوامل المسببة للمرض وطرق العلاج والوقاية، نلقي عليها الضوء من خلال هذا التحقيق.

يعد نقص فيتامين (د) السبب الأكثر شيوعاً للإصابة بلين العظام في جميع أنحاء العالم، فالتعرض للشمس، المصدر الأساسي لإمداد الجسم بفيتامين (د)، ينأى بالجسم عن الإصابة بمرض لين العظام، وهشاشتها، كما يزيد من كثافة العظام، ويفيد في تقليل الاصابة بالكسور بنسبة تتراوح بين 32 إلى 58%.
في هذا الإطار يتحدث الدكتور أحمد عبدالرازق زكي مختص جراحة العظام حيث يقول: «حتى نقف على طبيعة مرض «لين العظام»، لابد أن نعي بداية خطوات نموها، حتى نتجنب تعرضها للإصابة، فعظام الأطفال تحتوي على مراكز نمو قرب نهايتي كل عظمة، وتحتوى هذه المراكز على عدة مناطق، كل منطقة مسؤولة عن خطوة من خطوات نمو العظام، والتي تتلخص في انقسام الخلايا، ونموها، وإنتاج نسيج شبه عظمي، وترسيب المعادن، ثم إنتاج النسيج العظمي النهائي، وتتحكم في هذه العملية العديد من العوامل، منها الجينات الوراثية، الهرمونات، التغذية، ونسبة الفيتامينات في الجسم.
أي خلل في هذه العوامل يؤثر بالتبعية في خطوات النمو، وإنتاج عظام غير سليمة، كما هي الحال مع مرض الكساح أو لين العظام، الذي يحدث نتيجة فشل مراكز النمو في ترسيب المعادن (الكالسيوم والفوسفور) في العظام النامية».
يردف: «ربما يحدث كساح الأطفال نتيجة عدة أسباب أهمها نقص فيتامين (د)، فهو المنظم لعملية امتصاص وأيضاً المعادن في الجسم، ونقصه يؤدي بالتبعية لنقص نسبة المعادن في الجسم، فتقوم مراكز نمو العظام بإنتاج نسيج شبه عظمى يفتقد للمعادن».
كما تؤول أسباب الاصابة بلين العظام إلى سوء التغذية، أو نتيجة خلل جيني، أو الاصابة بأمراض الكلى.
بعض الأبحاث الحديثة استطاعت الربط بين نقص فيتامين (د) في الأم أثناء الحمل، وبعض التغييرات التي طرأت على عظمة الفخذ في الجنين، ولكنها ما زالت قيد الدراسة والبحث، فتشخيص لين العظام عملياً يتم بعد الولادة، وفي السنوات الأولى من عمر الطفل عن طريق الأشعة السينية على العظام، وفحوص الدم.
الأعراض التي يجب أن تفطن لها الأم كمؤشرات أولية للإصابة بلين العظام يعرضها الدكتور أحمد عبدالرازق حيث يقول: «تجد الأم الطفل دائم الشكوى من ألم في العظام والعضلات، كما يمكن ان تلاحظ خللاً في نموه، وتأخراً في الحبو، والوقوف، والمشي، وتأخر ظهور الأسنان أو تسوسها، إلى أن تتطور الأعراض ونتيجة لعدم اللجوء للمشورة الطبية تتراكم العلل، حيث نجد نتوءات سبحية بعظام القفص الصدري، أو بروزاً في عظام الصدر، وربما يحصل تشوه واعوجاج في العمود الفقري، كما ربما تتأثر الجمجمة ويتغير شكلها نتيجة لين العظام، أو يحدث تشوه واعوجاج بالعظام وتزيد نسبة الإصابة بالكسور».
كما يتطرق دكتور أحمد عبد الرازق إلى طرق العلاج فيقول: «يصف الطبيب فيتامين (د) عن طريق الفم أو الحقن حسب الحالة، مع إضافة الكالسيوم، أما في الحالات المتقدمة والتي تشوهت فيها العظام بالفعل، فيحتاج الطفل المريض لإجراء عمليات جراحية، نقوم فيها بتقويم العظام، وتصحيح المحاور الميكانيكية، والتشريحية للعظام، فالتشخيص السريع وبدء تعويض الطفل بفيتامين (د)، يجنبه كثيراً من تأثيرات المرض السلبية ومضاعفاته، وتكلل بشفائه التام».
وينصح دكتور عبدالرازق بالتعرض لأشعة الشمس بعد الشروق وقبل الغروب، حيث تعد أفضل الفترات التي تساعد على تكوين فيتامين (د) في الجسم، لكي تقي الطفل من لين العظام أو الكساح، وبخاصة للأطفال الذين يعتمدون في تغذيتهم على الرضاعة الطبيعية فقط، فلبن الأم يحتوي على كميات قليلة من فيتامين (د)، وفي حال إضافة مكملات غذائية كوقاية من نقص الفيتامينات، يجب أن تكون تحت إشراف الطبيب.
يضيف د. عبدالرازق قائلاً: «تحدث تشوهات نراها في الحالات التي لا تستجيب للعلاج، نتيجة لوجود خلل جيني، وهي من الحالات الأقل شيوعاً، أو في الحالات التي تهمل فيها الأسرة الطفل، بعدم التزامهم باتباع تعليمات الطبيب، وتطبيق برامج التوعية الصحية».
يقول الدكتور سعد عودة استشاري جراحة العظام: «لابد من التفريق بين مصطلح «الكساح» وهو ما يطلق على من يصاب به من الأطفال، و«لين العظام» حيث يطلق على من يصاب به من الكبار، ولكن الاسم الدارج لدى العامة هو «لين العظام».
وعن الأسباب التي تقف وراء الإصابة بلين العظام لدى الاطفال يقول: «يعد السبب الرئيسي نقص فيتامين (د)، ونقص الكالسيوم نتيجة لعدم امتصاصه عن طريق الأمعاء، ويرجع السبب في ذلك للإصابة ببعض أمراض الأمعاء مثل الإسهال وتقرح الأمعاء».
ويضيف: «فوائد فيتامين (د) متعددة للجسم، ولكن سنتناول بالحديث فائدته للعظام فقط، فهو يساعد على امتصاص الكالسيوم بالدم، كما يساعد على منع ترسبات الكالسيوم بالعظام، وعدم طرح الكالسيوم عن طريق البول، فالكالسيوم عنصر مهم لبناء العظام، فبدونه يصبح العظم ليناً وطرياً وسهل الكسر، ولكي تبني عظاماً قوية، لابد من إمداد الجسم بحاجته من الكالسيوم، عن طريق تناول المواد الغذائية الغنية بالكالسيوم، فمع قلة ذلك العنصر المهم ونقص فيتامين (د)، يصبح الصغير عرضة للإصابة بلين العظام». ويشير إلى أن الطفل يولد من رحم أمه وهو مزود بفيتامين (د) والكالسيوم، ولكن تظهر عليه أعراض مرض لين العظام، بعد بلوغه الشهر السادس من عمره، نتيجة لعدم تغذيته بشكل جيد، إلى جانب عدم تعرضه للشمس، التي يستمد منها فيتامين (د) بنسبة 60 إلى 70%.
وعن الأعراض يردف دكتور عودة: «تلاحظ الأم على طفلها الضعف، والوهن، وقلة نشاطه، وتراجع الشهية للطعام، إلى جانب نقص وزنه عن المعدل الطبيعي، مقارنة مع أقرناه من نفس العمر».
كما يشير إلى ان هناك أطفالاً تولد بكسر في العظام أو اعوجاج بالعظام، كعيب خلقي وليس نتيجة العوامل البيئية المحيطة.
ثم يتطرق إلى طرق العلاج فيقول: «لابد من معرفة سبب العلة أولاً حتى يتم رسم الخطة العلاجية الناجعة لها، فهل هي نتيجة لنقص فيتامين (د) أو الكالسيوم أم أمراض الأمعاء، أم يعاني إسهالاً مستمراً، بالإضافة إلى الوقوف على طبيعة النظام الغذائي للطفل، ثم يتم بعد ذلك إخضاعه لإجراء الأشعة اللازمة، وتحليل الدم لمعرفة نسب الكالسيوم وفيتامين (د) في الدم».
كما يشير إلى ارتباط مرض الكساح بأمراض في القفص الصدري، إضافة إلى اعوجاج في ساقي الطفل، وفي حال عدم الاستجابة للعلاج الدوائي، يتم إخضاعه حينها إلى العلاج الجراحي عن طريق كسر الرجل لتعديل شكلها وإعادته إلى التكوين الطبيعي.
وكدور وقائي ينصح بضرورة تعريض الطفل للشمس، نصف ساعة يومياً، شريطة أن تكون الشمس مباشرة، وليست من خلف الزجاج، مع ضرورة إضافة الأطعمة الغنية بالكالسيوم، بعد بلوغ الطفل شهره السادس، مثل البيض، والزبادي، والسمك.
وعن أهم أسباب تشوهات القدم لدى الأطفال تؤكد آية وائل الغوطي أخصائية العلاج الطبيعي أن لين العظام ليس السبب الوحيد، ولكن استخدام المشاية كذلك له أثر سلبي في قدمي الطفل على عكس الاعتقاد السائد لدى الوالدين أن المشاية تساعد على سرعة تطور الجهاز الحركي وتسرع من عملية المشي، فتلجأ الأم لوضع طفلها في المشاية أثناء انشغالها في الأعمال المنزلية وتستخدمها كوسيلة لتسلية ابنها وفي نفس الوقت تضمن ابتعاده عن مصادر الخطر ولكن في الواقع المشاية بحد ذاتها تعتبر خطراً على تطور الجهاز الحركي للطفل حيث إنه على اختلاف جودة المشايات إلا أن الطفل في جميع الأحوال لا يحمل وزنه الكامل على قدميه، بل على أطراف أصابعه فقط، وهذا يفسر طريقة مشي الطفل على أطراف أصابعه في خطواته الأولى.
وتتلخص الأضرار التي تسببها المشاية في تقوية الجزء السفلي من القدمين وإضعاف الجزء العلوي منهما مع حرمان الطفل من النظر إلى قدميه أثناء المشي ما يفقده عملية التصحيح البصري لخطواته كما تؤدي إلى تقوس الساقين وربما يتخذ وضعية المشي على أطراف الأصابع إلى الأبد، مع ارتفاع نسبة الإصابة بخلع في الفخذ وتقلصات في أربطة الكعب وفي عضلات الساق الخلفية وارتفاع نسبة الإصابة بحوادث الحرق سواء بالماء الساخن أو بالكهرباء والكسور. وتشير دراسة أمريكية أن في عام 1999 تم استقبال 8800 طفل دون الـ 15 شهراً في قسم الطوارئ كلهم مصابون بحوادث سببها المشاية علاوة على كونها سبباً في تأخير المشي بمعدل 11 إلى 26 يوماً عن الأطفال الذين لا يستخدمونها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"