«الحسنات يذهبن السيئات»

02:20 صباحا
قراءة 4 دقائق
محمد حماد

«وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين، واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين، فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين». (سورة هود 114-116)
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا رسول الله، إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن آتيها، فأنا هذا فاقض فيّ بما شئت»، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لقد سترك الله لو سترت نفسك»، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فانطلق الرجل فأتبعه رجلاً فدعاه، فتلا عليه: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)، فقال رجل: يا رسول الله هذا له خاصة؟ قال: «لا، بل للناس كافة».
الصلوات مكفرات لما بينهن، وعلى كل مسلم واجب في اليوم والليلة هو الصلوات الخمس، كما في البخاري ومسلم وغيرهما من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة»، فقال هل علي غيرها؟ قال: «لا إلا أن تطوع»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وصيام رمضان»، قال هل علي غيره؟، قال: «لا إلا أن تطوع»، قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، قال هل علي غيرها؟، قال: «لا إلا أن تطوع»، قال فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق».
تلك هي الفرائض وقد شرعت النوافل فضلاً من الله على عباده وخاصة السنن الرواتب التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليها، وقد روى مسلم بسنده عن النعمان بن سالم ‏عن ‏عمرو بن أوس ‏قال حدثني ‏عنبسة بن أبي سفيان ‏في مرضه الذي مات فيه بحديث يتسار إليه ‏قال: سمعت ‏أم حبيبة ‏تقول:‏ سمعت رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏يقول: ‏«من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة»، ‏قالت ‏أم حبيبة: ‏فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم، ‏وقال ‏عنبسة ‏فما تركتهن منذ سمعتهن من ‏أم حبيبة، ‏وقال ‏عمرو بن أوس ‏ما تركتهن منذ سمعتهن من ‏عنبسة، ‏وقال ‏النعمان بن سالم ‏ما تركتهن منذ سمعتهن من ‏عمرو بن أوس.
بيت في الجنة
12 ركعة تركعها تطوعاً في اليوم والليلة تضمن لك بيتاً في جنة الخلد، وبيانها فيما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏في الصلاة، فقالت: «كان ‏يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان ‏يصلي بالناس المغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان ‏يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان ‏يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعدا ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين، وتلك اثنتا عشرة ركعة، أربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعد الظهر، وركعتان بعد المغرب‏، وركعتان بعد العشاء‏، وركعتان قبل صلاة الفجر، لك بها بيت في الجنة.
تلك هي السنن الراتبة التي قال العلماء إنه يكره تركها، وإن من داوم على تركها، سقطت عدالته عند بعض الأئمة، وأثم بسبب ذلك، لأن المداومة على تركها تدل على قلة دينه، وعدم مبالاته‏، والمحافظة على هذه السنن الرواتب، فضلاً عن كونها اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم هي إلى جانب ذلك فضل من الله يجبر به ما يحصل في صلاة الفريضة من النقص والخلل، وكل منا معرض للنقص والخلل في عمله وعباداته، والتطوع شرع لجبر نقصنا، وهكذا كل فريضة شرعت إلى جانبها نافلة من جنسها، تجبر نقصها وتصلح خللها، وهذا من فضل الله على عباده، حيث نوّع لهم الطاعات ليرفع لهم الدرجات، ويحط عنهم الخطايا‏.
ركعتا الفجر
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحرص على صلاة ركعتي الفجر وقال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها»، وقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ «‏‏لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر»، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليهما وعلى الوتر في الحضر والسفر.
وإذا فاتك شيء من هذه السنن الرواتب، فإنه يسن لك قضاؤه، وكذا إذا فاتك الوتر من الليل، فإنه يسن لك قضاؤه في النهار، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الفجر مع الفجر حين نام عنهما، وقضى الركعتين اللتين قبل الظهر بعد العصر، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من نام عن الوتر أو نسيه، فليصله إذا أصبح أو ذكر‏»، ويقضى الوتر مع شفعه، لما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها‏: «‏كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة‏».
ومن حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها نتبين أن فعل تلك السنن في البيت أفضل من فعلها في المسجد، وذلك تحرياً لإخفاء العمل عن الناس والبعد عن الرياء والإعجاب، ولتمام الخشوع والإخلاص، وهي عمارة للبيوت بذكر الله سبحانه وتعالى والصلاة التي بسببها تنزل الرحمة على أهل البيت ويبتعد عنه الشيطان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏«اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تجعلوها قبوراً»‏.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"