إصدارات جديدة تعكس حقيقة المنجز الإبداعي الإماراتي

05:34 صباحا
قراءة 7 دقائق

أضاف اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات سلسلة جديدة إلى إصداراته بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وقد احتفى الاتحاد بهذه الكتب التي وقعها مؤلفوها مؤخراً في معرض الشارقة الدولي للكتاب، حيث أشار رئيس مجلس إدارته حبيب الصايغ إلى تأكيد حضور الاتحاد الفاعل في مثل هذه المحافل، خاصة معرضي الشارقة وأبوظبي، كما اعتاد الاتحاد أن يدفع مع كل دورة من دوراته بعناوين جديدة تعكس حقيقة المنجز الإبداعي الإماراتي . جاء ذلك في إطار حلقة تكامل الأنشطة والفعاليات وتأكيد دور أعضاء الاتحاد في نجاح مسيرته والالتفاف حول إنجازاته .

أما عبدالله السبب عضو مجلس الإدارة رئيس لجنة التأليف والنشر، فثمن هذه المنشورات التي تأتي في إطار سعي الاتحاد الى اتباع خطة للنهوض بعملية النشر وتفعيلها .

والكتب المحتفى بها هي: جمعة الفيروز . . سنديانة لا تموت/ دراسة للدكتور هيثم يحيى الخواجة، وهو من ثمار جهد الهيئة الإدارية لاتحاد الكتّاب، فرع رأس الخيمة برئاسة الشاعر أحمد العسم الذي صدر قرار نشره في أكتوبر تشرين الأول عام ،2009 والطبعة الثانية من بلوطي/ مقالات ساخرة باللهجة الدارجة لغانم عبيد غباش، و تيجان البونسيانا مجموعة قصصية لعلي الحميري و همس الشواطىء الفارغة مجموعة قصصية لأسماء الزرعوني، و المجموعة الشعرية للأطفال هيا نلون بالأزرق لرهف المبارك .

تكتسب هذه السلسلة أهمية مضاعفة كونها تشتمل على توثيق للسيرة الحياتية والإبداعية لراحلين كبيرين في التاريخ الإماراتي الحديث، وهما غانم عبيد غباش وجمعة الفيروز، الأول بوصفه مثقفاً وطنياً وقومياً كبيراً انتبه إلى أهمية الوعي، وضرورة أن تتبنى الكتابة موقفاً فكرياً يحرض القارئ على تلمس موقعه في الحياة، وينبهه إلى خطورة ما يحيط به من متغيرات، ويدفعه إلى اليقظة بتحفيز ميكانزمات المعرفة الواعية لديه . أما الثاني فلكونه يمثل ذاكرة موسوعية كبيرة، لا تقل أثراً عن الأولى وتتجسد في شخصية الفيروز الذي تجاوزت موهبته إلى فنون الشعر والقصة والرواية والموسيقا، وبما انطوت عليه هذه الشخصية من قلق إيجابي نتاج موقف فلسفي ووجودي من الحياة، وتركت أثرها البالغ في شخصيته الحياتية والإبداعية .

وجمعة الفيروز . . سنديانة لاتموت، يشتمل على إسهامات عدد من الكتّاب الإماراتيين والعرب التي شخصت حياة وآثار الفيروز، وسلطت الضوء على مكامن الإبداع الموسوعي عنده، وهو الذي جمع بين الشعر والقصة والرواية والموسيقا، وانصهر ذلك كله في بوتقة حرفية الكتابة لديه، والفيروز تميز بإخلاصه للفن الأدبي، كما لامس سر الوجود وبحث في أفق الكتابة عن الخلاص الروحي، ليداوي إحساسه العارم بالقلق باحثاً عن المعرفة من خلال الكلمات .

واشتمل الكتاب الذي جاء في ثمانية فصول وخاتمة على شهادات لافتة عايش أصحابها الفيروز ككيان فيزيائي أثر في محيطه الثقافي، ودفعه إلى مغادرة قشرة الأدب نحو تلمس المضمر في التجربة الإنسانية جميعها، ومن هذه الشهادات ذلك العنوان اللافت جمعة الفيروز كاتب تقرأ له فتتمنى ألا تعود إلى قراءته للشاعر والباحث عياش يحياوي، الذي يعترف بأن الكتابة عند الفيروز متعبة وتورث القلق الوجودي وتشرع في الاتجاه بالقارئ إلى الهاوية، ويقول إنه خطير خطورة السهم الذي يذهب في اتجاه غامض، إلى جلاد يسكن في الماء والنار معاً .

في السياق ذاته، تضمن الكتاب مقاربات تستحق الدراسة، منها ما كتب بقلم مؤلفه وجامع موادّه د . الخواجة وغاصت في رحاب قصصه وأشعاره وبنية الرواية لديه، وملامح وتوجهات رحلته مع الأدب، أما الفصل السادس فتضمن مختارات إبداعية من آثار جمعة الفيروز نفسه .

في استهلال الخواجة لكتابه قال محطات حياته مفعمة بالقتامة، ونفسه المتشائمة ألبست حياته وإبداعه ثوب القلق والسواد، ولم لا وهو الذي يقول: (جسدي مريض كأيامي المثقوبة بالخيبات) . . لكن الفيروز برغم ذلك، كان من الجيل الثاني المؤسس في القصة الإماراتية الذي أصر على ترسيخ فن القصة في الأدب الإماراتي، وهو الجيل الذي عاصر أحداثاً مهمة سواء على الصعيد السياسي قيام الاتحاد أو على الصعيد الاجتماعي التطور الحضاري الذي ألم بالمجتمع الإماراتي فكان بحق سنديانة بقي جذعها أقوى من السنين، وظل وفياً للإبداع، ووفياً لحلمه الذي تماهي مع البحر والنغم والرمال والألم .

يجيء الكتاب في سياق الأبحاث الكثيرة التي كتبت عن الفيروز، كما يتقاطع مع كثير من المقاربات التي حاولت دخول عالمه القصصي ومنها ما كتبه أحمد عزيز حسين بعنوان مقاربة نقدية لتجربة الفيروز القصصية بين 1980 و 1998 درست أنماط التشكيل النصي لدى الفيروز التي تفاوتت، بحسب حسين، في رؤيتها الجمالية للعالم، وأنماط تشكيلاتها البنائية، فبعضها لا يعدو أن يكون قصصاً كلاسيكية من حيث اشتغالها بالموضوعات الاجتماعية المحلية، وحرصها على إيلاء الوظيفة الأخلاقية والتربوية للأدب اهتماماً كبيراً، والآخر يندرج تحت مفهوم القص الحداثي الذي يكسر الزمن القصصي ويفكك العقدة والحبكة وينتقل نحو الحوافز والأفعال والإفادة من التقنية السينمائية، إلى آخر تجليات تدمير المنحى الكلاسيكي المعروف، ليخلص إلى أن تجربته ضمت نصوصاً تجريدية متفاوتة في اختيار متنها الحكائي، كما عكست النصوص موقفه من الزمن، والوجود، والموت، والحب، ورغبته العارمة في مستقبل آمن يهديه إلى امتداده امتداد جنونه وهفواته عله يخرج من ظلمة العتمة إلى صحوها ويبدأ مواجهة الحياة .

أما همس الشواطىء الفارغة لأسماء الزرعوني، فاشتمل على مقدمة لعبدالله السبب الذي أشار إلى جَلَد المؤلفة في البحث عما هو جديد، في أفق بيئتها ومتغيراتها الاجتماعية والاقتصادية، حيث تقدم خمسة عشر شاطئاً فارغاً إلا من الأحلام والهموم المتباينة الأنفاس والرؤى .

والراسخ في تجربة الزرعوني هذه، هو شغفها بالبحث عن مناخات الحرية، في كتابات تأخذ من عوالم المرأة موضوعاً رئيساً لها، ومن خلال استخدام لغة سردية بسيطة وبحساسية أدبية تكتنف معظم جملتها القصصية، وتضمنت مجموعتها: هجير الصيف وعبر الأثير وصحوة ضمير واحتضار كلمة ومريم ودهشة المطارات وغيرها .

والزرعوني تجمع كتابة القصة والرواية والشعر، وتتميز بغزارة إنتاجها الأدبي، وتأتي مجموعتها الجديدة، لتشكل إضافة أخرى إلى التجربة الإبداعية التي تكسر حدة النمطي والرتيب، وتغوص في صلب القضايا التي كان من المتعذر الدخول إليها في فترة سابقة، إلا أن هاجسها الوحيد يظل الانتصار للمرأة، وهي كما يقول القاص إبراهيم المبارك لا تخرج عن المسار الذي اتخذه معظم كتّاب القصة في الإمارات، من حيث الارتباط بالبيئة المحلية وتوظيف المشكلات الاجتماعية، والأمكنة في جميع القصص المنتجة، أما موضوعاتها فتغرف من المجتمع ومشكلات الواقع المعاش، واستغلال ذاكرة الماضي وخصوصاً البحر والصحراء .

في السياق ذاته نطل على تيجان البونسيانا لعلي الحميري، هذا القاص المفعم بالتجربة الإنسانية بوصفها وعاء يحتضن قاموسه الإبداعي، والبونسيانا بحسب التعريف القاموسي هي شجرة استوائية أو شبه استوائية، جميلة، ورودها حُمر وأوراقها كثيفة، ويطلق عليها بالإنجليزية البونسيانا الملكية .

والواضح أن علي الحميري، ينطلق من وعي وخبرة في السرد تمكنه من توظيف عناصر القص بلغة سردية عالية المستوى، وفيها شفافية التقاط الكثير من تفاصيل الواقع الاجتماعي، وفي العالم الجواني للمجموعة ثمة ما يضيء على خبرة حياتية معيشة، يمكن تلمسها من بين سطور الكتابة، ليتوشح المتن القصصي برومانسية يؤطرها كثير من الصدق، وليتوازى في الوقت نفسه مع شجن التجربة الشخصية للكاتب .

واللافت في مجموعة علي الحميري الجديدة، هو البطل الذي يتحدث بضمير المتكلم دائماً، في حكايا مشفوعة بالتصوير، وكثير من اللقطات التي تصف مشاهد تعزز من بناء القصة، وتمنح السرد بعداً فنياً يزيد من ألقه وبهائه، ومن جهة أخرى يوسّع لدى المتلقي متعة تلقي القص، بالاتكاء على فضاء لغوي رومانسي وشفاف .

أما السياق العام للسرد، فيرتكز على (الواقعة - الراهنة) التي تحولها مهارة القاص إلى حبكة تتيح إمكانية تذوقها ومتابعتها حتى النهاية .

وصدرت أيضاً مجموعة شعرية للأطفال بعنوان هيا نلون بالأزرق للكاتبة رهف المبارك، وتتضمن 13 قصيدة شعرية تمزج بين المضامين التربوية والتعليمية وأيضاً القيم الأخلاقية والجمالية .

وعنوان الكتاب يشي بالتعلّم، كما أن غلافه مزين برسم جاذب مثلما هي أشعاره التي تعتمد جرساً موسيقياً مبسطاً، ومن أشعار المجموعة (ما أجمل الصدق، و لا تخف يا بطل، و صديقنا الأزرق، و سفينة الأحلام، و الظبية الشقية، و مواهبنا الجميلة، والبنات، و تحية للقائد) .

واللافت في الكتاب، هو قدرة الكاتبة على النفاذ إلى وجدان الطفولة من خلال غنائية تدغدغ الوجدان وتحث الصغار على التعلم، مع الحرص على تسريب المعلومة الميسرة، مضافاً إليها جرعة من القيم الجميلة التي تحرص الشاعرة على بثها لدى الصغار، كقيم الصدق وحب الخير ونبذ الخوف، كتلك القصيدة بعنوان سفينة الأحلام التي تسافر مع مخيلة الأطفال بسلاسة وعذوبة واضحة، وتقول فيها: (يا أيها المترو/ هلا تسابقنا/ إنا معاً نعدو/ لبناء دولتنا/ ما أجمل المترو/ إن حان موعدنا/ يشدو بأنغامي/ للسعد يحملنا/ يختال في المشرق/ بجناحه الأزرق . . إلخ) .

أما كتاب بلوطي فهو مقالات ساخرة باللهجة الإماراتية، وكتبت في سبعينيات القرن الفائت، صدرت طبعته الأولى عام 1991 وتشكل بمجملها نافذة تضيء على كاريزما غانم عبيد غباش الذي يعرف بمواقفه الوطنية وحسه الوطني والقومي والعروبي، و بلوطي وهي شخصية من اختراع غباش نفسه، وبحسب ما يؤكد الكتاب هو تلك الشخصية التي استأثرت بحب شريحة كبيرة من القراء، لما لتلك الشخصية من غوص حي ومباشر في هموم الوطن والمواطنين والناس .

والمقالات بهذه الصورة، لا تشذ عن قناعات الموقف الشخصي لكاتبها، وهو الذي اختط منذ احترافه الكتابة أسلوباً يؤسس لوعي مستقبلي يرتكز على بعد ثقافي تنويري حر، إذ كان صاحبها أحد رواد تأسيس صحافة حرة تقول رأيها في كثير من القضايا المحلية والعربية والدولية، انطلاقاً من مجلته الأزمنة العربية التي أصبحت آنذاك واحدة من المجلات الأساسية في تقديم التحليلات على اختلاف اتجاهاتها، والتي تعد أول إصدار يتبنى هذا النوع من الكتابة الساخرة، ربما في تاريخ الإمارات الحديث .

ومن المهم هنا، تذكر الإصدار الذي نشره اتحاد كتّاب الإمارات عام 1999 بعنوان غانم غباش . . بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيله وكتب فيه 13 كاتباً إماراتياً وعربياً تناولوا فيه ملامح من التجربة الإبداعية والإنسانية لغانم غباش، واللافت في الكتاب ما كتبه غباش نفسه تحت عنوانين هما لمحة عن الوطن و الواقع العربي فيتدرج من المحلي إلى العربي فالقومي، ويمر على أحداث عربية كثيرة شهدتها مرحلة نهاية الحرب العالمية الثانية ومحاولات التخلص من الاستعمار .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"