«كورونا».. فيروس «إلكتروني»!

02:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عادل عبد الصادق

جاء الفيروس البيولوجي «كورونا المستجد» أو «كوفيد 19» ليعيد الاعتبار إلى التهديدات البيولوجية للأمن العالمي، وليمثل جائحة غير مسبوقة في حجم الانتشار ومجال التأثير وضخامة الاهتمام المحلي والعالمي، ومن جهة أخرى برز دور الإنترنت وتطبيقاته المختلفة في إدارة الأزمة، وبخاصة في ظل تبني سياسة التباعد الاجتماعي، وهو الأمر الذي أدى إلى زيادة معدلات التعرض لتأثيرات الإنترنت، واتساع الشرائح المستخدمة له، ومثل ذلك فرصة وصيداً ثميناً للقراصنة من جهة تحقيق مكاسب مالية عبر الفيروسات أو الأخبار الزائفة.
حاول المتطرفون تحقيق مكاسب سياسية عن طريق توظيف أزمة «كوفيد 19» لإعادة نشر خطابهم المتطرف، في محاولة لزعزعة الثقة بين الدولة والمجتمع، ومحاولة اختراق القاعدة الكبيرة من مستخدمي الإنترنت في وقت الأزمة، وبخاصة بعد خلق المنافذ التقليدية وحالة الانتشار الأمني لفرض الإجراءات الاحترازية، وشكل ذلك مجموعةً من التحديات للدولة والمواطنين والمسؤولين على حد سواء. وكشف ذلك بجلاء عن أن مخاطر الفيروس الإلكتروني تظهر مع انتشار الفيروس البيولوجي. ودفعت الظروف الاستثنائية التي فرضها الفيروس كالحجر الصحي والعزلة الذاتية إلى تصاعد استخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي للحصول على الخدمات والتعليم عن بُعد.تأثير سلبي
وعلى الرغم من أن التباعد الاجتماعي يعد وسيلة لوقف انتشار الفيروس البيولوجي «كوفيد 19»، إلا أن هذا التوجه كان له تأثير سلبي يتعلق باستخدام القراصنة للفيروسات الإلكترونية ضد القاعدة العريضة من المستخدمين، وأن عملية عزل الأشخاص عن ذويهم في العمل يجعلهم غير قادرين على اتخاذ قرارات سليمة قد تجعلهم عرضة للقرصنة، وذلك عبر العديد من الوسائل التي منها الدخول إلى روابط مجهولة المصدر، أو تحميل مواد وبرامج ضارة تعرضهم لهجمات التصيد، والتي تؤدي إلى فقدان الأموال والبيانات الحساسة، وإلى جانب استقبال رسائل البريد الإلكتروني الزائفة التي تدعي أنها تحتوي على معلومات مهمة حول الوباء، وقيام مجموعات بانتحال صفة منظمة الصحة العالمية والمركز الأمريكي للسيطرة على الأمراض.
وبالتزامن مع إدخال جائحة فيروس «كوفيد 19» جزءاً كبيراً من سكان الأرض في التباعد الاجتماعي لوقف الانتشار، جاءت عملية أخرى لنشر المعلومات الزائفة والفيروسات بدون توقف، واستغلال من يقف وراءها لحالة الخوف وعدم اليقين، والتي أغرقت الأفراد عبر المنصات الاجتماعية بكمٍ هائلٍ من النصائح المضلّلة والمعلومات غير الدقيقة، بما في ذلك من الدراسات العلمية المفترضة عن الفيروس ونظريات المؤامرة حول من يقف وراءه، وقيام غير المتخصصين باستخدام المنصات لمشاركة المعلومات المضللة، ووصفت منظمة الصحة العالمية تلك الظاهرة ب «infodemic».


عمليات احتيال


ورصدت منظمة «الآيكان» 100 ألف موقع جديد تحمل أسماء نطاق مثل «كوفيد» و«كورونا» و«فيروس»، وهو ما دعاها إلى التحذير من انتشار عمليات الاحتيال التي تستغل المخاوف المرتبطة بانتشار الفيروس. وظهرت المخاوف مع زيادة الضغوط على النظم الصحية الوطنية من جراء التعامل مع الأزمة في اختراق النظم الخاصة بالمستشفيات، والتأثير في سير العمل بها، أو سرقة البيانات الشخصية المتعلقة بالمرضى، أو تعطيل الأجهزة عن العمل أو التدخل في نظم التحكم الخاصة بالجرعات ومتابعة الحالات المرضية. وهو ما حدث في مستشفى جامعة برنو في جمهورية التشيك.
ومن جهة أخرى، تم رصد قيام قراصنة موالين لإيران بشن هجمات ضد منظمة الصحة العالمية، واستغلال روسيا والصين وكوريا الشمالية الأزمة في تعزيز قدراتها في مجال التجسس السيبراني، وقامت شركة «جوجل» بتحذير موظفيها من استخدام برنامج زووم لاعتبارات أمنية.
ولعبت العديد من العوامل في تصاعد الأخطار السيبرانية في ظل أزمة «كوفيد 19»، وهي:
أولاً: الوجود داخل المنزل والعزلة الاجتماعية للملايين من البشر، وهم يمثلون زيادة في احتمالات التعرض للقرصنة من جهة، والضغط الهائل على البنية التحتية والخدمات عبر الإنترنت من جهة أخرى.
ثانياً: حالة الاضطراب وعدم اليقين سواء عن ماهية فيروس «كوفيد 19» أو عبر تقديم تفسيرات حول المسبب أو العلاجات المقترحة، وهو ما أدى إلى إنعاش بث المعلومات والأخبار المضللة.
ثالثاً: الاتجاه إلى التعاملات المالية عبر الإنترنت، سواء بالدفع أو الشراء، وهو ما يعرض البيانات السرية للحسابات البنكية وبطاقات الدفع الإلكتروني إلى خطر التضليل والاختراق.
رابعاً: إن تزايد معدلات البطالة وعدم القدرة على توقع المستقبل دفع بشريحة جديدة للدخول إلى مجال القرصنة الإلكترونية.
خامساً: دفعت الظروف الجديدة إلى اضطرار شريحة جديدة من المراهقين وكبار السن لإتمام التعاملات المالية والبنكية، وافتقاد جزء منها الوعي الكافي بالأمن الإلكتروني.
سادساً: أدى انشغال مؤسسات الدولة والهيئات الأمنية بجائحة «كوفيد 19» إلى إحساس زائف لدى القراصنة بوجود فراغ أمني سيبراني يمكن أن يشكل فرصة للقيام بأعمالهم غير المشروعة.
سابعاً: اتجاه المزيد من الأشخاص للعمل عن بُعد واستخدامهم لأجهزتهم الشخصية كأجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة لإجراء المزيد من الأعمال.
ثامناً: أدت زيادة الضغوط على المرافق الصحية إلى إمكانية تعرضها لخطر القرصنة، بما يؤثر في عملها وحياة المرضى.
تاسعاً: محاولة الجماعات المتطرفة توظيف اتساع دائرة التعرض للإنترنت في إعادة نشر خطابها المتطرف، وإضفاء طابع ديني على الأزمة لتعزز من فرص إعادة إنتاج خطابها.


مواجهة الخطاب المتطرف


ولمواجهة تحديات تنامي القرصنة الإلكترونية من جهة والخطاب المتطرف من جهة أخرى واستغلال الأزمة، يجب أن يكون وعي المواطن هو الركيزة الأساسية في تلك المواجهة إلى جانب دور الدولة في حماية البنية التحتية المعلوماتية، وبخاصة في المجال الصحي من الهجمات الإلكترونية، وتبني القواعد الدولية المشتركة لبناء الثقة والاستقرار عبر الإنترنت.
ومن المؤكد أن مثل هذه المعايير لن تكون علاجاً ناجعاً في حد ذاته، بل تتطلب تحمل كافة الشركاء المسؤولية من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والرأي العام والأفراد في حماية البنية التحتية المعلوماتية باعتبارها مرفقاً دولياً وتراثاً مشتركاً للإنسانية.
وللتخفيف من جميع الآثار المحتملة للهجمات الإلكترونية التي تستفيد من تفشي «كوفيد 19» يجب العمل على مراجعة وتحديث خطط الاستجابة للأزمات والطوارئ السيبرانية، وتأكيد الاستجابة القوية للاتصالات الداخلية والخارجية، وفهم أعضاء فريق إدارة الأزمة لدورهم ومسؤولياتهم، وتأمين كافة قنوات الاتصالات، وبخاصة عند استخدام خدمات الاتصال عن بُعد، والتأكيد على هوية الأشخاص الذي يقومون بوظائف حساسة، وأهمية الضبط والحذر من التعامل مع المعلومات الطبية وتأمين البيانات الصحية الشخصية، وتثقيف الموظفين والكوادر الطبية حول المخاطر السيبرانية.
وعلى الرغم من أن أزمة «كوفيد 19» كشفت عن هشاشة في النظم الصحية، فإنها منشأة كذلك لقواعد ومعايير جديدة تحفظ الأمن الإنساني والمناعة البشرية في ظل إرهاصات الثورة الصناعية الرابعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"