الفضائيات الأجنبية تتجمل بالعربية

قنوات من كل الا تجاهات تطارد المشاهد العربي
00:10 صباحا
قراءة 17 دقيقة

يبدو ان المشاهد العربي أصبح من الأهمية لدرجة ان العالم كله بمختلف ثقافاته يضع نصب أعينه مخاطبته بلغته، وراح البعض يكرس برامجه الناطقة بالعربية له، وهو ما وصفه بعض المتخصصين بالموضة الجديدة، ومحاولة تلميع لصورة تلك الدول في المنطقة العربية، وتبرير لمواقفها السياسية .

البعض الآخر وصف الهجوم على هذه الوضة بأنه قلة حيلة من الاعلاميين العرب، ولعن للظلام بدلاً من ان يضيئوا شمعة على طريق الحوار مع الآخر، ومحاولة مد جسور التقارب ورد الهجمة بخطا باعلامي عربي مشترك . وبينما تتصارع الفضائيات الغربية للاستحواذ على المشاهد العربي، هناك حوار مفتوح على الانترنت، بطله المواقع الالكترونية والمدونات التي أصبحت منافساً قوياً للفضائيات بشكل عام .

سفارات في الفضاء

اعتمد العديد من الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية في مخاطبتها للمشاهد العربي، على كوادر عربية مدربة ولديها القدرة على توصيل مضمونها له، وهو ما قامت به قنوات مثل BBC العربية، روسيا اليوم RT، فرنسا 24، والعالم الإيرانية، وصوت ألمانيا الحر دويتشه فيلله DW . وهناك من أعد لهذه القنوات منذ زمن بعيد، بإرساله لكوادر تعلمت العربية منذ عشرات السنين، مثل الصين التي أطلقت مؤخراً قناتها العربية CCTV بكوادر محلية تجيد العربية . تذرع بعض مسؤولي تلك القنوات لتبرير إطلاقها بالرغبة في الانفتاح الإعلامي على الآخر، وتوضيح الموقف الرسمي للدول التي تمول تلك الفضائيات، بينما اعترف البعض الآخر بأن لديهم أجندات سياسية معلنة لخدمة مصالحهم في المنطقة .

حول مضمون ومحتوى الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية، وما تقدمه من برامج تدور السطور القادمة .

لابد من الاشارة أولاً إلى أن الحرة كانت القناة السباقة في هذا الصدد، لكن ممولتها الولايات المتحدة خسرت الرهان عليها رغم ضخامة ما أنفق عليها .

وفشلت القناة في تحقيق هدفيها: تلميع صورة أمريكا، وتمرير الأفكار الأمريكية إلى المنطقة العربية .

وما يميز الحرة عن القنوات الغربية الجديدة الناطقة بالعربية أنها لم تكن نسخة عربية من قناة أجنبية، بل بدأت عربية وبطاقم غالبيته من أقطار عربية عدة .

على مدار 24 ساعة يومياً، وبعد انطلاق أربع قنوات صينية دولية ناطقة باللغات الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، خطت الصين خطوة هامة باتجاه العالم العربي، تعزيزاً لقدرة التلفزيون الصيني المركزي في مسيرته الاستراتيجية نحو العولمة المتميزة بتعدد اللغات والتغطية الشاملة .

ورداً على رسالة إلكترونية وجهناها لتشانج شانجمينج (نائب رئيس شبكة التلفزيون الصينية المركزية) نسأله فيها حول أهداف القناة وكوادرها وما تقدمه من برامج، قال إن أحد أهداف الصينية العربية هو تصحيح الانطباعات المشوهة، التي تروجها بعض وسائل الإعلام الأجنبية عن الصين . وأضاف: هدفنا الأساسي بث الحقيقة، في إطار من الموضوعية والدقة والشفافية . ويشير تشانج إلى ضرورة إيصال صورة حقيقية عن الصين إلى العالم، معتبراً القناة بمثابة جسر حيوي لتعزيز التواصل والتفاهم بين الصين والعالم العربي .

يتكون فريق العمل الأولي في القناة من 80 شخصا، أما المذيعون فمن الصينيين الناطقين باللغة العربية .

وتغطي القناة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من خلال قمري عربسات ونايلسات، ومنطقة آسيا والباسفيك من خلال القمر الصناعي B6 .

والقناة تعتمد على عدد غير قليل من الكوادر المحلية الصينية لإعداد وإذاعة البرامج، وعاب البعض على معظمهم أنهم يفتقرون إلى القدرة على التحدث بطلاقة بالعربية .

وتركز القناة على نشرات الأخبار بالإضافة الى البرامج الثقافية والخدمية والترفيهية . وتشتمل على 9 برامج رئيسية منها الحوار الذي يقابل العديد من الشخصيات العربية والعالمية، ونافذة على الصين الذي يتجول بين ربوع الصين الحديثة والقديمة، وأفلام وثائقية الذي يتعرض لتاريخ الصين ويعرض حقائق لا يعرفها البعض عن حقبه المختلفة، والفنون الصينية التي تعرف المشاهدين على كافة الفنون الصينية من استعراض وتشكيل وغناء وحرف يدوية . وتنقسم الخريطة البرامجية إلى أربعة أنواع وهى نشرة الأخبار، والبرامج الخاصة، والمنوعات، والبرامج التعليمية . تقوم القناة الحديثة بالبث المباشر لمدة أربع ساعات من البرامج المنوعة، يتم تكرارها ست مرات على مدار 24 ساعة فيما عدا نشرات الأخبار التي تجدد في حينها .

روسيا اليوم أيضاً من القنوات التي حصلت على نصيب ليس بالهين من الكعكة الإعلامية الموجهة للمنطقة العربية، عبر برامجها المختلفة التي اختارت لها كوادر ناطقة بالعربية، تمتلك الخبرة الإعلامية الكافية للوصول إلى المشاهد العربي . وفي صدارة خريطتها البرنامج الحواري اليومي بانوراما، ومدته 26 دقيقة، ويناقش جوانب مختلفة من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في روسيا والمنطقة العربية والعالم . كما تقدم البرنامج الاخباري التحليلي حصاد الأسبوع والذي يلقي الضوء خلال 58 دقيقة على أهم أحداث الأسبوع، وأيضاً برنامج نبض المستقبل ويتناول شؤون العلوم وتنوعها في روسيا، كما يتطرق لقضايا التعليم والطب ومسارات الأبحاث العلمية والتكنولوجيا الحديثة على أصعدة مختلفة، وأما برنامج رحلة في الذاكرة فيقلب صفحات التاريخ عبر حوارات مع ضيوفه من دبلوماسيين وعسكريين ورجال استخبارات وعلماء وصحافيين وغيرهم ممن شهد أو شارك مباشرة في الأحداث المصيرية، وتركت بصمات واضحة على مسار التاريخ الحديث . ويتحدث برنامج حكايات الشباب عن حياة هذه الفئة في روسيا والعالم العربي والقضايا التي تثير قلقهم وكيفية معالجتها . ويستضيف الأستوديو عادة أبرز وألمع ممثلي الجيل الشاب من العرب . كما تبث روسيا اليوم برنامج مشاهدات الذي يحاول تصحيح التصور الشائع وغير الصحيح عن الحياة في روسيا، من خلال التعرف على التقاليد والثقافات الروسية، بالإضافة إلى أصحاب القرار، وهو برنامج خاص يستضيف عادة شخصية بارزة من كبار المسؤولين الروس أو الأجانب، وأخيراً برنامج حدث وتعليق الذي يناقش أهم حدث خلال اليوم .

وعن أهداف القناة يقول مديرها الدكتور حيدر أغادير إنها بمثابة مشروع جديد من صديق قديم، وهو شعار اتخذته القناة لتؤكد أن روسيا صديق قديم للأمة العربية، وجاءت لخدمة المشاهد العربي وتغطية الأخبار الروسية، وتعطى صورة واضحة عن شعوبها وسياستها الخارجية ومواقفها من الأحداث العالمية والإقليمية، من خلال وجهة نظر الخبراء والمحللين والصحافيين الروس . ويضيف: في الوقت نفسه تتيح القناة فرصة للمحللين والخبراء الغربيين والعرب الذين لا يوجد لديهم حضور على الشاشات المعروفة سواء العربية أو الغربية .

وتعد BBC العربية من القنوات الأقرب للمشاهد العربي عن مثيلتها، لأن اسمها مرتبط بالخدمة العربية لإذاعتها التي جذبت المستمع العربي، واعتمد عليها فى تحري المصداقية فى العديد من القضايا والأحداث لسنوات طويلة .

ومن البرامج التفاعلية التي تقدم عبرإذاعة وتليفزيون BBC في آن واحد، نقطة حوار وهو عبارة عن منتدى تفاعلي متعدد الوسائط، يناقش قضية واحدة كل حلقة . كما أن البرنامج يستقبل المكالمات الهاتفية، والبريد الالكتروني، والرسائل النصية وآراء الشارع المصورة مسبقاً في المدن الكبرى، وكذلك تقنية ال3 والمساهمات عبر كاميرا الانترنت، للتعرف على آراء الشارع العربي تجاه قضية معينة . أما برنامج لجنة تقصي الحقائق فيقوم بمناقشة قضية أسبوعياً عبر تحقيق تليفزيوني تقوم فيه لجنة مستقلة مكونة من ثلاثة خبراء، يمثلون الزوايا ووجهات النظر المختلفة للموضوع، بسؤال شهود عيان، ويقود المناقشة محاور للتوصل إلى نتيجة في نهاية البرنامج .

ومن البرامج الحوارية التلفزيونية أجندة مفتوحة الذي يتناول قضايا معاصرة تهم المشاهد العربي، ويستضيف مقدم البرنامج مجموعة من الضيوف ليطرح عليهم أسئلة حول موضوع الحلقة لمناقشته من مختلف الجوانب مع استعراض ما يمكن من وجهات النظر المتباينة، ويترك الحكم على محصلتها النهائية للمشاهد . وتعرض BBC التلفزيونية العربية مجموعة من الأفلام الوثائقية في برنامج عن قرب، بعد أن صورت في بلدان مختلفة من الشرق الأوسط، منها مصر ولبنان وسوريا والعراق واليمن والسودان والمغرب . وتتناول هذه الوثائقيات مجموعة متنوعة من القضايا التي تهم قاطني هذه الدول ومن يعيشون خارجها .

تقدم الفضائية الفرنسية 24rance مجموعة كبيرة من البرامج الثقافية والتفاعلية والفنية والحية، بهدف استقطاب عدد كبير من المشاهدين، منها النشرة الثقافية، وهو برنامج ثقافي يومي شعاره الثقافة بلا حدود ومن دون قيود، من بين موضوعاته فنانون يتحدون الأمر الواقع، واكتشافات وأزياء بألف لون ولون . ويهدف البرنامج إلى رصد التنوع الثقافي في شتى أنحاء العالم من خلال تقارير المراسلين وبحضور ضيوف وأخصائيين . أما برنامج حوار فرانس 24 فيستضيف كل أسبوع شخصية سياسية أو ثقافية أو اقتصادية، قد تكون فرنسية أو عربية أو عالمية، وتجيب عن أسئلة متعلقة بقضية تثير اهتمام العالم . ومن البرامج الهامة التي تبث ثلاث مرات يومياً برنامج ريبورتاج الذي يناقش الأحداث الدولية والمحلية في شتى المجالات، تعالجها القناة من وجهة النظر الفرنسية، من خلال تقارير تساعد المتلقي والضيف في الوصول إلى نتيجة فى آخر الحلقة . أما برنامج وجهاً لوجه فيستضيف شخصيتين فى كل حلقة، لتجاذب أطراف الحديث فى قضية محددة، ويطرح مقدم البرنامج بعض الأسئلة التي تبرز وجهات النظر وتعزز الحوار . ويقدم قسم الأخبار فى القناة الفرنسية العربية خدمة قراءة الصحف الإسرائيلية والفلسطينية لمشاهديها، كما يقدم برنامج فى عمق الحدث الذي يتناول قضية حالية بالبحث والمناقشة عبر استضافة الخبراء للتعقيب على الخبر . وتقدم القناة مجموعة من البرامج المتخصصة في الصحة، والكمبيوتر، والموضة لجذب المهتمين من تلك الفئات حول شاشاتها .

ومن بين الفضائيات التي تبحث لها عن مكان بين القنوات العربية، المحطة الألمانية DW أو صوت ألمانيا الحر التي تبث برامجها على القمر الصناعي العربي نايلسات ثلاث ساعات يومياً، ويقدر رئيس المحطة وصوله إلى بيوت أكثر من 10 ملايين مشاهد يومياً في 20 دولة عربية، واعتمد لذلك مبلغ 210 ملايين يورو لدعم برامج المحطة، وتمويل نشاطاتها وعمل الموظفين العرب الذين بلغوا 35 موظفاً في قسمها العربي . وعن تجربته مع الألمانية العربية يقول أحمد عبيدة (مقدم برامج) إن تلفزيون DW سيبحث له عن مكان بين قنوات الجزيرة والعربية وغيرها من الفضائيات من خلال ما وصفه بالحيادية التي تميز راديو دويتشه فيلله الذي سبق المحطة التلفزيونية بعقود .

تعز ز تأ ثير الرسائل الغربية في المنطقة

الإنترنت منافس للفضائيات بلا رقابة

بعد أن أصبحت الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية أمراً واقعاً، كان من الضروري معرفة مدى تأثيرها في المشاهد العربي، مقارنة بمواقع الانترنت والمنتديات المتناثرة على الشبكة العنكبوتية، التي تتدفق بالمعلومات من وإلى كل مكان في العالم . وتزداد أهمية ذلك بعد أن أصبح لكل قناة من هذه الفضائيات موقعها الالكتروني العربي التفاعلي، الذي يلتف حوله العديد من المتابعين للقنوات، للمشاركة بآرائهم في البرامج المقدمة، أو فيما تتناوله من قضايا تهم المشاهد العربي . هل هناك اختلاف كبير بين الموجود على الانترنت من معلومات، وبين ما تبثه تلك الفضائيات من برامج؟ وما هو الأكثر تأثيراً، الفضائيات المتجملة للمشاهد العربي، أم المواقع المعلوماتية والمنتديات التي تأتي بالحدث وقت وقوعه؟

يوضح الدكتور صادق رابح، أستاذ الإعلام جامعة الإمارات، أنه على الرغم من الاختلاف الكبير بين حجم الجمهور الكبير للفضائيات، مقارنة بمستخدمي الإنترنت، إلى أن أعضاء الفئة الثانية أمامهم خيارات أوسع للتنقل بين أكثر من موقع، إضافة إلى مساحة الحرية الكبيرة التي تكفلها الانترنت، مقارنة بالقنوات الفضائية التي تتبع مؤسسة أو دولة، لها قواعد وتطبق ميثاق شرف صحافي، ولديها اعتبارات واتجاهات ومصالح تخدمها . وتشير إلى أن هامش الحرية على الانترنت أكبر ولكن على المشاهد تحرى الدقة فيما يتابع من أخبار أو موضوعات تناقش عبر المواقع المختلفة . ويلفت رابح إلى ان العديد من القنوات الأجنبية الموجهة بالعربية للمنطقة، لها مواقعها الإلكترونية التي تتبع نفس خط القناة، بينما الإعلام العربي مازال يبحث عن استراتيجية موحدة، ومنظومة مشتركة من خلالها نخاطب العالم بلغته، لافتاً إلى أن العرب اختاروا لعن الظلام بدلاً من أن ينيروا شمعة على طريق التعاون العربي الإعلامي، وأصبحنا نتلاقف المسؤوليات ويبحث الكل عن مبادرة وأفكار، بينما نحن المعنيون بالضرورة بالوصول إلى مشروع مشترك .

ويؤكد الدكتور هشام السيد، أستاذ الشبكات الإلكترونية جامعة الإمارات، أن الانترنت منافس قوى على صعيد حرية التعبير عن الرأي، مقارنة بالقنوات الفضائية، التي تطلق الخبر من وجهة نظر واحدة، وتحلل الموضوعات وفق سياساتها، ضارباً المثل بالتطبيق التفاعلي الأشهر في العالم فيس بوك الذي يستطيع من خلاله الشباب، التعبير عن وجهة نظرهم وآرائهم في مختلف القضايا دون رقابة . ويضيف أن الكثير من الفضائيات المحلية والغربية التي تنطق بالعربية، لديها مواقع يستطيع المشاهد الدخول عليها لتسجيل رأيه، ومن ثم التعليق عليه من قبل القناة، أو حتى يتبادل الآراء مع مرتادي الموقع، وهو ما لا توفره القناة التي تدير المنظومة من طرف واحد . ويلفت إلى أن العديد من مستخدمي الإنترنت وجدوا فيه منبراً للتعبير عن وجهة نظرهم في مختلف القضايا، عن طريق قوالب أصبح متعارفاً عليها مثل المدونات، التي يستغلها الشباب في تناقل الأخبار من دون مونتاج فضائي أو تجميل بلسان المذيع، ويلفت إلى أنه يمكنهم عبر المواقع التفاعلية عمل ما يشبه الندوة الكاملة، حول موضع معين يتم مناقشته بين المشاركين عبر الموقع من جميع أنحاء العالم . ويحذر السيد من أن هناك العديد من الأخبار والمعلومات المغلوطة، الناتجة من عدم الرقابة التي يمكن أن تخدع المتلقي غير الواعي بما يدور عبر بعض المواقع .

ليث خضير (28 عاماً من قطر) يرى أن مواقع الانترنت التي ليس لها حدود، تغنيه عن أيه قناة فضائية، فبينما هو فى عمله أو فى سيارته، يستطيع متابعة ما يحدث فى العالم عبر موقع الجزيرة أو العربية، أما المواقع التفاعلية فهو من المفضلين لموقع BBC، ودائم المشاركة فى برنامج نقطة حوار، الذي يقدم على الراديو والتلفزيون والانترنت . ويشير إلى أن الحوار على الانترنت يظل مفتوحاً لمتصفحي الموقع حتى بعد نهاية الحلقة . وعن تجربته مع النسخة العربية من BBC يقول ليث: منذ ان كنت طالباً في الجامعة وأتابعها، وعندما أطلقت النسخة العربية كنت من متابعيها، ولكني أفضل المشاركة عبر الموقع الإلكتروني للقناة .

سعيد توفيقي (22 عاماً من الكويت) فيفضل متابعة البرامج والمسلسلات والأغاني على الانترنت، لا سيما القديم منها، ولأنه يدرس الإعلام يفضل الاطلاع على القوالب الإعلامية التي تقدمها، كل القنوات عبر مواقعها الإلكترونية التي تتشابه فى مضمونها مع ما يبث على الشاشة .

ويشير توفيقي إلى سهولة التعامل مع الإنترنت فى أي مكان وزمان، بينما متابعة الفضائيات تتطلب منه وقتاً محدداً، قد يكون فيه فى الجامعة أو مع الأصدقاء . وعن ما يتابع من فضائيات عبر الانترنت يقول توفيقي أفضل متابعة الأخبار على CNN العربية، والمنوعات والأغاني على الكثير من المواقع، ويبقى أهم موقع بالنسبة لي هو الفيس بوك الذي يجمعني والكثير من الأصدقاء .

ويرى سرى عبد الرب (31 عاماً من العراق) والذي يعمل فى شركة لتصنيع الدواء فى بريطانيا، أن الانترنت أصبح عالماً مملوءاً بكل ما يحتاجه الإنسان من وسائل للمعرفة والترفيه، خاصة القنوات الفضائية التي أصبحت تقدم خدمة مماثلة على الانترنت، ويستطيع المتصفح الحصول على أي حلقة من مسلسل أو برنامج أو فيلم، يذاع على الهواء أو مسجل وهو فى مكانه . ويلفت إلى أنه من خلال الانترنت يمكنه التواصل مع القناة أو مقدم البرامج، عبر البريد الإلكتروني أو التعليقات التي تملأ الموقع عقب البرنامج، مقارنة بالفضائيات التي تصاغ فيها المادة الإعلامية من طرف واحد .

ويختلف داود عدنان نمر (33 عاماً من سلطنة عمان) مع وجهة النظر تلك، مؤكداً أن الانترنت يفتقد للحميمية التي يتحدث بها المذيع فى حال إلقائه لخبر، أو التواصل الذي يحدث بينه وبين مجموعة المتحدثين لمناقشة قضية ما، لافتاً إلى أن كل الناس ليس لديهم خبرة بالتقنيات الحديثة، وكيفية استخدام الإنترنت، مما يجعله يفضل استقاء معلوماته وأخباره من الفضائيات . ويشير إلى أن القنوات الفضائية المختلفة تسعده على الصعيد الترفيهي، ويتابعها مع الأسرة، بينما يبقى على استخدام الانترنت في الأمور الحيوية، والأحداث الكبيرة التي تحتاج إلى استفاضة فى الفهم، مما يجعله يلجأ إلى مواقع الفضائيات على الإنترنت، لمعرفة المزيد من الأخبار والتقارير حول الموضوع .

العرب يخاطبون أنفسهم

بينما تتسابق الدول الأوربية للسيطرة على المشاهد العربي، مازال العرب يبحثون ويعقدون الاجتماعات لمحاولة التواصل مع الطرف الآخر من العالم، وشرح وجهة النظر العربية في العديد من المواقف والموضوعات، والوصول لما وصلت إليه أصغر الدول ككوريا الجنوبية . وكانت الجمعية العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية دعت الهيئات الأعضاء إلى تعبئة كل الطاقات المتاحة من اجل الإسهام في استراتيجية التحرك الإعلامي العربي على الصعيد الخارجي، لإنشاء قنوات فضائية تبث باللغات الأجنبية، وتكثيف جهودها في إعداد البرامج التي تستهدف الجمهور الخارجي، والحرص على صياغة خطاب إعلامي يتوافق والخصوصيات الاجتماعية والثقافية لهذا الجمهور، اضافة إلى توظيف إمكانيات التعاون في وضع برامج مشتركة، وإعداد ندوات فكرية بمشاركة مثقفين وسياسيين من الوطن العربي ومن خارجه لطرح موضوعات الساعة في إطار حوار الحضارات . ورغم ذلك لا توجد في العالم العربي إلا تجربتان استطاعتا التفاعل مع العالم الغربي إلى حد ما وهما قناتا نايل تي في المصرية، والتي تقدم برامج باللغات الفرنسية والإنجليزية والعبرية، وقناة الجزيرة إنترناشيونال، هذا ما أكده الإعلامي حسن حامد رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري الأسبق مضيفاً أنه وبرغم ما تنادي به الدول الغربية من حرية الإعلام وحق الحصول على المعلومات، فإن الواقع العملي يؤكد عكس ذلك، إذ فرضت تلك الدول قيودا على دخول الإعلام الخارجي إليها، عن طريق الكوابل التي تستخدمها في التحكم في دخول القنوات والإذاعات إليها بدلا من الأقمار الصناعية، وأنها تسمح بدخول أي إعلامي خارجي مادام يتماشى مع سياستها الداخلية والخارجية .

ويرى أمين بسيوني، رئيس اللجنة الدائمة للإعلام العربي بجامعة الدول العربية، أن كل القنوات العربية الفضائية والمحطات الإذاعية، لن تغير رأي المواطن الأمريكي أو الفرنسي أو البريطاني نحو وجهة النظر العربية، لأنها ببساطة لا تتحدث بلغتهم وأن أقصى ما تفعله تلك القنوات التي تصل لأوروبا وأمريكا، هو مخاطبة الجاليات العربية هناك، ويقول: لذا استقرت اللجنة على أن نقل وجهة النظر العربية للخارج لن يتحقق إلا من خلال استئجار أوقات ومساحات في الصحف والقنوات الأجنبية الشهيرة .

وتؤيد الإعلامية الدكتورة درية شرف الدين، القول إن رسم الشخصية العربية لن يتحقق من خلال القنوات الفضائية الحالية، لأنها لا تقصد في رسالتها الإعلامية المواطن الأجنبي، كما أن ما تقدمه ليست سوي برامج عربية يقدمها مذيعون عرب، وتلفت إلى تقلص دور قناة نايل تي في الفترة الأخيرة بعد أن خرجت عن المسار الذي أنشئت من أجله، لدرجة أنها أصبحت أقرب إلى القناة المحلية برغم وجودها على النايل سات، ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للفضائية المصرية، وأشارت إلى حتمية إنشاء قنوات عربية ناطقة باللغات الأجنبية والعمل على الارتقاء بالسينما العربية .

موضة جديدة لم تحقق الانتشار

النسخ العربية للقنوات الأجنبية تخدم مموليها

فجأة أصبح المشاهد العربي مهماً وأصبح العديد من القنوات الأجنبية الناطقة باللغة العربية تتسابق للسيطرة عليه، وأصبحنا نسمع كل عام عن إطلاق قنوات أجنبية جديدة، تنطق بلسان عربي فصيح أو مكسور، وهو ما وصفه بعض الإعلاميين العرب ب موضة جديدة، حيث أصبح لأكثر من قناة أجنبية موقعها العربي على الانترنت، إضافة إلى القناة الناطقة بالعربية . وهل تذكر الغرب فجأة أهمية المشاهد العربي أم أن لهذه القنوات أهدافاً أخرى؟ وهل يشاهدها المشاهد العربي؟ وإن كان يشاهدها فما الجديد الذي تقدمه عن باقي القنوات العربية؟ أسئلة حاولنا الإجابة عنها مع عدد من الإعلاميين .

الإعلامي الإماراتي عبدالله رشيد يقول إن جمهور هذه القنوات لا يتعدى الجمهور الذي كان يشاهد النسخ الأجنبية أو يتابع الموقع الإلكتروني أصلاً، ولكنهم باستخدام اللغة العربية يحاولون استقطاب المزيد من المشاهدين . ويشير إلى أن مشاهد اليوم ليس بهذه السذاجة لأنه يتابع وينجذب في البداية، لكنه يظل يقارن بين القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية وبين ما يفضله من قنوات، وإذا وجدها تدس له السم في العسل، أو تروج لسياسات دولة معينة أو تتحيز لوجهة نظر معينة، يحجم عن متابعتها ولا يعود لها . ويضيف رشيد أن هذا حدث بالفعل مع بعض القنوات مثل الحرة الأمريكية لأن سياستها واضحة منذ البداية وهي تبرير ما تفعله الولايات المتحدة بدول المنطقة، لافتاً إلى أن الحرة على الرغم من تداركها الخطأ الذي وقعت فيه منذ البداية، بافصاحها عن أهداف القناة ومحاولتها أن تكون منطقية متوازنة في الأفكار والشخصيات التي تستضيفها، إلا أن ذلك جاء بعد أن أضاعت الثقة بينها وبين المشاهد ومن المستحيل عودتها . ويرى أن لذلك كانت الأوامر بإغلاق الحرة، لإعادة التأهيل لأنها قناة لم تحقق المطلوب منها والسبب أن المدخل كان خاطئاً، وأنها خسرت الكثير حتى بعد إعادة بثها .

يرى زافين قيوميجيان مقدم البرامج بقناة المستقبل اللبنانية أن تجارب هذه القنوات فاشلة، وأن المشاهد العربي لا يرى فيها أية إضافة جديدة لما يراه على قنواته العربية، خاصة فيما يتعلق بمعالجة قضاياه ومشاكله . ولفت إلى أن المشاهد العربي لديه الكثير من الهموم اليومية، التي يحتاج من الإعلام مناقشتها ومحاولة طرح الحلول لها، بينما تأتي هذه القنوات الأجنبية في نسختها العربية بفكر غريب تسعى لنشره وتكوين رأي عربي مؤيد له، ومن ثم اتباع وجهة النظر التابعة لهذه الدولة أو تلك . ويضيف قيوميجيان أن المشاهد العربي لا يهتم كثيراً بنقد الحكومات ومتابعة السياسات الخارجية، وهو ما تفعله الكثير من هذه القنوات، بل يتابع الأفلام أو الفيديو كليب أو يشاهد القضايا الاجتماعية وبرامج المرأة والمنوعات، وأحياناً يتابع أخبار المال والبورصات، مشدداً على حاجة الإعلام العربي إلى روح جديدة أكثر انفتاحاً على المجتمع ليناقش القضايا الحقيقية التي تهم المواطن العربي، ويؤكد أن تلك القنوات يمل منها الجمهور، لعدم وجود الدافع أو المبرر لمتابعتها، ولا يقبل عليها إلا المثقفون أو المتخصصون .

ويقول الدكتور علي الهيل من هيئة التلفزيون والإذاعة القطرية إنه كان ضمن المقيمين لأداء هذه القنوات في قطر، ووجد أنها صيغت على عجل، نتيجة لتدافع الأحداث السياسية في المنطقة، وحرص الدول على تبرير وتوضيح موقفها للمشاهد العربي . ويشير إلى أن الحرة على سبيل المثال إحدى القنوات التي ولدت ناطقة بالعربية، موجهة للمشاهد العربي ضمن مشروع سريع ورد فعل لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول، واصفاً الكوادر التي تعمل فيها بأنها ضعيفة في بلادهم، وقبلوا العمل بعد الإغراءات المادية . وبلغت إلى أن الكثير من هذه القنوات ظهرت في الفضاء العربي للترويج لفكرة الديمقراطية المستوردة، وما يعرف بالفوضى الخلاقة التي تريد بعض الدول طرحها على الدول العربية، مستغلة المنبر العربي واللغة العربية للوصول لمشاهد المنطقة .

ويرى الهيل أن مثل هذه القنوات لم ولن تحقق المصداقية المنشودة لأنها لم تفهم طبيعة المشاهد العربي مكرسة كل اهتمامها على الدعاية والترويج لسياسات الدول الناطقة باسمها، وحتى في مناقشتها للقضايا الاجتماعية التي تشغل المواطن العربي فإنها تناقش من وجهة نظر واحدة ولا تعطي المجال لوجهة النظر الأخرى .

يرى حسام السكري من BBC أنها تختلف عن غيرها من القنوات الناطقة بالعربية، والتي تقول بصراحة شديدة إنها أتت لسد فراغ موجود في العالم العربي . ويقول: الروس مثلاً يريدون بالقناة الروسية أن يشرحوا للناس داخل المنطقة العربية الموقف الروسي بشكل واضح، لذلك وجهوا قناتهم المتحدثة بالعربية روسيا اليوم، والفرنسيون يريدون أن يوضحوا السياسة الفرنسية من خلال فرنسا 24، والحال نفسها تنطبق على الألمانية دوتشه فيلله والإيرانية العالم، لكن BBC خدمة عامة ولم تأت للدفاع ولا للترويج للسياسات البريطانية . ويوضح أنه على الرغم من أن القناة ينفق عليها من منحة بريطانية، وتشرف عليها وزارة الخارجية البريطانية، إلا أن هناك سداً منيعاً بين الخارجية والموقف السياسي البريطاني من جهة والتحرير من جهة أخرى، ولا يوجد أي تدخل من أي نوع في سياسة BBC العربية . ويشير إلى أن القنوات الفضائية والإعلام التلفزيوني بشكل عام كلمة السر فيه هي المصداقية والوضوح والصراحة لجذب المشاهد العربي، الذي لم يعد حبيسس القنوات المحلية التي تبث من الداخل فقط . ويؤكد السكري صعوبة توجيه المشاهد الحالي، الذي أصبح يمتلك خبرة كافية لاختيار ما يهمه ويفيده من مواد تلفزيونية، لأن المعروض أمامه كثير جداً، ولا يوجد ما يجبره على الاصغاء للإعلام المتربص، حسب وصفه .

ويرى أحمد معاوية الإعلامي الموريتاني أن شعبية هذه القنوات لم تتعد المتخصصين والمحللين والمتابعين الأصليين لها، ويضرب مثلاً بقناة BBC، موضحاً أن معظم متابعيها هم من المستمعين أساساً لإذاعتها، لذلك من السهل عليهم متابعة الفضائية لأنها تحقق نفس الخدمة ولكن أسهل وأسرع وبالصوت والصورة . ويلفت إلى أن مثل هذه القنوات أتت لتحقيق أجندة معينة وتوضيح وجهة نظر الدول الأجنبية التي تحاول الوصول للمواطن العربي، مؤكداً أنه من الصعب عليهم الوصول له بسهولة إلا بعد بناء جسور الثقة المفقودة، بين المشاهد والدول التي تتكلم بلسانها القناة، وهو ما يبرر بعد هذه القنوات عن المشاهد العربي . ويشدد معاوية على ضرورة رأب الصدع في جدار الإعلام العربي، عن طريق توضيح صورة الشارع العربي من دون رتوش تضيفها الحكومات والمؤسسات، مثل ما تفعل بعض هذه الفضائيات بشكل عكسي، معتبرة أن ما يحدث في الشارع العربي فضائح يجب نشرها على العالم . ويرى أنه إذا بادرنا نحن بذلك تكون لنا المصداقية ونحصل على ثقة المشاهد العربي، فلا يحتاج لهذه القناة أو تلك لاستقاء المعلومة منها . ويطالب بأن يبحث القائمون على الإعلام العربي في أسباب ظهور تلك القنوات، والتصدي لها سواء بتوعية المشاهد بأهداف تلك القنوات أو رد الهجمة بهجمة مماثلة عبر قنوات تتحدث لعواصمها الأجنبية .

مكرم محمد أحمد نقيب الصحافيين المصريين في تعليقه على انتشار النسخ العربية من القنوات الأجنبية يقول إنها جاءت كرد فعل لتقصير إعلامي عربي، وإن الكثير من القنوات العربية الجديدة قامت على الخرافة والدجل والتطرف، مؤكداً ضرورة تغيي وتطوير الواقع والخطاب الإعلامي الذي يغلب عليه الطابع الحكومي والرسمي .

ويشير إلى أن المشاهد العربي يذهب إلى القناة التي يرى فيها ما لا تقدمه القنوات الرسمية، والتي تحاول التعتيم على ما يحدث داخل المجتمع العربي والشارع العربي، وهي تفعل عكسه القنوات الأخرى . ويرى أن القنوات الأجنبية تستغل في ذلك أن المشاهد العربي لا يرى ذلك في قنواته المحلية، ومن ثم يصبح جاهزاً ويمكن تعبئته بوجهة النظر الأخرى والتي غالباً ما تكون خاطئة .

ويوضح مكرم أن الإعلام الغربي فشل في الوصول إلى الفكر العربي، وتبرير مواقفه السياسية ووجهه القبيح، لأن المواطن العربي لا يفرق بين إعلام هذه البلدان وقنواتها مهما كانت المغريات، لافتاً إلى ضرورة توفير البديل الصريح العربي من القنوات، الذي يتعامل مع المجتمع بشفافية واحترام للعقول .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"