الحاجة للأدب

04:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
الترفيه والكتابة أمران لا يجتمعان، فحيث وجدت المعاناة وجد الكاتب، واليوم انطوى القراء في مكتباتهم يقرؤون الإنتاج الأدبي المعاصر، ولعل بعضهم يتفق معي في أن الأدب بات مستخدماً أكثر من كونه فناً يعبر به الإنسان عن ذاته، وهذا النوع من استخدام الأدب لأغراض شخصية ليس بجديد أو غريب، حيث ذكر الدكتور علي الوردي في كتابه "أسطورة الأدب الرفيع": "كانت قريش تجعل موسم الحج موسماً شعرياً تعطي فيه المكافآت والجوائز للشعراء البارزين، فتقطع بذلك ألسنتهم وتجعلهم وسائل دعاية لها" .
ومن هنا يظهر أن الأدب تم استخدامه لأغراض اقتصادية لدى قريش، فلكي تروّج مكانتها التجارية وتجلب القبائل نحوها أقامت مسابقات الشعر وجعلت الشعراء كالنماذج الدعائية لها . ورغم مرور القرون على ذلك فإن أفعالاً كهذه ما زالت تمارس بحق الأدب ليس على الصعيد الاقتصادي وإنما على صعيد شخصي يعود بالنفع للكاتب نفسه، فالكتابة عند فئة وصلت للاكتفاء المادي والمعنوي ولا تعاني أي قصور ذهني أو نفسي أو اجتماعي، باتت كنوع من الكماليات التي يزين بها الفرد مكانته ويؤطر بها اسمه، فإن يكون المرء كاتباً ويعرف بذلك يعني أنه حصل على مستوى راقٍ بين الجموع، فالناس ستعتبره مفكراً، فيلسوفاً، مثقفاً، حكيماً وأهلاً للاستشارة وصاحب رأي يوثق به .
السؤال الآن، هل هذه الألقاب التي نالها بعض الكتّاب لمجرد تأليف كتاب أو اثنين يستحقونها؟
يقول آرنست هيمنغواي: "كي تكون كاتباً ناجحاً، أنت بحاجة لطفولة تعيسة" . ولن آخذ الجملة بمعناها الحرفي حيث إن المعاناة ليست حكراً على الطفولة، إنما سأفسرها بمعناها الضمني ألا وهو أن المعاناة مطلب لولادة الكتاب . . إن الكاتب الذي لم يجع يوماً لن يكتب عن المجاعات، والكاتب الذي لم يقهره الظلم لن يطالب بالعدالة للضعفاء والكاتب الذي لم يخسر وتتهشم طموحاته لن يعبر عن ظلمات الإحباط، إن الكاتب الذي يعرض عن قضايا العالم ويلوك قلمه وسط ترهات الحب الفارغ والعواطف التي سرعان ما تنفجر وتتلاشى كفقاعة صابون لا يخلده الزمن ولا تخلده ذاكرة القراء، فأي معاناة سيطرح؟ أي قضية سيناقش؟ أي فكرة تشتعل بين تلافيف دماغه؟ هؤلاء الذين استخدموا الأدب كدرجة يعتلون بها مكانة اجتماعية إضافية هم أول من سيغادرون ميدان الكتابة، فالكتابة رسالة نبيلة والقلم صوت لمن لا صوت له .
إن لم تتحقق هذه المعاني في نصوص كتاب اليوم فلا أستطيع أن أسمي مخرجات كتابنا نوعاً من الأدب، إنما هي هذيان وخربشة أقلام وتمضية وقت لا أكثر .
تقول إيميلي نوثمب الكاتبة البلجيكية: "لا يتحدث الكتّاب إلا عن أنفسهم وزيادة على ذلك فهم يفعلون هذا بالكلمات . الرسامون والموسيقيون يتحدثون عن أنفسهم هم أيضاً، ولكن بلغة أقل فجاجة من لغتنا" . وأظن أنني أتفق معها، فالتعبير عن الذات يتسم بنوع من الأنانية والتي قد تكون مفرطة في نصوص بعض الكتّاب الذين ملؤوا الصفحات خواطر عن عواطف عاشوها في لحظة من الزمان وسرعان ما ذابت .
إن المعاناة الخالدة التي تحيك في النفس وترهقها، مشاعر كالقهر والحرمان والخسارة بات من النادر أن نجد من يعبر عنها التعبير الذي يجعلنا نرى قبساً من الآلام التي تكبدها الكاتب ودفعته للكتابة .

شيماء المرزوقي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"