ياسر البهزاد: يستهويني البحث عن المجهول

ينتقل سنوياً من مغامرة إلى أخرى حول العالم
01:04 صباحا
قراءة 6 دقائق

تملك حب الفضول منذ الصغر الشاب الإماراتي ياسر البهزاد الذي اختار السفر إلى مناطق مجهولة من العالم وخوض تجارب جريئة بدافع الاستكشاف والإثارة . ليس هذا فحسب، بل إنه سخر قدراته لخدمة بلاده وتقديم خلاصة تجاربه كبحوث علمية حقيقية من وحي تجربته، وتوثيق تفاصيل رحلاته حول العالم في أفلام تكشف أسراراً مجهولة في بقاع بعيدة لم يصل إليها إماراتي .

في هذا الحوار يطلعنا البهزاد على هواياته الكثيرة التي تنوعت ما بين الغوص واستكشاف الغابات وتسلق الجبال والتعايش مع مجموعة من القبائل الإفريقية البدائية التي تعيش بمعتقدات ومفاهيم حياتية غاية في الغرابة، مؤكداً أهمية مثل هذه الرحلات لتنمية الذات وتطويرها .

تستهويك هوايات عدة في دنيا المغامرة، ما أبرزها؟

- لا يوجد نوع محدد، إنما أجد نفسي في كل مرة أبحث عن هواية جديدة، ففضول الاستكشاف يقودني لتحدي الصعاب وتحقيق أهدافي، لأنني أرسم خطة معينة في كل سنة لنوع من الهوايات، فسنة خصصتها لاستكشاف الغابات وكنت أعيش في غابات استوائية وأعود إلى الحياة البدائية وأتعلم أساليب النجاة في الظروف الصعبة، وسنة أخرى كانت لتسلق الجبال وخوض تجارب مثيرة تتطلب تجهيزاً وتدريباً واستعداداً مادياً ومعنوياً . وكان للغوص نصيب أيضاً وحصلت على رخص عدة وطورت نفسي في تخصصات عدة لأجل أهداف بحثية وعلمية أفيد بها نفسي وبلادي، ويستهويني جانب آخر من الرحلات وهو السفر إلى مناطق بعيدة ومجهولة والتعرف إلى أغرب العادات وتقاليد القبائل في العالم بالعيش معها شهوراً طويلة .

ألا تخشى المغامرة في مناطق مجهولة؟ وما دوافعك؟

- السفر إلى المناطق المجهولة ذات التضاريس الصعبة والعيش كما يعيش سكان القبائل هدفي، لأنني أبحث عن التحدي وبمجرد أن أضع نفسي في واقع الرحلة أنسى الخوف تماماً، وقبل البدء بأي رحلة أكون أخذت فكرة مسبقة عن المكان والمخاطر ومواصفات البيئة وأهلها، وأجهز مستلزمات الرحلة ثم انطلق وأغامر وفي فكري العودة إلى وطني بشيء مفيد ومغامرات تحمل في طياتها العلم والمتعة، فليس في نيتي الانتحار بالطبع، لكنها هي المغامرة بعينها التي رسمت في مخيلتي منذ الصغر كنت أرى أبي (أسد) وخالي (جاسم العارف) كيف يرتحلان ويتعاملان مع الطبيعة ويحسنان التصرف في كل المواقف، وكانا بنظري أبطالاً لا يهابان المخاطر ولهما حس بيئي مميز رسخ فيّ احترام البيئة والطبيعة .

ما المهارات التي تؤهلك لممارسة الغوص وتسلق الجبال والقفز ومعايشة قبائل بدائية ورحلات الغابات؟

- مهارة التفكير هي سلاحي الأول ولكل تجربة متطلباتها واستعداداتها المادية والنفسية، وصلب تفكيري يدور في سبل النجاة وسط مخاطر أي رحلة أقوم بها، فحب الاستكشاف والفضول والبحث عن المعرفة دفعني للسفر لمناطق مختلفة حول العالم وشاهدت الكثير من الأفلام عن الغابات الاستوائية ومخاطر الأدغال والقبائل آكلة لحوم البشر، وكنت أتساءل: هل هذه القصص واقعية؟ عندما أدخل غابة لا بد أن أتعرف إلى عدد من القبائل التي تعيش في محيطها، ويجب أن أدرك مسبقاً عاداتها وتصرفاتها لكيلا تستغرب تصرفاتي، خاصة في قبائل إفريقيا . وأحياناً القراءة لا تكفي، ولا بد من الاحتكاك المباشر مع هذه القبائل وخلق جسور ود وتفاهم، وكذلك لا بد من تطوير مهارات التعايش في بيئات مختلفة في البر والجبل وغيرها، ومعرفة مصادر الماء أو الطعام . والمسألة ليست بسيطة كما يتصورها بعض الناس، لذلك تستغرق مني كل تجربة وهواية سنة كاملة للوصول إلى النتيجة والاحترافية التي أطمح إليها .

ألم تجد صعوبة في التأقلم مع عقليات تعيش في زمان غير زمانك؟

-لا أنكر أنني شعرت في البداية ببعض الخوف عند مشاهدة بعض سكان القبائل بعيونهم الصغيرة وعظامهم الكبيرة ورائحتهم الغريبة وأعداد الأسلحة التي بحوزتهم، فهم يحمون أراضيهم ومواشيهم من الأعداء، حيث إن للماشية قيمة مادية ومعنوية خاصة للزواج، وبعض الأحيان يكون المهر عدداً كبيراً منها .

كيف كانوا يعاملونك؟ وما أغرب العادات والمواقف التي شاهدتها؟

- لا يوجد شيء مضمون في مثل هذه المناطق، لكن كنت أقدم نفسي لهم على حسب معتقداتهم، فمثلاً لو أنني دخلت قبيلة المرسي وحدي ربما سيكون مصيري الموت في حال فهمت تصرفاتي بصورة خاطئة، لذلك اصطحبت معي حارساً يحمل معه سلاحاً ويتكلم لغتهم لأنهم سيحترمونني أكثر، وللسلاح قيمة كبيرة كما في معتقداتهم .

رحلتي الأحدث كانت في منطقة قبلية مختفية عن أنظار العالم في إحدى زوايا إفريقيا النائية، ويعيش السكان الأصليون من قبيلة المرسي بالطرق البدائية في معزل عن الحداثة رغم طبيعة أراضيهم القاسية . وعلى الرغم من قراءة أخبار سجن الصحفيين وأنباء مقتل العشرات في مناطق جنوب إثيوبيا وعدم الاستقرار السياسي، شددت الرحال إلى مناطق الجنوب وبالتحديد وادي أومو قبل تحول الظروف لوضع ممكن يكون أسوأ مما هو عليه، وما أثار دهشتي العادات والمعتقدات الغريبة في قبائل إفريقيا حول الزواج والعبادة والتزين ورمز الرجولة والبطولات .

أذكر لنا بعض غرائبهم وعاداتهم .

- تُعرف هذه القبيلة باهتمامها بالزينة والألوان، حيث تتزين النساء بلوحات من الخشب أو الفخار في شفاههن السفلية، وكلما كبر القرص الخشبي أو الفخار ازداد مهرها، وهو لديهم يقاس بعدد الأبقار، وهناك من يرى وجود الصحن في شفاه النساء حماية لهن من الأرواح الشريرة، وقبائل أخرى تعتقد أن المرأة هي ممثل للشيطان في أجسامهم، ومن المظاهر الأخرى الغريبة للتزين أن البعض يشق الجزء الأمامي من جلد البطن أو الصدر ويدخل يرقات الحشرات وثم يغلق الجرح بعد فترة من مقاومة جسم الإنسان لهذا الشيء الغريب تموت اليرقة وتترك علامة بارزة في الجسم .

استكشاف الغابة رحلة محفوفة بالمخاطر كيف تحمي نفسك من أي طارئ؟

- أنظم رحلات الغابات مع فريق متخصص في استكشاف غموضها، وبما أنني أقضي شهوراً طويلة لا بد من الاستعداد الجيد لهذه الرحلة الخاصة، فمع أنني شاهدت أفلاماً عن هذه تفاصيل هذه الرحلات لم أتخيل أن يكون الأمر صعباً ومملوءاً بالتحدي، فالغابة لا توجد فيها أماكن معروفة لتواجد الماء والطعام وأنت والطبيعة والحيوانات فقط، علاوة على خطورة الحيوانات مثل أفاعي الغرين مامبا التي تضرب يومياً أحذيتنا المتينة، وديدان ضارة تمتص الدم وتلسع، لذلك قبل الرحلة أخذت لقاحات عدة للوقاية من الملاريا والكبد الوبائي والحمى الصفراء وغيرها من الأمراض المتوقعة في مثل هذه البيئة .

هل تعرضت لمواقف محرجة أنت وأصدقائك؟ وكيف تتصرفون؟

- كثيرة هي المواقف والقصص التي لا تنتهي، وأستطيع القول إنني عشت لحظات مثيرة لا تنسى، والأجمل أنني كوّنت علاقة إنسانية غاية في الصدق والمحبة مع الفريق الذي رافقني في الرحلة، فقد كنت أنا العربي الوحيد والباقي من دول أجنبية أمريكا وأستراليا وبريطانيا وغانا، فالطاقة الإيجابية التي كانت تجمعنا هي التي ساعدتنا على حل مواقف صعبة، فمرة لم يتبق لدينا طعام مع أننا كنا نأكل من الفاكهة والخضار في الغابة مثل فوفو، بانكو، كسافا، يام، وغيرها لكن نظراً لحاجتنا الملحة إلى الطعام وعدم تحمل الجوع اضطررنا إلى اصطياد تمساح وأكله .

وما الهدف من رحلات الغابات؟

- تخطيط الغابات التي لم يزرها الناس عبر تحديد نقاط ومواقع على خريطة ترسم حيثيات المكان وتحول هذه الغابة إلى موقع سياحي يزوره الراغبون .

الغوص هو أيضاً من اهتماماتك، هل تعتبر نفسك محترفاً؟

- بالطبع، فقد تدربت كثيراً ووصلت إلى أعلى المستويات، وتخصصت في 13 مجالاً منها الغوص في البحيرات المرتفعة، وفي الثلج، وتخصص المعدات، والغوص العميق وفي السفن الغارقة وتخصصات الغوص العلمي .

رحلات الغوص خارج الإمارات هي للمتعة والترفيه أم لأسباب أخرى؟

- عندما قررت تحديد سنة للغوص فقط كان الهدف من ذلك علمياً بحتاً، فقد سافرت إلى مدغشقر مع مجموعة من العلماء من أمريكا وبريطانيا وأستراليا، وبعد أن حصلت على رخص تؤهلني لخوض هذه التجربة، ثم قرأت كتباً وموسوعات خاصة عن عالم البحار وأنواع الأسماك لأنني خضعت لامتحان قبل هذه الرحلة في منظمة بريطانية تتأكد من مستوى المعلومات ونجحت نسبة 97%، وهذا الذي أهلني للغوص في مدغشقر والقيام بأبحاث مع بقية العلماء حول مواضيع متنوعة عن أسماك القرش ونباتات القرم وغيرها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"