تليف الكبد.. مضاعفات كثيرة وطرق علاج مؤكدة

22:29 مساء
قراءة 7 دقائق
تحقيق: راندا جرجس

يحدث مرض تليف أو تشمع الكبد نتيجة الإصابة بمرض كبدي مزمن، ما يعيق الكبد عن القيام بوظائفه بشكل طبيعي، وفشل الكبد في تنقية السموم التي تتراكم في الدورة الدموية، ويؤدي تليف الكبد في معظم الحالات إلى الوفاة، علماً بأن مرضى تشمع الكبد هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بسرطان الكبد، والتحصي الصفراوي، كما أن تليف الكبد يحتل المركز الثاني عشر من الأمراض المسببة للوفاة بحسب المعهد العالمي للصحة، ولذلك فإن العلاج في مراحل مبكرة يساعد على وقف الضرر، ومنع تفاقم الحالة، وفي هذا التحقيق نتناول أسباب ومضاعفات وطرق العلاج التي تحارب تشمع الكبد.
يقول الدكتور محمد المجتبى عليش، استشاري الأمراض الباطنية: إن تشمع الكبد والمعروف باسم تليف الكبد هو نتيجة متقدمة لمرض الكبد، وهو عبارة عن استبدال أنسجة الكبد عن طريق التليف وتجديد العقيدات (كتلك التي تحدث بسبب محاولة إصلاح الأنسجة التالفة)، وتؤدي هذه التغيرات إلى فقدان وظيفة الكبد، ويعد السبب الأكثر شيوعاً في الإصابة بتليف الكبد هو إدمان الكحول، والتهاب الكبد، ومرض الكبد الدهني، وهناك العديد من الأسباب الأخرى المحتملة، وأحياناً يوجد أكثر من سبب لنفس المريض، وعلى الصعيد العالمي فإن 57% من تليف الكبد يكون نتيجة، إما لالتهاب الكبد B بنسبة 30%، أو التهاب الكبد الوبائي بنسبة 27%، وإدمان الكحول يمثل حوالي 20% من الحالات، ويكون معيار تشخيص تليف الكبد هو خزعة الكبد عن طريق الجلد، أو بالمنظار، إذا تشير البيانات السريرية، والمختبر، والإشعاعي عن وجود تليف الكبد من عدمه.
أعراض وعلامات

ويشير د. عليش إلى أن مخاطر تليف الكبد لا يعرف عنها إلا القليل، بالرغم من أن له العديد من المظاهر والأعراض، وهناك بعض العلامات التي تتزامن مع الإصابة ببعض الأمراض، التي تسبب إصابة الكبد مثل: مزيج من أمراض الكبد الكحولية، التهاب الكبد الفيروسي المزمن، والتي تعمل بالتآزر في قيادة تليف الكبد، وأما الأعراض الأخرى فتكون نتيجة مباشرة لفشل خلايا الكبد أو الثانوية الناتجة إلى ارتفاع ضغط الدم البابي، ومن هذه العلامات والمضاعفات:
{ ضعف الكبد، وهي آفات وعائية تتكون من الشرايين المركزية وتحيط بها العديد من «السفن» الصغيرة.
{ التهاب الكبد الذاتي، ويتسبب هذا المرض عن طريق الضرر المناعي في الكبد، ثم التهاب وتليف الكبد، وتندباً في نهاية المطاف.
{ أمراض تليف الكبد الكحولية، وهو يتطور بنسبة من 10 إلى 20٪ عند الأفراد الذين يتناولون الكحول، حيث يتضرر الكبد عن طريق منع عملية التمثيل الغذائي العادي من البروتين والدهون والكربوهيدرات.
{ تليف الكبد الصفراوي الأولي، والضرر في القناة الصفراوية، ما يؤدي إلى تلف الكبد الثانوي، وربما تكون هناك أعراض أو شكوى من التعب، والحكة، واليرقان وفرط تصبغ الجلد مع تضخم الكبد.
{ التهاب الأقنية الصفراوية المصلب الابتدائي، وهو اضطراب تقدمي ركودي مع حكة، وإسهال دهني، ونقص الفيتامينات القابلة لذوبان الدهون، وأمراض العظام الأيضية، وهناك علاقة قوية مع مرض التهاب الأمعاء، وخاصة مع التهاب القولون التقرحي، ويكون التشخيص الأفضل في هذه الحالة، هو تصوير الأقنية الصفراوية.
{ اعتلال الدماغ الكبدي، وهو عبارة عن ارتفاع نسبة البروتين الغذائي، ما يزيد من توازن النيتروجين، ويسبب الارتباك وغيبوبة ونزيف من دوالي المريء، ما يجعله من الأمراض المهددة للحياة، ويجب معرفة أن الإصابة بتليف الكبد لا شفاء تاماً لها، والعلاج عادة ما يتركز على منع التطور والمضاعفات، وفي المراحل المتقدمة يكون الخيار الوحيد هو زرع الكبد.
{ اليرقان، وهو تلون أصفر في الجلد والأغشية المخاطية، ويمكن ملاحظته بالعين المجردة، وتظهر أعراضه أيضاً في البول الداكن.
{ تغيرات الأظفار، وتظهر على شكل خطوط بنطاقات أفقية مفصولة اللون الطبيعي.
{ التهاب الصفاق الجرثومي العفوي، الذي يصاب به مرضى التليف الكبدي، ويشير إلى تغيرات في الغشاء المخاطي للمعدة عند المرضى الذين يعانون ارتفاع ضغط الدم البابي، ويرتبط مع شدة تليف الكبد.
{ يمكن أن يسبب الإصابة بتليف الكبد ضعف الجهاز المناعي، ما يجعل جسم المريض عرضة للعديد من الأمراض المعدية، وأكثرها صعوبة مرض تفاقم الاعتلال الدماغي.
{ فرط ضغط الدم البابي، وعجز الكبد عن إنتاج مواد مخثرة بالشكل الكافي، وهي المواد التي تسبب تخثر الدم وتوقفه عن السيلان في حالات الجروح، ما يؤخر وقف النزيف عند حدوثه، كما يؤدي هذا النسيج إلى إعاقة التدفق السليم للدم من الأمعاء عن طريق الكبد ويولد ضغطاً كبيراً في الأوردة التي توصل الدم إلى هذه المنطقة، وهو عامل يستخدم عادة لخفض ضغط الدم خلال نظام البوابة، وهناك مضاعفات خطيرة لارتفاع ضغط الدم البابي، مثل تحويله بابي مجموعي داخل الكبد، ويشار أحياناً إلى تخفيف الضغط على الوريد البابي، لأن هذا يمكن أن يفاقم تحويله للدماغ، ويصاب به أولئك المرضى، المعرضين لخطر انخفاض الدماغ، وينظر إليه عادة فقط كجسر لزرع الكبد أو كإجراء والملطفة.
{ أعراض أخرى كالضعف، والتعب، وفقدان الشهية، وفقدان الوزن، وكلما تقدم العمر زادت أعراض المرض وتطورت المضاعفات مثل (كدمات ونزيف ناتج عن انخفاض إنتاج تخثر العوامل، اعتلال الدماغ الكبدي، إهمال المظهر الشخصي، النسيان، صعوبة في التركيز، أو تغيرات في عادات النوم).
خطوات علاجية

يؤكد د. عليش، أن علاج تليف الكبد يعتمد على تأخير أو الحد من المضاعفات الناتجة عن الإصابة به، كما أنه عملية مستهلكة للطاقة، ولذلك تبدأ خطوات العلاج باتباع نظام غذائي صحي، مع تناول أنواع أدوية ومضادات حيوية للالتهابات، التي تعمل على انخفاض مخاطر الإمساك، وتساعد على الوقاية من الاعتلال الدماغي، وأما المرضى الذين يعانون تليف الكبد المستمر فحالاتهم تتطلب الدخول إلى المستشفى، مع مراقبة وثيقة من توازن السوائل والحالة النفسية، والتركيز على التغذية الكافية والعلاج الطبي، ويتم اللجوء لعملية زرع الكبد إذا أصبحت المضاعفات لا يمكن السيطرة عليها، أو عندما يتوقف الكبد عن العمل، لإمكانية البقاء على قيد الحياة، وأثبتت بعض الدراسات مؤخراً أن تناول القهوة تزيد من الوقاية من الإصابة بتليف الكبد، وخاصة الذي يحدث نتيجة فرط تناول المواد الكحولية.
علاجات حديثة

يذكر الدكتور سوشم شارما اختصاصي الأمراض الباطنة، أن الباحثين توصلوا لحلول ناجعة في علاج وشفاء تليف الكبد الناجم عن الإصابة بفيروس سي، وتمكنوا من معرفة السبب الكامن وراء حدوث التليف المفرط في الأنسجة، فأوجدوا طريقة توقف حدوث هذا التندب، والوقاية منه، وفي دراسات حديثة أكتشف الأطباء أن حصر ومنع بروتين معين مسؤول عن فرط إنتاج النسيج التندبي، وهو كفيل في إيقاف تقدم المرض، وأيضاً في وقف بعض الأذية الحاصلة في الخلايا بسبب هذا التليف، وعلى سبيل المثال، تشمع الكبد الحاصل بسبب تناول الكحول يحدث فيه تفعيل لخلايا الكبد النجمية بالمؤكسدات، ما ينجم عنه كميات كبيرة من الكولاجين الذي يعتبر ضرورياً في علاج الجروح، إلا أن كميته المفرطة تتسبب في حدوث التندبات النسيجية، وهو ما يسمي ببروتين (RSK) الذي يؤدي إلى حصر تفعيل الخلايا الكبدية النجمية، وأثبت هذا العلاج نتائج ناجحة، فهو يحتوى على عقاري محاربة الفيروس سي (سوفالدي)، و(الانترفيرون)، وله تأثير قوي وواضح، وبلغت نسبة نجاحه حوالي 95%، وهذا العلاج يؤخذ مع الإبر، والأقراص، وتصل مدة العلاج إلى 12 أسبوعاً فقط، أما إذا كانت هناك أشياء تتعارض مع (الإنترفيرون)، مثل أن تكون صفائح الدم قليلة أو هناك موانع أخرى، يتم استخدام علاج (السوفالدي) بمفرده.
القضاء على الفيروس

ويفيد د.شارما بأن هناك نوعين من المرضى، الأول الذي يصاب بالفيروس الكبدي «C» في مراحله المختلفة ما قبل التليف، وإذا تم شفاء الفيروس واستجاب المريض للعلاج، فهذا معناه أنه غير مصاب بالتليف، والنوع الثاني هم المرضى المصابون بالتليف الكبدي، وهنا يتم وضع خطة للشفاء والحد من تطورات الفيروس الذي أصاب الكبد، لأن التليف الكبدي لا يزول، ولكن مضاعفاته تزيد من تدهور حالة المريض، ولا يعطى العلاج نتائج سريعة، ولا يعود الكبد عند هؤلاء المرضى إلى حالته السليمة حتى بعد الشفاء من الفيروس، ولكن يكون تصنيفهم مرضى التليف الكبدي.
ويستكمل: لا بد من المتابعة المستمرة لمضاعفات التليف الكبدي، وهذا ما تعمل عليه جميع المؤسسات الطبية للنجاح في القضاء على الفيروس الكبدي C، ومن المتوقع أنه في خلال 2017، سيتم التخلص منه، ولن يوجد مريض بالفيروس الكبدي C، ونأمل ألا تكون هناك إصابات جديدة بهذا الفيروس، لأن البؤرة التي تنشر الفيروس وهم مرضى الفيروس الكبدي C، تم شفاؤهم تماماً، وعلى الجميع المداومة على الفحص لاكتشاف الإصابة بالفيروس مبكراً وإمكانية العلاج والشفاء، وعلى مريض تليف الكبد الذي أصيب بالفيروس وتم شفاؤه أن يتابع حالته بانتظام، كما أن الغذاء الصحي المناسب مراحل أمراض الكبد المختلفة، له أهمية كبيرة في التخلص من السمنة، وهو ما يعني الشفاء من الكبد الدهني والعلاج لارتجاع المريء، وغيره من أمراض الجهاز الهضمي، وحالياً توجد وسائل متعددة لإنقاص الوزن بطريقة سليمة بدون الإضرار بالصحة.
وأخيراً: أثبتت بعض الدراسات الامريكية أن تليف الكبد وأمراضه المزمنة تحتل المرتبة العاشرة ضمن الأسباب الرئيسية في وفاة الرجال، والثانية عشرة للسيدات، كما أن تليف الكبد يعتمد إلى حد كبير في وفيات الأطفال دون العشرة أعوام بنسبة من 34% إلى 66٪، كما أن تليف الكبد الكحولي يعد أسوأ من التشمع الصفراوي الابتدائي، ويسبب التهاب الكبد، خطر الموت، ولا يزال خطر زيادة أعداد الوفيات بمقدار خمسة أضعاف في جميع فئات المرض.

كبد الأطفال

يمثل انسداد القنوات الصفراوية 26% من أمراض كبد الأطفال، وينتج عن عيب خلقي أثناء تكون الجنين، ويولد الطفل بانسداد أو عدم اكتمال نمو في القنوات الصفراوية ومن ثم فشل كبدي نتيجة لاحتباس المادة الصفراوية السامة داخل خلايا الكبد، ما يؤدي لتلفها، وتبدأ علاماتة في أول ثلاثة شهور من عمر الطفل، بظهور يرقان أو اصفرار في العينين والجلد وتحول لون البراز إلى اللون الأبيض أو الثلجي، وأخطر الأعراض في هذا المرض هو حدوث نزيف من الجهاز الهضمي العلوي، وسبب ذلك تجلط الوريد البابي المغذي للكبد، ما يؤدي إلى دوالي المريء، التي تهدد حياة الطفل، وتحتاج معظم هذه الحالات إلى عملية زراعة الكبد في عمر سنة إلى ثلاث سنوات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"