“صناعة التلي” أثواب مطرزة باللون

01:14 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة - "الخليج":
تعد صناعة التلي واحدة من المهن النسائية الشعبية في الإمارات، وهي مهنة تشترك مفردات صناعتها مع مهن التطريز والخياطة التي عرفتها الكثير من الثقافات الشعبية في العالم، فالتلي هو نسيج تشتغله المرأة الإماراتية لتزين به أكمام أثوابها، فيزيد من جمالية الثوب بدقة صنعته وتعدد ألوانه البراقة .
لا تعد مهنة صناعة التلي مهنة نسائية عرفها المجتمع الإماراتي وحسب، بل تكشف عن الكثير من تفاصيل الحياة اليومية الشعبية في التراث الإماراتي، إذ يظهر فيها دور المرأة، وعنايتها بجمالها رغم بساطة العيش وكثرة الانشغالات وصعوبة الحياة، فصناعة التلي تحتاج إلى الكثير من الوقت، والصبر لتخرج دقيقة الصنعة متينة النسج .
تكشف صناعة التلي عن إسهام المرأة في إعانة الأسرة الإماراتية، إذ كانت بعض النسوة يمتهن صناعة التلي، ويسهمن في زيادة دخل البيت كل شهر، فليس كل النسوة يجدن حياكة التلي، إذ إنه يحتاج إلى دراية، وتدريب، وجهد، ودقة، وهذا جعل بعض الخياطات يتميزن عن غيرهن في دقتهن وجودة صناعتهن .
تعيد صناعة التلي الباحث في التراث الإماراتي إلى المفاهيم الجمالية المستقاة من الطبيعة الإماراتية القديمة، فالتلي تختلف رسوماته باختلاف أذواق النسوة، وما تتمتع به الخياطة من خبرة، فتشتمل على رسوم نباتية، وأخرى زخرفات هندسية ملونة، تظهر كثيراً في القماش الإماراتي القديم، أشهرها شكل الشطرنج، وتلي "بوجنب" .
يقوم التلي على نسج ست بكرات من الخيوط "الهدوب" الملونة، وتجمع أطرافها بعقدة مشتركة تثبت بإبرة صغيرة على "مخدة الكاجوجة"، و"الكاجوجة" هي مخدة قطن بيضاوية يثبت عليها التلي، لتساعد في تثبيت الخيوط ونسجها بدقة، حيث تسمح لها "الكاجوجة" برؤية مراحل حياكة "التلي"، وكيف يظهر فيها نسيج الخيوط الملونة .
تبدأ الصناعة باختيار شريط التلي الذي قد يتجاوز طوله العشرة أمتار، وتختلف أسعاره حسب الجهد المبذول فيه، وأنواع الخيوط، والزخارف المنسوجة، إذ كانت محال خياطة الملابس تشتري المتر الواحد من شريط التلي أو ما عرف في التراث الإماراتي القديم ب "الوار" من النساجات بدرهم واحد، أما اليوم وبعد ظهور ماكينة الخياطة وقلة الاعتماد على المشغولات اليدوية، بات سعر سروال من التلي أكثر من 600 درهم إماراتي .
وتختلف أنواع التلي أو سروال "البادلة" حسب الحجم، وحسب حجم الخيوط، والزخارف، ومنها؛ "البتول ذو فاتلة واحدة"، ويستخدم في أكمام الأثواب النسائية، كالفساتين، ومنها "البادلة الصغير"، ولا تستخدم في الأكمام، إنما تستخدم في أسفل السراويل التي ترتديها النسوة، ويستخدم لسراويل الفتيات الصغيرات، أما "البادلة" الكبيرة فتستخدم للسراويل الكبيرة .
كما يتنوع التلي من حيث التطريز، فمنها التقليدي ويعتمد على جدل الخيوط القطنية التي تضم ست بكرات على الجانبين، يتوسطهما خيط الخوص الفضي، وقد تكون الخيوط القطنية بألوان مختلفة، منها الأبيض والأحمر والأسود، أما تلي "الزري" فهو جدل خيوط الزري على الجانبين، يتوسطها خيط خوص يتناسب لونه مع خيوط "الزري" ولون القطعة المفروض تركيب التلي عليها، أما تلي "البريسم" فيقوم على جدل خيوط البريسم على الجانبين يتوسطهما خيط خوص متناسب مع بقية الألوان .
وتختلف الخيوط المستخدمة في صناعة التلي، إذ ظلت الخياطة الإماراتية الشعبية قديماً تستخدم خيوطاً من الخوص فضية اللون، لكن مع تغير أذواق النسوة، وتوفر بدائل كثيرة، ظهرت ألوان جديدة للخوص، فمنها الأحمر والبنفسجي وألوان أخرى عدة، وعادة ما يكون عرض خيط الخوص سنتيمتراً واحداً، أما خيوط الزري وهي فضية أو ذهبية فتكون بعرض الخيوط العادية، فيما تختلف خيوط البريسم من ناحية السماكة، وكونها أكثر لمعاناً .
اليوم ومع تغير أشكال الحياة وتعدد أنواع الأزياء، تؤكد صناعة التلي أنها واحدة من المهن التي لن تتخلى عنها المرأة الإماراتية، فما زالت حتى اليوم النسوة تورث بناتها صناعة التلي، وما زال الطلب على أثواب التلي موجوداً، وتزداد قيمتها يوماً تلو آخر، كونها من المشغولات اليدوية التراثية التي حافظت عليها المرأة الإماراتية .
لذلك تحضر مهنة صناعة التلي في المهرجانات التراثية، وتقدم بوصفها جزءاً من التراث الإماراتي الذي يؤكد إبداع النساء، وذائقتهن الجمالية في تزيين الأثواب، فلا يخلو مهرجان للحرف التراثية إلا وتكون حرفة صناعة التلي حاضرة، ويقوم بها نساء ما زلن حتى اليوم يعملن بها .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"