الاستئساد والترهيب.. سلوك الحيوانات قبل المعارك الكبرى

مهارات وهياكل لازمة لتنفيذ التهديدات
19:19 مساء
قراءة 4 دقائق
إعداد: محمد هاني عطوي

يمكن تصور السلوكيات المُهَدِدة، باعتبارها ثمرة لعدم القدرة على التأقلم مع الدافع الطبيعي التنافسي، المتعلق بعلاقات الهيمنة المتبادلة التي تلاحظ عامة بين الحيوانات، وقد ينتج سلوك الاستئساد والترهيب في مجتمع ما، قد يكون أفراده اجتماعيين، فالبشر مثلاً بشكل عام يترددون في الدخول في مواجهة أو تهديد عنيف.

ويبدو أن هذا السلوك مثله مثل جميع السمات السلوكية، يظهر بشكل متزايد أو قليل، عند كل فرد مع مرور الزمن، وقد يكون، سلوكاً تعويضياً ذا أهمية كبيرة بالنسبة للبعض مقارنة بالآخرين، ويرى المنظرون السلوكيون أن السلوكيات المُهَدِدة هي نتيجة لتعرض القائمين بها للتهديد من قبل الآخرين، بما في ذلك الآباء، ورموز السلطة، والرفاق والأشقاء، وحينها يكون استخدام القوة مبرراً، عندما يعتقد الفرد بشكل منطقي أنها ضرورية للدفاع عن النفس، أو الآخرين، تجاه الاستخدام الفوري لقوة غير شرعية.
وقد يتم استخدام الترهيب بوعي أو بغير وعي، ونسبة من الأفراد الذين يستخدمونه بوعي، ربما يفعلون ذلك نتيجة أفكار مستوعبة بأنانية عن تخصيصه لغرض، أو لفائدة أو للتمكين الذاتي.
وقد يتجلى الترهيب بطرق مختلفة مثل الاحتكاك البدني، أو تجهم الطلعة، أو التلاعب بالمشاعر، أو الإساءة اللفظية، أو جعل شخص يشعر بأنه أقل منك، أو الإحراج المتعمد، أو الاعتداء الجسدي الصريح، والتهديد والوعيد، وكلها أعمال تهدف إلى التخويف، عندما يشعر الفرد بخوف أو بشيء يبدو خطيراً.
وبشكل عام، تستخدم هذه الأوضاع الدفاعية من قبل بعض الحيوانات لحماية أنفسها، أو صغارها، أو إبعادها عن الحيوانات المفترسة، وهذا يتطلب من الحيوان امتلاك مهارات وهياكل لازمة لتنفيذ هذه التهديدات.
والتهديد والوعيد يتطلب من الحيوان، القيام بأعمال وحركات محددة من أجل إبعاد الحيوان المفترس، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق تضخيم اللبدة «شعر العنق وغيره» ونصب الشعر، أو بعمل حركة محددة، أو بوقوف الحيوان مستقيماً، ناصباً زعنفته أو طوقه.
وعندما تقترب البومة الصغيرة المعروفة بالدوقة، من شيء مريب، فإنها سرعان ما تتخذ موقعاً هجومياً، حيث تخفض رأسها وتنفخ ريشها، وتفرد أجنحتها وذيلها، ويمكنها أيضاً أن تمدد أجنحتها، كي تقلل من حجمها، وتظهر وكأنها جذع شجرة، أي متخفية بطبيعة الوسط الذي توجد فيه.
أما عن وسائل الترهيب، فعند ثور المسك وهو حيوان ثديي من عائلة البقريات ورتبة مزدوجات الأصابع، ويحمل اسماً لا ينطبق عليه، فهذا الحيوان فائق العدوانية، ولايمكن تدجينه يقوم عند التعرض للخطر بالالتحام، لتكوين جسم واحد للدفاع عن صغاره، وعندما يزداد الخطر، يقوم الأقوى بالدفاع عن بقية القطيع دون تردد.
وبالوصول إلى الأسد الآسيوي الذي يعيش جنوب الهند، نجده يستخدم الإيماءات نفسها التي يستخدمها ابن عمه الأسد الإفريقي، وذلك للتعبير عن سخطه، فهو يثبت نظراته ويغضن خطمه، مكشراً عن أنيابه الحادة. وتشير الشعرات البازغة من أنفه والموجهة إلى الأمام، إلى أن الأسد واثق من نفسه. أما إذا خفض رأسه مغطياً أذنيه، فمعنى ذلك أنه يستعد للهجوم الكاسح.
وفي تنزانيا يعيش نوع من النسور يسمى «نسور روبل» حياة اجتماعية متينة، ومع ذلك تقع بينها نزاعات تتعلق بأحقية الوصول إلى جسد الضحية أولاً. والحقيقة أن هذا الشجار يبقى غير مؤذ، لأنها حيوانات لاتمتلك براثن، ولكن مجرد قوائم بسيطة، كما أن المنقار لايمكنها من التقاتل الشرس؛ لأنه يستخدم فقط للطعام.
وفي إندونيسيا عندما يلتقي ثعبان صائد الجرذان الأخضر الغضوب، مع ثعبان صائد الجرذان ذي الرأس النحاسية المتوحش؛ فإن المعركة تكون أولاً عالية الصفير، ثم يبدأ العض بين هذين الثعبانين، اللذين يبلغ طول كل منهما مترين، كما يمتد القتال إلى التلاطم القوي بالذيل إلى أن تنتهي المعركة بفرار كل منهما، إلى وجهة معاكسة للآخر.

ونصل في رحلة التهديد والوعيد بين الحيوانات إلى «بوتسوانا»، وهو بلد يقع جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا الجنوبية، حيث نجد حيوان فرس النهر، الذي يعيش بين اليابسة والنهر، يحتفظ بمجموعة إناثه مع فضلاته، وعندما يتقدم ذكر آخر إلى مجاله، يطرده مزمجراً بقوة، وإذا أصر الدخيل فإنه يهاجمه مستخدماً رأسه ككتلة دفاعية متينة.

اختيال الغوريلا

من أمثلة التهديد الممزوج بالوعيد اختيال الغوريلا، ففي راوندا، نجد أن الغوريلا الجبلية، لاسيما منها فئة الذكور البالغة أكثر من عشر سنوات، تعرف بكبر حجم صدرها الخالي من الشعر الكثيف عادة، فضلاً عن الشعر الرمادي الذي يزين ظهورها.
وهذا الشعر هو الذي يمنح هذا الكائن اسم الحيوان ذي «الظهر الفضي»، وعندما تنشب مشكلة بين ذكرين، يقوم كل منهما في البداية بضرب صدره بكفيه، مُطلقاً صوتاً عالياً، وإذا لم يترك أي منهما المكان بعد هذا السلوك، تبدأ المعركة بتدافع عنيف، لايخلو من العض، وإذا هزم الزعيم السابق، فإن الزعيم الجديد يقتل الغوريلا الشابة «الأصغر سنا»، كي يتمكن من حكم الأمهات.

القتال الناعم

من عجائب السحلية الأسترالية، عندما تتعرض لتهديد ما، أنها تفتح فمها الكبير، وتفرد ثنيات من جلدها بفضل منافيخ جانبية غضروفية لتحمي رقبتها، وإذا بدا أن عدوها لم يشعر بالرهبة أمام هذا المشهد، فإنها تطلق العنان لقدميها الخلفيتين بالركض وهي متخذة وضعية الوقوف.ويوجد في ألمانيا نوع من الذئاب الرمادية التي تتقاتل قتالاً «ناعماً»، حيث إن الذئب المهيمن الأعلى، الذي يتمكن من أن يبطح قرينه أرضاً يكون هو القادر على التكاثر مع الإناث، أما المبطوح أرضاً، فيقبل هذا الحكم من دون اعتراض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"