التكنولوجيا حاضر يزيح الماضي

13:11 مساء
قراءة 16 دقيقة

رغم أن التكنولوجيا ومستحدثاتها من أهم أسباب رفاهية كل الشعوب التي تعتمد عليها، إلا أنها كانت سبباً مباشراً في العديد من السلبيات التي انتشرت لدى هذه الشعوب، فقد استطاعت كل الوسائل الحديثة أن تهمش العديد من الأشياء التي اعتدنا عليها في حياتنا اليومية، مثل الهاتف المنزلي والراديو، كما أثرت أيضاً في العديد من المهن والحرف التراثية والتقليدية التي كانت مظهراً تاريخياً في مجتمعاتنا، وليس هذا فقط بل أثرت في بعض العادات والتقاليد التي تربينا عليها، فاتهمها البعض أنها سبب رئيسي في قطع صلة الرحم، لذلك حاولنا من خلال هذا الملف عرض كل هذه النقاط لنعرف ما على التكنولوجيا وما لها .

الرفاهية يتخللها حنين إلى استخدامها

التقدم يتنكر لأدوات وأجهزة

هي ثورة من نوع خاص، استطاعت بكل سهولة أن تقضي على ما قبلها من دون تظاهرات أو احتجاجات، لأنها ثورة سلمية هدفها راحة الإنسان وتوفير مزيد من الرفاهية لكل المجتمعات، لكن لكل ثورة ضحايا ومستحدثات أيضاً . هي ثورة التكنولوجيا التي استطاعت بكل بساطة أن تهمش العديد من الأشياء التي تعودنا عليها، وكنا ننظر لها في يوم من الأيام على أنها ضروريات لا يمكن أن نستغني عنها .

القلم من أهم الأشياء التي تأثرت بالتكنولوجيا، وخاصة بعد ظهور الكمبيوتر ولوحة المفاتيح، فلم يعد هناك حاجة له أو لرفيقته الدائمة الورقة . بهذه الكلمات بدأ ماجد محمود كلامه . وقال: العالم كله الآن لا يستخدم القلم فهناك الكمبيوتر الذي قضى على العديد من الأشياء ذات القيمة، فقديماً كان القلم رفيق جيب كل الرجال، وصديق حقائب كل السيدات، أما في وقتنا الحالي فالتليفون المحمول هو الصديق الدائم والرفيق المتكلم، حتى على مستوى تسجيل الملاحظات الصغيرة اليومية موجود لها جزء على الهاتف، فعليه تستطيع تسجيل تاريخ عيد زواجك وعيد ميلاد زوجتك، وغيرهما من التواريخ التي دائماً ما تسبب مشاكل بين الزوجين، ليس هذا فقط، بل يعطيك هذا الجهاز الصغير جرس إنذار في الوقت المحدد ليذكرك بهذا التاريخ .

وأضاف: لا أدافع عن التكنولوجيا أو التقدم، لكن هناك أشياء مهمة جداً كانت تعطي للحياة شكلاً جميلاً من خلال الذكريات التي تحملها، مثل الورقة والقلم، فمن منا لم يمتلك يوماً مذكرات يومية، أو دفتر محاضرات جامعية، أو حتى خطابات شخصية كتبت بخط يد من نحبهم، الخطابات الآن تحولت إلى رسائل إلكترونية، والمذكرات الشخصية تحولت إلى صفحات ورد .

الطبيعي إذاً الآن ألا تكون الإعلانات عن أقلم حبر ثمينة وأن نجد على شبكة الانترنت إعلاناً عن قلم إلكتروني وضعه همام أحمد عبدالله (مندوب مبيعات) والذي قال: هذا القلم يكتب بطريقة عادية بالحبر مثله مثل أي قلم عادي ويكتب ويسجل بكل اللغات، لكن ما يميزه هو أنه يسجل ما كتبه ويخزنه، وعن طريق البلوتوث تستطيع تفريغ كل ما تم تسجيله على جهاز الكمبيوتر الخاص بك، وهذا مهم جداً وخاصة لأساتذة الجامعات والطلبة، فالطالب كان يقوم بكتابة المحاضرة وعندما يعود للمنزل يعيد كتابتها مرة أخرى بشكل منظم، وهذا يتطلب الكثير من الوقت والمجهود، عكس القلم الصيني الذي يوفر الوقت والمجهود، الذي أيضاً يستطيع نقل الكلام إلى الكمبيوتر بأي لغة نريدها .

وعن أهم مستخدمي هذا القلم، قال: عرضته على عدد من الأساتذة في جامعة الشارقة والجامعة الأمريكية ونال إعجابهم ووزعت منه كمية جيدة، كما أن الرسامين المختصين بعمل مخططات بأشكال معينة يستخدمونه، لأنه يسجل المخطط بخط اليد وينزله على الكمبيوتر كاملاً كما هو من دون أي أخطاء إملائية، ويمكن أيضاً استخدامه في الرسم الحر، وكتابة عقود البيع والشراء والإمضاءات كما هي وتسجيلها داخله من دون الحاجة إلى طابعة أو كمبيوتر . وعن محتويات القلم قال: هو بمقاس القلم العادي مزود بأنبوبة داخلية للحبر، ومعه جهاز استقبال نحتاجه فقط عندما نريد تحميل ما كتبناه على جهاز الكمبيوتر .

أنس نوفل، أحد مستخدمي هذا القلم، قال: هو قلم عملي وسريع استخدمته وأهديته لعدد من الأصدقاء، لكن لهذا القلم مجموعة من الاحتياطات التي يجب أن توضع في الاعتبار عند استخدامه، أولاً من يستخدمه عليه أن يكون على اتصال دائم بشركة تصنيعه، كما أنه يحتاج إلى حبر من نوع خاص، وعلم تام بالتكنولوجيا .

وتطرق نوفل إلى أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، فرغم أن الهدف الأساسي منها الإفادة فمن الممكن أن تضر، وقال: المشكلات الصحية التي نتعرض لها الآن تحدث نتيجة الاعتماد التام على هذه المستحدثات في كل مجالات حياتنا، فمثلاً التليفون المحمول يصدر ذبذبات ضارة جداً بالقلب والصحة العامة ومع ذلك نحمله ونتركه للأطفال أيضاً، حتى على مستوى المنزل تسببت الغسالات والأفران الحديثة بإصابة السيدات بالسمنة، فبعد أن كانت ربة المنزل تعد الطعام في ساعتين على الأقل أصبحت تنهيه الآن بسرعة البرق .

الهاتف الأرضي أو المنزلي هو ضحية أخرى من ضحايا التكنولوجيا، فبعد وجود المحمول والبلاك بيري ماذا سنفعل به؟

صفاء الفلاسي ربة منزل قالت: هذا الهاتف للخادمات فقط لطلب ما يحتاجه المنزل من البقال، ومنذ ظهور الهاتف المحمول لا أذكر أنني أو أحد من أسرتي استخدمه، هو لم يعد ذا فائدة ولا نسمعه يدق ولا نطلب من خلاله أي رقم في ظل وجود الهاتف المحمول الذي يذهب معنا لأي مكان وينقذنا في العديد من المواقف وخاصة عندما تواجهنا أزمة أو مشكلة في الشارع، لذلك فهو أكثر راحة وأكثر خصوصية، وعليه نستطيع تسجيل أسماء كل من نعرفهم مهما بلغ عددهم، عكس الهاتف القديم الذي كان يتطلب وجود كراس للأرقام، توضع دائماً بجواره وإذا فقدنا هذه الكراس فقدنا وسيلة الاتصال بالناس، لذلك إذا ظهر ما هو أحدث من التليفون المحمول سنشتريه، فأطفالي الثلاثة يحمل كل منهم هاتفاً من أحدث الأنواع . وأضافت: التكنولوجيا وسيلة جيدة للراحة وزيادة التواصل مع الناس بسهولة، وزيادة الاطمئنان على الأطفال في أي مكان يذهبون إليه، بل ورؤيتهم مهما بعدت المسافات .

اتفقت مروة الحلبي، طالبة في كلية الإعلام، مع هذا الكلام، وأضافت: هناك العديد من الأشياء التي همشتها التكنولوجيا وأثرت في استخدامها، وهي لا تقتصر فقط على هاتف المنزل الذي كان في وقت من الأوقات مهماً جداً في كل المنازل، ومن هذه الأشياء الراديو القديم الذي كان رفيق الكثير في كل مكان، ولم يعد له وجود حتى على مستوى السيارة، ورغم وجود الإذاعات الجديدة، إلا أننا كشباب لم نعد نقبل عليها بسبب وجود الاسطوانات المدمجة التي نستطيع تسجيل المئات من الأغنيات عليها ووضعها في مسجل السيارة .

وأشارت إلى أن الكاميرا الفوتوغرافية القديمة التي كانت تعمل بالأفلام، أيضاً هي أحد أهم الأشياء التي اختفت من حياتنا، لتحل محلها الكاميرا الرقمية التي من الممكن أن تكون مخصصة لتصوير أفلام فيديو وصور فوتوغرافية في نفس الوقت، وقالت: هو طبعاً تطور جميل لأننا لم نعد في حاجة للذهاب إلى ستوديو لتحميض وطبع الصور، فقط كل ما علينا هو توصيلها بجهاز الكمبيوتر الخاص ونقل الصور من عليها إليه، وفي ما يخص الفوتوشوب وتعديل الصور فكل شيء موجود على الإنترنت ومتاح للجميع .

وأضافت: بالنسبة لي، التكنولوجيا أفضل شيء في العالم، ولا أستطيع الاستغناء عنها، بل دائماً نبحث عن المزيد وننتظر كل جديد، فمن خلالها أصبح التواصل أسهل وأسرع، وكل شيء أصبح متاحاً بلا مجهود أو تعب، باختصار الحياة بفضل هذه التكنولوجيا أصبحت أكثر رفاهية وراحة .

من منا لا يتذكر الآلة الكاتبة التي كانت سمة مميزة لمعظم الدوائر الحكومية، ولكل طالب يريد كتابة رسائل الماجستير والدكتوراه، لكنها فجأة أصبحت من الماضي والفضل للكمبيوتر ولوحة المفاتيح؟ يقول علي أحمد الغنيم، صاحب مكتب أبو غنيم للطباعة، عن مدى وجود الآلة الكاتبة الآن: كان لابد لهذه الآلة أن تتأثر وتتطور مثل كل شيء حولنا، وحتى نكون أكثر أمانة لن ننكر فضل هذه الآلة أو نتجاهله، فهي في وقت من الأوقات كانت ذات فائدة وقيمة كبيرة جداً وكان كل عملنا من خلالها، لكن سنة الحياة هي التقدم والتطور ولابد أن نحاكيه ولا ننظر خلفنا، وخاصة إذا كان هذا التطور يجعل الحياة أبسط وأسرع .

وعن بداية استخدامه للكمبيوتر بديلاً لهذه الآلة، قال: منذ عام ،2005 جعلت وزارة العمل كل المعاملات الخاصة بها عن طريق الإنترنت والكمبيوتر، وإدارة الجوازات أيضاً حولت كل معاملاتها عن طريق الكمبيوتر منذ عام ،2006 فكان لابد لنا كمكاتب تقدم هذه الخدمات من تحويل خدمتنا من الآلة الكاتبة إلى الكمبيوتر، لكن مازال عندي آلة واحدة فقط لأنه من بين 100 معاملة تتم عن طريق أجهزة الكمبيوتر تأتينا 3 معاملات لابد لها من استخدام هذه الآلة، وخاصة طلبات تراخيص البلدية، وغرفة التجارة وإدارة النفايات، كلها طلبات لابد أن تكتب عليها إجبارياً، كما أن هناك بعض السفارات الأوروبية تعطي للمتردد عليها نصاً محدداً مطلوباً منه كتابته على آلة كاتبة وليس على الكمبيوتر، علاوة على أن هناك نصوصاً لا يمكن كتابتها على لوحة المفاتيح وخاصة تلك التي تحتوي على مربعات أو فراغات محددة .

وأكد الغنيم أن الكمبيوتر أسرع وأسهل وخاصة إذا كان هناك شركة تريد نسخ مئات التأشيرات، كما أن الكتابة على الكمبيوتر تتيح التحكم في حجم الخط والتصحيح والتعديل، عكس الآلة الكاتبة .

* * *

الروح غائبة رغم سرعة الإنجاز

مهن تتقاعد وأخرى تنشط

لم تؤثر التكنولوجيا والوسائل الحديثة في الأشياء والأدوات التي نعتمد عليها في حياتنا اليومية فقط، بل امتد هذا التأثير ليشمل العديد من المهن التراثية التي اشتهرت بها الإمارات، مثل صناعة السدو والتلي، كذلك أثر التطور المستمر وظهور مستحدثات لهذه التكنولوجيا في بعض المهن والوظائف التي كنا ننظر إليها في وقت من الأوقات على أنها حديثة .

لولوة الحميدي، مديرة إدارة الصناعات بالاتحاد النسائي العام، قالت: للتكنولوجيا تأثير قوي فينا جميعاً، لكن ما زالت الإمارات معتزة ومحتفظة بتراثها، فرغم وجود الفيلا فإننا نرى بداخلها الخيمة، وهذا يدل على مدى اعتزاز المواطن الإماراتي بهويته وتراثه، حتى على مستوى الزي، فمعظم الدول الخليجية لم يعد للزي الخاص بها وجود عكس دولتنا .

وفي ما يتعلق بتأثير هذه الوسائل الجديدة في بعض المهن قالت: التكنولوجيا بكل مستحدثاتها ساعدت على تطوير التراث وزيادة معدلات الإنتاج، فعمل التندورة كان يستغرق أياماً أما الآن فهو لا يستغرق أكثر من ساعتين، وتصميم البرقع الواحد كان يتم في نصف يوم أما الآن فمن الممكن أن نصمم 20 برقعاً في يوم واحد فقط، كذلك الحال بالنسبة للأصباغ التي كانت تستغرق وقتاً كبيراً جداً لإعدادها، فكنا نحضر الزهور وننتظر حتى تجف ونبدأ تصنيع الأصباغ منها أما الآن فالأصباغ الصناعية وفرت علينا كل هذا الجهد .

كذلك صناعة السدو اليدوي التي تشتهر بها منطقة الخليج كانت تصنع من الصوف الطبيعي، كانت تقتصر على إنتاج منتجات معينة لكن الآن بفضل التكنولوجيا ووسائل الإنتاج الجديدة تمكنا من إدخال التراث في حياتنا اليومية، فأصبحنا نصنع منه ديكور للمنازل الحديثة، مغلفات للهاتف والعديد من الأشياء التي تواكب العصر الحديث، كذلك الخوص الذي كان المادة الخام لبعض الصناعات مثل الموائد الصغيرة أصبحنا الآن ننتج منه حقائب رياضية، وأغطية للهاتف النقال .

ولا نستطيع أن نغفل صناعة التلي التي كانت ترتكز على الجلابيات فقط وتطورت أيضاً لتدخل في القمصان والحقائب . وأكدت الحميدي أن التكنولوجيا أدت إلى زيادة الإنتاج وسرعته وتوفير المزيد من المجهود والوقت، حتى على مستوى الأيدي العاملة التي أصبحت مدربة تدريباً علمياً وعملياً ولديها المزيد من الخبرة، لكن توضح أن هناك أشياء طبيعية ويدوية ما زالت لها قيمة وروح خاصة مهما كان الصناعي أسرع، لذلك دائماً هذه الأشياء القديمة أغلى وأقيم .

سألنا الفنان التشكيلي وليد توفيق عن مدى تأثير التكنولوجيا في مجال عمله فقال: هذا الفن يشمل العديد من الفروع، منها الرسم اليدوي، والنحت، والتصميم، وهناك فرق كبير بين هذه الفروع من ناحية تأثير التقدم التنكولوجي فيها، فمثلاً تأثيرها في الاتصالات البصرية ومجال الدعاية والإعلان يصل لأبعد الحدود، فهو سهّل هذه العملية كثيراً على الفنان المتخصص في هذا المجال، وكذلك الحال بالنسبة لفنان للغرافيك والفوتوشوب .

أما اللوحات الفنية، فالأمر معها مختلف، لأنها عبارة عن عملية تراكم طبقات لونية من خلال حركة ريشة الفنان وروحه من دون استخدام لوحة مفاتيح أجهزة الكمبيوتر، وهذا ما يميز الفنان التشكيلي عن غيره . وأضاف: التكنولوجيا الحديثة لا تدخل في الرسم ولا في اللوحة، لكن الفنان يستطيع الاستفادة منها في عدة نقاط أهمها مشاهدة أعمال فنان آخر في أي مكان في العالم بسهولة ومن دون الحاجة إلى السفر لمتابعة المعارض الدولية، من ناحية أخرى من الممكن قبل الرسم أن أضع تصوراً للوحة على جهاز الكمبيوتر ومحاولة تعديلها حتى أصل إلى الشكل الذي أريده للوحة الأصلية، لكن أثناء الرسم لا وجود للتكنولوجيا إطلاقاً، وبعده من الممكن أن أعمل مئات النسخ من هذه اللوحة بعد تصويرها مع الاحتفاظ بالنسخة الأصلية اليدوية .

عبد الحميد علي، متخصص في الفوتوشوب علق على هذا قائلاً: الفوتوشوب هو وليد التكنولوجيا، وهذا أثر بشكل كبير في الفن التشكيلي أو الرسم الذي يعتمد على المعمل اليدوي، فأنا أعرف العديد من الفنانين التشكيلين تركوا هذا المجال، منهم من ترك ممارسة هذا الفن نهائياً ووجد عملاً آخر، ومنهم من أدخل الفن الرقمي على الفن القديم، ورغم أن التكنولوجيا لها العديد من الفوائد مثل توفير الوقت والمجهود فإن الرسم العادي الذي كنا نعتمد عليه في كل شيء كان به روح أكثر ونكهة خاصة مستحيل أن نراها في البرامج الجديدة، أو الرسم الصناعي . وعن انتشار مواقع تعليم الفوتوشوب على شبكة الإنترنت قال: هي طبعاً شيء جيد لنشر هذه الثقافة، وكلنا سواء كنا متخصصين أو شباباً عادياً يريد التعليم اكتسبنا خبرات إضافية من هذه المواقع، لكن في النهاية سيبقى فرق يميز المحترف عن المتعلم أو المبتدئ وهو لمسة الإبداع، التي تميز أيضاً بين الرسام التشكيلي التقليدي وفنان الفوتوشوب، فهناك أشياء تعجز كل البرامج الجديدة عن تنفيذها لأنه لا يوجد برنامج كامل، مثل الشعار الذي لا يمكن أن يصممه برنامج فوتوشوب بجودة يد الفنان التشكيلي، من ناحية أخرى صاحب أي إعلان لا يمكن أن ينتظر لمدة 10 أيام حتى ينهي الفنان تصميم إعلان من الممكن أن ينهيه برنامج فوتوشوب في دقائق، إذاً للتكنولوجيا وجهان، الوجه الأول هو السرعة وتوفير المزيد من الوقت والمجهود، الوجه الثاني افتقادها للروح والطعم الأصيل لكل ما هو قديم .

أبو إلياس، صانع ومصلح أحذية، قال: لم يعد هناك من يريد تصليح الحذاء القديم أو صناعة آخر جديد، والفضل يرجع للصين، فلماذا يصنع الشخص حذاء يكلفه50 درهماً بينما في استطاعته شراؤه ب 10 فقط من أي محل من محالّ التخفيضات، وبالتالي عندما يتلف هذا الحذاء الرخيص لماذا يصلحه ب 15 درهماً وهو في الأساس ثمنه 10؟

ثم أضاف، قديماً كان الحذاء يعيش لشهور عند صاحبه لأنه كان متيناً ومصنوعاً من جلد طبيعي تمت خياطته بماكينة يدوية، لكن الآن كل الموجود في الأسواق من النوع الصيني الذي من الممكن أن يتلف بعد أيام .

من أهم المهن التي تأثرت أيضاً بالتقدم التكنولوحي مهنة المصور الفوتوغرافي، وقال حسن النقبي، الذي يعمل في مجال التصوير، عن ذلك: أي تقدم وتطور ساعد على تقدم كل المهن التي تعتمد على استخدام أدوات إلكترونية ومنها الكاميرات، وهذا التطور كان لمصلحة من يعمل في هذه المهنة فقد زادنا خبرة وزيادة واطلاعاً على كل ما هو جديد وكل ما هو تكنولوجي . على المستوى المهني استفدت كثيراً من هذه الابتكارات، فقديماً كنا نعتمد على الكاميرا . التي تحتاج إلى فيلم، وبعد التصوير تحتاج إلى طباعة وتحميض وهذا كان يستغرق وقتاً طويلاً، أما الكاميرا الرقمية الحديثة فلا تحتاج إلى سوى التوصيل بجهاز الكمبيوتر ثم تنزيل الصور عليه ومن ثم تعديلها في اللحظة نفسها .

أضاف النقبي: المقارنة دائماً ستكون في مصلحة الجديد، لأن جودة الكاميرا الرقمية أفضل وسعتها أكبر، أما الكاميرا القديمة فكانت سعتها محدودة ب 36 صورة فقط، لكن في عصر بطاقة الذاكرة من الممكن أن ألتقط أكثر من 100 صورة، بل أعرف في اللحظة نفسها إذا كانت جيدة أم سيئة، وهذا كان من المستحيل في الكاميرا القديمة .

ثلث العمر ضائع

أظهرت دراسة أن المواطن العربي يقضي ثلث عمره أمام وسائل الإعلام وفي استخدام الهاتف والإنترنت .

وأوضحت الدراسة التي أعدتها شركة إبسوس للأبحاث والدراسات على هامش مؤتمر الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الأردن أن المواطن العربي يقضي ما يناهز ثماني ساعات يومياً في متابعة وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة واستخدام الهاتف، إضافة للإنترنت وألعاب الفيديو .

وشملت الدراسة ست دول عربية هي الإمارات والأردن ومصر ولبنان والسعودية والكويت، وتوزعت هذه المدة ما بين متابعة التلفزيون بمعدل 4 ساعات يومياً، تلاها استخدام الهاتف بمتوسط يومي قدره ساعة ونصف الساعة، ثم الإنترنت التي بلغت حصتها ساعة يومياً فيما توزعت المدة الباقية بين الاستماع للراديو وقراءة الجرائد والمجلات واللعب بألعاب الفيديو وهو ما يشكل 30% من يوم المواطن العربي أو ما يعادل متوسط ساعات العمل اليومية في الوطن العربي المعروف عالمياً بضعف إنتاجية عماله .

وأظهرت نتائج الدراسة أن 32% من العرب في الدول التي شملها الاستطلاع من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي التي حل موقعافيس بوك وتويتر في صدارتها . وأوضحت النتائج أيضاً أن 96% من مواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها العرب أجنبية .

* * *

الأرحام انقطعت في زمن "التواصل"

من الطبيعي أن تؤثر التكنولوجيا في المهن أو الأشياء التي نستخدمها في حياتنا اليومية، لكن ليس من الطبيعي أو المقبول أن تؤثر في حياتنا الاجتماعية وعلاقتنا الإنسانية، لذلك انقسمت الآراء حول هذه النقطة فهناك من أكد أن التكنولوجيا أدت إلى زيادة فرص الاتصال وهناك من قال العكس .

الوسائل التكنولوجية الحديثة أفقدت الإنسان صفة اجتماعية مهمة جداً وهي الصدق، بهذه العبارة بدأ سعيد حامد، المخرج التليفزيوني والمحاضر بكلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية بجامعة عجمان كلامه . وأوضح أن التكنولوجيا ووسائل الدوبلاج الإذاعي والتلفزيوني من الممكن أن تجعل الإنسان ينطق بكلام لم يقله من خلال تركيب صوت شخص على حركة شفاه شخص آخر وهكذا، كما أن وسائل الغرافيك والخدع البصرية أدت إلى ظهور العديد من المشكلات والقضايا التي تمس الأخلاق العامة، لأن أي شخص يستطيع فبركة أي صورة بالطريقة التي يريدها .

هذه الوسائل المتقدمة أسهمت بشكل كبير في تغير الحقائق، مثلاً هناك جهاز اسمه الكروما يستخدم في وسائل الإعلام يستطيع تغيير المكان الذي يظهر منه الضيف من خلال التحكم في الخلفيات وهذا يفقد المشاهد المصداقية، وبعيداً عن الجانب المهني، أثرت الوسائل الحديثة في علاقات الناس العائلية وخاصة منذ ظهور الهاتف وكل مستحدثاته، قديماً كنا نتزاور في كل المناسبات والأعياد أما الآن فمكالمة تحل المشكلة وتوفر الزيارة وفي الوقت نفسه تقطع حبال الود وصلة الرحم .

عن الجانب الإيجابي لهذه الوسائل، قال حامد لا نستطيع أن نتجاهل الفوائد الكثيرة التي كانت هذه الوسائل المتقدمة سبباً رئيسياً فيها، فهي جعلت العالم قرية صغيرة لكن بلا عواطف، وأيضاً وفرت المزيد من الجهد والوقت، وبسبب هذه الفوائد لابد أن نراعي عدداً من الأساسيات حتى نستفيد منها على أكمل وجه، أهمها أن نستخدم كل ما هو جديد في إطار أخلاقنا وعاداتنا الإسلامية التي تربينا عليها .

دارين محمد قالت: لا أحد يستطيع أن ينكر فضل التكنولوجيا وكل وسائل الاتصال الحديثة، التي ساعدت على زيادة معدلات الصداقة والتواصل بين كل الناس في كل دول العالم، من خلال مواقع التواصل والمنتديات المختلفة، فأنا كمصرية مغتربة في الإمارات أستطيع بلمسة واحدة أن أطمئن إلى أهلي وأراهم، وأحافظ كذلك على صداقاتي في مصر وأكوّن صدقات جديدة في كل مكان، كما أستطيع باللمسة نفسها أن أعرف أخبار العالم كله وأنا في غرفتي . وأضافت: إذا بحثنا عن فوائد التكنولوجيا الجديدة سنعرف أنها لا تعد، لذلك لابد أن نحسن استخدامها ونستغلها أفضل استغلال، لا العكس مثلما يفعل البعض، فلابد أن نعلم أولادنا أنها خلقت للمعرفة، ويجب علينا أن نعرف أن الهاتف المحمول وظيفته الأساسية إجراء مكالمات ضرورية وسريعة، سواء في العمل أو حياتنا اليومية، وكلامي للشباب الذين كثيراً ما ينسون أنهم يعيشون مع بشر ويصبح الهاتف هو الصديق الصدوق لكل منهم .

كل وسائل التقدم ووسائل الاتصال الحديثة أدت إلى زيادة فرص التواصل والاتصال برأي منى سعيد محررة في المركز الإعلامي بحكومة دبي . وقالت: الهاتف موجود منذ زمن بعيد لكن تكلفته كانت مرتفعة فكان الاتصال بحساب وفي أوقات محددة، لكن الآن الوضع تغير، فأسعار المكالمات وأنواعها تعددت، فهناك مكالمة فيديو بجانب المكالمة العادية التي نستطيع من خلالها رؤية من نتحدث إليه في أي مكان، ومن يصعب عليه الهاتف فمواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر قد حلت المشكلة، ليس على مستوى الأهل والأصدقاء فقط، بل على مستوى تكوين علاقات صداقة دولية من خلال التعرف إلى عدد كبير من الناس من جنسيات مختلفة، وبالتالي التعرف إلى المزيد من الثقافات واللغات .

هذا ليس معناه، كما تؤكد، أن التكنولوجيا دائماً جيدة، فهناك أخطار ممكن أن نعرض لها حياتنا وأسرتنا من خلالها تتم عن طريق الاستخدام الخاطئ، فمثلاً هناك أزواج يقضون ساعات طويلة من يومهم على البلاك بيري وهذا مزعج جداً، علاوة على أن هناك أطفالاً يشاهدون أشياء ضارة كثيرة على الإنترنت، لذلك على كل أسرة توخي الحذر وفرض مزيداً من صور الرقابة .

ويرى محمد إبراهيم، عضو في منتدى الشارقة للتطوير، أن أي تقدم مفيد إذا أحسنا استخدامه، وضار إذا أسأنا هذا الاستخدام . ويقول: نعتمد الآن على التكنولوجيا في كل شيء، يجب ألا نهمش أشياء كثيرة أهمها الجانب البدني، فمثلاً نستخدم السيارة للانتقال من مكان لآخر، وهذا مفيد، على المستوى الآخر يجب ألا تؤدي هذه السيارة إلى زيادة وزني وإصابتي بالسمنة . وصحيح ان كل وسائل الاتصال تقربني من الناس لكن يجب ألا تؤثر في الزيارات العائلية وصلة الرحم التي نثاب عليها، واستخدام كل التقنيات الحديثة يفيدنا في تطوير الذات ثقافياً وتكنولوجياً من خلال معرفة كل ما هو جديد، لكن لابد ألا نطلع على أي شيء ضار .

اتفقت ايناس صبيان، خريجة كلية الإعلام جامعة الشارقة، مع هذا الكلام، وقالت: نحن كشباب هذا عصرنا وعصر التكنولوجيا أيضاً، ولا يمكن أن نستغني عنها، بل لابد أن نواكبها ونعرف عنها المزيد حتى نتدارك أخطارها ونخفف منها، لذلك لابد أن نعرف كل صغيرة وكبيرة عن هذا العصر الإلكتروني وكل متطلباته حتى نربي أيضا أطفالنا عليه، لكن في الوقت نفسه يجب أن يكون لدينا وعي بما نستخدمه، ومن وقت لآخر علينا أن ننفي أنفسنا منها ونرجع إلى انسانيتنا، من خلال غلق الهاتف النقال وعدم اللجوء لأي أجهزة إلكترونية، أو الدخول لأي من مواقع التواصل الاجتماعي، حتى نعيد شحن أنفسنا بطاقة ايجابية تجعلنا قادرين على مواصلة هذه الحياة التكنولوجية مرة أخرى .

وفاء طالب، ربة منزل، قالت: التكنولوجيا تسببت في العديد من المشكلات الزوجية، والبلاك بيري والفيس بوك، سبب رئيسي للخرس الزوجي الذي أصبح سمة معظم البيوت الآن، فالزوج يمسك الهاتف ولا يتركه إلا عند النوم، لذلك فهو تحول لغائب حاضر بالنسبة للزوجة وللأطفال، وهنا تصاب الأسرة كلها بخلل يفقدها السكينة والود، علاوة على دخول الشك إلى قلب الزوجة التي كثيراً ما تعتقد أن الزوج يخونها من خلال وسائل ومواقع التعارف المختلفة . لذلك، لابد أن نتعلم كيف نستفيد من كل ما هو جديد، لابد أن نضع قوانين شخصية ننظم بها حياتنا، فالإنسان لابد أن يتحكم هو في هذه الوسائل لا العكس .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"