كهوف عُمان.. أساطير عمرها آلاف السنين

يد الإنسان لم تتدخل في إبداعها
00:18 صباحا
قراءة 6 دقائق
مسقط «الخليج»:

ساعدت الطبيعة الصخرية والانتشار الكبير للجبال في سلطنة عمان في ولادة منتج سياحي جديد يتمثل في الكهوف، حيث تنتشر هذه الكهوف على امتداد الجغرافية العمانية جاذبة الآلاف من المغامرين لزيارتها، واكتشاف ما تكتنزه من منحوتات طبيعية، لم تتدخل يد الإنسان في إبداعها ورسم ملامحها، هذا إلى جانب الأساطير الكثيرة التي تنسج حول بعضها، وتربطها بقصص لا تُعرف الحقيقية منها من تلك التي ألّفها من تعاقبوا على هذه الأرض، عبر مئات وآلاف السنين، إلا أنها في النهاية أكسبت هذه التجاويف الصخرية الهائلة القدرة على جذب أولئك الباحثين عن المغامرة من شتى أصقاع الأرض.. عن كهوف عُمان كان لنا هذا التقرير:

يقع «كهف الهوتة» في الجزء الجنوبي من سلسلة الجبل الأخضر، وبالتحديد بالقرب من ولاية الحمراء بمحافظة الداخلية، ويبعد عن مسقط قرابة الساعتين، ويعود اكتشافه إلى عشرات السنين من قبل سكان المنطقة، الذين أطلقوا عليه الاسم نسبة إلى قرية الهوتة القريبة، يمتد الكهف لمسافة 5 كيلومترات تحت الأرض، أما المسافة التي يمكن الدخول إليها فهي 860 متراً، تنتهي ببحيرة الكهف التي يصل إليها ماء الوادي المنحدر من أعلى الجبل من فتحة تسمى «الهوتة» وتمتد لمسافة كبيرة داخل الكهف، ليخرج الماء في نهايتها من فتحة أخرى تسمى «الفلاح».
يصل عمق البحيرة إلى 20 متراً، إلا أن هناك أجزاء يصل عمقها لأكثر من ذلك، ولكن يصعب الوصول إليها بسبب قرب السطوح الصخرية من سطح الماء لدرجة التلامس، ويقال إن امتدادها يصل إلى وادي تنوف بولاية نزوى، وتحتوي البحيرة على أنواع عديدة من الأسماك العمياء فبعضها تظهر بدون أعين، ولكنها تملك شعيرات طويلة لتلتمس الطعام، وبعضها بعيون صغيرة جداً، كما يعيش في البحيرة نوع نادر من الأسماك العمياء الصغيرة، ذات اللون الوردي الشفاف، لدرجة يمكن معها رؤية هيكلها العظمي.

كهف مقل

يقع بولاية بني خالد بالمنطقة الشرقية بقرية مقل، وسط الواحات المائية الجميلة، التي اتخذت الولاية منها شعاراً لها، ومن بين الصخور التي نحتتها الطبيعة، تتدفق المياه العذبة، مشكلة ذلك المنظر البديع، الذي لا تجد له مثيلاً في أي ولاية أخرى، حيث تنساب المياه منها ليتلقفها العماني القديم صانعاً منها أفلاجاً تمتد لعدة كيلومترات، لتروي المناطق الزراعية، ويمتد طول هذه الواحات المائية إلى أكثر من 200 متر في بعض الأماكن، وبعرض عشرين متراً في بعض الأجزاء، كما يبلغ عمقها أكثر من ستة أمتار تقريباً مما يجعلها مناسبة لممارسة هواية السباحة، وحول هذه الواحات توجد أشجار خضراء خلابة، تجعل من المنطقة واحة للاسترخاء والاستجمام للتمتع بالمياه الرقراقة، وفتحة الكهف صغيرة نسبياً، وتضيق كلما تعمقت خلالها، لتنفتح بعد ذلك على منظر بديع للتكوينات الصخرية، وسط بحيرة مائية، تشكل أعجوبة حقيقية.

ويقع كهف الكتان في ولاية عبري بمحافظة الظاهرة، ويبعد عن عبري مسافة 8 كم، وينفرد الكهف بلمعانه الشديد الذي يشبه الرخام، وقد أطلق عليه اسم «الكهف الرخامي»، كما يتميز بتشكيلات جيولوجية جميلة، ونقوش صخرية بديعة، تجعل منه قبلة لعشاق الآثار الطبيعية، إلا أن الوصول إليه ليس بالأمر الهين، ولذلك ينصح بمرافقة مرشد متخصص من أهالي المنطقة.

ويقع كهف المرنيف بمنطقة شاطئ المغسيل، على بعد 40 كيلومتراً من ولاية صلالة الشهيرة، ويطل على بحر العرب، وعلى نوافير المغسيل، وهي ظاهرة طبيعية تنتج عن قوة اندفاع الماء إلى داخل تجويف صخري يقع معظمه تحت الماء، وفي فصل الخريف حيث يرتفع مستوى البحر، وتنشط حركة التيارات المائية، يندفع الماء بقوة عبر التجويفات الصخرية، مما يؤدي إلى اندفاعه على شكل نافورة طبيعية غاية في الجمال، ويضفي صوت اندفاع الماء، جواً مميزاً فريداً من نوعه، وتم تجهيز هذا الكهف بإنشاء مرافق للزوار، وتركيب أسوار حماية على جانبه المطل على البحر، إضافة إلى عمل استراحات متعددة وممرات وممشى وجسر للعبور.

كهف أبوهبان يقع بولاية دماء والطائيين بمحافظة شمال الشرقية، ويبعد عن مركز الولاية 10 كم جهة الشرق، ويمتاز بوجود العديد من التشكيلات الصخرية ذات الألوان المختلفة، إلا أن المكان لم يتم تطويره بعد للاستخدام السياحي، وعليه على الراغبين في زيارته واكتشاف مكنوناته أن يصطحبوا معهم كافة احتياجاتهم.

مجلس الجن

اسم هذا الكهف فقط قادر على جذب آلاف الباحثين عن مغامرة خارجة عن الحدود، فكيف إذا عرفوا الأساطير التي تروى عنه، وعن الجن الذين سكنوه، وكانوا يجتمعون فيه بكبيرهم ليتلقوا منه التعليمات، هذه القصة بحد ذاتها جعلت منه أسطورة يخشاها البعض، ويبحث عنها الكثيرون. يقع الكهف الذي يُعد أحد أعظم وأجمل عجائب الطبيعة عند سفوح جبال الحجر الشرقية، ويطلق عليه سكان المنطقة «كهف سلمى»، نسبة إلى هضبة «سلمى» بالقرب من قرية فنس بولاية قريات في محافظة مسقط، والواقعة على الطريق الذي يربطها وقرية طيوي التابعة لولاية صور بمحافظة جنوب الشرقية، إلا أن أحداً لا يعرف أصل هذه التسمية، ومن هي سلمى التي سميت الهضبة والكهف باسمها، أما اسم كهف مجلس الجن، فهو الاسم الأكثر انتشاراً للكهف الذي يعتبر من أكبر الكهوف الجوفية في العالم، حيث تبلغ مساحته الأرضية أكثر من 58 ألف متر مربع، بينما يصل حجمه إلى 4 ملايين متر مكعب، الطول الأقصى للكهف 310 أمتار، أما عرضه الأقصى، فيصل إلى 225 متراً، التحدي الأكبر للكهف هو الارتفاع الذي تراوح بين 120 متراً في الحد الأدنى، و158 متراً في الحد الأعلى، وهو ما يجعل الدخول إليه يتطلب معدات خاصة، وخبرات خاصة أيضاً.

وعلى الرغم من الحجم الهائل للكهف، إلا أن اكتشافه من الخارج ليس بالأمر اليسير، فهنالك فقط ثلاث فتحات تصل إلى جوفه، من ضمن العشرات غيرها، التي تتوزع بين التكوينات الصخرية للجبل، ولذلك فإن الوصول إليه يتطلب مرافقة من يعرفون المنطقة جيداً. 

اكتشف الكهف للمرة الأولى بالصدفة البحتة، وذلك أثناء البحث عن الصخور الكربونية بغية اكتشاف احتياطات مائية جوفية عميقة، وكان أول من هبط إلى جوفه الخبير الجيولوجي والمغامر «دون ديفيدسون» في العام 1983، وذلك عبر الفتحة التي يبلغ عمقها 120 متراً والتي تعتبر أقصر فتحاته الثلاث، ثم جاءت زوجته «شيريل جونز» في العام التالي 1984 لتهبط من أعمق الفتحات، التي يبلغ عمقها 158 متراً، ثم جاء المغامر «دون جونز» بعد ذلك ليهبط من الفتحة الثالثة في العام 1985.
يتطلب الوصول إلى فتحة الكهف جهداً، حيث يترتب قطع مسافة 1,300 متر من الدروب الجبلية الوعرة، تستغرق قرابة الخمس ساعات، وتتطلب قدرات جسدية خاصة، وتدريباً مكثفاً قبل اجتيازها، والنزول إلى الكهف أيضاً بحاجة إلى خبرة في التسلق باستخدام الحبال، التي تعد الطريق الوحيدة للهبوط. وقدر الجيولوجيون عمر الكهف بخمسين مليون سنة.

بئر الطيور

اكتسبت حفرة طوي أعتير، المعروفة باسم «بئر الطيور»، شهرة عالمية منذ اكتشافها في العام 1997، من قبل فريق من المغامرين السلوفانيين، بالتعاون مع جامعة السلطان قابوس، حيث تم تصنيفها كواحدة من كبرى حفر الإذابة في العالم، وهو ما يضاف إلى رصيد السلطنة الغني بالتنوع البيئي والجغرافي والمعالم التاريخية والأثرية والمقومات الحضارية، والذي يعزز بدوره الأنماط السياحية التي تتميز بها محافظة ظفار، ويزيد من فرص الاكتشاف للمهتمين ومحبي الطبيعة والمغامرة.

يبلغ حجم حفرة طيق حوالي 975 ألف متر مكعب، ويتراوح طول قطرها من 130 إلى 150 متراً، أما عمقها، فيصل إلى 211 متراً، وقد أدى جريان الماء على طول الأودية التي تصب في الحفرة إلى إذابة الصخور، وبالتالي إلى تكوين الحفرة والشلالات الرائعة الواقعة على طول التقاطع مع حفرة طيق، يوجد كهف طيق قرب أعلى الحفرة، ويبلغ حجمه 170 ألف متر مكعب تقريباً، وبه ما لا يقل عن 6 مداخل.

مميزات جيولوجية

يقع كهف جرنان بولاية أزكي بمحافظة الداخلية على سفح وادي حلفين، وتحت قرية النزار الأثرية، إلا أن بنيته الجيولوجية غير مستقرة، وهو عبارة عن تجويف صخري بحجم غرفة في بدايته ما يلبث أن يضيق حتى يضطر الإنسان إلى التقدم فيه زحفاً، ولا تكمن أهمية الكهف أو التجويف في خصائصه الجيولوجية، بل تكمن في القصص والأساطير المتناقلة عنه جيلاً بعد جيل، حيث قامت الحكومة العمانية في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات بإجراء دراسة أولية عن الكهف، وأظهرت الدراسة عدم جدوى تطوير الكهف بشكل كبير، إذ يقع في تلة صخرية غير مستقرة جيولوجياً، ومن جانب آخر فقد تم ردمه طبيعياً بعد فيضان وادي حلفين، خلال أحد مواسم السيول الجارفة، مما صعب معه تطويره بشكل كبير لاعتبارات بيئية وخشية تصدع الكتل الصخرية غير المستقرة، وبالتالي تعريض القرية القديمة للسقوط والانهيار.

يجذب الكهف كل عام عدداً من المغامرين الراغبين باكتشاف المجهول، كما يجذب أيضاً الباحثين عن الكنوز الذين سمعوا قصة العجل الذهبي المزين بالأحجار الكريمة، والمسمى «جرنان».

منتج سياحي فريد

تعمل حكومة السلطنة منذ سنوات على تسويق هذه الكهوف سياحياً، لتنافس أسواقاً تعتمد عليها بكثرة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفيتنام ولبنان وماليزيا والصين، التي تكثر فيها الكهوف الطبيعية الساحرة، والتي تم تطويرها لتستقطب كل عام مئات الآلاف من الزوار، إلا أن العمل عليها مازال في مرحلة مبكرة ويحتاج إلى استثمارات هائلة، لكن الجانب المشرق للأمر هو بقاء معظم هذه الكهوف بغير أن تمتد يد الإنسان إليها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"