ذاكرة الزمن

00:34 صباحا
قراءة 6 دقائق
د . محمد فارس الفارس
منذ ظهور التصوير في منتصف القرن التاسع عشر، أصبحت الصورة أهم وثيقة تسجل الأحداث . وعلى مدى أكثر من قرن ونصف القرن، التقطت الكاميرات ملايين الصور لحروب وكوارث ومناسبات سعيدة وحزينة لأفراد وجماعات ودول . ولاشك أن الصورة تعني كثيراً في توضيح أي حدث، وتشد القارئ وتجذبه وتحفزه على القراءة باستمتاع .
في هذه الصفحة، لدينا صور كل منها يتحدث عن مناسبة أو حدث معين نعود من خلالها لقراءة التاريخ برؤية معاصرة .

تلفزيون الكويت من دبي

في 9 سبتمبر/أيلول 1969 بدأ بث "تلفزيون الكويت من دبي" ليبدأ مواطنو الإمارات والجاليات العربية المقيمة بمشاهدة أول بث تلفزيوني في الدولة متزامناً مع بث آخر حدث قبله بأيام، حيث بدأ تلفزيون أبوظبي إرساله في 6 أغسطس/آب ،1969 وقبل ذلك، كان المقيمون في الإمارات يستقبلون البث التلفزيوني من مدينة الظهران السعودية .
بدأ البث التلفزيوني الكويتي بالأبيض والأسود حتى عام ،1978 وعين طاقم إداري وفني من الكويتيين والإماراتيين وغيرهم من الجنسيات العربية، وتم تعيين الإعلامي الكويتي محمد المهنا مديراً للتلفزيون، وبدأ بمجموعة من المذيعين الكويتيين المعروفين مثل جاسم الشهاب ومحمد راشد الملا وصالح الشايجي وماجد الشطي وجاسم الغريب . وكان هؤلاء يتناوبون في الحضور إلى دبي حيث يبقى المذيع ما بين 15 يوماً إلى شهر ويعود إلى الكويت ليحضر غيره، واستكمل طاقم التلفزيون بمجموعة من المذيعين الإماراتيين وهم أحمد قاسم العلي وسعيد الغيث وحصة العسيلي، إضافة إلى مخرج إماراتي كان اسمه يظهر في معظم البرامج في فترة السبعينات وهو المخرج عبدالله درويش إضافة إلى مخرجين إماراتيين آخرين هم سلطان السويدي وعبداللطيف أحمد، وبعدها تسلم المذيع الكويتي جاسم الشهاب إدارة التلفزيون وفيما بعد انضم إلى تلفزيون الكويت من دبي مجموعة من المذيعين والمذيعات الإماراتيين أشهرهم أحمد عبدالنبي .
بدأ البث اليومي بأربع ساعات مسائية ثم صارت ست ساعات، ومع قيام الاتحاد أصبح البث ثماني ساعات مسائية، وفي الفترة الصيفية كان هناك بث صباحي .
وكان موقع التلفزيون في منطقة القصيص، وتقول إحدى أشهر المذيعات المصريات في التلفزيون وهي سلوان محمود أن عدد العاملين في البداية وصل إلى 63 موظفاً ثم زاد إلى الضعف وكان اللافت للنظر أن 90% منهم كانوا من أبناء الإمارات، وكانت نسبة الإنتاج المحلي من البرامج 25% والإنتاج الكويتي من مسلسلات وبرامج 25%، وكانت النسبة المتبقية وهي 50% من البرامج العربية والأجنبية، ويقول محمد المهنا الذي عمل أول مدير للتلفزيون "كان المطرب الكويتي مصطفى أحمد والفنان أبو بكر سالم والفنان صباح خوري من أوائل المطربين الذين قدمهم تلفزيون الكويت من دبي للمشاهدين وسجل لهم أغاني بثت على شاشة التلفزيون . ونقل التلفزيون عام 1969 أحداث نزول مركبة "أبوللو" على القمر، ويقول عبدالكريم محمد أحد العاملين في التلفزيون: "كنا نقوم بتصوير البرامج ومونتاجها محلياً أما الأحداث الخارجية ومنها الأخبار، فكان يتم تصويرها بواسطة كاميرات سينمائية 16 إم إم وترسل إلى الكويت لتحميضها لتعود بعد 3 أيام لتكون جاهزة للعرض .

بلجريف في البحرين

"مطلوب شاب متعلم يكون عمره بين 22 و28 سنة وأن يحمل مؤهلاً جامعياً يخوله العمل في دولة من دول الشرق وسوف يحصل المتقدم للوظيفة على راتب جيد بشرط أن يكون لائقاً جسمانياً وأن تكون له اتصالات ومعارف في الدوائر العليا، كما يستحسن أن يكون متمكناً من اللغات وخاصة الإنجليزية" . كان هذا هو الإعلان الذي نشره ديلي المعتمد البريطاني في البحرين في جريدة "التايمز" البريطانية عام ،1925 وتقدم الشاب الإنجليزي تشارلز بلجريف لشغل هذه الوظيفة، وكان على من يشغل هذه الوظيفة أن يؤدي مهمتين لجهتين مختلفتين في آن ، الأولى هي الإشراف على الشؤون المالية لحكومة البحرين، والثانية أن يطبق الاصلاحات التي اقترحها الميجر ديلي . ولد تشارلز بلجريف في سويسرا عام 1894 وتلقى تعليمه العالي في كلية بدفورد بجامعة اكسفورد، والتحق بالجيش البريطاني في السودان، وعمل في مصر وفلسطين وكان على مدى عامين الأوروبي الوحيد في واحة سيوه بالصحراء الواقعة بين مصر وليبيا، وبعد سنين من العمل في مكتب المستعمرات بتنجانيقا، استجاب بلجريف لإعلان حكومة البحرين، وفي فندق صغير في الطرف الغربي من لندن قابل بلجريف للمرة الأولى كليف ديلي ثم أجرى مقابلة أخرى مع المقدم برديكس المقيم السياسي البريطاني في الخليج، وكان بلجريف لا يعرف أين تقع البحرين، ولكن لفتت نظره الأخبار التي بدأت تبثها محطات التلفزة عن العواصف التي هبت عليها عام 1925 وأغرقت عدداً كبيراً من سفن الغوص .
وصل بلجريف للبحرين التي كان يحكمها آنذاك الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ومع مرور الوقت تحول مكتب بلجريف إلى مركز ثالث في السلطة يلي المركز الأول أي حكومة البحرين، والثاني أي دار الاعتماد البريطاني أو "الكوثي" كما يسميها أهل البحرين، وأصبح لكل مركز رجاله وشأنه وثقله، وأصبح البحرينيون وغيرهم من المقيمين يعتمدون على أحد هذه المراكز لإنجاز أمورهم الخاصة، فمجلس الشيخ لعامة الشعب، ومكتب بلجريف للقضاة والتجار والمهتمين بالسياسة والصحافة والتعليم، أما دار الاعتماد فقد كانت ملجأ أصحاب القضايا الأخرى التي تدخل في اختصاصها . وعلى مدى 31 عاماً الممتدة من (1926 حتى 1957) كان المستشار بلجريف من أهم الشخصيات السياسية في البحرين، وكان له أثر رئيسي في تطوير الأمور الإدارية والاقتصادية في هذه الجزيرة، وغادر بلجريف البحرين في 18 إبريل/نيسان 1957 وعاد إليها مرة أخرى في زيارة خاصة عام ،1965 وكانت وفاته في 28 فبراير/نيسان 1969 في بريطانيا .

"باب اليُمن" في صنعاء

في عام ،1951 توجهت الطبيبة الفرنسية كلودي فايان إلى اليمن للعمل كطبيبة وذلك في عهد الإمام أحمد يحيى حميد الدين، وكتبت فايان مذكراتها عن تلك الفترة، تقول فيها: "في الماضي كان يطلق على اليمن اسماً جميلاً هو "العربية السعيدة" لجبالها الشاهقة التي تصطدم بها سحب المحيط الهندي، وتسقط أمطار غزيرة منتظمة تضمن لها الخصوبة والرخاء، وقد نمت فيها قبل 3 آلاف سنة حضارات بمعابدها ومدنها وهي موطن بلقيس ملكة سبأ"، وتتابع "كان في صنعاء عشرات من الإيطاليين والإنجليز وبعثة طبية سوفييتية وأول بعثة فرنسية في عهد والد الإمام أحمد، أما الآن فالإمام مقيم في تعز والعاصمة القديمة نائمة، وصنعاء تتكون من ثلاثة أجزاء: المدينة القديمة وحي بئر الغرب، ثم حي اليهود، والمدينة القديمة أقدم أقسام صنعاء وأكثرها اتساعاً ويسكنها قرابة 40 ألفاً، وارتفاع أسوار المدينة يبلغ عشرة أمتار وتعلوها طريق دائرية ويعززها 118 برجاً، وفي هذه الأسوار ستة أبواب وهي القصر، وشعوب والشقاديف والسياح واليمن وخزيمة، وبين باب اليمن والقصر يوجد شارع واسع ترتفع الأشجار على جانبيه، وتوجد بجوار الأسوار بيوت عالية يرجع تاريخها إلى قرون عدة وتلك البيوت لا تعرف النوافذ الزجاجية حتى الآن، والأسواق مدن صغيرة داخل المدينة الكبيرة وترددت على تلك الأسواق وأنا ممتطية جوادي، وأحياء صنعاء تتخصص في مهن مختلفة، فمصانع الأنوال بجوار القصر، وطاحونة الزيت بالقرب من باب اليمن، وصقالو الأحجار الكريمة في السائلة، وفي صنعاء نحو 40 مسجداً، وأحدث هذه المساجد بني منذ أقل من 200 سنة، وبيوت المدينة القديمة متلاصقة وفي شوارع ضيقة صغيرة، أما المياه فمصدرها الوحيد هو الآبار، وتوجد آبار جماعية في الأحياء الفقيرة، ولبيوت الميسورين آبارها الخاصة التي تقع في البهو الداخلي .
والصورة المرفقة لباب اليمن وهو الباب الوحيد المتبقي بعد أن تم هدم بقية الأبواب ويظهر خلفه جزء من المدينة القديمة في صنعاء .

استيفان روستي

كل من يحب مشاهدة الأفلام المصرية القديمة، لابد أنه شاهد فيلماً شارك فيه الممثل المعروف استيفان روستي، صاحب الجمهور الكبير من المصريين وغيرهم الذي اشتهر بأفلامه الكوميدية والتراجيدية، واستطاع إجادة أدوار الشر والنصب والضحك، وصاحب الجملتين الشهيرتين "ثانية واحدة أتحزم وأجيلك" و"أنت متعرفش مين زكي بشكها" .
لكن الكثيرين لا يعرفون أن هذا الممثل والمخرج في الوقت نفسه ليس مصرياً ولا حتى عربياً .
ولد استيفانو دي روستي من أم إيطالية وأب نمساوي في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1891 وكان والده سفير النمسا بالقاهرة، وانفصل عن أمه بسبب المشكلات التي قابلت عمل الوالد الدبلوماسي، فانتقل للعيش طفلاً مع والدته الإيطالية، التحق بمدرسة رأس التين الابتدائية إلى أن تزوجت والدته من إيطالي آخر ليترك المنزل شاباً ويلتقي صدفة بالمسرحي عزيز عيد الذي أعجب به لطلاقته في اللغتين الإيطالية والفرنسية وقدمه في فرقته ثم سافر إلى ألمانيا، وهناك التقى بمحمد كريم الذي كان يدرس الإخراج السينمائي وتعرف إلى سراج منير الذي هجر الطب واتجه للفن، وقرر استيفان روستي أن يلتحق بالمعهد نفسه ليدرس التمثيل دراسة أكاديمية، وعندما عاد إلى القاهرة تعرفت إليه المنتجة عزيزة أمير التي انبهرت بثقافته السينمائية الكبيرة وأسندت إليه مهمة إخراج فيلم "ليلى" عام 1927 وأخرج مجموعة من الأفلام أشهرها "عنتر أفندي" عام ،1935 و"جمال ودلال" عام ،1945 كما شارك بمجموعة كبيرة من الأفلام منها: "أبو عيون جريئة" عام ،1958 و"إجازة في جهنم" عام ،1949 و"إسماعيل يس في السجن" عام ،1960 و"ابن عنتر" عام 1947 وتوفي روستي في مايو/ أيار 1964 .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"