حق جاري غير المسلم

02:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

قال لي: أنا أسكن في بناية معظم سكانها غير مسلمين، وجيراني في الطابق الذي أنا فيه غير مسلمين، بل من غير أهل الكتاب، فهل يلحقني إثم لو عاملتهم بخشونة؟
- قلت له: يحتاج الأمر إلى تفصيل، الجار كما يقول الراغب الأصفهاني هو من يقرب مسكنه منك.
وفي القرآن الكريم قال تعالى: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل»، (الآية 36 من سورة النساء).
وفي الحديث النبوي «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه»، (رواه البخاري) وفي حديث آخر: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره»، (رواه البخاري).
- إذا قلنا بأن الجار هو من يقرب مسكنه من مسكنك فهل هو البيت الملاصق فقط أم يمتد الجوار إلى أكثر من ذلك؟
- يقول الإمام أبو حنيفة: «الجار هو الملاصق لبيتك فقط، لأن كلمة الجار من المجاورة أي الملاصقة».
- وقال المالكية: «إن الجار هو الملاصق من جهة من الجهات أو المقابل له بينهما شارع ضيق».
- وعند الشافعية والحنابلة حد الجوار أربعون داراً من كل جانب، واستدلوا بحديث «حق الجار أربعون داراً هكذا وهكذا». (انظر البحر الرائق ج8 ص505 وانظر الشرح الصغير ج4 ص747 وانظر قليوبي وعميرة ج3 ص 168 وانظر المغني ج6 ص 124).
- والجيران من حيث أنواعهم ثلاثة كما يقول أحمد بن حنبل: جار له حق وهو الذمي الأجنبي له حق الجوار فقط، وجار له حقان وهو المسلم الأجنبي له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق وهو المسلم القريب له حق الجوار وحق الإسلام وحق القرابة (انظر فتح الباري على البخاري ج13 ص 48-49).
- والقرآن الكريم قسّم الجيران إلى ثلاثة أقسام: الجار ذو القربى: وهو الجار القريب له حق الجوار وحق القرابة، والجار الجُنب (بضمّ الجيم): أي الأجنبي الذي لا قرابة بينك وبينه، والصاحب بالجنب: يقول ابن عباس بأنه الرفيق في السفر.
ويقول الزمخشري: «هو الذي صحبك إما رفيقاً في سفر أو جاراً ملاصقاً أو شريكاً في تعلم علم أو قاعداً إلى جنبك في مجلس أو غيره، وقيل: هو المرأة (انظر صفوة التفاسير للشيخ محمد علي الصابوني ج1 ص257).
- يلاحظ أن القرآن والسنة لم يتحدثا عن ديانة الجار بشكل صريح، بل إلى العموم أقرب، ولاسيما إذا فهمنا أنه حتى أربعين بيتاً يقال له الجار، ومعلوم أنه ضمن هذا العدد ليس بالضرورة أن يكونوا كلهم مسلمين.
- فأقول للسائل: جارك في البناية أو في البيت العربي قد يكون مسلماً وقد يكون غير مسلم، أو قد يكون عابداً من العبَّاد وقد يكون فاسقاً، أو قد يكون من أهل البلد وقد يكون أجنبياً وافداً فهؤلاء كلهم جيران.
لكن أولاهم بالرعاية أقربهم باباً إليك، وفي الحديث أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال عليه الصلاة والسلام: «إلى أقربهما منك باباً»، (رواه البخاري).
وللإمام الغزالي رحمه الله في كتاب «الإحياء» كلام لطيف في حق الجار فيقول: «ليس حق الجوار كف الأذى فقط، بل احتمال الأذى والرفق به وإسداء الخير والمعروف إليه». وعند المالكية يمنع الجار من فتح نافذة يشرف منها على دار جاره.
والشافعية قالوا: لا يمنع المالك من فتح نافذة ولو كان يشرف على حريم جاره، لأن الجار بإمكانه أن يدفع الضرر عن نفسه ببناء سترة.
وعند الحنابلة يمنع الجار من صعود سطحه إذا كان ينظر حراماً على جاره، فإذا كان سطحه أعلى لزمه اتخاذ سترة.
وعند الأحناف ليس للجار أن يمنع جاره من فتح نافذة تطل على ساحة الجار، بل على الأول أن يتخذ سترة (انظر المدونة الكبرى ج4 ص 259، وانظر مغني المحتاج ج2 ص 186، وانظر مطالب أولي النهي ج3 ص 358 وانظر حاشية عابدين ج5 ص 448).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"