الارتكاريا أنواع وعلاجات

22:35 مساء
قراءة 8 دقائق
تحقيق ــ نهلة الفقي:

«إرادة الشفاء نصف الشفاء» مقولة تنطبق على مرضي الارتكاريا (الشرى)، حيث يمثل العامل النفسي دوراً رئيسياً في تجاوز وطأة المرض، الذي تستمر أعراضه الحادة لا تتجاوز 72 ساعة، ووفقاً لما أعلنته منظمة الصحة العالمية فهنالك شخص من بين ستة أشخاص يعانون الارتكاريا على مدار حياتهم.
يستفيق البعض على شعور بوخز في الجلد، مثير رغبة شديدة في الحكة، وبفحص مكان الوخز يصدم بوجود وذمات وعائية، فتلك أعراض الإصابة بالارتكاريا نتيجة استنفار الجلد لتحسسه من مصدر ما.
والارتكاريا اسم مشتق من نبتة أوروبية تسمى «القراص الكبير» نظراً لما تسببه ملامسة شعيرات أوراقها من تهيج للجلد، وتنحصر أعراص الارتكاريا في ظهور طفح جلدي يحيط الجلد ببقع شديدة الاحمرار في 10٪ من الحالات، أو وذمة وعائية (أي تورم في الجلد أو الأغشية المخاطية)، مع حكة شديدة لا تستمر أكثر من بضع دقائق إلى 24 ساعة، وقد يظهر العرضين معاً في 40% من الحالات، بيد أن تلك الأعراض تزول في غضون 72 ساعة.
يقول د. هاني الناظر أستاذ الأمراض الجلدية ورئيس المركز القومي للبحوث سابقاً بالقاهرة: «الارتكاريا أحد أنواع الحساسية، التي لا تستثني فئة عمرية ولا تستهدف جنساً بعينه، فهي تصيب الصغار والكبار الإناث والذكور، وتظهر على شكل حبوب حمر على الجلد، تتحول إلى درنات (أي يكون الجلد متدرناً)، تصاحبها رغبة شديدة في الحكة، كما تظهر على مناطق متفرقة من الجسم، حيث تختفي من مكان لتظهر في آخر، فتختفي في اليد لتظهر في الرجل، أو من الرجل لتظهر في البطن وهكذا، وأحياناً يرافقها أعراض شديدة مثل انتفاخ في الشفاه، وتورم في الجفون، وفي بعض الحالات ربما تؤدي إلى احتقان واختناق في الحلق».
ويردف د.هاني الناظر: «هناك أنواع لمثيرات الحساسية التي تؤدي للإصابة بالارتكاريا، منها تناول بعض أنواع الأطعمة مثل الحوادق، المخللات، الأكلات البحرية، البيض، اللبن، الموز، الفراولة، المانجو، الفول السوداني، والشكولاتة، ونوع آخر تسببه الحالة النفسية نتيجة التعرض للتوتر أو الشد العصبي، ونوع آخر تسببه بعض أنواع الملابس المصنوعة من خيوط صناعية، كالبوليستر والاكريلك، ونوع آخر من الارتكاريا نتيجة التعرض لماء بارد يطلق عليها «ارتكاريا البرودة» وتأتي مع البرد الشديد، كما ربما تظهر الارتكاريا مع الملابس الضيقة، مثل حزام ضيق، أو جورب، فنجد الارتكاريا في نفس المكان، ونوع أخير نتيجة تناول بعض الأدوية كالمضادات الحيوية».
ويتطرق د.هاني الناظر إلى البروتوكول العلاجي المتبع مع حالات الارتكاريا، الذي يتم عن طريق تناول مضادات الهيستامين، وفي بعض الحالات يعطى الكورتيزون سريعاً لمنع حدة المرض، وتتراوح مدة العلاج بين 5 إلى 10 أيام.
تعتبر الحساسية في الآونة الأخيرة من الأمراض الأكثر شيوعاً وانتشاراً، نتيجة التلوث البيئي، واستخدام المواد الكيماوية، والمواد المصنعة، في كافة مجالات الحياة.
يقول د. تيجاني شايب مختص جلدية وتناسلية وتجميل وأمراض الحساسية: من أكثر أمراض الحساسية انتشاراً الارتكاريا (الشرى)، ومنها الارتكاريا الحبيبة التي تصيب الأطفال، وعندها تتأزم الحساسية باستمرارها لفترات طوال، تتحول لإكزيما، مثل إكزيما ربات البيوت، والأطفال، والإكزيما الشتوية، والجافة، وإكزيما الثدي، والحساسية الدوائية، فهي تعد ردة فعل الجهاز المناعي تجاه مادة غريبة تعرض لها الجسم، وكلما كانت المناعة ضعيفة كان وقع المرض أشد وطأة. يستطرد: تتوقف الإصابة بحساسية الجلد على استعداد الشخص لذلك، وتختلف الأعراض من حالة لأخرى، حيث يعد تكوين بنية الشخص، مناعته، نوعية المادة المؤثرة فيه، وعمره، من العوامل المؤثرة في الأعراض المصاحبة، فالحساسية تكون أكثر تأثيراً في الجلد، أو الشعب الهوائية، أو الأنف ونسميها حساسية الجيوب الأنفية، أو في الأمعاء، كما لها تأثيرات خارجية، تظهر في احمرار بالجلد، مصحوبة بالحكة، والتورم».
يضيف د. شايب: «ومن مثيرات حساسية الجلد تناول بعض الأطعمة كالبيض، والسمك لما به من بروتين عالي، والجمبري، والألبان ومنتجاتها، والموز، الفراولة، المانجو، والشوكولاتة، والمواد الحافظة للأطعمة ومكسبات اللون، أو تعاطي بعض الأدوية كالبنسلين، الأسبرين والأمصال، كما تصاب بها كثير من السيدات، نتيجة استعمال بعض صبغات الشعر، أو بعض الإكسسوارات المعدنية، كالخواتم والساعات، ومستحضرات التجميل، خاصة الرخيص منها أو مجهولة المصدر، إضافة إلى ارتداء الملابس غير القطنية المصنوعة من النايلون، كما يصاب بها بعض الحرفيين، كرد فعل للجلد نتيجة ملامسة بعض مواد البناء، كالأصباغ والأسمنت».
ويشير د. شايب إلى عوامل أخرى قائلاً: «يشكل المناخ والبيئة دوراً كبيراً في زيادة الحساسية، فالبعض يتحسس مع تباين الجو، بين البرودة أو الحرارة الشديدة، ويطلق عليها حساسية فيزيائية، وفي بعض المواسم كالربيع، تكثر الحشرات (كالبعوض والبراغيث في المناطق الحارة)، فتصيب الأطفال عند خروجهم للحدائق أو الأماكن العامة، ونسميها حساسية لدغات الحشرات، ولا نغفل هنا العامل الوراثي فبعضها تورث من الأب أو الأم مثل إكزيما الأطفال أو الإكزيما الوراثية، أو التأتوبية، كما أن هناك عوامل مكتسبة يتعرض الشخص لها عدة مرات، تسبب له الحساسية تسمى حساسية حادة، فتستمر لساعات أو أيام، بمجرد التخلص من السبب تختفي الأعراض أو ربما تمتد لأيام وأسابيع وأحياناً لشهور وسنين، تسمى الارتكاريا المزمنة».
ويضيف قائلاً: «هناك دراسات تشير إلى أن العامل النفسي يزيد من حدة الحساسية، فمن يعانون ضغوطاً نفسية، أو تعرضهم لصدمات معنوية، تزيد من احتمال تعرضهم للحساسية، جنباً إلى جنب مع الحالة الصحية والغذائية والاجتماعية، فهؤلاء الأشخاص مناعتهم ضعيفة، إضافة للمصابين بالأمراض المزمنة كالفشل الكلوي، والأطفال وكبار السن، لضعف جهازهم المناعي».
يتطرق د. تيجاني شايب إلى طرق العلاج قائلاً: «الارتكاريا من الأمراض سريعة الشفاء عند اتباع تعليمات الطبيب، وهناك تحاليل للدم تساعد على معرفة نوعها، وحدتها، وفحص يوضح أنواع الطعام التي تسبب الحساسية، فيسهل ذلك كثيراً من سرعة العلاج، من خلال الخضوع للعلاج الدوائي عن طريق تناول أدوية الحساسية، إما عن طريق الفم أو بالحقن الوريدي لتخفيف حدة الأعراض، وينوه إلى وجوب الالتزام بالجرعة الطبية التي يحددها الطبيب، تجنباً للمضاعفات، ومع التطور العلمي صارت أدوية الحساسية، لا تسبب الإعياء والفتور والنعاس، وهناك نوع آخر من الارتكاريا تعتمد في علاجها على الكريمات والصابون والمرطبات فقط، مثل حساسية ربات البيوت من استعمال الكلوركس، التي يصاحبها حكة، أو احمرار، وجفاف وقشور بها فقاقيع ماء».
ويوضح أن هناك نوع أكثر وطأة حيث تظهر على المريض أعراض تورم في الوجه، الفم، واليدين، فيجب خضوعه لبروتوكول علاجي آخر، من خلال تناول الكورتيزون، أما عن طريق الحبوب، أو الحقن فهو علاج سحري، لكن شريطة استعماله وفق إشراف طبي، فتناوله لفترات طوال له مضاعفات أخرى، على السكر والضغط والمعدة، علماً بأن الحساسية أشكال وأنواع وبروتوكولات علاج، فالوقاية منها بالابتعاد عن المسببات، فكما يقال الإنسان طبيب نفسه، حينما يشعر بأعراض الحساسية عند تناول صنف معين يجب عليه الامتناع عن تناوله.
يقول د. محمد الفيومي مختص أمراض جلدية وتجميل: «الارتكاريا حالة جلدية شائعة، تتسم بوجود طفح جلدي يصاحبه حكة شديدة، وهي أكثر أنواع حساسية الجلد انتشاراً ومعظم الناس يصابون بها مرة أو أكثر في حياتهم، ذلك بناء على ما أعلنته منظمة الصحة العالمية، وتظهر الارتكاريا نتيجة لتعرض الشخص لمادة (سواء طعام أو غيره)، حيث لا تظهر عند أول تعرض للمادة المسببة للحساسية، وإنما بالتعرض لها في مرات متتالية، فتنبه الجهاز المناعي، ليفرز أجساماً مضادة لتلك المادة».
ويشير د. الفيومي إلى أن الارتكاريا ليست مرضاً معدياً، ولكنها حالة جلدية تحدث نتيجة خلل في جهاز المناعة، وربما تصيب الجلد فقط، وفي بعض الحالات الشديدة يمتد الأثر لخارج الجلد، مثل تورم الشفتين، أو الأحبال الصوتية مسببة الاختناق، وربما تصيب الأمعاء فيحدث مغص معوي وإسهال، أو إمساك، كما تظهر وتختفي من حين لآخر.
ويتطرق د. الفيومي إلى أسباب الإصابة بالارتكاريا فيقول: «تختلف من شخص لآخر، باختلاف استجابة الجسم لمصدر الحساسية، ومنها حساسية تناول بعض الأطعمة، مثل البيض، السمك، الجمبري، الألبان ومنتجاتها، الموز، الفراولة، المانجو، الشوكولاتة، والمواد المضافة للأطعمة (مثل المواد الحافظة ومكسبات اللون)، أو تناول بعض الأدوية مثل الأسبرين، والمضادات الحيوية، ومضادات الروماتيزم، وأدوية البرد والإنفلونزا، وصبغات الأشعة، والأمصال، أو استنشاق بعض المواد التي تصل إلى الدم، عن طريق المسالك التنفسية، مثل حبوب اللقاح، وجراثيم الفطريات، أو التعرض للدغات بعض الحشرات مثل النمل والنحل، أو الإصابة ببعض الميكروبات والطفيليات المعوية مثل الإسكارس، إلى جانب التعرض لتوتر نفسي، أو تعرض الشخص لمواقف محرجة، أو نتيجة لضغوط عاطفية، كما أن بعض الأمراض كأمراض الكبد والفشل الكلوي والذئبة الحمراء واضطرابات الغدة الدرقية، ربما تكون سبباً في الإصابة بالارتكاريا، وفي حالات نادرة تحدث الإصابة نتيجة التعرض للشمس، أو البرودة، أو حتى الماء، وفي أغلب الأحوال يكون سبب الإصابة مجهولاً».
ينتقل د. الفيومي للحديث عن الأعراض قائلاً: «هناك نوعان للارتكاريا فالحادة تظهر على شكل بقع حمر مرتفعة قليلاً عن سطح الجلد، تصاحبها حكة شديدة، وتختفي من مكان لتظهر في آخر بالجلد، وربما تلتحم البقع لتكون رقعة كبيرة، ذات لون أحمر أو وردي، وذات حواف متعرجة، وفى أغلب الأحوال لا تستمر الأعراض لأكثر من عدة ساعات، أو لأيام قليلة، أما النوع الثاني فهي الارتكاريا المزمنة، التي يستمر ظهور الطفح الجلدي، لمدة تتعدى الستة أسابيع، وربما يصاحبها ضيق في التنفس، أو صعوبة في البلع، ويلاحظ في الحالات الشديدة، وجود تورم في بعض المناطق، مثل العين، الشفاه، الأصابع والأعضاء التناسلية».
ويردف: «من السهل على طبيب الأمراض الجلدية تشخيص الارتكاريا، ولكن الصعوبة تكمن في تحديد الأسباب وخاصة في حالات الارتكاريا المزمنة، ذلك من خلال سؤال المريض عن أنواع الأدوية والأطعمة، التي تناولها خلال الأيام السابقة لظهور الأعراض، لمعرفة السبب هل نتيجة تعرضه للدغ أو القرص من حشرة، أو يعيش أو يعمل في أماكن تحتوي على مثيرات للحساسية، مثل مصانع المطاط، أو الأماكن التي تحتوي على مواد كيميائية، أو حيوانات معينة، إلى جانب تسجيل تاريخه المرضي مثل إصابته بأمراض الغدة الدرقية، والكبد، والأمراض المناعية، كما أن إجراء بعض الفحوص الطبية ربما تفيد لتحديد الأسباب مثل صورة دم كاملة، وسرعة الترسيب، تحليل عينة من البراز، للكشف عن بعض الطفيليات، اختبار جهاز المناعة، إجراء اختبار لوظائف الغدة الدرقية، ليتم تحديد طريقة أداء الغدة لوظائفها، وإذا كانت تعمل بشكل متزايد، أو بشكل منخفض عن الحد الطبيعي، وإجراء فحص وظائف الكبد والكلى، حتى يتم تحديد إذا كان المريض يعانى مشكلات في ذلك الجانب«.
ثم يستعرض د. محمد الفيومي البروتوكول العلاجي المتبع، لتلك الاضطرابات الجلدية التي تسبب عدم ارتياح بشكل كبير لدى الحالة، وتأثيرها في حياته، التي يمكن أن تسبب بعض التعقيدات الخطرة، مؤكداً على أنها عادة ما تنتهي من تلقاء نفسها، وفي ثلثي تلك الحالات تكون الإصابة مرة واحدة في حياتهم، والثلث الآخر إصاباتهم متكررة، وربما تتكرر على فترات متقطعة، أو مزمنة من دون انقطاع، ويعتبر فهم السبب وتجنبه الخطوة الأساسية في العلاج، حيث يجب تجنب الأغذية المحفوظة، والتوتر والقلق النفسي، وعلاج البثور الصديدية في الجسم، وتجنب تربية الحيوانات الأليفة في المنازل، والامتناع عن التدخين، والكحوليات، وتجنب التواجد في الأماكن المزدحمة سيئة التهوية، وضرورة اشتف الغبار المنزلي بالمكنسة الكهربائية، حتى لا ينتشر داخل المنزل‏».‏
يضيف د. الفيومي: «ويمكن تخفيف الحالة باستخدام مضادات الهستامين، والمستحضرات الملطفة، التي توضع على الجلد، لتخفيف الإحساس بالحكة، مثل (محلول الكالامينا calamine)، وفي الحالات البسيطة، يفيد الاستحمام بالماء البارد لتخفيف الحكة، أما في الحالات الشديدة تستخدم عقاقير الكورتيزون، فبعض الحالات لا تستجيب للعلاج، وليس لها سبب واضح، وربما يستخدم مع هذه الحالات الكورتيزون عن طريق الفم، وتنظم الجرعة تحت إشراف الطبيب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"