الجلطة الدماغية.. الزمن علامة فارقة

23:23 مساء
قراءة 7 دقائق
تحقيق: راندا جرجس
تتسبب الجلطات الدماغية في فقدان الشخص القدرة على الكلام أو الحركة أو التذكر، حيث تُعرف بأنها نقص تدفّق الدم وتغذيته إلى أحد أجزاء الدماغ، والذي يؤدي إلى موت الخلايا، ما يؤدي إلى ألّا يعمل جزء من الدماغ بشكل سليم، وتظهر أعراض الإصابة بها خلال وقت قصير من حدوثها، وتشمل عدم القدرة على تحريك أو الشعور بأحد أطراف الجسم، ومشاكل الفهم أو الكلام، والشعور بالدوران، وعدم القدرة على رؤية جانب واحد من المجال البصري، وفى السطور القادمة سنتعرف على السكتة الدماغية بالتفصيل وطرق الوقاية والعلاجات الحديثة لها.

يقول الدكتور سوهاس جي باتيل، مختص أمراض الأعصاب، أن السكتة الدماغية، تحدث للإنسان نتيجة انقطاع إمدادات الدم إلى الدماغ، وبالعادة تنجم هذه الحالة عن انفجار الأوعية الدموية أو انسدادها، بسبب التجلط، وهذا بدوره، يقلل من إمدادات الأكسجين والمواد المغذية، ما يتسبب في الأضرار التي تلحق بأنسجة المخ، حيث إن الإشارات الصادرة من الدماغ تنتقل عبر الخلايا الجذعية للدماغ إلى أجزاء مختلفة من الجسم، وعندما ينقطع تدفق الدم إلى الدماغ، تتوقف إشارات الدماغ أيضا، ما يؤثر على أجزاء مختلفة من الجسم تتحكم فيها الإشارات، وبالتالي فإن هذا يتسبب في تخدر أو شلل في أجزاء معينة من الجسم، كما أثبتت الإحصائيات أن السكتة الدماغية تتسبب بوفاة أكثر من 6 ملايين شخص في كل عام، وتعتبر الحالات الدماغية الوعائية (السكتة الدماغية) هي السبب الرئيسي الثاني للوفاة عالمياً والسبب الثالث الرئيسي للإعاقة.
أسباب الإصابة
ويشير د. سوهاس إلى أن أي شخص معرض للإصابة بالسكتة الدماغية على الرغم من أن خطر الإصابة بهذه الحالة يتزايد مع التقدم في العمر، وخاصة الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي من السكتة الدماغية وتتعدى أعمارهم عن 65 عاما، وهناك نوعان من السكتة الدماغية، وفى كلاهما يكون ارتفاع ضغط الدم هو عامل الخطر الأكثر شيوعاً، بالإضافة إلى الإصابة بداء السكري، الكولسترول، التدخين، تعاطي المواد المخدرة، الاستهلاك المفرط للكحول، الممارسات الغذائية غير الصحية والبدانة، اضطرابات شحميات الدم، وانخفاض مستوى النشاط البدني، التي تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وفي بعض الأحيان تؤدي العيوب الموجودة في جدران الأوعية الدموية في المخ منذ الولادة إلى جعل الأفراد أكثر قابلية للإصابة بأنواع معينة من السكتات الدماغية النزفية، العيوب الخلقية في القلب، تشوهات صمامات القلب، وتشوهات ضربات القلب، التي يمكن أن تهيئ الشخص للإصابة، وبالنسبة للأشخاص الذين يأخذون أدوية ترقق الدم لسبب ليس له علاقة بهذه الحالة المرضية، فيمكن تعرضهم لنزف في الدماغ بسبب الترقق المفرط للدم، ويتمثل نوعان الإصابة في:
} السكتة الدماغية الإقفارية، التي تسببها جلطة دموية في الشريان الذي يزوّد الدم إلى الدماغ، وهى تحدث عندما يصبح تزويد الدماغ بالدم من الأوعية الدموية مغلقاً، ويمثل هذا النوع من السكتة الدماغية ما يقارب 87 % من جميع حالات السكتة الدماغية.
} السكتة الدماغية النزيفية، السكتة الدماغية النزفية، والناجمة عن انفجار الأوعية الدموية، ما يؤدي إلى تجمع الدم وإحداث ضغط حول الدماغ ويحدث عندما يصبح تزويد الدماغ بالدم من الأوعية الدموية ضعيف وله تمزقات، وعادة ما تحدث السكتة الدماغية النزيفية نتيجة لنوعين من الأوعية الدموية الضعيفة وهما تمدد الأوعية الدموية وتشوهات الشرايين والأوردة.
أعراض الجلطة
ويوضح د. سوهاس أن الأعراض الأكثر شيوعاً للسكتة الدماغية تتمثل في الضعف المفاجئ أو الشعور بخدر في الوجه والذراع أو الساق، في معظم الأحيان على جانب واحد من الجسم، وتشمل الأعراض الأخرى: الارتباك، وصعوبة في الكلام أو فهم الكلام، وصعوبة في الرؤية في واحدة من العينين أو كلتا العينين، وصعوبة في المشي، والشعور بدوار، وفقدان التوازن أو التحكم بالحركة، وصداع حاد
ويضيف: يتم تشخيص الإصابة بالسكتة الدماغية استناداً على الأعراض التي يعاني منها المصاب، حيث يقوم الطبيب بفحص الشخص من أجل فهم نوع السكتة الدماغية وأسبابها والجزء المتأثر بها من الدماغ، ويعتبر التصوير المقطعي المحوسب (CT) للدماغ هو أسرع فحص للتمييز بين السكتة الدماغية الإقفارية والنزفية، وربما يوصي الطبيب بإجراء فحوص الدم، لأن انخفاض مستويات السكر في الدم تحاكي أعراض السكتة الدماغية، كما يمكن أن يوصي الطبيب بعمل مخطط صدى القلب واختبارات كهربية القلب، من أجل التحقق من عمل القلب وأية اضطرابات في القلب، على التوالي، كما أن التصوير بالرنين المغناطيسي، وتصوير الأوعية الدموية وفحص كارتواد للموجات فوق الصوتية هي أيضا من الفحوصات التي تقود إلى التحقق من أسباب السكتة الدماغية.
أعراض ما بعد الإصابة
وعن المضاعفات الناتجة عن الإصابة بالسكتة الدماغية، يذكر الدكتور تامر زيدان، مختص أمراض المخ والأعصاب، أن تتنوع مضاعفات الجلطة الدماغيّة بتنوع مسبباتها، التي يمكن أن تعود لانسداد الأوعية الدماغيّة الصغيرة أو جلطة دمويّة قادمة من الشريان السباتي، وربما تكون الإصابة ناجمة عن حدوث نزيف دماغي نتيجة ارتفاع الضغط أو إصابة الرأس أو انفجار وعاء دمويّ متمدّد أو بسبب أخذ الأدوية المضادة للتخثّر، وتكمن خطوة الجلطة الدماغية في ظهور الأعراض بصورة مفاجئة، لتتطوّر غالباً خلال ساعات، وفي حالات نادرة في غضون أيام، وتبدأ المضاعفات بالظهور على جزء الدماغ المتضرّر، تاركةً أعراضاً واضحة وآثاراً ملموسة، ومن المهم التنبه إلى الأعراض الأولية الظاهرة مهما كانت بسيطة، كونها الإشارات التنبيهية للاستعانة بالمساعدة الطبية اللازمة وإنقاذ حياة المريض، والتي تظهر على شكل:-
} شكل صداع شديد أو صعوبة في الكلام مع مشاكل في النطق والفهم والاستيعاب.
} شلل أو خدّر في الأطراف والتي غالباً ما تكون في جهة واحدة.
} تهدّل في الفم أو غباش وتشوش الرؤية أو تضاعف الصورة المرئية في عين واحدة أو كلتيهما.
} ظهور مشاكل في الاتزان مع اعتلال القدرة على المشي بسبب الدوار.
يضيف: أما المضاعفات التالية لإنقاذ المريض فتتباين تبعاً للمدة التي يبقى فيها الدماغ بدون أكسجين وغذاء، وعادةً ما تحدث مضاعفات في وظيفة المنطقة المتضررة من نقص التروية في الدماغ، مسببة الشلل في جزء من الجسم أو فقدان القدرة على التحكم في مجموعة عضلات في الجسم، بما فيها عضلات الوجه أو الذراع، وربما يشعر المريض في مرحلة ما بعد الجلطة الدماغية بصعوبة في الكلام أو البلع أو الفهم، الأمر الذي يؤثر سلباً على حالته العاطفية والنفسية مؤدياً في بعض الأحيان إلى الاكتئاب، ولكن يمكن تخطي المضاعفات بالاستعانة بالعلاج الطبيعي وعلاجات الكلام والنطق، والتي تساعد المريض للعودة تدريجياً، لممارسة الأنشطة الاعتيادية كالمشي وتناول الطعام والكلام، مع ضرورة تقديم الدعم المعنوي الذي لا يقل أهمية عن العلاج الطبي.
طرق حديثة
يفيد د. زيدان بأن علاج الجلطات الدماغية يعتمد على نوع الجلطة الدماغية، التي ربما تكون جلطة انسداديّة، المعروفة بـ«الإقفارية» وهي الأكثر شيوعاً، أو جلطة نزفيّة، ويبدأ العلاج في كلتا الحالتين في الطوارئ، باعتبار أنّ الجلطة الدماغيّة بمجملها حالة طارئة تتطلب علاجاً مستعجلاً، لذا لا بدّ من تلقي الإسعاف الطبي الفوري والعاجل فور الإصابة، ومن ثم تحديد العلاج تباعاً وفق نوع الجلطة وحالة المريض مثل:
} لعلاج الجلطة الدماغية الانسدادية أو «الإقفارية»، يترتب على الأطباء استئناف تزويد الدماغ بالدم بأسرع وقت ممكن. لذا يتم علاج الطوارئ بواسطة الأدوية الوريدية في غضون الساعات الأولى منذ لحظة ظهور الأعراض الأولى (من ثلاث إلى أربع ساعات ونصف الساعة). ويساعد العلاج السريع في تعزيز فرص البقاء على قيد الحياة والحد من شدة المضاعفات التي قد تنجم عن السكتة الدماغية. وقد يوصي الطبيب في بعض الحالات بإجراء عملية جراحية لفتح الشريان المسدود، جزئياً أو كلياً، ويمكن أن تشمل عملية فتح الشريان أو تثبيت دعامة شبكية مرنة داخل التضيق الحاصل.
} أما علاج الجلطة الدماغية النزفية فتستوجب الجراحة التي تعتبر مفيدة للغاية في معالجة السكتة الحالية ومنع حدوث أي سكتات دماغية مقبلة، وتشمل الإجراءات الأكثر انتشاراً علاج التشوهات الوعائية الدماغية، لا سيما أمهات الدم والتشوهات الشريانية الوريدية.
وسائل وقائية
يؤكد د. زيدان أنه لا يمكن التنبؤ بإمكانية حدوث الجلطة الدماغية، ولكن ما لا شك فيه بأنّ اتباع نمط حياة صحي وسليم يعتبر الخطوة الأولى والأساسية للحد من عوامل الخطورة، ويمكن القول بأنّ التوقف عن التدخين والالتزام بالتغذية الصحية وممارسة الرياضة هي خطوات تنطوي على آثار إيجابية على صعيد محاربة أمراض القلب والأوعية الدموية وضبط مستويات الكولسترول وضغط الدم والسكري، ولا بدّ من الانتباه إلى معالجة السمنة الزائدة، التي تأتي في مقدمة مسببات الجلطة الدماغية، لذا ينصح باتباع أسلوب حياة قائم على النشاط البدني، لا سيّما بالنسبة للأشخاص الذين أصيبوا سابقاً بجلطة دماغيّة عابرة، أو حتى جلطة انسداديّة أو نزفيّة، ولا بد أيضاً من اتباع إجراءات وقائية من قبل الأشخاص المصابين بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم وارتفاع بمستوى الدهون في الجسم أو المصابين بالسمنة المفرطة، وتبدأ طرق الوقاية من السيطرة على ارتفاع ضغط الدم وضبط نسبة الكولسترول المرتفعة في الدم، فضلاً عن التوقف تماماً عن التدخين، وتعتبر العادات السليمة بمجملها الوسيلة المثلى للتمتع بأسلوب حياة متكامل يحد من مخاطر الإصابة بالجلطة الدماغية، وعلى الرغم من عدم وجود آلية فاعلة للتنبؤ بالجلطة الدماغية قبل حدوثها، إلاّ أنّ الطبيب ربما يلجأ في بعض الحالات إلى وصف أدوية مميّعة للدم للأشخاص، الذين لهم تجربة سابقة مع النوبة الدماغيّة.
الرعاية الصحية
يبين د. زيدان أن من يتعرض للإصابة بالسكتة الدماغية يكون في حاجة للرعاية الصحية من قبل من عائلته أو الفريق الطبي، حيث إن الدعم المعنوي والنفسي والعاطفي يأتي في مقدمة متطلبات الرعاية الصحية الواجب تقديمها للمريض في أعقاب الجلطة الدماغية، بأنّ المريض يتطلب رعاية خاصة على صعيد النظام الغذائي، الذي لا بدّ من أن يكون صحياً ومتكاملاً، فضلاً عن مراقبة مستمرة لمستويات ضغط الدم مع التأكد من تناول الأدوية الموصوفة في مواعيد محددة، كما ينبغي مواصلة الإشراف الطبي للتحكم بأمراض القلب والأوعية الدموية إن وجدت، فضلاً عن التوقف مباشرةً عن التدخين، وتدريجياً لابد من أن يعود المريض لممارسة بعض النشاطات الرياضية وفق إرشادات الطبيب المعالج، وذلك بعد انتهاء مرحلة العلاج الطبيعي في حال تطلب الأمر، وفي حال السمنة الزائدة، يجب إخضاع المريض لحمية غذائية لخسارة الوزن بطريقة مدروسة وصحية.

الإسعاف العاجل

من الضروري استدعاء الإسعاف الطبي الفوري والعاجل فور الإصابة بالسكتة الدماغية، في غضون ثلاث ساعات، حيث إنه يعطي فرصة للأطباء بالتدخل واستئناف تزويد الدماغ بالدم، بأسرع وقت ممكن، أو إعطاء الأدوية المناسبة للمصاب، لتشجيع تخثـّر الدم منذ ظهور الأعراض الأولى للسكتة الدماغية، ويزيد من فرصة بقائه على قيد الحياة، ويساعد أيضاً في تقليل المضاعفات التي تحدث نتيجة الإصابة بالسكتة الدماغية، ومن ثم تستقر حالة المريض، ما يعطي مجالاً للطبيب باتخاذ القرار في التدخل بالعلاج الجراحي لفتح الشريان المسدود، جزئياً أو كلياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"