حماية الأبناء من أنياب التكنولوجيا مسؤولية الأسرة

المختصون مختلفون حول الاسلوب الأمثل
13:23 مساء
قراءة 6 دقائق

نجمع كلنا على أن التكنولوجيا أصبحت من العوامل المهمة والمؤثرة في حياتنا اليومية بقدر ما تقدمه في خدمات لامتناهية وبقدر ما تختصر أمامنا الكثير من المسافات والمشقات. وفاتورة هذه التكنولوجيا التي أصبحت الشغل الشاغل للناس باهظة ليس فقط على المستوى المادي، بل والأخلاقي والاجتماعي والصحي، وهذا ما حاول الملتقى الصحي الذي نظمته مراكز الأطفال والفتيات إحدى مؤسسات المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة طرحه بمشاركة العديد من الباحثين والمختصين التقنيين والأكاديميين والنفسيين.

وبالتالي فإن الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا كان أبرز النقاط التي أثيرت في الملتقى وأجمع الحضور عليها، إلا أن النقطة التي اختلف عليها البعض وهي ضرورة تحول دور الأهالي من التربية إلى مراقبة وحراسة أطفالهم.

بين مؤيد لهذا الطرح وبين معارض بقيت مشكلة الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا هي المحور بما أفرزته في مشكلات سلوكية بين الأطفال وبين الكبار أيضاً.

يرى د. أسامة اللالا مسؤول الأنشطة الصحية والرياضية في وزارة التربية ومشرف عام النشاط الرياضي في مراكز الأطفال والفتيات أن مسؤولية إضافية أضيفت إلى كاهل الأسرة بل حولت دورها من التربية إلى المراقبة والحراسة على الأطفال ومتابعة سلوكياتهم خاصة في المرحلة العمرية الأولى. والسبب برأيه كثرة الوسائل التي أصبحت تتدخل في التربية وهذا، كما يؤكد، يشكل ازدواجية في عملية تعديل السلوك لدى الأطفال، لأن ما يكسبه من الأسرة والمدرسة يتناقض مع ما يكتسبه من وسائل الإعلام خاصة المفتوحة منها مثل الانترنت مما أدى إلى أن دور الأهل أصبح أكثر صرامة لتعزيز اكتساب السلوكيات الايجابية التي لا تتعارض مع القيم الأخلاقية والدينية.

ويضيف: ما يزيد من ضرورة الرقابة على الأطفال الساعات الطويلة التي يمضيها الطفل أمام شاشة التلفاز من دون الإحساس بقيمة الوقت، وهذا يؤدي إلى اكتسابه عادات سلبية مثل الانطواء والعزلة والأنانية إضافة إلى انعدام العلاقات الاجتماعية والقدرة على التعامل مع الآخرين، وهذا يوجب على الأهل أن يقننوا ساعات استخدام الأجهزة الإلكترونية ومشاهدة التلفاز.

ويوضح أنه من مساوئ هذه العادات أن يبقى الطفل من دون ممارسة أي جهد بدني أو حركي مع ارتباطه بعادات غذائية سيئة تؤدي إلى الإصابة بأمراض منها السمنة والسكري وتصلب الشرايين.

ويفضل اللالا استخدام مصطلح تقييم علاقة الطفل بالبيئة بدلاً من مراقبة، ولكن لا بد في رأيه من مراقبة سلوك الطفل اقتداء بالآية الكريمة ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها.

ويقول: الهدم أسرع من البناء بكثير، خاصة أن الطفل يضعف أمام أي تصرف لجماعة الأصدقاء كما أنه عندما يستخدم التكنولوجيا بأشكالها المتنوعة بطريقة خاطئة بسبب عدم الرقابة يؤدي به الأمر إلى عملية تشويه السلوك فهو يكتسب عادات وممارسات سلبية من هنا فإن الرقابة عامل وقائي.

ثقة

د. رياض الخزعلي أستاذ الهندسة الكهربائية في جامعة خليفة رفض استخدام مصطلح المراقبة مفضلاً مصطلح تقييم الأسرة، ورأى أن دور الأسرة أن تعمل التقييم المستمر لأطفالها فإذا أحب الولد استخدام الحاسوب فيجلس والده إلى جانبه بحيث يقيم الخدمة التي يحصل عليها ابنه وهذا التواصل بينهما يكون مستمراً مثل دور المدرسة التي تقيم طلابها بشكل دوري.

وأضاف: إذا شعر الطفل أن أهله يراقبونه يتحول تصرفه إلى استخدام قوة الذكاء المخفية لديه كي يبعد شبح المراقبة عنه وبالتالي فهو لا يقوم بهذا التصرف لا شعورياً بالرغم من كونه لا يدري أن ما يقدم عليه صح أم خطأ، وبالتالي فالأفضل أن يشعر الطفل بأن أهله يثقون به.

ويرى أن أسوأ ما في الأمر ترك الأولاد بغرفة مغلقة بمفردهم وفيها جهاز حاسوب وانترنت للاتصال بجماعات غير معروفة حول العالم تستطيع أن تهدم نظام تربية استغرق بناؤه عشرة أعوام من الأهل.

ولا يعارض الخزعلي بذلك استخدام التكنولوجيا، لكنه أكد أهمية تقنين استخدامها، وقال: أنا أكاديمي أصر على التقييم وعلى ضرورة استخدام الوطن العربي للتكنولوجيا، لأنها جيدة ولا يمكننا الاستغناء عنها ولكن مع ضرورة استخدامها، فمثلاً أتمنى تغيير مسمى الهاتف النقال الى جهاز المكالمات الطارئة، فنحن لا يمكن أن نوجه اللوم إلى الشركات التي تستورد هذه الأجهزة بل إلى الآباء الذين يشترونها لأولادهم من دون معرفة إذا كان الولد بحاجة لها أم لا.

وكنصيحة للتخفيف من مشاكل الاستخدام السيئ للتكنولوجيا دعا الدكتور رياض المدارس إلى استخدام أجهزة إلغاء الارسال في محيط المدرسة وبالتالي لا يعود بإمكان الطلبة استخدامها.

مخاطر

وتوافق د. مريم أحمد المطروشي مدير إدارة التشريعات الصحية ومدير الإدارة المركزية للصحة المدرسية بوزارة الصحة على عدم صحة استخدام تعبير المراقبة، مشيرة إلى أن دور الأهل ليس المراقبة وإنما التعامل مع الأولاد بأسلوب التربية والتوجيه المتقبل لدى الطفل بمعنى وضع عدة خيارات أمامهم وترك الحرية لهم للاختيار منها.

وأشارت إلى أن منظمة الصحة العالمية أكدت أن العالم مهدد بالمخاطر من جراء التقدم التكنولوجي بسبب ازدياد تعرض الانسان للبرامج والدعايات والتي تقلل من الاختيارات السليمة على صعيد التغذية مثلاً.

ورأت أن الأسلوب الأمثل في توجيه رغبات الطفل إلى الأمور المفيدة له والأهم أن يكون الطفل محاطاً بأسرة سليمة هي نموذج للمؤسسة التربوية التي توجهه نحو الخيار السليم ويكون افرادها قدوة وهذه المؤسسة هي التي تختار لأبنائها أفضل المدارس والأصحاب أي تشكل له بيئة سليمة.

وترى أن التربية أصبحت أمراً صعباً على الأسرة، لأنها لم تعد الوحيدة التي تربي الطفل بل هناك مؤثرات خارجية تفرض فكراً جديداً يتدخل فيه الانترنت والتلفاز والهواتف النقالة، في حين ان هذه الأمور أو الخدمات لم تكن متوفرة لدى الاجيال السابقة التي كانت تعيش حياة بسيطة وكانت أسراً متماسكة وممتدة وبالتالي لم تكن تعاني من المشاكل التي نراها اليوم، والتي تؤرق الأهل.

ودعت إلى عدم وضع أجهزة الحاسوب والتلفزيون في غرف نوم مغلقة على الاطفال، وكذلك تقنين ساعات مشاهدة التلفزيون على ألا تتجاوز ساعتين يومياً على أن تكون مناسبة للقاء الأسري على برنامج هادف.

اختيارات

مؤيد الحميدي موجه أول بوزارة التربية والتعليم استغرب لجوء العديد من الامهات إلى خيار التلفزيون كأفضل طريقة لاشغال الأطفال دون العامين والتخلص من شقاوتهم خاصة بعد ظهور الكثير من البرامج الترفيهية لهذه الفئة العمرية، وتطرق إلى نتائج دراسة قام باجرائها وكان أحد اسئلتها المحورية الموجهة لأحد الوالدين حول معدل مشاهدة التلفاز من قبل الطفل حيث تبين ان متوسط عدد الساعات التي يقضيها الطفل امام الشاشة ما بين 3-4 ساعات يومياً أثناء أيام الدراسة وتزداد المدة بشكل خطير اثناء الاجازات.

وقال ان التكنولوجيا سلاح ذو حدين وأصبحت تحتل جزءاً رئيسياً في حياتنا اليومية لدرجة انه لا يمكن لنا تصورها بمنأى عن التطبيقات التكنولوجية الموجودة بمعظم مجالاتها لتسهيل الحياة اليومية، ولكنها ألقت بظلال سوداء على البشر.

واعتبر أنه من الغريب ان يستطيع طفل لم يتجاوز خمس سنوات التعامل مع العاب الحاسوب بل حل تعقيداتها وخفاياها في حين انه لا يستطيع لفظ اسمه بشكل صحيح.

وأضاف: لا يمكننا لومه على ذلك، بل تقع المسؤولية المباشرة على والديه اضافة إلى دور الأم والأب في تفعيل الدور الرقابي على سلوكيات الطفل في مشاهدة برامج التلفزيون واستخدامات التكنولوجيا الأخرى من الانترنت إلى الهاتف النقال وغيرهما، وهناك يمكن لنا فصل دور الرقابة عن التربية، فالرقابة هي أحد الاساليب التربوية التي لا غنى عنها خاصة ضمن تغير الدور المجتمعي للأسرة وانتقالها من الأسرة الممتدة حيث وجود الجد والجدة والعم والأقارب فمن محيط جغرافي واحد إلى مفهوم الأسرة.

أجهزة فاسدة

على ذمة د. رياض الخزعلي فإن ما يزيد من سلبيات تعامل الأطفال مع التكنولوجيا أن 80% من أجهزة الهواتف النقالة بالوطن العربي مقلدة خاصة تلك المستوردة من الصين. ويقول: أكثر الدول استيراداً لها مصر والسعودية والإمارات وهذه الأجهزة مضرة جداً خاصة فيما يتعلق بالأشعة التي تصدرها والتي تؤثر في الجلد وهي تسهل من وصول المواد السامة بالدم إلى الدماغ إذا ما استخدم النقال لساعات طويلة.

تعزيزالسلوك الصحيح

إحسان مصبح السويدي مدير عام مراكز الأطفال والفتيات اشارت إلى أن الهدف من تسليط الضوء على أثر التكنولوجيا في حياتنا لا يعني معارضة الاستخدام والاستفادة من الوسائل والأجهزة التكنولوجية. وقالت: هذه الأجهزة في كافة مراكزنا ولكننا نراقب استخدامها ونربي الطفل على السلوك الصحيح باستخدامها فإذا كانت الأم غير منتبهة لأن ابنها يستخدمها بشكل خاطئ فنحن نصحح الخطأ. لأننا مؤسسة تعنى بالطفل على كافة المستويات.

وتضيف: قمنا بإجراء الكثير من الدراسات حول واقع الطفل ووجدنا ان الكثير منهم لديهم عادات وسلوكيات غير صحيحة، مثل عدم وجود نظام غذائي حيث لاحظنا ان الطفل يتناول الغث والسمين من المأكولات أمام التلفاز ما يؤدي إلى إصابته بالسمنة التي بدورها تؤدي إلى أمراض أكثر خطورة، ووجدنا ان الاطفال لا يمارسون الرياضة لا في بيوتهم أو في مدارسهم وبالتالي نحاول أن نصحح قدر استطاعتنا هذا الواقع، وبالفعل بدأنا بتأسيس أول مركز تابع للمراكز اطلق عليه اسم مركز السمنة وهو مجهز بأحدث الأجهزة التي تقيس الجهد الذي يبذله الطفل اثناء ممارسته الرياضة، وكذلك متابعته لقياس معدل السمنة لديه بالإضافة إلى وجود وسائل ترفيهية أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"