حمدة خميس: أطالب الرجال بكتابة الشعر بروح أنثوية

05:43 صباحا
قراءة 6 دقائق

ساعة الحديث عن خريطة الشعر في البحرين أو الخليج، لا يمكن بأي شكل من الأشكال إلا أن يتوقف المرء عند الشاعرة حمدة خميس، فهي ليست مجرد صوت عادي أو عابر في هذه الخريطة، إنها واحدة من جيل الرواد للقصيدة الحديثة في هذه المنطقة، وهي منذ مجموعتها الأولى اعتذار للطفولة عام 1980 أسست لنفسها مكانة خاصة، وبصمة متفردة، كما أنها بعملها في حقول عدة أعطاها تجربة غنية، فهي بعد أن أنهت دراستها في كلية العلوم السياسية في بغداد عملت في سلك التعليم، وفي الصحافة، ونسجت علاقات وصداقات أدبية على امتداد الخريطة العربية، وهي قد أصدرت خلال العقود الثلاثة الماضية دواوين شعرية عدة عكست فيها تطور البنية اللغوية في قصيدتها، وعمق التجربة الإنسانية التي عاشتها، وميلها المتنامي إلى لغة الاختزال، والتمسك بما هو شعري من دون إضافات زائدة، ومن أعمالها الترانيم ومسارات وأضداد وغيرها من المجموعات التي تجاوزت بمدلولاتها العمل الشعري المفرد، إلى كونها وثيقة شعرية عن القصيدة الحداثية في الخليج، إضافة إلى المدونة الواسعة لهذا الشعر الذي تعمقت تجربته منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي وإلى اليوم، وفي هذا الحوار مع الشاعرة حمدة خميس نحاول أن ندخل قدر الإمكان إلى مناطق عدة في تجربتها الشعرية، ونسلط عليها الضوء .

* يعدّك البعض من المؤسسات للشعر الحديث في الخليج العربي، أين تجدين اليوم مكانة هذا الشعر في الحياة الأدبية في الخليج إعلامياً ورسمياً؟ وهل تم إنصاف جيلكم من قبل المؤسسات الثقافية؟

شكراً لكل من يحتفي بي ويعدني كذلك، فأن أكون مؤسسة (بكسر السين) خير من أن أكون مؤسسة (بفتح السين)! ولو أن الصفة الثانية كانت حلماً راودني طويلاً ولم تتواطأ معي الظروف لتجسيده، فأقنعت نفسي بالصفة الأولى! ظلت مكانة الشعر أولاً ودائماً موجودة في إنجاز الشاعر واحتفاء المتلقي . أما مكانته في وسائل الإعلام الرسمية، فالحق أنها قد بدأت منذ سنوات بظهور المؤسسات الرسمية والخاصة للاحتفاء بالشعراء والشعر عبر رصد الجوائز والمسابقات والمهرجانات الشعرية ولم يُستثنَ جيل عن جيل، فكل جيل حظي بالتقدير والتكريم الذي يليق بزمنه وإبداعه .

* الطفولة حاضرة دوماً في نصوصك، منذ مجموعتك الأولى اعتذار للطفولة، هل مازالت الطفولة بكل معانيها وإحالاتها قادرة على مدك بالشعر؟

الطفولة ستظل حاضرة مادمت أتنفس الشعر، ومادامت الطفولة حاضرة توقاً وشغفاً سيظل الشعر هاجساً يتحقق حيناً وحيناً يهجس بالتحقق، ثم إن الطفولة في الشعر ليست بالضرورة مفردة مباشرة، بل هي روح تأخذك من ثقل العمر والواقع لتصعد بك إلى رحاب الشاعرية . الأطفال شعراء بالفطرة لأنهم يرون الواقع بطاقة الخيال الحر، قبل أن تقيد هذا الخيال أقفال المفاهيم وشروطها المتيبسة . ولو اسطعنا أن نعود إلى روح الطفولة وطاقة خيالها، لكانت القصيدة لهواً طفولياً يفيض بالعذوبة والسحر والافتتان .

* الحب والغياب مفردتان حاضرتان في معظم نصوصك الشعرية، كأنهما وجهان لامرأة واحدة، أو قصيدة واحدة بنصوص متعددة، ما مرد ذلك برأيك؟

الحب والغياب، شرطان لازمان لكل إنسان، الأول توق مستبد، والثاني رهبة مستبدة . نحتاج إلى الحب ونتوق إليه ونسعى لتحققه منذ أن نغادر الرحم . ونَرهب الغياب بكل تجسداته ومسمياته، ونظل نحتاط دوماً عبر مسيرة حياتنا دون تحققه .

* في مجموعة إس إم إس يحضر الاعتذار ليس فقط كمفردة، وإنما كتعويض عن مشتهىً ما لم يحدث، إلى من يعتذر الشاعر، إذا أخذنا بالاعتبار ما قاله محمود درويش لا تعتذر عما فعلت؟

الشاعر ضمنياً يعتذر إلى نفسه، وظاهرياً يعتذر إلى الآخر لسبب عابر حفاظاً على المودة بينه وبين الآخر . لكن الاعتذار في كلتا الحالتين ليس طلباً للغفران إلا من النفس، حين تعجز الذات في لحظة ما عن تحقيق ذاتها . لذا أنوي الاعتذار منك لتأخري عن الرد في الوقت الذي أردته أنت، لكن هذا الاعتذار موصول إلى نفسي لأني لم أف بوعدي للكتابة/الإجابة!

* الوطن، وفلسطين، والقضايا العامة، حضرت في شعرك، خاصة في ثمانينيات القرن الماضي، اليوم كيف يبدو لك الشعر الذي كتبتِه في تلك القضايا العامة في الوقت الذي راح شعرك يقترب أكثر من الذاتي والحميمي؟

منذ بدايات تجربتي الشعرية وأنا أمزج الذاتي بالحميمي بالوطن وبالقضايا العامة . ولا فرق لدي حتى هذه اللحظة بين الذاتي والعام . فالذات في عمقها من نسيج العام مضافاً إليها أحلامنا وتأملاتنا وثقافتنا . وإذا كانت قصائدي في الوقت الحاضر تأخذ سمة ذاتية فإنها في دلالاتها الخفية والمتعددة معنية بالإنسان في كل أحواله وتجلياته . إن حلمي بالحرية هو حلم كل إنسان، وتوقي إلى الحب هو توق وحاجة كل إنسان .

* تكتبين القصيدة الحديثة، ومع ذلك فإن نصوصك تضج بغنائية من نوع خاص، هل للبداوة كذاكرة جمعية علاقة بهذا الأمر، أم لكونك امرأة، أم لتأثيرات كلاسيكية؟ وما موقفك من الغنائية والموسيقا في النص الحديث كنص هارب من القوالب والتصنيفات والمسبقات؟

ما علاقة البداوة بالغنائية في النص الشعري؟ الشعر كان ومازال وسوف يظل أغنية الإنسان الأولى في الخفاء وفي العلن . ثم ما علاقة كوني امرأة بالغنائية في نصي الشعري؟ هل الغنائية ضعف في النص الشعري مستمد من ضعف المرأة وفق المفهوم الذكوري؟ أما إذا كنت تقصد أن الغنائية والموسيقا مستمدة من رقة المرأة وشاعرية وجودها، فإني أرحب بهذا التعريف وأطالب الشعراء الرجال أن يكتبوا القصيدة بروحهم الأنثوية (فكل جسد كون/ وكل قصيدة أنثى) حتى نخلص من الذهنية الباردة والتقريرية المباشرة في أغلب نصوصهم الشعرية! أما تأثير الكلاسيكية فلم أجد شاعراً قديماً أو محدثاً قد خرج من وهجها أو ظلالها . أليست اللغة ومفرداتها في الشعر من نسج الكلاسيكية ومضامينها؟ النص الحديث ليس هارباً من القوالب فقد أوجدوا له قالباً اسمه قصيدة النثر . ولأن هذا القالب أصبح ثوباً فضفاضاً حدث الالتباس والتداخل بين مفهوم النثر والسرد . ثم وللملاحظة، أي نص تقرؤه وتشعر بأنه شعر، سيكون قد احتوى غنائيته فيه ليس بمعايير جاهزة مسبقة بل بإيحاء خفي بين النص والمتلقي . الشعر ليس نصاً مقولباً في عروض وقافية، وهو ليس نصاً خارجاً عليها متلبساً ثوب السرد منقوشاً عمودياً لنقول إنه حديث . إنه روح خفية غامضة تتوغل في النفس وتتراءى على الورق من دون إمكان القبض عليه وأدلجته في مفاهيم وقوالب .

* من الواضح أنك شاعرة النص القصير، والقصيدة التي تنتهي إما بعلامة استفهام أو علامة تعجب، هل تهربين بذلك من الثرثرة؟ وتميلين إلى جعل القصيدة نوعاً من التساؤل الذي يترجى قارئاً نوعياً يقدم إجابته الخاصة؟

حيث إني لا أشتغل على النص بقصدية مسّبقة وقرار حاسم وذهنية استدعائية، فإن النص يأتي فارضاً نفسه في دفق واحد متتابع وينهي ذاته بعلامة تعجب أو استفهام . إذاً، أنا لم أختر النص القصير،كما لم أختر النص الطويل، بقرار مسّبق . أحياناً عندما أعود إلى قراءة قصيدة قديمة ألاحظ أنها مكونة من مقاطع، وكل مقطع إذا فصلته سيكون نصاً شعرياً . أي أن حتى القصائد الطويلة تشبه مجموعة من النصوص القصيرة يحتويها إطار واحد . وحيث إن لا طقوس لي في كتابة الشعر، فإنه يزورني وفق مزاجه الخاص في المطبخ أو الفراش أو السيارة أو شاطئ البحر أو الطريق أو . . . لذا فأنا لست مجتهدة ولست منظمة ولست منضبطة! لأن (الفوضى نظامي/ والشعر فوضاي/ حين أرتب الفوضى ينسحب الشعر/ وحين أكتب الشعر تنتشر الفوضى في المكان/ هكذا أرتب الشعر والفوضى/ في أحرف العصيان!) .

* حمدة خميس، وقاسم حداد، وأحمد راشد ثاني، وظبية خميس، ونجوم الغانم، ما الذي يجمعكم في خريطة الشعر الخليجي والعربي؟

كلهم أصدقائي وأحبتي، ويجمعنا الخليج والأبجدية . والحق أنهم موجودون بكفاءة وامتياز في خريطة الشعر الخليجي والعربي .أم أنا فلا خريطة لي ولا تضاريس تحتويني!!

* ربما يكون سؤالاً صعباً يطرح على شاعرة وهبت الجزء الأكبر من حياتها للقصيدة: هل من مستقبل للشعر في عصر الميديا والوسائط المتعددة؟

نعم . . نعم . . نعم . لكن ماذا تقصد بمستقبل للشعر؟ أليس الشعر بعض تجليات الإنسان وإبداعه؟ فهل سينقرض الإنسان في عصر الميديا والوسائط المتعددة حتى ينقرض الشعر؟ في عصر الميديا هذا تكاثر الشعراء وتوالدوا على صفحات المواقع أكثر مما كانوا في أسواق عكاظ ومعلقاتها!

ليتني أعرف كل تقنيات الميديا لأنشات لي موقعاً بحجم الكون، وتواصلت مع شعوب العالم بكل لغاتها وقرأت قصائدهم عبر الميديا وليس عبر الورق والكتاب فقط، ولأنشأت محطة فضائية خاصة بالشعر والشعراء وأخبارهم وقصائدهم، ولما انتظرت تفضل دور النشر بتوزيع ديوان يظل راقداً في مخازنهم، ولأصبح الشعر معطى يومياً يكتب للا أحد، تماماً كما تتفتح الزهرة للا أحد .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"