أول مواد متحركة بطباعة رباعية الأبعاد

أسلوب هندسي جديد يشهد رواجاً كبيراً
03:17 صباحا
قراءة 5 دقائق
إعداد: محمد هاني عطوي

هل يمكن أن تتشكل الأشياء وتتحرك من تلقاء نفسها تحت تأثير الحرارة أو الماء فقط؟ هذه هي أعجوبة الطباعة رباعية الأبعاد (4D) التي تضيف الحركة إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد.. إنها ثورة في علم المواد تنبئ على المدى البعيد بظهور أمور جديدة.. مخترع هذه التكنولوجيا هو سكايلار تيبيتس المهندس المعماري والتقني المتخصص في ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT.
بالقرب من ولاية بوسطن الأمريكية وتحديدًا في كامبردج يحدث بعض الظواهر التي يمكن وصفها على أقل تقدير بالمدهشة، ففي أحد مختبرات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المرموق، تلتف ألواح مصنوعة من ألياف الكربون المضاء بشكل عفوي.. إنها في الواقع أسطح «سليولوز» تغمر في الماء فتتقلص إلى أشكال معقدة أو يمكن وصفها بأنها أنابيب تنحني وترسم حروفًا أبجدية، ومع ذلك ليس هناك أي تدخل لأي محرك أو دائرة إلكترونية في هذه الهياكل، بل تبدأ المادة في الحركة وكأنها «أوريغامي» وهو فن ياباني حي لطي الأوراق.. هنا يمكن القول: مرحبًا بكم في المختبر المتخصص بالطباعة رباعية الأبعاد.. إنها أسلوب هندسي جديد يشهد حاليًا رواجًا كبيرًا في الولايات المتحدة وألمانيا وسنغافورة وأستراليا..

ما بعد ذاكرة الشكل

لا شك في أننا نعرف بالفعل الطباعة ثلاثية الأبعاد التي تسمح لنا بطباعة أشياء مرورًا من طبقة إلى طبقة، وكما يوحي اسمها، تتخذ الطباعة 4D المبدأ نفسه ولكنها تضيف بعدًا إضافيًا هو الزمن، وبمجرد إنتاج الأشياء ثلاثية الأبعاد تظل ساكنة عند الخروج من الماكينة، ولكن تلك المطبوعة في 4D تبنى بطريقة تعمل على تغيير الشكل الهندسي في غضون بضع ثوان، وذلك بمجرد إخضاعها لشروط معينة وهي: (الضوء والماء والضغط والحرارة أو التحفيز الكهربائي...) والتي تعمل كمحفز خارجي، ربما يذكرنا هذا بنموذج ذاكرة الأشياء الموجودة بالفعل (في الفرشات أو الأسرة ) إلا أنه هنا لا يتعلق الأمر بليونة بسيطة وحسب، فلفهم كيفية عمل هذا الأمر من الضروري العودة إلى الفكرة الأولى، ففي بداية العام 2011 عكف سكايلار تيبيتس المهندس المعماري الشاب والمتخصص أيضًا في المعلوماتية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مع فريقه العلمي على دراسة مهارات الكائن الحي في سرعة بسط الأعضاء بطريقة فعالة ومن دون استهلاك مفرط للطاقة، وكان أفضل مثال على ذلك طريقة انثناء البروتين الذي يتشكل في أجسادنا في أجزاء من الميكروثانية.
ويقول سكايلار تيبيتس: «باتباع هذه الفكرة بدأنا العمل على مواد جديدة تتميز بذاكرة الشكل، وهي سبائك يمكنها تذكر شكلها الأصلي والعودة إليه من خلال تغيير بسيط في درجة الحرارة»، ولكن الحقيقة أننا أردنا أن نذهب إلى أبعد من ذلك مع مواد مختلفة وذات بارامترات.
«متغيرة القيمة» طريقة أخرى غير الحرارة وذلك بهدف التوصل إلى طريقة التجميع الذاتي المتقن، وهكذا توصلنا إلى فكرة 4D. بدأ الفريق في طباعة أشياء ثلاثية الأبعاد لعدد من المواد تتميز بمناطق ذات حساسية متفاوتة لمحفزات معينة، مدمجين بذلك البعد الرابع وهو الزمن، وتمكن الفريق من بناء أنابيب يتوسع بعض أجزائها لدى اتصاله بالماء، بينما تبقى أجزاء أخرى صلبة أو ثابتة.. هذه الحركات المحلية تسبب تشوهًا للجسم الكامل بطريقة مضبوطة لتولد في النهاية الطباعة 4D، وقد تم الكشف عن هذه الأعمال الرائدة خلال أحد المؤتمرات الأمريكية الشهيرة TED في فبراير 2013 حين عرض المخترع أنبوبًا مبللًا قادرًا على الانحناء وحده، وتشكيل الحروف MIT التي تشير ضمنًا إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.. هذه التجربة أحدثت حينها ضجة وحققت هدفها في الأوساط العلمية والصناعية وقيل حينها إن «الطباعة رباعية الأبعاد مثل الروبوتات لاسلكية وبلا محرك! ويقول سكايلار تيبيتس: انتشر هذا المفهوم بسرعة، فبعد هذا العرض جاءت شركات لرؤيتنا وأخبرتنا أنها تريد أن تفعل الشيء نفسه مع مواد مختلفة كالخشب والمعدن والألياف ومع محفزات مختلفة، ذاكرة شركة الطيران العملاقة «ايرباص» والمتخصص في البرمجيات Autodesk وشركة «Geosyntec» الأمريكية ساعية لتصميم أنابيب يمكنها أن تتكيف مع حجم تدفق المياه فيها.المختبرات من جهتها أعجبت بالفكرة أيضًا، وفضلت اغتنامها، لذا قام في العام 2016 فريق علمي من سنغافورة بتصنيع ملقط صغير من البوليمر يغير شكله ثم يستعيده عند حرارة تبلغ 40 درجة مئوية في حين قام فريق من جامعة هارفارد بصنع زهورهيدروجيلية تفقس لدى لمس المياه. تقول جنيفر لويس رئيسة مجموعة المواد الذكية: «ما تزال مجموعة المواد المستخدمة في الطباعة 4D محدودة، لكنها تتوسع وهو أمر جيد للغاية لأن المواد المسماة (ذاكرة الشكل القديمة) تتطلب خطوات تصنيع ثقيلة».

ذاتية التهيئة

في الوقت الحالي يتدرب الباحثون على أشكال بسيطة غالبًا ما تكون عديمة الفائدة، وذلك قبل الانتقال إلى بنى أكثر تفصيلًا. يقول أوهاد ميوهاس مدير الأبحاث لدى Stratasys الذي يعمل على الطباعة 4D مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: الآفاق التي تنتظرنا مع هذا النهج المتمثل في الطباعة 4D مهمة جدًا، وعندما يتم إتقان هذا المفهوم، سنجد أن قطع أثاث الشقة ستتركب وحدها بمجرد إخراجها من الكرتونة، وسوف تتغير هيكلية الملابس والنوافذ وجدران المنازل لتصبح قادرة على التكيف وفقا للطقس.. «ولا شك في أن قطاع الصناعة مستهدف أيضًا، ولنأخذ مثلًا أجنحة الطائرات، فمن الممكن أن تصبح قادرة على تحويل شكلها لتحسين ديناميكيتها الجوية وفقًا لشروط الطيران، وستتمكن أجهزة الاستشعار والأجهزة الطبية من التكيف الذاتي، كما أثبتته أعمال مركز هانوفر لليزر الذي يدرس زراعة القوقعة القادرة على التمدد حسب الحالة وبناء شكل أذن المريض، وذلك بعد تغيير درجة الحرارة، وبالطبع تعتبر التطبيقات الفضائية مهمة في هذا المجال لأن الروبوتات أو الوحدات أو الألواح الشمسية يمكنها الاستفادة من هذه الإمكانية».
أصبح التجميع الذاتي بلا تدخل بشري ممكنًا، وحتى الجيش الأمريكي بات أيضًا على المحك، ويجب القول إن الطباعة 4D تجمع بين المزايا، حيث يمكن أن تكون الأجسام المنتجة مسطحة وذات حجم قليل ولا تحتاج إلى محرك أو مكوّن ميكانيكي، وبالتالي ستكسب مزيدًا من الموثوقية. يقول سكايلار تيبيتس: «هذه الميزة أبعد ما تكون عن البساطة لأنها ستحد من متطلبات الصيانة ناهيك عن إمكانية العمل مع عدد من المواد المتراكمة بفضل الطباعة ثلاثية الأبعاد». من جهته يقول بيير رينو الباحث في INSA ستراسبورغ، والمتخصص في الطباعة 3D: «سنعمل وفق النهج الأمثل لإنتاج أفضل الأسطح وهذه خطوة حقيقية لجعل المادة قابلة للبرمجة».
إلا أن البحث لم يصل حتى الآن إلى هذا الحد ولكن لتعميم هذه العملية سيكون من الضروري ترك البيئة الخاضعة لرقابة المختبرات وهذا بالطبع ليس أمرًا بسيطًا.ويقول أوهاد مياهاس: مسألة الانعكاسية هي أحد الأسئلة الكبيرة التي يجب علينا فهمها جيدًا، علما بأن البحث عن الحركة يجب ألا يكون على حساب عمر الأشياء، ويشير سكايلار تيبيتس إلى صعوبة أخرى هي «توحيد الإنتاج، حيث سيكون التحدي الأكبر إنشاء عمليات وبرامج عالمية قادرة على التصنيع بالطباعة 4D أشكال ومحفزات وأي مواد مختلفة لأننا لن نكون قادرين على إعادة اختراع سلسلة الإنتاج بأكملها في كل مرة».
ووفقًا لنتائج معهد جراند فيو للأبحاث في يونيو 2017، فإن الدراسات التسويقية الأولى تنبئ بالفعل بأن الطباعة 4D ستكون بداية انطلاقة صناعية كبيرة بدءًا من العام 2019، وتقدر أرباح هذه السوق بحوالي 64.5 مليون دولار تليها مرحلة إقلاع قوية بحلول العام 2025، فهل ينبغي أن نؤمن بهذا القدر من التفاؤل؟ في هذا الصدد يقول بيير رينو: «لا يزال الطريق إلى انتشار التصنيع بالطباعة 4D طويلًا بالنسبة لي، ولكننا سنصل إلى الهدف أخيرًا، أما سكيلار تيبيتس فلا يشير إلى مهلة محددة بل يبدو متفائلًا جدًا، ويعلن عن أولى المنتجات في غضون سنتين أو خمس سنوات في قطاع النسيج وقطاعات أخرى غير متوقعة كالسينما على شكل مؤثرات خاصة! فهل ستظهر الإجابة على شاشاتنا في السنوات المقبلة؟ كلنا ينتظر».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"