البنكرياس الغدة ذات الوجهين

01:16 صباحا
قراءة 5 دقائق
لا يعرف الكثيرون منا معلومات كافية عن البنكرياس ووظائفه بحكم أنه يعمل في الظل وربما لا تتعد معلومات البعض منا كونه يفرز الأنسولين المطلوب لحرق السكر في الجسم، إلا أن الأمر أكبر وأعقد من ذلك بكثير، لأن البنكرياس مسؤول عن إتمام عملية الهضم وإفراز العصارات اللازمة لذلك، بل وتهيئة البيئة الصحية المتكاملة لإتمام عملية الهضم والأيض.

لعل من الغريب أن البنكرياس يمكنه العمل بـ 10% فقط من طاقته، ففي حالات استئصال أجزاء منه لأسباب مرضية تتعلق بالسرطان أو بالإصابات الخارجية كما في حوادث السيارات مثلا، فإن إزالة 90% منه لا يؤثر في أدائه لعمله المهم ودوره الحيوي.
ويعتبر العلماء أن البنكرياس غدة أفقية تتخذ وضع الاستلقاء بالقرب من المعدة، طولها 7 بوصات وعرضها يختلف من بوصة واحدة إلى ثلاث، وزنه 70 جراماً، وينقسم من الناحية التشريحية إلى 4 أجزاء، رأس وعنق وجسم وذيل وتقع معظم أجزائه خلف الغشاء البريتوني ما عدا الجزء الأخير من الذيل حيث يكمن بين الكلية والطحال، مواجهاً للعمود الفقري خلف المعدة، ويتصل بالأمعاء الدقيقة بحكم دوره في عملية الهضم حيث يصب بعضاً من عصاراته في الإثني عشر.
ويفرز البنكرياس عصارة تساعد على هضم البروتينات والدهون والمواد الكربوهيدراتية التي تتوافر في المواد الغذائية التي نتناولها، كما يضم خلايا يطلق عليها «بيتا» ودورها إنتاج مادة الأنسولين التي تقوم بتقليل مستوى السكر في الدم بعد تناول الطعام عن طريق تخزينه في الجسم، وخلايا ألفا التي تنتج هرمون جلوكاجون الذي يعمل بالتضاد مع الأنسولين حيث يرفع معدلات السكر في الدم لكبت الشعور بالجوع.
يمكن إطلاق تعبير «الغدة ذات الوجهين» على البنكرياس، إذ يفرز عصارات خارجية تصب في الإثني عشر عن طريق قنوات خاصة تحملها إلى مقرها الأخير، وأخرى داخلية تفرز الأنسولين إلى مجرى الدم بصورة مباشرة، ويستطيع البنكرياس إفراز نوعين من العصارات، بيكربونات وإنزيمات الهضم، الأولى تفرز من الخلايا المركزية وهي عصارة قاعدية غنية بالبيكربونات نتيجة لهرمون تفرزه خلايا الإثني عشر، لحماية الأمعاء الدقيقة من التأثير الحامضي لعصارة المعدة.
وأما إنزيمات الهضم فتقوم بدور رئيسي في تحليل الدهون والبروتينات والكربوهيدرات وهضمها.
ويعتبر مرض قصور البنكرياس من أخطر المشاكل التي تصيب تلك الغدة الهضمية المهمة في جسم الإنسان، ينتج عن نقص حاد في الأنسجة التي لا تعوض عن التالفة بأخرى جديدة، ومن أهم أسباب تلف الأنسجة وجود التهاب مزمن في البنكرياس، نتيجة تناول المشروبات الكحولية أو التليفات النسيجية أو استئصال أجزاء كبيرة منه تتجاوز 90% بسبب ورم أو تليفن وربما يلعب التدخين دوراً محورياً في الأمر، وكذلك بعض العقاقير التي تتسبب في التهاب البنكرياس، علاوة على الأمراض الفيروسية المختلفة، وفي حالات نادرة يمكن أن يصاب البنكرياس بالأضرار نتيجة أسباب جينية عند الانتقال الوراثي بين أجيال من عائلة واحدة.
وتبدأ مشكلات المرض بعد توقف العصارات الهضمية عن أداء دورها في تكسير المواد الغذائية المختلفة التي نتناولها يومياً، خاصة المواد ذات الطبيعة الدهنية، ما يؤدي إلى ظهور أعراض مثل الإسهال وتراجع الوزن وأعراض مختلفة تشير إلى نقص في الفيتامينات التي تذوب في الدهون، مع بوادر هبوط في الدورة الدموية وهشاشة عظام ودوار في الرأس، وتفيد الفحوص المخبرية في الكشف عن التهاب البنكرياس وقصوره الوظيفي.
ويحدث التهاب البنكرياس كنتيجة مباشرة لانسداد القناة الصفراوية التي تحمل العصارة الهضمية إلى الإثني عشر، ما يؤدي لتجمع العصارات وعدم وصولها للأمعاء وبالتالي إصابة نسيج البنكرياس والتهابه.
على أن التشخيص في الوقت المناسب يؤدي بالضرورة إلى حماية حياة المريض، حيث إن القصور في البنكرياس له نتائج خطيرة على أجهزة الجسم المختلفة وأهمها القلب والرئتين وربما يؤدي إهمال العلاج أو التشخيص الخاطئ إلى الإصابة بالفشل الكلوي الحاد نتيجة تمرير عناصر غذائية غير مهضومة ولا متكسرة من خلال القناة الهضمية إلى الدم ومنه إلى الكلى التي تستخلص عناصر مختلفة، ما يؤدي إلى توقفها عن القيام بدورها، ما يعرض حياة المريض للخطر، وفي حال الاكتشاف المبكر يحتاج المريض إلى حلول طويلة ومكلفة. وفي حال توصل الطبيب إلى التشخيص المناسب، وأكد وجود قصور أو تلف في الأنسجة، ولم تشر الفحوص إلى وجود أي نوع من الأورام السرطانية تبدأ مراحل العلاج من خلال إزالة أسباب القصور ووصف العلاج المسكن لآلام المريض، علاوة على وصف العقاقير التي تتضمن الإنزيمات الهضمية والتي تعتبر مواد صناعية شبيهة بما ينتجه البنكرياس، ويمكن للمريض من خلال تناول هذه العقاقير بالتوازي مع الوجبات اليومية لتخف الأعراض، كما توصف كذلك الفيتامينات اللازمة لتحل محل الأنواع الطبيعية التي توقف عن إنتاجها الجسم.
ويعتبر سرطان البنكرياس من أهم المشكلات الصحية التي يمكن أن تواجه تلك الغدة المهمة، حيث يتسم بالسرعة في الانتشار والسرية في الأعراض، ويعتبر ذلك النوع من أخطر أنواع الأورام لندرة الناجين منه مهما بلغت درجة الاكتشاف المبكرة، لأن الألم مثلاً لا يظهر إلا في المراحل الأخيرة عندما يكون الورم انتشر بالفعل، وتشمل الأعراض تراجع الوزن وانعدام الشهية للطعام، وذلك النوع من السرطانات يشبه الأنواع الأخرى من حيث أسباب الحدوث، فهو يبدأ مع التكاثر الخلوي غير المنضبط، يؤدي للضغط على الخلايا العصبية المجاورة بسبب ضيق المساحة واتساع التكاثر، وربط العلماء بين ذلك النوع وبين مسببات مشتركــــــة مع أنواع أخــرى مثل التدخين والأسباب الوراثية والشيخوخة.
ويوصي الأطباء بالغذاء المتوازن والمتنوع للوقاية من اعتلال البنكرياس، مع تقليل الدهون كلما تقدم العمر، وفحص الدم بانتظام للوقوف على مدى امتصاص خلايا الجسم للسكر مع المحافظة على النشاط الرياضي اليومي حتى ولو كان قصيراً، والامتناع عن العادات السيئة مثل التدخين وتناول الكحوليات، وتجنب الوزن الزائد والذي يمكن أن يسبب أمراضاً كثيرة حتى بعيداً عن مشكلات البنكرياس، مثل أمراض الدم والقلب والسكتات الدماغية.
وللوقاية من ذلك المرض الخطير الذي يعيق واحدة من أهم غدد الجسم عن القيام بدورها المزدوج يجب الفحص الدوري من خلال المناظير الباطنية أو استخدام الأشعة التلفزيونية أو الرنين المغناطيسي، مع المحافظة على فحص عينة من الدم على فترات متقاربة لاكتشاف أي خطر، وتعتبر الجراحة من الحلول الناجحة لعلاج سرطان البنكرياس بشرط أن تكون الأورام لا تزال داخله ولم تمتد وتنتشر إلى أجزاء الجسم الأخرى مثل الكبد والرئتين مثلاً، فإذا امتنع الشرط أصبح العلاج صعباً، وتختلف خطته هنا باعتماد المسكنات التي توقف الألم فقط لكنها لا تقوم بأي دور علاجي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"