مواقع التواصل . . إيجابياتها وسلبياتها

04:11 صباحا
قراءة 6 دقائق
نصر الدين لعياضي *
يفسر "تيدي غوف"، مسؤول الحملة الانتخابية الرقمية لباراك أوباما في ،2012 نجاح هذا الأخير في استمراره رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية لولاية ثانية بثقل وزن مواقع الشبكات الاجتماعية في الحياة السياسية الأمريكية المعاصرة . وحجته في ذلك أنه مكن، بمعية فريقه المكون من 240 شخصاً، الرئيس المذكور من الحصول على 34 مليون صديق في الولايات المتحدة الأمريكية عبر موقع شبكة "الفيس بوك"؛ أي أكثر من عدد الناخبين!
لم تتحول هذه الحجة إلى نموذج ناجح للتسويق السياسي في إدارة الحملات الانتخابية في الدول الديمقراطية فحسب، بل عززت الاستخدام السياسي لمواقع الشبكات الاجتماعية في العديد من الدول، خاصة الديمقراطية منها .
يجمع الكثير من الباحثين على تراجع ثقة ناخبي الدول الغربية في المؤسسات السياسية وممثليهم في مختلف الهيئات المختلفة . وهذا ما تثبته نسبة المشاركة الضعيفة في مختلف الانتخابات، خاصة في أوساط الشباب الذين أصبحوا لا يترددون في التعبير عن نفورهم من الفعل السياسي، والفئات الفقيرة التي تعيش على هامش التطور، والتي تعتقد أنها لم تجن من الانتخابات إلا الخيبات وفقدان الأمل في تحسين أوضاعها المعيشية .
فأمام تكلس الأحزاب السياسية التقليدية وترهلها، وبروز فئة من محترفي النشاط السياسي التي تضع مصالحها الذاتية على رأس قائمة اهتماماتها، تحول الناخب إلى ملاحظ سلبي لا يتلفت إليه إلا في أثناء الحملات الانتخابية . وهذا ما حدا الكثير من الباحثين إلى التحذير من موت الديمقراطية بعد أن أفرغ الفعل السياسي من محتواه .

بين التواصل والتسويق السياسي

رغم الفجوة الرقمية التي يمكن ملاحظتها على مستوى البلدان أو حتى داخل البلد الواحد إلا أن عدد مستخدمي مواقع الشبكات الاجتماعية في تزايد مرتفع، بل أنهم تحولوا إلى ناشطين في الفضاء الرقمي . وهذا ما أدى إلى التفاؤل بمستقبل النشاط السياسي في الدول الغربية، وأحيا الأمل في أن يأخذ مسلكاً غير ذاك الذي حذر منه الباحثون . وذلك لأن هذه المواقع غيرت مكانة الناخب في الفعل السياسي؛ إذ أنها لا تستجدي صوته في المواعيد الانتخابية فقط، لأنها تمكنه من التعبير عن رأيه، ونشر أفكاره، ومشاركة غيره في آرائهم سواء عبر مناقشتها أو تبنيها . ليس هذا فحسب، فمواقع الشبكات الاجتماعية تشكل حلقة وصل بين الاتصال الشخصي، الذي يملك من القرب والحرارة ما يجعله أكثر تماسكاً وقوة، والاتصال الجماهيري الذي يدفع مضمون ما ينشره إلى المزيد من الانتشار . لذا اضطرت الأحزاب السياسية في الدول الغربية إلى إدراج مواقع الشبكات الاجتماعية ضمن استراتيجيتها في مجال "التسويق السياسي" من أجل تلميع صورة المرشحين وأصحاب القرار السياسي، وتغيير نظرة الناس إليهم: إظهارهم متواضعين مثل أغلبية الناس، وقريبين من الناخبين، وإنسانيين أكثر . لعل القارئ الكريم يتذكر شريط الفيديو للرئيس أوباما والدمعة تتدحرج على خده فور الإعلان عن فوزه في الانتخابات الرئاسية، واحتضانه لأفراد أسرته الصغيرة، والذي شاهده الملايين من مشتركي مواقع الشبكات الاجتماعية .

البحث عن الفاعلية

وأدرجت الأحزاب السياسية مواقع الشبكات الاجتماعية في استراتيجيتها الاتصالية، أيضاً؛ أي من أجل "لحم" علاقتها بالناخبين . وهذا باستثمار ما تتيحه هذه المواقع من إمكانات التجنيد والتعبئة، والدعوة إلى التبرعات، والحوار والمناقشة، والاستماع إلى رأي الناخبين . وهي الإمكانات التي لا تتيحها وسائل الإعلام التقليدية . والتجارب في العالم تقدم لنا أكثر من مثال سنكتفي بواحد فقط . لقد أنشأ البيت الأبيض الأمريكي منصة تشاركية في شبكة الانترنت بعنوان: "تنظيم لأمريكا" وخصص صفحة للأسئلة التي يطرحها مستخدموها في شكل شريط فيديو قصير أو نص مكتوب . ثم تطرح كل الأسئلة للتصويت . والسؤال الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات يحال إلى الرئيس الأمريكي ليجيب عنه . وتبث الإجابة المسجلة في شريط فيديو في المنصة ذاتها . وقد شارك في انطلاقة هذه الصفحة أكثر من 90 ألف شخص طرحوا أكثر من مئة ألف سؤال وقد صوت عليها حوالي مليوني شخص .
وقد حذا حذو البيت الأبيض الأمريكي الكثير من الحكومات والوزارات والمنظمات الغربية . وأصبح الرجل السياسي الذي لا يملك حساباً في الشبكات الاجتماعية شخصاً غريب الأطوار أو قادماً من كوكب آخر . وقد استطاع من يملك حسابا أن يكون على اتصال دائم بالناخبين، يحاورهم ويستشيرهم في بعض الأمور المتعلقة بالشأن العام، ويستمع إليهم . ويرى البعض هذا الشكل من الاتصال السياسي أنجع من تنظيم الاجتماعات الرسمية التي لا تنجح في جمع عدد كبير من الناس . والتي تقل فاعليتها، في بعض الأحيان، لسقوطها في الروتين والمجاملات . بينما يشكك البعض الآخر في جدوى ما يسمونه "النضال الرقمي" . ورغم هذا التشكيك لا يمكن أن ننكر أن شبكة الانترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية غيرت وجه الاتصال السياسي وأعطته أبعادا أكثر حيوية .

حدود التغيير

لقد تم الربط، لأول مرة بين التكنولوجيا الحديثة للاتصال وتعبئة الناس في 2001 عندما احتشد الفليبينيون في العاصمة مانيلا لإطاحة الرئيس جوزيف استرادا . ساعتها بدأ الحديث عن "ثورة الهواتف المحمولة" . وبعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ عاد الحديث، مرة أخرى، عن هذه الثورة إثر الأحداث التي عاشتها أوكرانيا، والتي وصفت ب"الثورة البرتقالية" التي امتد صداها عبر المدونات الإلكترونية . ويعد هذا التاريخ فاتحة استخدام الحركات الاحتجاجية لعدة تكنولوجية جديدة تجسدت في مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، "تويتر" و"الفيس بوك"، "اليوتيوب" التي نشطت في مجال إعلام المتظاهرين وتنظيمهم . وهذا ما تجلى في "مولدوفيا" وإيران التي عاشت حالة من الغليان الشعبي الرافض لإعادة انتخاب الرئيس أحمدي نجاد في 2009 . ساعتها زعم الكثير من المحللين ووسائل الإعلام أن مواقع الشبكات الاجتماعية تملك من القوة ما يمكنها من إحداث التغيير السياسي وحتى ثورات في كل مكان! لكن الأحداث التي جرت بعد هذا التاريخ فندت هذا الزعم وأثبتت أن عملية التغيير السياسي في جل دول العالم ليست وليدة عدة تكنولوجية مهما كانت متطورة وسريعة الانتشار . فالتغيير وليد مسار معقد، ونتيجة منطقية لتضافر مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتعبير عن مستوى من التنظيم والوعي .
لقد بيّن الباحث البلهاروسي "إيفجن موروزوف" في كتابه المعنون "خدعة الإنترنت: الجانب المظلم لحرية الإنترنت" أن العدة التكنولوجية الحديثة يمكن أن تقف في وجه التغيير السياسي! وقد استند في ذلك إلى التجربة الإيرانية ذاتها . حيث ذكر أن أحداث 2009 التي استعانت بموقع شبكة تويتر لم تفض إلا لمزيد من تقييد الحريات . فحكومة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد اتخذت مجموعة من الإجراءات من أجل التحكم بشكل أفضل في "الميديا" الجديدة، إذ تم تخصيص العديد من وحدات الأمن لهذا الغرض، فكشفت الناشطين السياسيين في مواقع التواصل الاجتماعي . وتغلغلت في مختلف مواقع الشبكات الاجتماعية . وكونت مدونين من رجالها، ومختصين في شن هجمات إلكترونية على مواقع المعارضة السياسية في شبكة الانترنت . بل ذهب موروزوف إلى أبعد من هذا في كتابه المذكور، إذ أكد أن شبكة الإنترنت قد تساهم، على عكس ما يُعتقد، في إبعاد الناس عن السياسة .

الإشاعة مرض الاتصال السياسي

رغم أن الاشاعة وجدت قبل شبكة الانترنت، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي وفرت لها التربة المناسبة لأسباب متعددة، نذكر منها: أن هذه المواقع تنتشر بفضل شبكة ممتدة من العلاقات الشخصية التي تعزز ما يسمى بالانتشار "المعدي" . والإشاعة تنتقل في النسيج الاجتماعي مثل العدوى . لذا يقدر الكثير من الباحثين أن الإشاعات هي المرض العضال الذي يعيق الاستخدام السياسي لمواقع الشبكات الاجتماعية . فهذه الأخيرة تعد مملكة النرجسية وحب الظهور، والإشاعات تسمح لمروجيها بالبروز من دون تحمل أي مسؤولية اجتماعية أو أخلاقية . كما أن الاشاعة تسري في ظل تزايد القلق وعدم اليقين . فالاستخدام المكثف لمواقع الشبكات الاجتماعية في ظروف الأزمات يعزز هذا القلق في عالم أصبحت فيه السرعة وسيلة فعالة لنقل الأخبار وقتلها في آن واحد . فالأخبار تظهر لتختفي تاركة المجال لغيرها من الأخبار المتدافعة مما لا يترك الوقت للناس للتأكد من صحتها .
حقيقة لقد أصبح الكثير من مستخدمي مواقع الشبكات الاجتماعية أكثر انتباها، وحتى حذراً مما يتداول فيها من أخبار لتفادي الإشاعات . لكن التنافس الشديد بين وسائل الإعلام التقليدية لتحقيق السبق الصحفي جعلها تتهافت على نقل الأخبار من دون التريث للتحرى حول واقعيتها في ظل تأخرها عن تطويع الآليات التي تساعدها على التثبت من صدق ما تنشره من أخبار تنقلها "الميديا" الجديدة . ففي ثنايا هذه الأخبار تنمو الإشاعة التي قد تتحول بسرعة إلى تضليل الناس .

* باحث وأكاديمي جزائري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"