الاستيطان.. آخر معركة انتخابية لنتنياهو

04:13 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى


أعلن رئيس الحكومة «الإسرائيلية»، بنيامين نتنياهو في كلمة ألقاها في مستوطنة الكنا في الضفة الغربية المحتلة، أنه سيفرض السيادة على جميع المستوطنات و«اعتبارها جزءاً من دولة «إسرائيل»». ويعتبر هذا الإعلان الذي يأتي في ذروة حملته الانتخابية تأكيداً لتعهد سبق وقطعه مراراً وتجاوب فيه مع مطالب اليمين المتطرف الداعية لفرض السيادة «الإسرائيلية» على المستوطنات في الضفة وضم المنطقة «ج»، والقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية. وبديهي أن إعلان نتنياهو يتناسب مع التشجيع الذي ناله من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسعيها لإنهاء القضية الفلسطينية عملياً بشطبها قضايا الحل النهائي وبينها مسألة المستوطنات.
كان نتنياهو وحزب الليكود يتجنبان على مدار السنوات الفائتة الحديث علناً عن فرض السيادة على المستوطنات. لكن هذا التجنب لم يكن يعني نسيان الطموح لاستيطان أكبر قدر ممكن من أراضي الضفة الغربية وإبعاد الفلسطينيين، قدر الإمكان عنها. فالفكرة الأساسية للمشروع «الإسرائيلي» قامت على أن مبدأ الاستيطان يعني تكريس أمر واقع جديد وحشر الفلسطينيين في أقل قدر ممكن من الأرض تمهيداً لسحق حقوقهم الأصيلة. وقد خدمت هذه الفكرة في أثناء مفاوضات أوسلو، حيث تم تأجيل النظر في مصير المستوطنات من ناحية وفي انتهاج سياسة الاستيطان الزاحف من جهة أخرى. وعملياً تفوقت مشاريع الاستيطان بعد اتفاقيات أوسلو على ما قبلها، وتعززت هذه المشاريع بعد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة.
وأظهر آخر تقارير المكتب الوطني الفلسطيني للدفاع عن الأرض، أن «إسرائيل» أنشأت عشرات المستوطنات في القدس ومحيطها منذ احتلال المدينة في العام 1967. ولكن الاستيطان في المدينة ومحيطها شهد تصاعداً كبيراً منذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، حيث ارتفعت نسبة الاستيطان في المدينة عامي 2017 و2018 بحوالي 58 في المئة مقارنة مثلاً بعامي 2015 و2016. ولم تكتف حكومة نتنياهو ببناء المستوطنات، بل عمدت إلى هدم مئات البيوت العربية في المدينة ومحيطها وتشريد أهلها بذرائع مختلفة.
وتشير جميع التقديرات إلى أن إدارة ترامب التي ألغت تحفظات الإدارات الأمريكية السابقة، منحت حقنة تشجيع كبيرة لمشاريع الاستيطان وخصوصاً في القدس المحتلة ومحيطها. إذ اعترفت إدارة ترامب بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» من جهة وألغت تعبير الأراضي وشطبت اسم فلسطين من خرائطها. وطبيعي أن تعني هذه الخطوات الكثير لليمين المتطرف الملتف حول نتنياهو والذي يتطلع لسد الطريق أمام فكرة الدولة الفلسطينية من جهة ولإبعاد الفلسطينيين قدر الإمكان عن أرضهم. وقد اشتدت في الآونة الأخيرة المطالبات العلنية بضم المستوطنات وأراضي المنطقة «ج»ل«إسرائيل» وفرض السيادة عليها.

يمين نتنياهو

وتقف إلى يمين نتنياهو كتلة تدعى «إلى اليمين» برئاسة أييلت شاكيد، تحاول منافسة نتنياهو على زعامة اليمين. وتتبنى هذه الكتلة مشروعاً لضم المنطقة «ج» بما تحويه من مستوطنات وقرى فلسطينية وفرض السيادة عليها. ومعروف أن المنطقة «ج» تمثل حوالي 60 في المئة من أراضي الضفة الغربية. وأعلنت شاكيد أن القوانين ال«إسرائيلية» مازالت غير سارية في الضفة الغربية رغم اتساع المستوطنات هناك. وأوضحت أنه «عندما نتحدث عن فرض السيادة، فهذا يعني أن يسري القانون «الإسرائيلي» كله في المنطقة ج فقط، وليس في كل يهودا والسامرة. ويسكن جميع السكان (المستوطنين) «الإسرائيليين» في هذه المنطقة، وعددهم نصف مليون تقريباً، وما بين 100 - 200 ألف فلسطيني، وهذا منوط بالجهة التي يوجه السؤال إليها حول عددهم. والنية هي اقتراح الإقامة أو المواطنة عليهم. فهذا عدد بالإمكان استيعابه».
وقد بدأت في صفوف اليمين حملة لحث الخطى نحو فرض السيادة ال«إسرائيلية» على المستوطنات والمنطقة ج. وبدأت هذه الحملة بالتوقيع على وثيقة يتعهد فيها المرشحون لعضوية الكنيست بالعمل من أجل ضم المنطقة ج إلى السيادة «الإسرائيلية». وتتضمن هذه الوثيقة مبادئ عدة أهمها أن «إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وتضمن الحقوق الفردية والمساواة لجميع مواطنيها، ومعارضة إقامة دولة فلسطينية، وفرض السيادة الإسرائيلية على مناطق في يهودا والسامرة». وترمي هذه الحملة إلى تكريس فكرة ضم أغلبية أراضي الضفة الغربية ليس بوصفها طموحاً وإنما هدف سياسي قابل للتطبيق في المرحلة الجديدة.
وكانت تقارير عديدة، أمريكية و«إسرائيلية»، قد ربطت بين فكرة ضم مناطق في الضفة الغربية وما يعرف بصفقة القرن الأمريكية. وأشارت هذه التقارير إلى أن الخطة «ب» الأمريكية تقضي بأنه في حال رفض الفلسطينيين والعرب صفقة القرن تقوم «إسرائيل» بخطوات من طرف واحد أهمها فرض سيادتها على المستوطنات ومحيطها أو حتى فرض السيادة على كل المنطقة «ج». وواضح أن إعلان نتنياهو يتساوق مع هذا المنطق حيث أكثر في الفترة الأخيرة من التقرب إلى اليمين المتطرف مثبتاً ليس فقط تمسكه بالمشروع الاستيطاني وإنما تشجيعه على توسيعه.

لا إخلاء للمستوطنات

ومن المؤكد أن نتنياهو الذي يخوض حالياً معركته الكبرى التي قد تكون الأخيرة من أجل البقاء في ظل تراكم الاتهامات ضده وتراجع شعبيته لا يجد دعامة يستند إليها أكثر من الاستيطان. وليس صدفة أن يبدأ معركته الانتخابية من أشد المناطق حساسية في الحرم الإبراهيمي في الخليل، حيث الاستيطان الأشد تطرفاً في قلب المدينة العربية. وبعد ذلك انتقل ليعلن مبادئه الاستيطانية الجديدة من مستوطنة ألكنا في قلب المنطقة المأهولة عربياً بكثافة قرب نابلس ليؤكد أن زمن إخلاء المستوطنات قد ولى.
وقال نتنياهو في ألكنا: إنه «لن تكون بعد الآن أية إخلاءات للمستوطنات كما حدث في غوش قطيف». وأضاف: «سوف نفرض السيادة اليهودية على كل المستوطنات كجزء من أرض إسرائيل ومن دولة «إسرائيل»». ولم يترك لكلامه فرصة أي تأويل مختلف، إذ أضاف موجهاً كلامه للمستوطنين: «قبل كل شيء تذكروا أنكم في ألكنا، وهذه أرض «إسرائيل» هذه أرضنا. هذه أرضكم. إنه وطن جديد لكنه وطن قديم. إنه الوطن القديم، الأصلي لشعب «إسرائيل». ونحن سنبني المزيد من ألكنا وأمثالها. نحن لن نُخلي من هنا أحداً». وفسر معلقون كلامه بأنه يعني أيضاً فرض السيادة اليهودية على جميع أرجاء الضفة الغربية.
والواقع أن كلام نتنياهو وحملة اليمين بشأن الاستيطان تندرج في حمى المعركة الانتخابية لكنه في الوقت نفسه يعبر عن سياسة ومنهج يكرس نفسه. فالاستيطان في الضفة الغربية لم يعد حالات متفرقة، وإنما وقائع تقسم وتشرذم الأرض الفلسطينية وتشكل عائقاً جوهرياً أمام إنشاء أي دولة فلسطينية في المستقبل. وإذا كانت إدارة ترامب أزالت تحفظاتها بشأن الاستيطان وتخلت عن اعتباره فعلاً غير مشروع، فإنها تسعى لدفع المزيد من دول العالم لفعل الشيء نفسه. وهنا مكمن الخطر الذي يتصدى له الشعب الفلسطيني برمته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"