حلم العودة في قصيدة "إلى أمي" لمحمود درويش

تجليات الروح
01:17 صباحا
قراءة 9 دقائق

إن النص الأدبي، وبخاصة الشعري، يحتوي في حقيقته على عناصر لغوية، وفكرية، وخيالية، ورؤية شعرية، تسهم مجتمعة في تشكيل بنائه الفني، والقارئ الجيد لا يستطيع أن يتجاوز هذه المكونات، إن أراد أن يقتحم أسوار النص المُحكَمة، ويدخل إلى عالمه الشعري . إن القصيدة موضوع لغوي من نوع خاص، واللغة تُوظّف فيها على نحو متميز، ولكي نضع أيدينا على هذا التميز علينا أن نولي اهتماماً خاصاً للوحدة اللغوية للعمل الشعري، من المعجم اللغوي، والتركيب، والنحو، والمجاز، التكثيف، والتصوير وما إلى ذلك .

لذلك رأيت أن أتخذ من المنهج الوصفي التحليلي طريقاً معبداً لمقاربة قصيدة إلى أمي للشاعر محمود درويش، باعتبار أن المنهج الوصفي يعتمد أساساً على وصف الظاهرة اللغوية كما تظهر على السطح، ثم يقوم بالكشف عن علاقاتها المتشابكة والمعقدة مع غيرها من الظواهر، والوصول إلى النظام الذي يحكم البناء الفني برمته .

وقصيدة إلى أمي التي ننوي مقاربتها، وتقديمها للقارئ في ثوب جديد، طَبَقَت شهرتها الآفاق، وترددت على ألسنة الأطفال، والرجال، والمختصين، على الرغم من بساطة تركيبها، وقرب دلالاتها، ومحدودية مساحتها اللغوية . ولو أردنا أن نبحث عن مبررات هذا الشيوع، فيمكن أن نردها إلى أن القصيدة تفيض بالأحاسيس والمشاعر الوجدانية الصادقة، التي تحاكي ما في نفوس الناس، وخاصة أولئك الذين ارتبطوا بأمهاتهم ارتباطاً خاصاً، علاوة على أن كلماتها، على الرغم من بساطتها وأُلفتِها، تكتنز بدلالات شعرية جمة، وجملها النحوية بسيطة في تركيبتها، خفيفة في وقعها على الأذن، الأمر الذي دفع المطرب اللبناني الشهير مارسيل خليفة إلى أن يتغنى بها، ويبدع في أدائها .

وبالوقوف على تخوم القصيدة، فإن أول ما يشد انتباهنا هو العنوان إلى أمي، فهو بلا شك يختزل التجربة الشعورية التي أراد الشاعر أن يجسّدها بالكلمات، وهو يستوقفنا من ناحيتين: الأولى، المستوى الإفرادي، حيث تحمل كلمة أمي كثيراً من المعاني والإيحاءات والمواقف الإنسانية التي يتعرف إليها الإنسان منذ لحظة ولادته، وتظل حاضرة في شعوره، ولا شعوره حتى أخريات حياته .

والأخرى: المستوى التركيبي، حيث جاء العنوان شبه جملة، حذفت منه العناصر الأساسية المكونة له، والتي لا يجد القارئ صعوبة في تقديرها، لكن عملية الحذف -لاشك- حملت من القيم الجمالية ما يتجاوز تقدير الجزء المحذوف، أهمها: أنها فتحت أفق النص إلى مالا نهاية، وجعلت البدائل اللغوية تتزاحم لملء الفراغ القائم، والتي يمكن تقدير بعضها بأحن إلى أمي، رسالة قلبية إلى أمي، هدية إلى أمي، قصيدة إلى أمي، حنيني إلى أمي، ذاتي كلها إلى أمي . . إلخ . وبذلك حفز العنوان، ببنيته التركيبية القائمة، المتلقي أن يتأهب لسماع كلام في الحنين والشوق، واعتراف بالفضل، وتعلق بأحاسيس وقيم وجدانية فياضة .

وإذا استحضرنا مناسبة القصيدة وتاريخ كتابتها، ندرك إلى أي حد كان الشعر في حاجة إلى استذكار مواقف أمه، وإثارتها في نفوسنا للتفاعل معه، فالقصيدة كتبها وهو وراء القبضان في سجون الاحتلال إذ يقول: كانت لديّ عقدة أن أمي تكرهني، لأنها كانت دائماً تعاقبني، وتعتبرني المسؤول عن أي شغب في البيت وفي الحارة، وتقول لي يا حِلس يا مِلس لم أعلم أنّ شعوري ليس صحيحاً إلا حين دخلتُ السجن للمرة الأولى، وأنا في السادسة عشرة من عمري . زارتني أمي في السجن، وحملت لي قهوة، واحتضنتني، وقبّلتني، فعلمت أنّ أمي لا تكرهني، فكتبت أحنّ إلى خبز أمي قصيدة مصالحة معها .

هكذا جاء العنوان مختزلاً لكثير من معاني الأمومة، ومعبّراً عن تجربة قاسية عاشها الشاعر قسراً بعيداً عن دفء الأمومة وحنانها، الأمر الذي حمله على التغنّي بتلك المشاعر .

وبالوقوف على جسد القصيدة، نرى أنها تقع في 28 سطراً متفاوتة الطول والقصر، ومُوزّعة على ثلاثة مقاطع شعرية، يربط بينها خيط سميك من التآزر والانسجام والتكامل، وهي:

1- الحنين والشوق .

2- النزوع إلى عالم الروح .3- الحلم بالرجوع .

يمثّل المقطع الأول بؤرة الدلالة في القصيدة التي تتمحور حول عشق الأم، والحنين الدائم إليها، ثم يأتي المقطعان الآخران كنتيجة منطقية لذلك العشق والحنين الجارف، إذ يعكس المقطع الثاني استعداد الأنا لأن تقدم ذاتها لالآخر في سبيل أن تبقى منعمةً بدفئه وحنانه الذي افتقدته بسبب غيابها عنه .

أما المقطع الثالث، فهو يعزز الفكرة السابقة، وينطلق منها إلى خطوة أبعد تتمثل في الفناء الجسدي لالأنا ضعيني إذا ما عدت في تنور نارك . . وإعادة خلقها من جديد على نحو يمكنها من العودة إلى عهدها الأول، عهد الطفولة والبراءة والحنان الدافق، وبهذا فإن الشاعر يسعى إلى الانفلات من عِقال واقعه المؤلم، ليهيم بروحه وخياله في عالم الأمومة، ويلتحم به التحام الروح بالجسد .

والقصيدة من ناحية أخرى تقوم على ثنائية الأنا/هي، والأنا/الأنتِ، لكنها ليست ثنائية ضدية بقدر ما هي ثنائية تتجه نحو الالتحام والتواصل والتماهي، إذ إن الأنا لا تدرك كينونتها إلا في لقائها بالأنتِ وذوبانها فيها، وحينها تبلغ ذروة مجدها، وقوتها، وحيويتها، وتتحوّل بفعل ذلك من عالم الإنسان إلى عالم السماء، يقول: عساي أصير إلهاً/إلهاً أصير/إذا ما لمست قرارة قلبك، وهذا يشير إلى نزوع الأنا إلى التعلق بالعالم الروحي الذي ينقذه من عالمه الحسي الأليم، ويمنحه قدرة على التحليق والسمو والخلود .

المقطع الأول: الحنين والشوق

أحنُ إلى خبز أمي

وقهوةِ أمي

ولمسةِ أمي . .

وتكبر في الطفولةُ

يوماً على صدر يومِ

وأعشقُ عمري لأني

إذا مُت،

أخجل من دمع أمي!

يعيش الشاعر حالة من التوتر والانفعال، التي انبثقت من واقعه الحاضر، وهو البُعد عن أمه، ومستقبله الآتي الذي يحمل الأمل في اللقاء والتمتع بالدفء والحنان، فمن التقابل الخفي بين الحاضر المؤلم، والمستقبل المأمول تتولد لحظة الانفعال التي تدفع الأنا إلى البحث عما يطفئ وهج الانفعال، ويعيد إليها توازنها واستقرارها، إن هاجس النزوع يتجسّد في لحظة توتر تعترض زمنين: الآن، والآتي، أي أنها لحظة ثنائية ضدية أساسية في الثقافة الإنسانية، تنبع من الإحساس بأن الآن واقع قلق يفتقر إلى مكونات حيوية لا يتحقق من دونها التناغم بين الإنسان وعالمه، والإحساس المرافق بأن هذه المكونات تكمن في زمن آخر، زمن لم يتكون بعد . وهاجس النزوع تجسيد لهذا التوتر القلق بين هذين القطبين، واكتناه العلاقة القائمة بينهما، ولموقف الذات منهما: نزوع الذات إلى استحضار الآتي وامتلاكه بنفي الآن نفياً مطلقاً، أو حنين الذات إلى حل التناقضات القائمة بين الآن والآتي وصهرهما معاً في كينونة جديدة . واستحضار الآتي الجميل لا يكون في نظر الشاعر إلا من خلال الاحتماء بالماضي الجميل واستعادة ذكرياته السعيدة .

يفتتح الشاعر قصيدته بالفعل المضارع أحِن المسند إلى ضمير المتكلم، والذي يوحي لنا بدلالتين متقابلتين: الأولى دلالة المرارة والألم التي تعيشها الأنا بعيداً عن الأم، والأخرى دلالة الحب والدفء والحنان التي كانت تنعم بها في الماضي، وما حنينها وشوقها إلى الماضي إلا بسبب جفاف الحاضر وجفائه وقسوته، أي أن الفعل أحن جاء مجسّداً للموقف الشعوري التقابلي الذي تعبّر عنه القصيدة .

وعلى الرغم من أن حنين الإنسان لأمور سابقة أثيرة على نفسه، يكون منفتحاً على كثير من المواقف، والعلاقات، والأحداث، والأشياء التي ارتبط بها أو عايشها، فإن درويش آثر في حنينه -هنا- ذكر أشياء بعينها تربطه بأمه وهي: الخبز، والقهوة، واللمسة، وفي ذكرها ما يختزل بقية الأشياء، لأنها جاءت مجسدة للعناصر الحسية والمعنوية في آن معاً، فالخبز والقهوة من العناصر المادية التي تتعلق بحياة الأمومة وممارستها اليومية، في حين أن لمسة يديها تشير إلى الجانب المعنوي الذي تغدقه الأم -عادة- على أبنائها، وهو العطف والحنان . وبعبارة أخرى إن وجوده بجوار أمه يملأ عليه حياته حساً وعقلاً ووجداناً، بينما يؤدي بعده عنها إلى شقائه وعذابه وحنينه الدائم إليها .

وفي خضم استحضار ذكرياته مع أمه، نرى أن دال أمي يتردد بكثافة، وبشكل متتابع في الأسطر الثلاثة الأولى، وفي نهاية المقطع الشعري، مما يضغط به على حساسية المتلقي، ويجعله أكثر حضوراً وتمثلاً في ذهنه، وفي الوقت نفسه يشير إلى أن الأم تمثل البؤرة الدلالية للنص الشعري المدروس، وهو ما يعزز دلالة العنوان التي أشرنا إليها من قبل .

وبالتحرك رأسياً مع الصياغة، نرى أن حنين الشاعر للأشياء المرتبطة بالأم دفعه إلى الاستمرار في الانكفاء إلى الوراء، إلى ذكريات الطفولة التي ظلت محفورةً في الذاكرة بعد مرور سنوات العمر، كي يجعل من الماضي الذي يعيشه بوجدانه وذاكرته وسيلة فنية تنسيه آلامه وأحزانه ووحشته الحاضرة، وتمنحه حياة متجددة خالدة، يقول:

وتكبر في الطفولة

يوماً على صدر يومِ

وأمام هذا الاندفاع الجارف نحو استحضار أيام الطفولة، تزداد الأنا عشقاً لحياتها الأولى، فلا تريد لها أن تنقضي، وهذا ليس حباً في العيش والبقاء فحسب، وإنما كي لا يجلب الموت حزناً وألماً جديدين لمن أسعدها وأحبها .

ومن الجدير بالملاحظة أن دال الخبز يرتبط -عادة- عند الشاعر بحنينه إلى أمه، إذ يقول في قصيدة أخرى بعنوان لديني . . لديني لأعرف:

أحن إلى خبز صوتك أمي: أحن إلى

كل شيء، أحن إليّ . . أحن إليك

ولاشك في أن ذكر الخبز يشير إلى مقومات بقائه، ووجوده على هذه الأرض، وإذا كان الخبز مرتبطاً لديه بالأم، فوجوده مرهون بوجودها، وحياته مستمدة من حياتها .

ويلاحظ -أيضاً- أن تفاصيل حياة الأمومة، وذكريات الطفولة جاءت ملتصقة بالأم، إما بالإضافة صراحة إلى لفظ الأم مثل: خبز أمي، قهوة أمي، لمسة أمي، دمع أمي أو بالإضافة إلى ضمير الخطاب الذي يعود عليها، مثل: هدبك، كعبك، ثوبك، قلبك، دارك، نهارك، انتظارك، وهذا يشير إلى غلبة حضور عالم الأم في ذهن الشاعر ووجدانه، وما يرتبط به من ذكريات سعيدة عاشها معها، وفقدها عندما بَعُد عنها .

المقطع الثاني: النزوع إلى عالم الروح

يقول الشاعر:

خذيني، إذا عدتُ يوماً

وشاحاً لهُدْبِكْ

وغطي عظامي بعشبٍ

تعمد من طُهْر كعبكْ

وشُدي وِثاقي . .

بخصلة شعرٍ . .

بخيطٍ يلوح في ذيل ثوبك . .

عساي أصيرُ إلهاً

إلهاً أصير . .

إذا ما لمستُ قرارة قلبك!

ينتقل الشاعر من الأسلوب الخبري التقريري الذي اعتمد عليه في المقطع الأول، إلى الأسلوب الإنشائي الطلبي في المقطع الثاني، والذي يشير إلى درجة عالية من التوتر والانفعال، وقد افتتح المقطع بفعل الأمر خذيني المسند إلى ضمير المخاطبة، والمتصل بياء المتكلم التي تقع في إطار المفعولية، لتنتقل الأنا/الشاعر من دائرة الفاعلية في المقطع الأول إلى دائرة المفعولية في المقطع الثاني . وتصبح الأنتِ سيدة الموقف، وصاحبة القرار في الفعل، ولكن الأمر كله يظل مرهوناً بعودة الأنا إلى الأنتِ:

خذيني، إذا عدت يوماً

وشاحاً لهدبك

وهي عودة تظل في إطار الاحتمال والشك، (إذا عدت يوماً) بل إن استخدام ظرف الزمان النكرة (يوماً) يوحي ببعد التحقق وندرته، لذلك تعلقت الأنا بحلم سرمدي، تتحوّل فيه إلى طبيعة أخرى، نسج الشاعر ملامحها من خياله الجامح، حيث يتخذ منها وشاحاً ملازماً لأهداب أمه، وفي المقابل يتخذ من طهر أمه المتجسد في العشب، وخصلة الشعر، وخيط الثوب، وسيلة لانبعاثه من محنته في صورة أكثر قوة وثباتاً وتجدداً، حيث جاءت جملة عساي أصير إلهاً التي تحمل معنى التقديس والسمو، ومنفتحة على ما قبلها وما بعدها من دلالات، وأصبحت ذات طاقة دلالية انتشارية تغطي المقطع الشعري بتمامه .

وقد وظف الشاعر أفعال الأمر خذيني، غطي، شُدي المفرغة من دلالاتها الحقيقية والمشبعة بدلالة التمني، في الإشارة إلى رغبة الأنا المتزايدة في الالتحام بالأنتِ، والانقياد لها كي لا تتكرر مأساة الانفصال والبعد التي تعانيها، وهو التحام يوحي بعدم الإحساس بطعم الحياة بعيداً عن عالم الأمومة، وأن العودة إليها وفي أي صورة تجسدت، هي أعظم في النفس من كل الوجود، ثم تتعزز فكرة الانبعاث والتقديس مرة أخرى، عندما نتعامل مع جملة عساي أصير إلهاً . . جواباً مقدماً للشرط، حيث يصبح الفوز برضا الأم، ولمسة حنانها قوة أسطورية فاعلة تتحوّل بها الأنا إلى إله مقدس يسمو فوق كل ألوان العذاب والبُعد والفناء .

المقطع الثالث: الحلم بالرجوع

يقول درويش:

ضعيني، إذا ما رجعتُ

وقوداً بتنور ناركْ . .

وحبل غسيل على سطح داركْ

لأني فقدتُ الوقوف

بدون صلاةِ نهاركْ

هَرِمتُ، فردّي نجوم الطفولة

حتى أُشارك

صغار العصافيرِ

درب الرجوع . .

لعُش انتظاركَ

تستمر الأنا في الحلم بالعودة والرجوع إلى حضن الأمومة، والتماهي في ملامحها، حيث تعاني الضياع والتشتت بسبب بُعدها عن عالم الأم الروحي، وفقدها لضيائها، لذلك استخدم الشاعر فعل الأمر ضعيني المشبع بدلالة التمني، والمقيد بفعل الشرط ضعيني إذا ما رجعت/ وقوداً بتنور نارك، ليظهر من خلاله استعداد الأنا للفناء والاحتراق في الآخر، لتُخلَق من جديد، وتكون جزءاً من ملامحه ومكوناته، فسعيها إلى تدمير نفسها بالإحراق في التنور ليس من أجل الفناء النهائي، وإنما من أجل البناء والخلق الجديد، وهو ما ينسجم مع الرؤية الشعرية التي تسعى إلى زحزحة الواقع المؤلم، وتغييره إلى واقع جديد قادر على الفعل والتفاعل .

ومن ناحية أخرى، لا يمكن فهم القصيدة جيداً بمعزل عن الخطاب الشعري لمحمود درويش، إذ إن دائرة الأم تمتد على صفحات دواوينه العديدة، وتتداخل فيها عناصر الإنسان والجماد معاً، فالأم هي الأرض، والأم هي الوطن، والأم هي الأم البيولوجية .

ولما كان خطاب درويش يرتكز حول بؤرة دلالية رئيسة، هي التغنّي بالوطن وبأحلامه، فإن دال الأم/ المرأة يمكن أن يشكّل المفتاح السحري لخطابه الشعري في مجمله .

ففي المقطع الثالث يمزج الشاعر بين عالم الأم الحقيقي والوطن، بحيث يتداخل الأمر على القارئ، إن كان يتحدث صراحة عن الأم -كما ابتدأ- أم يتحدث عن الوطن، ولكن في ضوء خطاب محمود درويش الشعري نرى أن عملية التوحد بين المرأة عموماً والوطن، أو الأم والأرض، من الظواهر الأسلوبية الأثيرة لديه، إذ يتخذ من المرأة/الأم -عادة- معادلاً موضوعياً للأرض أو الوطن، ليفرغ من خلاله أحاسيسه ومشاعره التي تجيش في داخله تجاه وطنه، فالحديث ظاهرياً يبدو عن الأم، ولكن ما إن ندخل إلى أعماق الدلالة والبنية العميقة للنص حتى نصل إلى حب الوطن والهيام فيه، فالوطن عند درويش أمه، وأخته، ومعشوقته، وهو كل شيء في حياته، واختياره للأم لم يكن عفوياً، بل لأنه يدرك أن هذا الرمز المميز لا يمكن أن يعلو عليه رمز آخر، لا من حيث الدلالة العميقة، ولا من حيث القدرة على تجسيد مميزات الجماعة الفلسطينية عن غيرها، لأن الأمهات لا تتشابه.

جزء من ورقة مقدمة إلى ملتقى الشارقة للشعر العربي، الدورة العاشرة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"