أقبية التعذيب «الإسرائيلية».. نازية!

03:21 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

أعاد تعذيب الأسير الفلسطيني سامر العربيد من مدينة رام الله على أيدي محققي جهاز «الشاباك» ونقله إلى مستشفى هداسا وهو في حالة الخطر الشديد إلى الأذهان، ماضي التعذيب الصهيوني للأسرى الذي لم يتوقف أبداً. فأقبية التحقيق في المعتقلات «الإسرائيلية» شهدت على مدار كل سنوات الاحتلال صنوفاً مختلفة من التعذيب أودت بحياة عشرات المعتقلين الفلسطينيين وأورثت عاهات دائمة بدنية ونفسية لآلاف آخرين.. إنها أساليب تعذيب تشبه تلك التي استخدمت في المعتقلات النازية.
يشهد الكثير من منظمات حقوق الإنسان الدولية على أن دويلة الاحتلال تمارس على الدوام وبشكل منهجي سياسة تعذيب المعتقلين الفلسطينيين بقصد انتزاع اعترافات منهم أو كوسيلة عقابية ردعية.
وخلافاً لادعاءات الاحتلال الحضارية والإنسانية والالتزام بالمواثيق الدولية بشأن كرامة الأسرى والمعتقلين، فإن التعذيب كان ولا يزال وسيلة تمارس في أقبية التحقيق «الإسرائيلية» وبغطاء قانوني أيضاً. ورغم أن المحققين الصهاينة في الماضي لم يكونوا يتورعون عن التعذيب وصولاً إلى القتل، كما حدث مع أسرى باص خط 300 في العام 1984 حينما قتل رجال الشاباك اثنين من الأسرى بدم بارد. وقد اعترف أحد قادة الشاباك في حينه، إيهود ياتوم، لصحيفة «يديعوت أحرنوت» في مقابلة صحفية عام 1996 : «بأنني هشمت جمجمتيهما بأمر من رئيس الشاباك أبراهام شالوم وأنا فخور بما فعلت». وكانت هذه بداية الاعتراف اليهودي الرسمي ليس فقط بالتعذيب وإنما أيضاً باستخدام أسلوب إعدام الأسرى.


وثائق التعذيب

والواقع أن أهم الوثائق في تاريخ إظهار تعذيب الاحتلال للأسرى الفلسطينيين والعرب جاءت في تحقيق موسع نشر في العام 1977 في صحيفة «ساندي تايمز» البريطانية. وكانت الصحيفة تتبعت تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية وخصوصاً تقارير منظمة العفو الدولية لتبدأ بأوسع تحقيق صحفي في هذا الشأن كشف منهجية التعذيب في أقبية الأمن «الإسرائيلية» للأسرى. وأظهر هذا التحقيق أن محققي جهاز الأمن العام (الشاباك) لا يتورعون عن استخدام أية أساليب مهما بلغت شدتها من أجل انتزاع اعترافات من الأسرى الفلسطينيين والعرب. وأشار التحقيق إلى أن المحققين الصهاينة يستخدمون بشكل منهجي وسائل تعذيب بدنية شديدة كالضرب المبرح وتعليق الأبدان لفترات طويلة بأوضاع مؤلمة وصولاً إلى الصعق الكهربي. كما بين أن المحققين يستخدمون وسائل التعذيب الجنسي النفسي والبدني وصولاً إلى ممارسة الاغتصاب.
ولم يجد الاحتلال من وسيلة لانتظار نتائج هذا التحقيق، سوى اتهام القائمين عليه باللاسامية. غير أن هذا التحقيق فتح الباب أمام أوسع انتقادات دولية ل«إسرائيل» وأوضح للعالم طبيعة ومنهجية وسائل التعذيب التي يمارسها، ما قاد العديد من منظمات حقوق الإنسان في الكيان إلى رفع الصوت ضدها بشكل أعلى. وقد عرض الأمر على المحافل القضائية «الإسرائيلية» التي ترددت أحياناً بين تأييد أساليب عمل الشاباك في ممارسة التعذيب وبين انتقادها. وبقي هذا هو الحال إلى أن تحولت قضية التعذيب خصوصاً بعد قضية الباص 300 وانكشاف أساليب كذب رجال الشاباك إلى قضية رأي عام، تشكلت بعده لجنة تحقيق رسمية برئاسة القاضي موشي لانداو. وقد نظمت لجنة لانداو أساليب التعذيب التي يمكن لمحققي الشاباك استخدامها وحددت مستويات المسؤولية عن كل واحدة منها وجهة القرار باستخدامها. وهكذا صار محقق الشاباك بحاجة إلى مصادقة جهة أعلى منه على ممارسة أشكال معينة من التعذيب وحاجة قيادة الشاباك أحياناً إلى مصادقة جهة قضائية على التعذيب.


التماسات حقوق الإنسان


كما أن المحكمة العليا «الإسرائيلية» دخلت على الخط وناقشت مسائل التعذيب بعد التماسات من عدد من منظمات حقوق الإنسان. ودخلت على الخط «مغسلة» الكلام حيث لم تعد الوثائق الرسمية اليهودية تتحدث عن التعذيب وإنما عن «الضغط البدني المعتدل» وكأن هذا الضغط «المعتدل» الذي يتضمن تقريباً كل وسائل التعذيب المعروفة، ليس تعذيباً. وسمحت هي الأخرى ب«الضغط المعتدل» وفق قيود قيادية وقضائية معينة. كما بدأ الاحتلال باستخدام تعبير «وسائل تحقيق غير معتادة» للتغطية على استخدام التعذيب كمنهج.
وحيث إن الأمن هو «البقرة المقدسة» في «إسرائيل» فإن مداخل حصول محققي الشاباك على الأذونات اللازمة من الجهات القيادية أو القضائية الأعلى كانت يسيرة. يشهد على ذلك أيضاً ما جرى مع الأسير سامر العربيد الذي جرى التحقيق معه بوسائل تعذيب قاسية وصلت، كما هو واضح، إلى حدود تهشيم صدره ووجوده في حالة الخطر الشديد في قسم العناية المكثفة. وقد تم التحقيق مع سامر في ظل أذونات قيادية وقضائية بادّعاء أن سامر «قنبلة موقوتة». وقد أتاحت توصيات لجنة لانداو لمحققي الشاباك ممارسة أقسى أشكال التعذيب لمن يعتبر في نظرهم «قنبلة موقوتة» أي شخص يملك معلومات تكشف ما قد يحول دون وقوع عملية تودي بأرواح بشر.
وكان سهلاً على الدوام لجهاز الشاباك تقديم هذا الادعاء حيث إنه قال في تبرير ما جرى مع الأسير سامر العربيد أن سامر لديه «عبوة ناسفة» أخرى يمكن لآخرين استخدامها لتفجير مستوطنين في الضفة الغربية.


مآسي أقبية الاحتلال


وتشهد كل المعطيات وتقارير منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية على أن حالة سامر العربيد ليست فريدة وإنما هي جزء من مسلسل متواصل لم ينقطع أبداً يتعرض له المعتقلون في أقبية تحقيق الكيان. وكشفت التقارير الأخيرة عن تعرض عشرات المحررين من المعتقلات «الإسرائيلية» مؤخراً للتعذيب واستمرار معاناتهم من آثاره حتى بعد تحررهم من الأسر. ويروي الكثير من الأسرى المحررين مؤخراً عن أساليب التحقيق «المقرة قانوناً» في الكيان وبينها طريقة «الموزة» حيث يجلس محقق على رجلي الأسير المقيد ويبدأ بهزه بشكل قوي. كما يتحدثون عن أسلوب الربط على كرسي ومنعه من النوم وربط الأيادي من الخلف على أنبوب في جدار بحيث يبقى شبه مقرفص في وضعية مؤلمة لساعات طويلة. وكل ذلك عدا أساليب التعذيب النفسي من خلال اعتقال الأطفال أو النساء والتهديد بتعذيبهم أو إعدامهم. ومعروف أن منظمة «بتسيلم» لحقوق الإنسان أظهرت في أحد تقاريرها أن الشاباك يستخدم ما لا يقل عن 150 وسيلة لتعذيب المعتقلين.
ومعروف أن الاحتلال لا يستثني الفتيات لا من الاعتقال ولا من التعذيب. وكشف العديد من الأسيرات مؤخراً ما يتعرضن له من وسائل تعذيب أثناء التحقيق معهن في أقبية الشاباك. ولا يختلف هدف التعذيب عند الأسيرات عن هدفه عند الأسرى لأن الغاية واحدة، إما انتزاع معلومات أو ممارسة أشكال عقابية تهدف إلى الردع.
عموماً تظهر إحصائية نشرها نادي الأسير الفلسطيني مؤخراً أن ما لا يقل عن 73 فلسطينياً قتلوا في أقبية التحقيق الصهيونية أثناء التحقيق معهم. وأشارت هذه الإحصائية إلى أن 95% من المعتقلين يتعرضون للتعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقالهم وأن التعذيب يستمر طوال فترة التحقيق معهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"