الإمارات تقاوم التصحر

ينتج عن سوء استخدام الموارد الطبيعية
05:17 صباحا
قراءة 8 دقائق
تحقيق: أشجان محمود
التصحر وتدهور الأراضي من المشاكل البيئية الرئيسية والتي ترجع إلى الاستخدام غير المستدام والجائر للموارد الطبيعية، وتلعب العوامل المناخية السائدة ودوراً كبيراً في تفاقمها، ولم وتعد تقتصر على كونها مشكلة محلية بل أصبحت عالمية مثيرة للقلق، خاصة في ظل استمرار التحديات الطبيعية والضغوط البشرية وفي مقدمتها ظاهرة تغير المناخ والتي يترتب عليها تداعيات اقتصادية واجتماعية وبيئية .
وتشير التقارير الصادرة عن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر وإلى أن العالم يفقد سنوياً نحو 24 مليار طن من التربة الخصبة، و12 مليار هكتار من الأراضي بسبب التصحر والجفاف، إضافة إلى أن 52% من الأراضي الزراعية تعرضت للتردي بدرجات متفاوتة، الأمر الذي ينطوي على انعكاسات سلبية على الجهود المحلية والإقليمية والدولية الموجهة لمكافحة الفقر وتحقيق الأمن الغذائي .
وبالنسبة إلى مشكلة التصحر في الدولة، يقول سلطان علوان وكيل وزارة البيئة والمياه المساعد للموارد المائية والحفاظ على الطبيعة إن التصحر لا يعني فقدان الأراضي لمصلحة الصحراء أو زحف الكثبان الرملية، بل وفقاً للتعريف المعتمد من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر فهو تردي الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة وشبه الرطبة نتيجة عوامل مختلفة من بينها الاختلافات المناخية والأنشطة البشرية، وتعاني عدة دول في العالم تدهور الأراضي والتصحر، وخاصة الأراضي التي تقع في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه رطبة، ومن بينها الإمارات التي يتميز فصل الصيف فيها بدرجات حرارة عالية، وارتفاع والرطوبة النسبية وانخفاض معدّل تساقط الأمطار .
يضيف: "بذلت الدولة جهوداً عدة لمكافحة التصحر على الرغم من قسوة الظروف المناخية التي تشهدها ومنها إنشاء المحميات الطبيعية، حيث بلغ عدد المعلن الرسمي منها 27 محمية، وزراعة أعداد كبيرة من الأشجار بهدف تجميل الشوارع والحدائق وزراعة المنتزهات والغابات وتثبيت الرمال ومنع انجراف التربة حتى تصبح مصدات للرياح، وبلغت مساحة الغابات المزروعة و318 ألف هكتار عام ،2011 وإعداد خريطة للتربة بالدولة وبهدف توفير قاعدة بيانات حول توزيع مختلف أنواع التربة، وتحديد المناطق القابلة للاستصلاح الزراعي والاستخدامات الأخرى، للوصول إلى فهم دقيق مبني على أسس علمية لطبيعة التربة، وإصدار أطلس التغيرات في المنطقة العربية بدعم من هيئة البيئة وفي أبوظبي ومبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة والذي يكشف عن التغيرات التي طرأت على أكثر من ثمانين موقعاً في المنطقة العربية، باستخدام مجموعة من الصور الفوتوغرافية وصور معاصرة وقديمة التقطت بالأقمار الاصطناعية، وتُظهر هذه الدراسات والتي تتناول حالة المواقع "قبل وبعد" وتيرة النمو في المنطقة العربية بالاعتماد على عدد من الأمثلة والنماذج حول التغيرات البيئية على نطاق واسع، وتنفيذ عدة أنشطة توعوية مثل حملة "الصحراء تنبض بالحياة"، ومبادرة و"لتبقى مدرستي خضراء" و"أسبوع التشجير" وغيرها والتي ساهمت في زيادة الوعي وأثمرت عن زراعة آلاف الأشجار في مختلف أنحاء الدولة" .
ومن الجدير بالذكر أن الدولة انضمت إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر منذ عام 1998 بموجب قرار مجلس الوزراء، وأعدت أول استراتيجية وطنية لمكافحة التصحر عام ،2003 وتم الانتهاء من إعداد مسودة وتحديث الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر وفقاً للاستراتيجية العالمية (2008-2018) .
وعن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر، يوضح علوان: "قامت الدولة منذ عام 2003 باعتماد أول استراتيجية وطنية لمكافحة التصحر وجرى هذا العام تحديثها بما يتلاءم مع الاستراتيجية العشرية وللاتفاقية للفترة من (2008-2018)، وتضمنت المسودة مجموعة من الموجهات الرئيسية منها تحسين حالة النظم البيئية المتأثرة والتركيز على دور برامج مكافحة التصحر في حفظ التنوع البيولوجي والحد من تغير المناخ وزيادة التوعية والتعليم على المستوى الوطني والاهتمام بقضايا التصحر وتدهور الأراضي والجفاف وبناء القدرات والتطوير المؤسسي والتشريعي ومواكبة التطور العالمي العلمي والتقني والمعرفي في مجال مكافحة التصحر وتدهور الأراضي والتخفيف من آثار الجفاف" .
وتعد المحافظة على التنوع البيولوجي في الصحراء - على حد قول علوان - أحد المحاور المهمة في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر، واقترحت في هذا الصدد مجموعة من المبادرات تتمثل في توسيع إنشاء المحميات الطبيعية بهدف المساهمة في المحافظة على التنوع البيولوجي وإجراء مسوحات دورية للأنواع النباتية، وتحديد الأنواع المهددة بخطر الانقراض، وتنفيذ مشاريع حماية الغطاء النباتي الطبيعي حول التجمعات السكانية والمنشآت الاقتصادية، وإنشاء الأحزمة الخضراء حول المدن والمنشآت الاقتصادية وعلى جوانب الطرق مع الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة في الري .
يضيف: "يعتبر مناخ الإمارات قاحلاً والأمطار شتوية بصفة عامة ومعدل التساقط المطري السنوي المتوسط على الدولة يقدر ب100 ملم وربما يصل إلى ما دون ذلك في المناطق الصحراوية إلا أن الأمطار التي تسقط فوق المناطق الجبلية خاصة في المناطق الشرقية والشمالية والوسطى من الدولة يصل معدلها السنوي إلى 160ملم مما ينتج عنه جريان سطحي في الوديان يتفاوت من سنة لأخرى وفقا لمعدلات الأمطار، وبينت الدراسات التي أجريت على عدد من الأودية في تلك المناطق أن معدل التدفق السنوي فيها يصل إلى ملايين الأمتار المكعبة، تبعاً لشدة الأمطار، تذهب هدراً إلى مناطق لا يستفاد بها أو تصرف إلى البحر، ولذلك أقيمت السدود والحواجز لصد المياه التي تنحدر في تلك الأودية في أحباسها السفلى، وبلغ العدد الإجمالي للسدود والحواجز في الدولة ،130 وتقدر سعتها التصميمية 120 مليون متر مكعب وتوجد معظمها في المناطق الجبلية في الفجيرة ورأس الخيمة والشارقة وعجمان ومناطق العين وحتا ومصفوت وفلج المعلا، وساهمت تلك السدود في تعزيز وتحسين وتنمية الموارد المائية ودرء مخاطر السيول والفيضانات وحصدت كميات كبيرة من المياه في بحيراتها منذ بدء إنشائها عام 1982م وحتى ديسمبر2013م تقدر بأكثر من 600 مليون متر مكعب أي نحو 132 مليار غالون .
ويرى علوان أن أفضل الممارسات لمكافحة التصحر المعترف بها دولياً، والتي تبنتها الاستراتيجية تركز على انتهاج عدة آليات منها تطبيق تقنيات الإدارة المستدامة للأراضي، وتنويع الإنتاج، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، والحد من التعرية، وتضمنت الاستراتيجية أيضاً عدة مبادرات منها تنفيذ مشاريع حماية الغطاء النباتي الطبيعي حول التجمعات السكانية والمباني، وإنشاء الأحزمة الخضراء حول المدن والمنشآت الاقتصادية وعلى جوانب الطرق مع الاستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة في الري، وتنفيذ برامج تشجع على استخدام المياه بكفاءة، وترشيد استخدامها في زراعة المحاصيل ذات الاحتياجات المائية القليلة والمقاومة للجفاف والملوحة، وضع خطط لتعميم تطبيق أساليب الري الحديث وتنظيم الري وللتقليل من عمليات التبخر، وتعزيز استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة وفي ري الحدائق والمناظر الطبيعية وبعض المحاصيل الزراعية واستخدامها في بعض المجالات الصناعية .
ومن جانبها أكدت هنا السويدي رئيس هيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة أن الهيئة منذ تأسيسها تسعى بطرق مختلفة إلى مكافحة التصحر من خلال برامج توعوية تستهدف شريحة واسعة من المجتمع خاصة طلاب المدارس باعتبارهم النشء الأول، وعندما يكونون على وعي بالمشكلات البيئية من حولهم فسيساهمون مستقبلاً في مكافحتها وكذلك علاج الظواهر التي تسبب الخلل البيئي .
وقالت السويدي ينبغي أن تكون الأولوية الأولى في مكافحة التصحر لتنفيذ تدابير وقائية بالنسبة للأراضي التي لم تصب بالتردي بعد، أو التي لم تتدهور إلا بقدر طفيف، ولا ينبغي إهمال المناطق المتردية تردياً شديداً، وتعد مشاركة المجتمعات المحلية، والمنظمات الدولية والإقليمية، أمراً أساسياً في مكافحة التصحر والجفاف باعتباره فرصة فريدة لتذكير الجميع بأن مكافحة التصحر يمكن أن تعالج بفاعلية، والحلول ممكنة، والأدوات الرئيسية لتحقيق هذا الهدف تكمن في تقوية المشاركة المجتمعية والتعاون على جميع الصعد، مؤكدة أن التصحر له آثار سلبية منها انتشار الفقر على نطاق واسع بسبب تردي أراضي الرعي وانخفاض مساحتها لاستيعاب البشر والحيوان، وانخفاض خصوبة التربة أيضاً .
تضيف: "نظمت الهيئة حملات تشجير لمحمية المنتثر عام 2012 وحمل المشاركون شتلات أشجار الغاف التي وصل عددها إلى 200 شتلة حيث غرست في جميع أركان المحمية وسعت الهيئة من خلالها إلى نشر التوعية البيئية ومكافحة التصحر وإعادة التوازن البيئي لصحارى الدولة، وتأكيد المسؤولية المجتمعية في الحفاظ على بيئات المناطق البرية من خلال الإسهام في مشاريع حملات التشجير التي تعد من الحملات الوطنية التي تحرص عليها الدولة وخاصة الشارقة" .
ومن جهتها أكدت حبيبة المرعشي رئيسة مجموعة الإمارات للبيئة أهمية الحفاظ على الموارد البيئية الموجودة في الدولة من خلال إعداد برامج توعوية تخاطب الجمهور، وتبرز أهمية التشجير وتدوير النفايات وهي أمور تعيد للبيئة مواردها التي تفقدها بسبب التصحر .
تقول المرعشي: تأخذ المجموعة على عاتقها منذ 8 سنوات بعد انضمامها لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إرسال رسالة سنوياً تحمل في طياتها توعية وتحذيراً للمواطنين بأهمية الحفاظ على البيئة من التصحر، وهذا العام كانت الرسالة بعنوان "تربتنا مستقبلنا فلنحميها من تغير المناخ"، لذلك أطلقت حملات توعية تدعو إلى الاهتمام بالموارد المائية في الدولة، وتحذر من خطورة استغلال موارد الأرض الطبيعية، وفي 2007 أطلقت المجموعة حملة المليون شجرة والتي تطورت بعد ذلك لحملة "من أجلك يا إمارات نزرع"، وهي محاولات لنرد للأرض بعضاً مما سلب منها، وهناك حملات أخرى لزراعة الأشجار المعمرة في الدولة لمكافحة التصحر والتي تتغذى على المياه الجوفية، وتمنع الزوابع الرملية التي تزحف على المناطق السكنية .
وعلى مستوى العالم يغطي التصحر 42% من اليابسة - على حد قول المرعشي- وتعد الإدارة السيئة للأراضي الزراعية السبب الأول والرئيسي في تحويلها إلى صحراوية، وكذلك زراعة محاصيل غير مناسبة للتربة .
ويرى د . أحمد مراد وكيل كلية العلوم بجامعة الإمارات أن الدولة بذلت جهوداً عظيمة في مكافحة التصحر، وبدأت الصورة القديمة لها والتي تتمثل في كونها عبارة عن مساحات شاسعة من الصحراء القاحلة، تتحول لتصبح من صور الماضي بعد أن خصصت الموارد المالية الكافية لتمويل المشاريع التنموية ومنها الزراعية حيث عملت على استخدام الري الحديث في الأراضي الزراعية عن طريق توفير منح القروض والمساعدات الفنية وتوفير البذور المحسنة والخدمات الإرشادية المجانية، وأصبحت نسبة استخدام أساليب الري الحديثة تغطي 90% من مساحة الأراضي الزراعية ما يساعد على توفير من 40% إلى 60% من المياه، واعتمدت المخصصات المالية لذلك واتباع دورة زراعية يتم التركيز فيها على تنمية المحاصيل الأقل تعرضاً للتلف وذات المقننات المائية المنخفضة .
يضيف: "عملت الدولة أيضاً على تنمية مواردها المائية، زاد إنتاج المياه نتيجة التنمية والتطور الاقتصادي الذي شهدته مع النمو السكاني، واهتمت بتحلية المياه المالحة فهناك أكثر من 30 محطة تحلية موزعة في مختلف إمارات الدولة، واتجهت الحكومة إلى إقامة محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي ووصل عددها إلى أكثر من 26 محطة منها 19 في أبوظبي، واهتمت وزارة البيئة والمياه بصيانة الأفلاج التي يقدر عددها ب 150 فلجاً ما زال يعمل منها ،50 وقامت بإنشاء السدود لزيادة تغذية الخزان الجوفي والاستفادة من مياه الأمطار .
ومشكلة التصحر من المشاكل البيئية التي تؤثر في البشرية ومستقبلها -هكذا يستطرد د . مراد حديثه قائلاً: "ولها تأثير مباشر في الأراضي الزراعية وبالتالي على غذاء الإنسان، وهذا بدوره له تبعاته السلبية على صحته ونمط معيشته، والتصحر يبدأ بتدهور الأراضي الزراعية ثم تعرية سطح التربة إلى أن تفقد المياه الموجودة فيها، وتشكل البيئة الصحراوية في الإمارات ما يقارب 80% من مساحة الدولة، وعند النظر إلى تعريف التصحر وهو تحويل الأراضي الزراعية إلى مناطق شبيهة بالصحراء، وبالتالي تعتبر المناطق الشرقية والشمالية من الدولة الأكثر عرضة للتصحر، ولكن جهود الدولة تواصل مكافحته" .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"