المبشر "زويمر"

ذاكرة المكان
13:18 مساء
قراءة 3 دقائق

تعد تقارير ومذكرات الرحالة ورجال النفط والساسة الأوروبيين مصدراً معرفياً رئيساً لكثير من مشاهد الحياة السياسية والاقتصادية والطبيعية والإدارية في المنطقة، خلال القرن التاسع عشر وحتى انتهاء الوجود البريطاني كقوة حامية وذات نفوذ مسيطر .

أما تقارير ويوميات ومذكرات الارساليات التبشيرية، وهي في معظمها أمريكية، فقد انفردت باستطلاع الحياة الاجتماعية والسكانية والثقافية للمنطقة، وبخاصة حينما كانت تقدم خدماتها الصحية والتعليمية للأهالي، وتظل على اتصال معهم، وتعيش حياتهم اليومية، وتستخدم في جولات أعضائها وسائل المواصلات المتوافرة كالحمير والجمال والمراكب الشراعية، وفي سنوات متأخرة استخدم بعضهم الدراجة الهوائية، والتي أطلق عليها بعض الأهالي مصطلح خيل إبليس كما تقول فاطمة الصايغ في بحث لها حول المبشرين في الخليج .

وقد اسهمت عوامل عدة في تغلغل هذه الارساليات، وأهمها غياب الخدمات الصحية والتعليمية، والتي كانت الارساليات التبشيرية تحرص على تقديمها للأهالي المحتاجين في إطار مهامها الدينية، وتوزيع نسخ من الكتاب المقدس، والذي يضم العهدين القديم والجديد .

ومن أوائل من وصل إلى الإمارات، من قادة التبشير، الكاهن الأمريكي صومويل زويمر (1867-1952) في مطلع فبراير/شباط ،1900 وقد زار الشارقة ودبي وجزيرة أبو موسى، وتكررت زياراته في الأعوام التالية، والتقى بحاكم أبوظبي الشيخ زايد بن خليفة الملقب بالكبير، وحظي بضيافة الحاكم، وتحدث في مذكراته ويومياته عن أحوال أبوظبي وحاكمها، وقال إن عدد سكانها لا يزيد على عشرة آلاف نسمة، وذكر أنه باستثناء قصر الحصن، والإثني عشر منزلاً، فإن كل بيوت أبوظبي بنيت من سعف النخيل، وتمتد على شاطئ البحر لمسافة ميلين تقريباً . لكن يبدو أن كل رحلاته لم تحقق أغراضها التبشيرية، كما لم تنجح في شراء أراضٍ لإقامة بيوت سكنية وكنيسة . وبخاصة أن السلطات البريطانية كانت هي الجهة التي تملك مثل هذه القرارات .

لكن فرق الارساليات التبشيرية عالجت العديد من المرضى في الشارقة ودبي، بعد أن أدركت صعوبة التنصير، وأوفدت طبيبين إلى الإمارات هما شارون توماس وستانلي ماليري . كما طلب حاكم أبوظبي الشيخ حمدان بن زايد في عام 1918 طبيباً من مقر الارسالية العربية في البحرين لعلاج عمه من جلطة، وارسلت له الطبيب بول هاريسون الذي بقي نحو أسبوع في الإمارة، وعالج مئات المرضى الذين يعانون من الملاريا والتراخوما وأمراض اللثة، ثم انتقل بعد ذلك إلى دبي والشارقة ورأس الخيمة، وكان الطيب هاريسون يعتقد أنه فتح ساحل القراصنة أمام البعثات التبشيرية، وقدم وصفاً لمغاصات اللؤلؤ ومياه الشرب، وانتقد استخدام الرقيق في عمليات الغوص على اللؤلؤ . وتقول فاطمة الصايغ: جاء هاريسون مرة أخرى في عامي 1922-،1928 بطلب من حاكم دبي، ومن ناصر لوتاه في عجمان، وانشأ مستشفى صغيراً من سعف النخيل .

وفي سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، اتخذت الطبيبة سارة هو سمان الشارقة مقراً لنشاطها الطبي والتبشيري، واشتهرت طوال الخمسينات وظلت تقدم خدماتها إلى فترة قريبة .

***

ويعتبر الكاهن زويمر هو الرائد الأساسي للارسالية العربية في منطقة الجزيرة العربية والخليج، وقد بدأت هذه الارسالية أعمالها في عام ،1889 وهي مرتبطة بالكنيسة الاصلاحية في ولاية نيوجرسي الأمريكية .

وانطلقت من بيروت ثم البصرة والتي بقيت فيها حتى عام ،1958 وعملت تحت حماية القنصليات الأمريكية .

وزار زويمر البحرين، وافتتح في عام 1893 مكتبة للكتاب المقدس، وبعدها عيادة صحية ومدرسة .

وفي عام 1902 تم إنشاء مستشفى ماسون التذكاري في البحرين، وفي عام 1926 تم بناء مستشفى آخر هو مستشفى ماريون ويلز توماس، وكذلك الأمر حدث في مسقط، حيث بنى زويمر مدرسة ومستشفى وكنيسة في عام 1908 .

أما في الكويت، فقد كانت هناك معارضة رسمية للنشاط التبشيري واستمرت حتى عام ،1910 لكن حينما نجح الطبيب المبشر بينيت والقادم من البصرة، في معالجة عين ابنة الشيخ مبارك، سمح له بممارسة الطب في الكويت، ومنحه الأمير بيتا قريباً من قصره، وشراء أرض ليبني عليها عيادة صحية، استمرت في عملها حتى عام 1965 .

وفي قطر، عالجت ممرضة قادمة من الارسالية العربية بالبحرين، حاكم قطر في عام ،1940 وبعدها بعدة سنوات تم تأسيس أول مستشفى لمعالجة ضحايا البعوض المتسبب بمرض الملاريا .

توفي زويمر في عام ،1952 بعد أن نشر كتاب العالم الإسلامي اليوم وترأس في القاهرة والهند وفارس مؤتمرات للتبشير، طوال نصف قرن، بقي المستشفى والمدرسة وفشل التبشير .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"