«الزرقة».. مؤشر للإصابة بأمراض القلب

02:15 صباحا
قراءة 7 دقائق
تحقيق: راندا جرجس
عندما يولد الأطفال تكون بشرتهم ناعمة وشفاههم وردية، لكن إذا تحول أي جزء من وجه أو جسم الطفل إلى الأرجواني أو الأزرق، يجب البحث عن السبب لئلا يكون مرضاً داخلياً يتعلق بالتنفس أو الدورة الدموية، ومن هذه الأمراض المنتشرة «ازرقاق الأطفال»، الذي يحدث عن نقص أشباع الأوكسجين الشرياني، وهو على نوعين: الزرقة المركزية التي تظهر على اللسان والشفاه، والزرقة الطرفية التي تصيب الأطراف والأصابع والأظافر، وفي السطور القادمة نتحدث عن الأعراض والتشخيص وطرق العلاج الحديثة.
يقول الدكتور أحمد السكري، اختصاصي أمراض القلب، أن الزرقة هي مؤشر على أن الطفل لا يملك ما يكفي من الأوكسجين في دمه، وفي أغلب الأحيان يمكن أن تسبب الزرقة عيوباً خلقية في القلب، كما يمكن أن تكون أيضاً ناجمة عن صدمة أنتانية، ونوبات صرع أو مشاكل في الرئة، مثل الالتهاب الرئوي، والربو أو الخناق، لكن الزرقة ليست بالضرورة كلها سيئة، فأغلب الأطفال من حديثي الولادة والرضع يعانون زرقة الأطراف والشفاه، وتسمى هذه الزرقة بالزرقة الموضعية، وعادة ما تختفي مع نضوج جهاز الدورة الدموية للطفل.
الزرقة المركزية

يبين د. السكري عن الزرقة المركزية تفصيلاً، أنها تحدث عندما يتحول وجه الطفل أو جسمه إلى اللون الأزرق، ويمكن أن يكون ذلك مؤشراً يدل على مشكلة داخلية أكثر خطورة، ويحتاج الطفل في هذه الحالة إلى تشخيص وعلاج من طبيب مختص، وبينما يمكن أن تكون الشفاه الزرقاء من أعراض الزرقة المركزية، إلا أنه في بعض الأحيان يمكن أن يكون أمراً طبيعياً تحول شفاه الطفل إلى اللون الأزرق، وخاصة عند البكاء والصراخ، أو تناول الطعام، وهنا يلاحظ الأهل أيضاً أن المنطقة المحيطة بشفاه الطفل الصغير تتحول إلي اللون الأزرق بعد نوبة الغضب أو عند القيام بنشاط بدني، وفي هذه الحالات، يجب ألا تتحول الشفاه نفسها إلى اللون الأزرق، بل محيط الفم فقط، ويجب أن يكون لسانه وداخل فمه وردياً.
تصنيف العيوب الخلقية

ويفيد د. السكري: يمكن أن يصاب أي جزء من الجهاز القلبي الوعائي بمشاكل خلقية، وربما يحدث أكثر من عيب في القلب نفسه، وتكون بعض العيوب خفيفة بحيث لا يتم ملاحظتها عند الولادة، بينما تؤدي عيوب أخرى إلى مشاكل كبيرة بعد ولادة الطفل بفترة قصيرة، وتشتمل العيوب الشائعة على ما يلي:
} التشكّل الشاذ للأوعية الدموية، ما يعيق الجريان الدموي.
} الصمامات التي تسدّ الجريان الدموي، أو تسمح بالتسرّب الراجع (الخلفي)، أو تكون غير موجودة.
} التوصيلات الخاطئة أو المعكوسة بين الشرايين الرئيسية والقلب، أو بين الأوردة الرئيسية والقلب.
} العيوب في الحواجز بين الأذينين أو البطينين، التي تسمح بجريان الدم من الجهة اليمنى للقلب إلى اليسرى دون المرور بالرئتين، أو من الجهة اليسرى إلى اليمنى دون المرور ببقية الجسم.
تشخيص الحالة بعد الولادة

ويوضح د. السكرى، أنه غالباً ما ينظر الأطباء إلى العيوب الخلقية من زاوية إحداثها لازرقاق الجلد (الزراق)، فربما سمعت «بالأطفال الزرق»، فبعض دم هؤلاء يجول عبر أجسامهم دون المرور بالرئتين للحصول على المزيد من الأوكسجين؛ ولذلك تبدو جلودهم بلون أزرق داكن، ويشخص الطبيب عيوب القلب الخلقية الخطرة في مراحل الطفولة الأولى، لكن بعض العيوب الخطرة والمهمة قد تظهر في مراحل لاحقة، وفي حالات قليلة لا يكتشف العيب إلا عندما يصبح الطفل مراهقاً أو بالغاً، وتجدر الإشارة إلى أنه عندما تكون مشكلة القلب مهمة، يحيل الطبيب الحالة على اختصاصي في التشخيص ومعالجة مشكلات القلب، الذي يحدد بدوره ما إذا كانت هناك مشكلات مهمة تتطلب مراقبة دقيقة أو حتى جراحة، ولتشخيص الحالة يسجّل الطبيب في المرحلة الأولى المعلومات الطبية المتعلّقة بالطفل ويجري له الفحص السريري، وربما يطلب أيضاً صوراً شعاعية أو تخطيطاً لكهرباء القلب أو صورة صوتية للقلب أو فحوصاً مخبرية، علماً بأن الصورة الشعاعية تعطي معلومات عن الرئتين وعن حجم القلب وشكله، وتسمح هذه النتائج مجتمعة للطبيب بتشخيص الحالة، وإعطائه معلومات دقيقة عن بنية القلب ووظيفته، أو يطلب إجراء فحوص أكثر دقة في المستشفى لتشخيص الحالة بشكل أفضل من خلال تمييل القلب.
علاج ازرقاق الطفل

ويؤكد د. السكري أن هناك أموراً كثيرة يحدد على ضوئها الطبيب نوع العلاج المناسب، وأهمها حالة المريض، فكل طفل يختلف عن الآخر سواء بنوع العيب الموجود أو حجمه، ومكانه، أو وجود عدة عيوب مجتمعة، التي ربما تكون مخففة للتأثير أو تفاقم الأثر، وهل الوقت يعد مناسباً للتدخل الجراحي أم لا، كما أن بعض هذه العيوب الخلقية لا تحتاج إلى أي علاج ومعظمها تفيد في علاجها الأدوية، وبعض الأطفال يتم علاجهم عن طريق القسطرة أو يحتاجوا إلى عملية جراحية.
ويضيف: يمكن أن يؤدي الكثير من أنماط أمراض القلب الخلقية إلى مشاكل هامة مباشرة أو أنها تبدأ بعد الولادة فوراً، حتى إن بعضها ربما يؤدي إلى تغيّرات غير قابلة للتعديل (دائمة) يمكن تصحيحها بالجراحة لاحقاً في الحياة؛ ولذلك، هناك ميل مع السنين لإجراء جراحة للأطفال المصابين بمرض قلبي خلقي في مراحل مبكرة من العمر، وفي الأمراض القلبية الزراقية، لا يجري ما يكفي من الدم عبر الرئتين لالتقاف الأوكسجين اللازم لإمداد الجسم، وتتضمن عملية بلالوك، توسيع زيادة الجريان الدموي عبر الرئتين بإجراء توصيل (تحويلة Shunt ) خارج القلب بين شريان كبير في إحدى الذراعين وشريان كبير متجه إلى الرئتين، وهكذا، لا تؤدي عملية التحويلة هذه إلى تصحيح العيوب داخل القلب والمسبّبة للنقص الشديد في الجريان الدموي عبر الرئتين، وإنّما تخفّف (تلطّف) الزرقة والتعب بزيادة الجريان الدموي الرئوي.
تقنيات متطورة

وعن العلاجات الحديثة لازرقاق الطفل، يذكر الدكتور سوندر كومار، اختصاصي وجرّاح القلب، أن التطور التكنولوجي والطبي أدى إلى تشخيص أمراض القلب لدى الجنين داخل الرحم في الشهر الخامس من فترة الحمل بدقة، من خلال التصوير الصوتي العادي والملون للقلب وإمكانية التدخل للمعالجة بالأدوية إذا لزم الأمر في حالات سرعة نبضات القلب أو الهبوط في عمل القلب أما العمليات الجراحية للجنين فما زالت قيد الاختبار، ومن الملاحظ أن 80% من الحالات لا تعرف أسباب الإصابة، فيما 20% من الحالات ناتج عن تناول الحامل لبعض الأدوية أو تعرضها للإشعاعات أو للالتهابات، وتنقسم العيوب والتشوهات الخلقية في قلوب الأطفال إلى:-
1- خلقية أي أن الطفل يولد بهذه العيوب
2- أمراض قلب مكتسبة، أي حدثت لاحقاً أثناء تطور الحياة والنمو وتتوزع مشاكل قلوب الأطفال الخلقية بين البسيط والمعقد.
علاجات حديثة

ويشير د. كومار إلى أن هناك ثمانية أمراض تصيب الأطفال وهي الأكثر شيوعاً من غيرها، وتشمل ثقباً بين البطينين، وبقاء القناة الشريانية مفتوحة، إلى جانب ثقب بين الأذينين، ورباعية فالوت، والتضيق الرئوي، وتضيق برزخ الأبهر نازل، والتضيق الأبهري (الأورطي)، وتشوه تبادل الشرايين الكبيرة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن العلاجات الحديثة توصلت إلى تقنيات تعتمد على إدخال أنبوب خاص من خلال الشريان أو الوريد في الفخذ بدون جراحة، ثم إدخال سدادة أو مظلة عبر الأنبوب ووضعها عبر الثقب وإغلاقه، ثم تحريرها من السلك لتبقى في المكان المناسب بدون الحاجة إلى العمل الجراحي، إضافة إلى تقنيات أخرى تعتمد القسطرة والأنابيب والأنابيب المعدنية والأجهزة القابلة للزرع، ويعتبر مرض القلب الخلقي، الذي يتسبب بوفاة الأطفال في عامهم الأول هو الأكثر شيوعاً، وهو النمو غير الطبيعي للقلب الذي يؤدي إلى علة تولد مع الطفل، ومن أبرز العلاجات الحديثة:-
} تقنية التمييل بدون جراحة، ويمكن إغلاق ثقب القلب بواسطة تقنية التمييل بدون الحاجة إلى جراحة، كما كان الأمر يجري في السابق من خلال عملية القلب المفتوح، وتعتمد هذه التقنية الحديثة على إدخال أنبوب خاص من خلال الشريان أو الوريد في الفخذ بدون جراحة، ثم إدخال سدادة أو مظلة عبر الأنبوب ووضعها عبر الثقب وإغلاقه، ثم تحريرها من السلك لتبقى في المكان المناسب بدون الحاجة إلى العمل الجراحي، وتبقى هذه السدادة مدى الحياة لأنها مصنوعة من مواد لا يرفضها الجسم أبداً، وتستوجب هذه التقنية بقاء الطفل يوماً في المستشفى ليعود بعدها إلى حياته الطبيعية.
} زراعة الصمامات، وهي تشمل العلاجات الجديدة زراعة صمامات مضغوطة في القلب بواسطة تقنية التمييل أو القسطرة وزرعها عبر إدخالها من خلال أنبوب، لكن هذا العلاج لا يزال في خطواته الأولى.
} ثقب القلب وتقنية التشخيص، فإن عوارض ثقب الأذين لا تظهر عادة عند كل الأطفال، فيما يشعر بعضهم بالإرهاق عند الحركة، مع احتمال إصابتهم بالنزلة الصدرية والالتهابات الرئوية، وثمة ضيق في الصمام الرئوي أو المجرى المتجه من الجهة اليمنى للقلب إلى الرئتين، وسببه غير معروف، ويتم التشخيص من خلال الفحص السريري وتخطيط القلب، والتشخيص الدقيق يتم بواسطة التصوير الصوتي للقلب، وهذه التقنية تؤدي إلى تشخيص معظم الحالات، إن لم يكن كلها بنسبة دقيقة وعالية جداً.
ويستكمل: ربما تغيب العوارض البسيطة لدى وجود ثقب صغير في قلب الطفل، لكن طبيب الأطفال يكتشف هذا الأمر لدى الفحص السريري، أما المشاكل المعقدة في القلب فتظهر عوارضها عند الولادة أو خلال الأسابيع الأولى من عمر الطفل، وتشمل الصعوبة في التنفس والزرقة والتعرق الشديد والالتهابات المتكررة والنمو غير الطبيعي؛ ولذلك يجب أن ننتبه جيداً للأعراض، لتسهل عملية التشخيص بشكل صحيح مثل:-
} إذا كانت هذه المشكلة الأخيرة حادة فسوف يصاب الطفل بالإرهاق عند الحركة الزائدة، أما إذا كان بسيطاً فإنه لا يؤثر في الطفل.
} بالنسبة لرباعية فالو، أو ما يسمي بعيوب القلب الولادية الأربعة، فهي عبارة عن تشققات في الجدار الذي يفصل بين جهتي القلب، ويقع هذا الشق في القسم الأدنى من القلب، ما يضيّق المجرى الذي يتجه من الجهة اليمنى من القلب إلى الرئتين، ويمكن أن يؤدي إلى زرقة وتنفس سريع وإغماء للطفل، وقد يتعب الطفل أو يتلوّن جسمه بالأزرق لدى قيامه بحركة زائدة.
} الثقب البطيني يدفع الطفل إلى الشعور الدائم بالتعب، وإذا كانت الفتحة كبيرة، ينمو الطفل ببطء ويصاب بالالتهاب الرئوي بسهولة ويتنفس بسرعة ويبدو شاحباً، أما إذا كان الثقب صغيراً فيلتئم تلقائياً بدون أي تأثيرات جانبية، وعلى الأهل العناية بمشاكل أسنان أطفالهم ومراجعة طبيب الأسنان باستمرار لتجنب الالتهابات القلبية.

الضائقة التنفسية

تعد متلازمة الضائقة التنفسية من الأمراض التي تصيب حديثي الولادة، أو الذين يولدون مبكراً، وهي سبب رئيسي في الوفاة المبكرة، وفي الغالب يكون السبب هو عدم اكتمال نمو الرئتين، وتصيب هذه المتلازمة 1% من الرضع، كما أن احتمال الإصابة يقل مع التقدم في الحمل، فإذا كان العمر الحملي 26 إلى 28 أسبوعاً، فإن احتمال الإصابة 50%، أما إذا كان 30 إلى 31 أسبوعاً، فإنه يقل إلى 25%، وتزداد الإصابة بهذه المتلازمة إذا كانت الأم مصابة بالسكري، ويزداد الاحتمال في حالة الولادة الثانية لتوائم بولادات مبكرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"