كيف تتخلص من داء كرون بدون دواء؟

13:00 مساء
قراءة 5 دقائق

عندما شعر جون مافيولي بالمرض اول مرة كان عمره 19 عاماً وقد عزا ذلك إلى الاجهاد والتعب كونه طالبا جامعيا، ولكن بعد ستة اشهر من الشعور بالمغص الحاد في معدته، فقد 12 كيلوجراماً من وزنه وصار يعاني من تعب شديد.

وبتشخيص حالته، وجد ان جون مصاب بمرض كرون، حيث يقوم الجهاز المناعي للجسم بمهاجمة رقعة المعدة محدثا فيها التهابات وتقرحات.

كان اكثر ما يخشاه هو ان يدفع به هذا المرض الذي اصابه في القناة الهضمية إلى الاعتماد على الادوية مدى الحياة، وربما يضطر لاجراء عملية جراحية، مع زيادة خطر الاصابة بالسرطان.

ولكن على نحو رائع، فقد تخلص جون، وهو واحد من 60 ألف بريطاني مصاب بداء كرون، من اعراض المرض بعد ثماني سنوات من تشخيص اصابته به اول مرة، ومن دون ان يتناول حبة دواء واحدة لعلاج ذلك.

اما الفضل في ذلك فيعود إلى حمية بسيطة اتبعها جعلته يشارك في ماراثون نيويورك وممارسة الرجبي في ناديه. وجون الذي يبلغ من العمر 28 عاماً ويعمل محاسبا، كان واحدا من نحو 1000 مريض شاركوا في تجربة طبية مستمرة يجريها مستشفى ادنبروك في مدينة كامبريدج البريطانية.

وكانت المتاعب الصحية قد بدأت مع جون خلال السنة الاولى من دراسته الجغرافيا في جامعة نوتنجهام.

ويقول متذكرا كنت شعرت بمغص شديد في معدتي، كما لو حدث تسمم غذائي، وفي الايام السيئة كنت اذهب للحمام عشر مرات احيانا.

ويضيف عندما بدأت الدراسة في الجامعة كان وزني 76 كيلوجراماً، ولكن في السنة الثانية انخفض وزني إلى 64 كيلوجراما .. وصرت أبدو نحيفاً جداً وشاحباً ومتعباً معظم الوقت، كما ظهرت دوائر سوداء تحت عيني. وقد تم التأكد من اصابة جون بداء كرون بعد فحص منظاري للقولون وفحوص دم.

وفي الشائع فان هذا المرض يصيب الانسان في عمر يتراوح من 15 عاماً إلى 25 عاماً. وتختفي آلامه اكثر من مرة خلال هذه المدة، ولكن استيقاظ الالم مجددا يسبب مغصا في المعدة وشعورا بالغثيان ومشاكل معوية مؤلمة.

وغالبا، فان المضادات الحيوية تكون خط الدفاع الاول في المعركة ضد الالتهابات عند معظم البالغين الذي يعانون من هذا المرض، وذلك بهدف تخفيف الألم وتعزيز جهاز المناعة، لكن هذا النوع من المضادات التي تستعمل لمثل هذه الحالات قد تكون له مضاعفات جانبية مثل زيادة الوزن واضطرابات المزاج والتهابات مزمنة اضافة إلى زيادة مخاطر الاصابة بسرطانات الغدد الليمفاوية.

ولكن في مستشفى ادنبروك، تمكن استاذ أمراض الجهاز الهضمي البروفيسور جون هنتر وفريقه من تحديد بعض الانواع من الاغذية التي تثير أعراض المرض، وبازالتها من قائمة تغذية المريض فانه يمكن كبت المرض.

ومن الذين شاركوا في تجربة فريق البروفيسور هنتر، يوجد الآن 90% من المرضى الذين اختفت عندهم هذه الاعراض، و65% يمكنهم العودة للاكل الطبيعي بعد خمس سنوات.

وفي المرحلة الاولى من العلاج، يعطى المرضى مشروبات (على شكل عصائر وسوائل) ذات تركيب خاص.

ويوضح البروفيسور هنتر ان هذه المشروبات الخاصة تحتوي على كل الغذاء الذي يحتاجه المريض، وعند تناولها تتكسر بشكل سهل إلى عناصرها الاساسية بحيث لا تكون هناك حاجة لعملية الهضم التي يقوم بها الجسم مثلما هو الحال مع الاطعمة العادية، وباستبعاد الجهاز الهضمي من هذه العملية، فاننا نغلق باب المرض، وبعد اسبوعين أو ثلاثة، فان 90% من المرضى يجدون ان اعراضه قد اختفت.

وقد كان على جون ان يشرب ثمانية صناديق من هذه المشروبات يوميا لمدة اسبوعين.

وقال بعد الاسبوع الاول بدأت أحس بأني عدت طبيعيا، وقد لاحظ الناس تغير لون وجهي، وكنت اشعر باني تحسنت بدرجة تكفي لأن اذهب إلى صالة الجيمنازيوم.

واوضح البروفيسور هنتر نعطي للمرضى قائمة من الالياف المتوازنة واطعمة قليلة الدهون كي لا تثير الاعراض، وهناك اطعمة محددة سهلة الهضم ولا تفاقم المرض.

واضاف يمكن للمرضى بداء كرون ان يأكلوا اللحم الهبر قليل الدهن ولحم الطيور (كالدجاج) والسمك المشفى مثل التونا. كما يمكنهم تناول الجزر والبطاطا والخيار والابتعاد عن الخضار الليفية مثل الكرنب (الملفوف) والكرفس.

واضاف الجبنة واللبن الزبادي غير مسموحين لمحتوياتهما الدهنية العالية، اما الجلوتين (وهو بروتين يوجد في القمح والشعير والجاودر) فهو تحديداً صعب الهضم، ولذلك فان الخبز والباستا (أو المعكرونة) مستبعدان. كما ان الكافيين والفواكه الحمضية والبصل ممنوعة ايضاً.

ويوضح بعد اسبوعين نقدم انواعاً أخرى من الطعام، واحدا تلو الآخر ولمدة أربعة أيام لكل نوع حتى نكتشف بالضبط أي منها الذي يعد آمنا لتناوله.

وفي حالة جون، وجد ان الكحول والشوكولاته والمقرمشات والفاصولياء تثير اعراض المرض عنده. اما القمح فكان يثير عنده مشاكل على عكس الشعير والجاودر.

وقال جون لقد استغرقت العملية كلها شهرين وفي نهايتهما اعطيت قائمة بقائمة بكل ما علي ان اتجنبه، وقد التزمت بذلك، وزالت مني الاعراض تماما طوال السنوات السبع الماضية.

وكان البروفيسور هنتر قد كشف نتائج دراسته قبل 20 عاماً، وقد نشرت في مجلات طبية مرموقة مثل لانسيت وبريتيش ميديكال جورنال، ومع ذلك ما زالت اساليبه بشكل ما على الهامش.

وقال احد اخصائيي امراض الجهاز الهضمي في مستشفى تعليمي كبير في لندن، وقد طلب عدم ذكر اسمه ان تجنب اطعمة معينة ليس بالامر السهل على المرضى ولا على الاطباء الذين يشرفون على حالاتهم. والاسهل من ذلك بكثير هو اعطاء المريض حبة دواء.

لكن البروفيسور هنتر يرى انه قبل اجراء دراسة كبيرة مثل هذه حتى يمكن اعتمادها على نطاق واسع فانها يجب ان تمر اولا في سلسلة من التجارب الاكلينيكية والتي تكلف غالياً، مشيراً إلى ان معظم الدراسات الكبرى تمولها شركات ادوية تحقق في النهاية ارباحا من تطوير دواء جديد. ولكن لا يوجد ربح يمكن تحقيقه من وراء توضيح كيفية التحكم بالطعام، ولذلك فان الدراسة التي يجريها لا تجد من يمولها، ولم يسمع احد من قبل عن طريقته العلاجية حتى لو كانت اكثر فاعلية من تناول الادوية.

وفي بريطانيا، توجد تعليمات أصدرها المعهد الوطني للتجارب الاكلينيكية NICE) ) الذي يعتمد كل العلاجات التي يعرضها الاطباء في وزارة الصحة بشأن استخدام الانواع المختلفة من الادوية الخاصة بمرض كرون. لكن بالمقابل لا توجد تعليمات أو ارشادات تتعلق بالعلاجات التي تقوم على الحمية الغذائية.

وفي نفس الوقت، هناك آلاف من المرضى المتروكين في الظلام حول النجاحات التي يحققها العلاج من مرض كرون بالحمية الغذائية دون اللجوء إلى الادوية. ويعترف البروفيسور هنتر ان الخيار ليس سهلاً، فما نسبته 25% من مرضاه تحولوا عن طريقته العلاجية إلى الادوية، باعتبار ان التغير السريع في نمط الحياة لا يعطيهم وقتا للالتزام بها.

ومع ذلك يعتقد جون مافيولي ان كل مصاب بداء كرون عليه ان يجرب طريقة العلاج بالحمية الغذائية قبل ان يعود إلى العلاج الدوائي.

ويقول الامر قاس، واكذب لو قلت ان هذه الطريقة ما كانت تصيبني بالاحباط في بعض الاحيان، فعندما يغرق فريق الرجبي في جالونات الماء التي يشربونها بعد المباراة، فان علي ان اتناول مشروبا غذائياً.ويضيف كانت هناك تضحيات.. لكنها كانت تستحق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"