“طلعت حرب” عنوان التحرر من التبعية

“جروبي” و”عمارة يعقوبيان” و”مقهى ريش” أبرز معالمه
13:42 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة - "الخليج":
"ما زلت تبني ركن كل عظيمة حتى أتيت برابع الأهرام" هكذا تحدث أمير الشعراء عن مؤسس الاقتصاد المصري طلعت حرب، في إشارة إلى بنك مصر الذي أسسه، لمواجهة النفوذ الإنجليزي في الحياة الاقتصادية المصرية إبان الاستعمار . رحل طلعت حرب 1941 وبقي اسمه في ذاكرة المصريين، باعتباره الشوكة الأقوى في حلق الاستعمار الإنجليزي، الذي أبعده عن رئاسة بنك مصر وحاول طمس كل إنجازاته، قبل أن تنصفه لاحقاً ثورة يوليو/تموز 1952 التي أطلقت اسمه على أحد أهم ميادين وسط القاهرة، ووضعت تمثالاً له بعد أن أزاحت تمثال سليمان باشا الفرنساوي الذي كان يتوسط هذا الميدان الذي كان يحمل اسمه أيضاً . وربما كانت مفارقة مثيرة للانتباه أن يتحول هذا الميدان إلى نقطة تجمع مهمة للثوار الذين خرجوا للمطالبة ب"العيش والحرية والكرامة"، وهي الأهداف نفسها التي سعى إلى تحقيقها الراحل طوال حياته .
قبل ثورة يوليو عرف الميدان باسم "سليمان باشا الفرنساوي"، حيث كان الخديوي إسماعيل يحلم بأن يحول القاهرة إلى مدينة تضاهي باريس في جمالها ورونقها، وقام بجلب العديد من المهندسين الإيطاليين والفرنسيين لذلك، وتم تشييد عمارات على الطراز الأوروبي، ولدى الانتهاء من تشييد العمارات تمت تسمية الشارع والميدان باسم "ميدان سليمان باشا" مؤسس الجيش المصري إبان عهد محمد علي باشا تكريماً له، وتم إنشاء تمثال له وسط الميدان، وظل الميدان والشارع بهذا الاسم حتى قيام ثورة يوليو عام 1952 التي قررت التخلص من جميع الرموز الملكية والعهد البائد في مصر، وقامت بنقل تمثال سليمان باشا إلى المتحف الحربي في القاهرة، ووضعت بدلاً منه تمثال طلعت حرب وتمت تسمية الشارع والميدان باسمه وهو المسمى الباقي حتى الآن .
يتصل بالميدان العديد من الشوارع والميادين الرئيسية الأخرى، حيث يقع على بعد 400 متر من ميدان التحرير جنوباً و775 متراً من ميدان التوفيقية شمالاً و850 متراً من ميدان عبدالسلام عارف شرقاً، و400 متر من ميدان عبد المنعم رياض غرباً، ويمر به شارع طلعت حرب وشارع محمد صبري أبو علم وشارع قصر النيل وشارع محمد بسيوني، ومن أشهر معالمه عمارة جروبي، وعمارة يعقوبيان، وعمارة عمر أفندي، وعمارة صيدناي، ومقهى ريش، ومكتبة مدبولي، ويوجد في منتصف الميدان تمثال شهير لطلعت حرب .
قام بنحت التمثال فاروق إبراهيم الأستاذ في كلية الفنون الجميلة والعميد السابق لها ونقيب التشكيليين، تخليداً لذكري صاحب الميدان واسمه بالكامل محمد طلعت بن حسن محمد حرب (25 نوفمبر/ تشرين الثاني 1867 - 13 أغسطس/ آب 1941)، ويعد من أعلام الاقتصاد في مصر في العصر الحديث، حيث قام بتأسيس "بنك مصر" الذي ساهم في إنشاء العديد من الشركات التي تحمل اسم مصر مثل شركة مصر للغزل والنسيج ومصر للطيران ومصر للتأمين ومصر للسياحة واستديو مصر وغيرها .
عاصر الثورة العرابية التي كانت الشرارة التي أوقدت الوطنية بداخله وبداخل الشباب كافة حينها، وفي العام 1907 كتب مقالاً على صفحات جريدة "الجريدة" قال فيه: "نطلب الاستقلال العام ونطلب أن تكون مصر للمصريين وهذه أمنية كل مصري ولكن مالنا لا نعمل للوصول إليها؟ أرى المصري هنا أبعد ما يكون عن تأسيس شركات زراعية وصناعية وغيرها وأرى المصري يقترض المال بالربا ولا يرغب في تأسيس بنك يفك مضايقته ومضايقة أخيه وقت الحاجة، فالمال هو أساس كل الأعمال في هذا العصر وتوأم كل ملك" .
كان طلعت حرب ميالاً بشكل واع للفلاحين والفقراء ويدافع عنهم فعند تصفية الدائرة السنية سعى إلى بيع الأراضي إلى الفلاحين الذين يزرعونها، بعد أن أعلن طلعت حرب عن فكرته في ضرورة إنشاء بنك للمصريين انعقد المؤتمر الوطني عام 1911 للنظر في مشكلات مصر الاجتماعية، وقرر المجتمعون تنفيذ فكرة حرب في إنشاء "بنك مصر" وقد تعطلت عملية إنشاء البنك بسبب الحرب العالمية الأولى قبل أن يفتتح العام 1920 .
وعندما تعرض "بنك مصر" لأزمة افتعلها وأحكم شباكها حوله الاحتلال البريطاني والبنك الأهلي المصري - في ذلك الوقت - الذي رفض أن يقرض البنك بضمان محفظة الأوراق المالية، وصمت الحكومة التي تركت صندوق توفير البريد يسحب كل ودائعه من "بنك مصر"، تحامل الرجل على نفسه وذهب إلى وزير المالية حسين سري باشا يرجوه واحداً من ثلاثة أمور .
إما أن تصدر الحكومة بياناً بضمان ودائع الموانين لدى البنك، أو أن تحمل "البنك الأهلي" على أن يقرض "بنك مصر" مقابل المحفظة، أو أن تأمر بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد، رد سري باشا "بشرط واحد" فسأله طلعت حرب: ما هو؟ فقال سري باشا: أن تترك البنك .
وهنا قال محمد طلعت حرب على الفور: من الآن، طالما أن في تركي للبنك حياة له فلأذهب أنا وليعش البنك، وجاء هذا دليلاً آخر على عبقرية محمد طلعت حرب باشا، فقد أيقن أنه لا دوام للفرد، وإنما الدوام لذكرى الفرد وعمله .
كان طلعت حرب متعدد المواهب، ولولا إخلاصه وتفرغه لدعم ومساندة ثورته الاقتصادية لأصبح واحداً من كبار المفكرين والكتاب العرب، حيث بدأ حياته بتأليف الكتب خاصة وهو يمتلك الموهبة والأسلوب الجميل والفكر القوي وقد اشتغل بالصحافة وكانت له آثار صحفية وأدبية بارزة، كما كانت له معاركه الفكرية الكبيرة والمؤثرة حيث خالف اجتهادات قاسم أمين في قضية تحرير المرأة حيث كان طلعت حرب محافظاً في أفكاره ويقدس تقاليد الآباء والأجداد مع ميل إلى التجديد والاقتباس من كل ما يفيد وينفع من مخترعات الأوروبيين وأفكارهم .
وتوفي طلعت حرب في الثالث عشر من أغسطس/ آب عام 1941 عن عمر يناهز 74 عاماً بعد أن ترك علامات اقتصادية واجتماعية واضحة وبصمات لا تنسى في تاريخ مصر، نعاه العديد من الشعراء بقصائد رثاء مثل عباس العقاد وإحسان عبد القدوس وصلاح جودت .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"