د . عبدالله الريس: التاريخ الشفوي دروس للأجيال المقبلة

600 مقابلة أجراها المركز الوطني للوثائق والبحوث
12:32 مساء
قراءة 6 دقائق

يعتبر الدكتور عبدالله محمد الريس مدير عام المركز الوطني للوثائق والبحوث من الشخصيات الفاعلة على مستويات عدة، حيث منح العديد من الجوائز والأوسمة لإنجازاته الثقافية والاكاديمية والرياضية، بدأ مشواره المهني مدرساً في مدرسة وتدرج إلى الجامعات، توالياً مع حصوله على درجات علمية عليا، فزخرت المكتبات بإنتاجه العلمي، له من الرياضة نصيب بدأها لاعباً للبولينغ في سبعينات القرن الماضي، حتى نصب مراكز عليا في لجنة ماراثون زايد الدولي واللجنة الأولمبية والكثير من المراكز محلياً ودولياً، للتعرف إليه أجرينا معه هذا الحوار .

حصل المركز الوطني للوثائق والبحوث في وزارة شؤون الرئاسة على عضوية جمعية التاريخ الشفاهي الدولية، حدّثنا عن الجهود التي بذلت في مجال التاريخ الشفاهي في المركز؟

- بتوجيهات ومتابعة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة رئيس مجلس إدارة المركز، قامت إدارة البحوث والخدمات المعرفية في المركز بجهود جبارة في هذا المجال، حيث بدأت بداية قوية جداً وفق استراتيجية واضحة المعالم وخطة مدروسة، وذلك بالتعاون مع قسم التاريخ الشفاهي في جامعة كاليفورنيا بيركلي، وهو من أفضل الأقسام المتخصصة في التاريخ الشفاهي في العالم، وقد انخرط منسوبو المركز في دورات تدريبية في أمريكا والإمارات للتدرب على أفضل الممارسات العلمية في مجال تدوين التاريخ الشفاهي من كبار السن في الدولة . وقد بلغ عدد المقابلات التي أجراها المركز في هذا المجال أكثر من 600 مقابلة شخصية مسجلة بالصوت والصورة والكلمة، وسوف يتم نشر هذه المقابلات في مجلدات في القريب العاجل، وذلك بعد الحصول على إذن من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم . وفي هذا الصدد لا يسعني إلا أن أشكر مديرة إدارة البحوث الدكتورة عائشة بالخير وطاقمها الإداري والفني على جهودهم الجبارة، في تدوين هذا الجزء المهم من تاريخنا المروي وغير المكتوب .

كيف تجد الأهمية الخاصة لتدوين التاريخ الشفاهي في المركز؟

- كما ذكرت آنفا، إن فكرة المشروع نبعت من اهتمام وتوجيهات ومتابعة سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، لتدوين ما في الذاكرة الشفاهية من قصص وحكايات الآباء والأجداد لتكملة الجزء المهم في تاريخ الدولة، وليكون هذا التاريخ دروساً وعبراً للأجيال القادمة، تتعرف من خلالها إلى مسيرة الكفاح والتضحيات التي قدمها هؤلاء الآباء والأجداد، الذين مهدوا لنا طريق الخير والرفاهية والإنجازات العظيمة التي شهدتها وتشهدها الدولة في مناحي الحياة كافة .

تحدثت في إحدى المناسبات عن وفائك لوالدتك، فماذا تخبرنا عن ذكرياتك معها وتأثيرها في شخصك؟

- والدتي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، كانت كل شيء في حياتي . . كانت نبع الحنان ونهر العطاء المتدفق وملهمتي وإنسانة عظيمة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، فكانت مدرسة وجامعة ومنظمة عالمية في التربية، فقد علمتني الصدق والأمانة والتواضع والكرم وحب الناس واحترامهم والعطف على الصغير قبل الكبير . كانت دائما تتابعني في كل خطوة أخطوها سواء في مشواري التعليمي أو المهني وكانت أقرب الناس لي، وبعد وفاتها فقدت الكثير في حياتي، فقدت لحظات السعادة والطمأنينة، حياتي لم يعد لها معنى بدونها، أتذكرها في كل صلاة وفي كل لحظة من حياتي .

تقلدت مؤخراً السعفة الذهبية الأكاديمية أرفع وسام أكاديمي فرنسي عن جهودك الأكاديمية، ما أثر هذا الوسام فيك؟

- زادني هذا الوسام تواضعاً واحتراماً للعلم والعلماء، وهو مصدر فخر واعتزاز لوطني قبل أن يكون لي شخصياً، لأنني استطعت من خلاله رفع اسم وطني في هذا المجال بين كبار العلماء والأكاديميين في العالم .

أهديت الإنجاز إلى روح المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، فكيف تصف لنا أثر المغفور له بإذن الله في مسيرتك العلمية والشخصية؟

- هذا أقل ما يمكن أن أقدمه لروح المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد طيب الله ثراه، لأنه يسكن قلبي وجوارحي صباحا ومساء، أتذكر كل اللحظات الجميلة التي عشناها في كنفه، والداً قبل أن يكون قائداً وملهماً ومحباً لشعبه، لقد بنى أمة ستبقى أبد الدهر بإذن الله تعالى . لقد كان الإنسان الإماراتي في قمة اهتمامه فأولاه الرعاية والدعم الكبيرين، أكد ذلك في أكثر من مناسبة فاهتم ببناء البشر قبل الحجر، إيماناً منه بأن لا مستقبل لأمة من دون خلق الموارد البشرية القادرة على العطاء والإنجاز . لقد اهتم المغفور له بالعلم والعلماء فشجعنا على أن نصل للمراتب العليا في هذا المجال، وشخصيا أثر المغفور له في حياتي كثيراً بتواضعه وخلقه وحكمته ورؤيته الثاقبة للأمور . كان رحمه الله همه وشغله الشاغل شعبه وسعيه من أجل إسعاده وتأمين كل احتياجاته، لقد رحل عنا زايد لكنه ترك لنا رجالاً وقادة أفذاذاً يكملون المسيرة بكل جدارة واقتدار، وقد انتقلوا بنا من مرحلة التأسيس إلى مرحلة التمكين التي نشهدها ونقطف ثمارها الآن .

نجد لك حضوراً في المجال الرياضي وخصوصاً البولينغ، إلى أي مدى تشعر أن هناك ترابطاً في العطاء على جميع المستويات؟

- الرياضة صقلتني ذهنياً وجسدياً ونمت فيّ الكثير من القدرات الشخصية والمهنية، فقد مارست كرة القدم واليد وألعاب القوى والبولينغ في النادي الأهلي والمنتخب الوطني، وكنت أحد مؤسسي لعبة البولينغ في الدولة وقد حققنا بفضل الله ودعم القيادة الرشيدة العديد من الإنجازات العالمية، وإداريا تبوأت عدة مناصب إدارية على المستوى العالمي والقاري والمحلي، حققت كل ما أصبو إليه وخدمت وطني في هذا المجال أكثر من 35 عاماً، وخرجت منها راضياً عما قدمته لوطني، وكان آخر شيء حصول الشيخ أحمد بن حشر على الميدالية الذهبية الاولمبية، وكنت حينها مديراً للوفد في القرية الأولمبية في أولمبياد أثينا ،2004 وجاء الآن الدور على جيل الشباب ليكمل المسيرة، أما الآن فعلاقتي بالرياضة علاقة ممارس ومتابع فقط .

في السياق الرياضي ذاته، كيف تقيم تجربة المرأة الإماراتية في الرياضات؟

- لا أخفي أنني مع أنواع الرياضات التي تناسب المرأة الإماراتية من ناحية الحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا العربية والاسلامية، إن المرأة الإماراتية أثبتت جدارتها وقدرتها وتفوقها في هذا المجال، وذلك بفضل الدعم اللامحدود الذي تلقته وتتلقاه من أم الإمارات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، حفظها الله، فهي الملهمة للفتاة الإماراتية والداعمة الكبيرة لتفوقها في كل المجالات وبفضلها تبوأت مناصب ومراتب عليا في دولتنا الفتية .

في فترة السبعينات من القرن الماضي وحتى مقتبل التسعينات عملت في عدد من مدارس دبي، فكيف تقيم أهمية تلك المرحلة بحياتك، وكيف تجد فارق التعليم بين الأمس واليوم؟

- بدأت السلم الوظيفي من أوله مدرسا ثم مشرفاً فوكيلاً ومديراً للمدرسة ثم معيداً وأستاذاً في جامعة الإمارات وعضواً في فريق تأسيس جامعة زايد، لقد تعلمت من هذه التجارب الكثير في حياتي، تعلمت النظام والتخطيط والقدرة على التعبير والتفكير واحترام الوقت وإدارته وحب الناس، كانت المدرسة بحق مدرسة يتعلم النشء فيها كل شيء، تؤثر في الطالب ويتأثر بها، يتعلم منها الطالب كل القيم والعادات والتقاليد واحترام الذات والآخرين . كان للمعلم احترام ووقار، كان الطالب يتحمل مسؤوليته في التعلم وحده من دون وجود مدرسين خصوصيين أو وسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة اليوم، أما اليوم فللاسف الشديد فقد المعلم احترامه وأصبح الطالب غير مبال بالمذاكرة والاستفادة من الفرص التعليمية المتميزة التي توفرها له الدولة . أصبح الطالب مشغولاً ومتعلقاً بالموبايل والآي باد واللاب توب أكثر من تعلقه بالكتاب والكتابة والمذاكرة .

ما أجمل الذكريات التي تحتفظ فيها منذ طفولتك؟

- الذكريات كثيرة ومتنوعة . أتذكر أيام الكتاتيب عندما تعلمت القرآن على يد المطوعة مريم قصقوص، رحمها الله، التي كانت جارتنا في سوق الذهب في دبي، وأتذكر لعب الكرة على شاطئ الرأس مع أطفال الحارة، وأتذكر تعلم اللغة الإنجليزية وأنا في الخامسة من عمري على يد معلمة هندية كانت تسكن بالقرب من بيتنا، وأتذكر ركوب اللاندروفر كل صباح للوصول إلى مدرستي المعهد الديني، وبأنني كنت في الصف الاول الابتدائي في مدرسة الاحمدية وأرافق الوالد، أطال الله في عمره، إلى المحل، حيث عرّفني إلى الشيخ عبدالرحمن المنصوري، رحمه الله، الذي كان مدرساً في المعهد الديني، حيث طلب مني أن أتلو عليه ما تعلمته من القرآن فقرأت سورة الفيل والاخلاص والناس، حينها طلب من الوالد أن ينقلني إلى المعهد الديني فتم إلحاقي به في الصف الثاني الابتدائي، وعندما وصلت إلى الصف الرابع تجاوزته من بداية السنة حيث تم ترفيعي إلى الصف الخامس مباشرة بعد اجتياز امتحان اللغة الانجليزية والرياضيات واللغة العربية .

إلى أي مدى تجد تربيتك لأبنائك تأخذ مدى مشابهاً أو بعيداً عما ربيت عليه، وهل للتطور التقني والانفتاح أثر في ذلك؟

- إن تربية الأبناء في زمن العولمة والانفتاح على العالم والثقافات المتعددة التي وفدت إلى الدولة أصبح صعبة جدا، فالأبناء يتعرضون لهذه الثقافات بشكل يومي ومستمر، وتواجدهم معها أكثر من تواجدهم في البيت، حتى عندما يتواجدون في البيت يكونون مشغولين بوسائل التواصل الاجتماعي، حتى في وجود الأبوين بشكل مستمر في البيت، فلم يعد التواصل مع الأسرة أمراً سهلاً ومتيسراً في ظل وجود هذه الأجهزة والمؤثرات الخارجية . لكن مع ذلك تظل قيم الأسرة وتعاليمها الدينية وعاداتها وتقاليدها تؤثر في الأبناء بشكل أو بآخر، فمهما يكن يظل الأبناء ولله الحمد محافظين عليها ومتأثرين بها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"