تشوهات قلوب الصغار.. أمراض تعالج نفسها !

01:06 صباحا
قراءة 7 دقائق
تحقيق: راندا جرجس

تعد أمراض القلب الخلقية أكثر العيوب شيوعاً بين حديثي الولادة، إذ يصاب حوالي 1 من كل 100 حالة ولادة، ويمكن الكشف عن هذه الأمراض قبل أن يولد الطفل عن طريق تصوير الجنين بالموجات فوق الصوتية، أو بعد الولادة إذا كانت هناك أعراض أو ملاحظات غير طبيعية خلال الفحص الطبي البدني، ويكون لدى العديد من الأطفال الذين يعانون من أمراض القلب الخلقية عيوب بسيطة لا تتطلب العلاج، وغالباً ما تشفى بشكل طبيعي مع مرور الزمن، أما الأوضاع الأكثر تعقيداً فتحتاج للتدخل الطبي.
يقول الدكتور شريف مسعد استشاري أمراض الأطفال وحديثي الولادة: إن القلب هو أحد الأعضاء المهمة في جسم الإنسان، ويكون حجمه صغيراً نسبياً مساوياً لحجم قبضة اليد، فهو عضلة مجوفة ذات شكل شبه مخروطي ومغلفة بغشاء يحميها ويُسمى التامور، تتحرك باستمرار طوال الوقت، تضخ الدم المحمل بالأكسجين والغذاء عبر الأوعية الدموية إلى كافة أعضاء الجسم، ويُعيد الدم المحمل بثاني أكسيد الكربون ليوصله إلى الرئتين لتنقيته، ويوجد القلب في الجهة اليسرى من الصدر، ويتكون من أربع غرف هي: البطين الأيمن، البطين الأيسر، الأذين الأيمن، والأذين الأيسر، ويبدأ بالتشكل خلال المرحلة الجنينية ابتداء من الشهر الرابع وحتى السابع، وهناك بعض الأسباب الدوائية، المرضية، أو الوراثية التي يمكن أن تؤدي إلى أي توقف أو تأخر في النمو خلال مراحل التكون الجنيني، وينتج عنها ولادة الجنين بمرض خلقي، ولذلك فإن الفحص الدوري للأطفال يكشف عن هذه الإصابات، ما يتيح إمكانية علاجها في وقت مبكر، كما أن بعض التشوهات يمكن أن تعالج تلقائياً.

مشكلات متعددة

يذكر د.مسعد أن أمراض القلب عند حديثي الولادة تتراوح ما بين عيوب خلقية صغيرة غير متناظرة، ولا تسبب أي مضاعفات أو أعراض، ومشكلات كبيرة تتطلب تدخلاً طبياً سريعاً، حتى لا تؤثر على حياة الطفل، حيث إن بعض هذه العيوب تؤدي إلى ضخ الدم بشكل غير طبيعي، أو ضخّه باتجاه خاطئ، وتتمثل هذه المشكلات في:
• التشوهات التي تتكون خلال مرحلة نمو الجنين داخل رحم الأم، وتتمثل بثقب صغير في القلب، لا يسبب أي ضرر، يمكن أن يغلق تلقائياً دون أي تدخل طبي.
• الإصابة بثقب كبير في القلب يحتاج إلى علاج عن طريق القسطرة القلبية لسد ثقب القلب، أو لتوسيع الصمام.
• بعض الحالات التي تحتاج إلى تدخل جراحي، من أجل تحويل مجرى الدم وإعادته لمساره الصحيح.

أعراض وعلامات

يشير د.مسعد إلى أن أعراض أمراض القلب عند حديثي الولادة، عديدة ومتنوعة، تبدأ باختلاف الصوت الطبيعي لدقات القلب، يسمعه الطبيب باستخدام السماعة، أو مشاكل في ضغط الدم والنبض عند الولادة، وتكون بشرة الطفل شاحبة، مع ازرقاق في بعض أجزاء الجسم، مثل: الشفاه، الأطراف، اللسان، ومنبت الأظافر، ويحدث ذلك نتيجةً إلى زياد مستوى الهيموجلوبين غير المؤكسد (أكثر من 5 جرامات/ لتر)، وهناك أيضاً بعض العلامات التي ترافق وجود التشوهات كمشاكل التنفس كالضيق أو بشكل مستمر، وصعوبة عند الرضاعة أو البكاء والتعب، مع قصور في النمو، وضعف في التغذية والوزن، وبرودة اليدين والقدمين، والتعرق الزائد.

أسباب التشوهات القلبية

يفيد د.مسعد بأنه يمكن تقسيم أسباب أمراض القلب عند حديثي الولادة إلى الأسباب الخلقية وإلى أكثر من سبب، مثل:
• انعكاس الشرايين القلبية الكبرى، حيث يكون الصمامان الرئويان والأبهري والشريانان المتصلان بهما في غير أماكنهما.
• رباعية فالوت.
• انسداد الصمام الثلاثي.
• انسداد الصمام الرئوي، وهو الصمام الذي يتحكّم بتدفّق الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين.
• زيادة ضغط الرئتين والأسباب الأخرى عوامل وراثية، كإصابة أحد الأبوين أو الأبناء بمرض في القلب.
• أمراض وراثية مثل متلازمة داون وتيرنر.
• إصابة الأم خلال فترة الحمل بفيروسات، مثل فيروس الحصبة الألمانية، أو تناولها لأدوية معينة، لا يسمح باستخدامها خلال فترة الحمل من دون استشارة الطبيب، أو إصابتها بمرض السكر قبل الحمل، سواء كان من النوع الأول أو الثاني، مع عدم ضبط مستويات السكر.

معاناة عضوية

يؤكد د.مسعد على أن التشوهات الخلقية القلبية للأطفال ليست مستعصية، ولا تسبب الموت المفاجئ كما هو شأنها عند البالغين، ولا يلزم إطلاقاً للحد من نشاط الطفل المصاب إلا ضمن النطاق الذي يحدده الطبيب الاختصاصي، وإلا فربما يؤدي الأمر إلى تعرض الصغير لعقدة نفسية، تضاف إلى معاناته العضوية، ومن الجيد أن معظم تشوهات القلب الخلقية قابلة للعلاج وبعضها يشفى تلقائياً، كما أن جراحة القلب شهدت تطوراً مهماً في الآونة الأخيرة، بحيث أصبح بالإمكان تصحيح معظم هذه التشوهات التي يصعب علاجها دوائياً.

تصحيح التشوهات

يذكر الدكتور جيرارد مارتن، استشاري جراحة أمراض القلب، أن حوالي 40٪ من الأطفال الذين يعانون من أمراض القلب الخلقية يحتاجون إلى العلاج في مرحلة الرضاعة أو الطفولة، ومع التقدم في الرعاية الصحية، فإن معدلات نجاح التدخلات الجراحية لعلاج العيوب البسيطة ومتوسطة التعقيد أصبحت ممتازة وتبلغ 98-99٪،
وهناك العديد من الأنواع المختلفة لعيوب القلب الخلقية التي يمكن تصنيفها حسب مستوى التعقيد (بسيطة أو معقدة) أو حسب التشريح، ويمكن وصف الفئات التشريحية بأنها ثقوب أو اتصال بين الحجرات أو الأوعية الدموية، أو انسداد في صمامات القلب أو الأوعية الدموية، أو وجود ثقوب مع صمامات قلب غير طبيعية، واتصال غير طبيعي للأوعية الدموية (الأوردة / الشرايين) مع الحجرة المناسبة، وعيوب بطينية مفردة، وتكون حوالي نصف عيوب القلب الخلقية عبارة عن ثقوب بسيطة داخل القلب، بينما تكون حوالي 20٪ من العيوب عبارة عن انسداد في القلب أو الأوعية الدموية الرئيسية، أما نسبة 30٪ المتبقية فهي عيوب خلقية أكثر تعقيداً أو حالات مزرقة (الطفل الأزرق).

عيوب القلب

يفيد د.مارتن بأنه ليست جميع تشوهات القلب الخلقية تحتاج إلى التدخل الجراحي ولكن هناك فقط بعض الإصابات مثل:
• الثقوب في القلب ومنها: عيب الحاجز الأذيني - عيب الحاجز البطيني - القناة الشريانية السالكة.
• الانسدادات كتضيق الصمام الأبهري، الشريان الأبهر، التضيق الرئوي.
• ثقوب مع صمامات غير طبيعية، رباعية فالوت، عيب القناة الأذينية البطينية، الشريان الجذعي.
• اتصالات غير طبيعية، تبدل الشرايين الكبرى اليميني، تبدل الشرايين الكبرى الأيسري، الاتصال الوريدي الرئوي الشاذ التام.
• عيوب بطينية مفردة

نسبة نجاح الجراحة

يشير د.مارتن إلى أن أول عملية جراحية ناجحة لأمراض القلب الخلقية كانت عبارة عن ربط قناة شريانية سالكة، تم إجراؤها في عام 1938، أما جراحة العيوب الأخرى فجاءت خلال العقود الثلاثة والأربعة التالية، كما انه نادراً ما يخضع طفل دون العامين لعملية جراحية، وفي كثير من الحالات ليس قبل 10 سنوات من عمره، وقد خضع عدد أكبر من الأطفال لعمليات إعادة بناء وكانت المضاعفات أكثر شيوعاً، ولذلك لم تكن النتائج مثالية، والجدير بالذكر أنه لا يتم علاج معظم عيوب القلب الخلقية بواسطة «جراحة تصحيحية»، الأمر الذي يتضح من الأعداد الكبيرة من المرضى الذين عانوا من وفاة مبكرة، حيث إن 78% فقط بقوا على قيد الحياة في عمر 45 أو أن 15٪ احتاجوا لإجراء عدة عمليات.
يتابع: على سبيل المقارنة، فإن المرضى الذين خضعوا لعمليات جراحية في الفترة المعاصرة (بعد عام 1980) كانوا على الأغلب أصغر سناً في وقت خضوعهم للجراحة الأولى، مع فرص أفضل لإجراء جراحة تصحيحية أولية، مستفيدين من استقرار أفضل قبل الجراحة، وعمليات تصوير غير غازية أكثر دقة مثل التصوير بالموجات فوق الصوتية، والتصوير بالرنين المغناطيسي للقلب، بالإضافة للحصول على رعاية طبية يقدمها فريق متكامل في وحدات العناية المركزة الخاصة بالأمراض القلبية، كما استطاع الخبراء الوصول إلى تقنيات قسطرة قلبية تدخلية جديدة حسّنت عملية ترشيحهم لإجراء جراحات قلبية أكثر أماناً، ونتيجة لذلك، تحسن معدل البقاء على قيد الحياة لمن هم في الأربعين من عمرهم إلى 87%.

رعاية صحية

يذكر د.مارتن أن وسائل الرعاية الصحية للمصابين بأمراض القلب الخلقية تحسنت كثيراً عما سبق، ولكن هناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهود لتحسين معدلات البقاء على قيد الحياة في أعمار متقدمة، كما أن هناك حاجة إلى رعاية متابعة في عيادات عيوب القلب الخلقية للكبار لجميع الأطفال، الذين يبقون على قيد الحياة حتى سن البلوغ، وهناك أيضاً حاجة إلى استراتيجيات جديدة لعمليات التصحيح الأولية لعيوب القلب الخلقية المعقدة، فضلاً عن تحسين مراقبة العيوب المتبقية التي تؤدي إلى قصور القلب في مرحلة لاحقة، كما أن المشاكل غير المرتبطة بعيوب القلب الخلقية، بما في ذلك السرطان المتأخر، والمضاعفات المعدية، وأمراض الجهاز التنفسي، والحالات النفسية الاجتماعية تحتاج هي أيضاً إلى مزيد من الاهتمام.

بيانات حديثة

يؤكد د.مارتن على أن نتائج معدلات الشفاء تعتمد على العديد من العوامل، مثل مدى تعقيد العيب، نوع التدخل الإصلاحي، عوامل غير قلبية، والأهم من ذلك عمر الحمل، الوزن عند الولادة، وربما انخفض مستوى الوفيات المبكرة الناتجة عن العمليات الجراحية بعد جراحات عيوب القلب الخلقية، إذ تشير بيانات حديثة إلى أن معدلات النجاة المبكرة تصل إلى 96.3٪ لجميع المرضى، ومن المرجح أن تكون التحسينات أقل من مستوياتها الحقيقية على أرض الواقع، إذ إن السجلات الجراحية الآن منحازة أكثر للحالات الأكثر تعقيداً، لأن القسطرة القلبية التدخلية توفر العلاج لحالات بسيطة (القناة الشريانية السالكة، عيب الحاجز الأذيني، تضيق الشريان الأبهر، التضيق الرئوي، وتضيق الصمام الأبهري)، ومع ذلك فهناك ثغرات في بياناتنا، حيث إن السجلات الحالية لا تشمل جميع أمراض القلب الخلقية، لأنها تستند إلى العمليات الجراحية. ولا تتضمن السجلات حالات لم يتم الكشف عنها وماتت قبل التشخيص، أو الرضع الذين لم يخضعوا للعلاج بسبب المخاطر المرتفعة أو عدم ملاءمة العلاج، ومن المهم أن يتم توفير سجلات توثق جميع الحالات، وتتضمن بقاء المريض على قيد الحياة، بدلاً من تسجيل الوفيات الناجمة عن العمليات الجراحية، إذا ما أردنا تحقيق المزيد من التحسينات في نتائج أمراض القلب الخلقية.

الزرقة المركزية

الزرقة المركزية هي زرقة جسم الطفل التي يصعب اكتشافها خاصة لذوي البشرة السمراء، وتتعدد أسباب الزرقة ما بين أسباب تنفسية تنجم عن قصور تنفسي إما بسبب أمراض في الرئة نفسها أو بسبب ثانوي يثبط الجملة العصبية المركزية الناجمة عن أدوية مثبطة، أو قلبية وخاصة إذا استمرت لعدة أيام مع عدم وجود علامات واضحة على صعوبة التنفس فهذا يعني وجود مشكلة في القلب، ولذلك ينصح الأطباء بضرورة الانتباه لمثل هذه الأعراض، ويتم علاج الزرقة المركزية ببعض التدخلات الجراحية مثل العملية التصحيحية الكلية، التي تجرى لتصحيح كل العيوب الخلقية، أو العملية الجزئية، التي تسمح للوليد بالنمو حتى الوصول إلى مرحلة من العمر والوزن يسمح بإجراء العملية التصحيحية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"