المناهج الدراسية.. عماد تنمية المجتمع وتشكيل الهوية

80 % نسبة تأثيرها المباشر على الطلاب
23:37 مساء
قراءة 8 دقائق
تحقيق:إيمان سرور

أكد تربويون وأولياء أمور أن التنشئة الاجتماعية وغرس القيم في نفوس الطلبة هي حصيلة مجموعة من الجهود التي تقوم بها مختلف مؤسسات المجتمع وغيرها من الجهات المعنية، وأنه لا يمكن تعلمها بشكل كلي في الكتب والمقررات الدراسية، بل تعتمد بالدرجة الأولى على الممارسات والتطبيقات التي تتم داخل المدرسة أو خارجها، مشيرين إلى أنه ينبغي العمل بشكل دائم على تكوين وتنمية شخصية الطالب وتوعيته بنظام حقوقه وواجباته، وترسيخ سلوكه وتطوير مستوى مشاركته الإيجابية في المجتمع الذي ينتمي إليه. ولفتوا إلى أن التربية والتنشئة الأخلاقية القائمة على أسس علمية ترمي إلى اكتساب الطالب شخصيته المتكاملة، وتحسن من سلوكه وتقيه من شرور الانجراف وراء التيارات المتطرفة، مؤكدين على ضرورة غرس وإدراج ثقافة وقيم المجتمع وضبط سلوك الأبناء بطريقة حضارية في المنظومة التعليمية ومن خلال المناهج الدراسية.
وقالوا إن الجهات المعنية بالتعليم في الدولة قدمت مبادرات لتعزيز الشفافية والمحاسبة في المدارس، وما يزال هناك الكثير ممّا يجب تقديمه، مؤكدين على ضرورة أن تكون هناك أولوية لتصميم النظام التعليمي، ووضع إطار حديث للهياكل التعليمية، وفحص الجودة، وتحسين المدارس، وتطوير القيادة وطرائق التدريس الحديثة، وعلى وجه الخصوص الاهتمام بتعزيز الهوية الوطنية والانتماء وتهذيب سلوك الطالب وطريقة تعامله مع أسرته وزملائه ومعلميه في المدرسة ومجتمعه بشكل عام.
وتلعب المناهج الدراسية إلى جانب المعلمين والأسرة دوراً حاسماً في تنمية القيم السلوكية وتشكيل هوية المجتمع، فالمعلم هو الذي يتحمل مسؤولية تربية وتعليم الجيل، فهو الذي يقف كل يوم أمام طلابه ليتلقوا منه العلم والخلق والسلوك السوي، فيما تتضمن المناهج الدراسية مفاهيم معينة، كمفهوم المسؤولية الاجتماعية، والملكية العامة والمواطنة، والمشاركة في اتخاذ القرار، والتعاون، ومفهوم الحق والواجب، والمساواة، والإخاء، والحوار، والعدل، والنقد البناء، وحرية الرأي والتعبير واحترام الرأي الآخر، كما يلعب أولياء الأمور دورهم في متابعة الأبناء والاهتمام بتربيتهم وتعديل سلوكياتهم لمواجهة التحديات والظواهر السلبية والتغلب عليها أو التقليل منها.

وصفت الدكتورة سميرة النعيمي نائب مدير جامعة محمد الخامس في أبوظبي للشؤون الإدارية والمالية دولة الإمارات ب«البوتقة» التي تنصهر فيها عناصر التنوع الثقافي، حيث يعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية، مشيرة إلى أن العولمة عادت على مجتمعنا بالكثير من الإيجابيات من أبرزها هذا التقدم الملموس في مختلف أوجه الحياة، غير أن لها مخاطر لا يستهان بها ولعل من أهمها ما تشكله من تهديد للهوية الثقافية وتأثير على التنشئة الأخلاقية، التي يعتز بها أهل الإمارات، لافتة إلى انه لمجابهة هذه التهديدات لا بد لنا من جهد دؤوب لحماية قيمنا وعاداتنا ولغتنا وشخصيتنا الوطنية، وهو جهد لا غنى عنه إن كنا نريد المحافظة على تقاليد هذا الوطن وهويته الوطنية وإبقاءها حية يتناقلها الأبناء جيلاً بعد جيل.
وأشادت بمنهاج مادة التربية الأخلاقية الذي سيبدأ تطبيقه في بداية العام الدراسي المقبل على مستوى مدارس الدولة الحكومية والخاصة، مشيرة إلى ان محاور المادة الرئيسية الخمسة تشمل الأخلاقيات والتطوير الذاتي والمجتمعي والثقافة والتراث والتربية المدنية والحقوق والمسؤوليات، لافتة إلى ان المادة الجديدة ستعزز من القيم الايجابية للطلبة، كون نهج التعلم فيها يستند إلى تحقيق التقدم التنموي للطلاب انطلاقا من المجال الإدراكي إلى المجال السلوكي والى المجال الوجداني، وأسلوب تعلمها يتمحور حول الطالب.

تطبيق اللوائح

وأكدت عائشة خميس الشامسي مديرة مدرسة، أن ترسيخ مفاهيم الهوية الوطنية يتصدّر أجندة أولويات مجلس أبوظبي للتعليم الذي وجه جميع المدارس بالالتزام بالسياسات والتعليمات، التي تشمل تطبيق اللوائح التي من شأنها تعزيز الثقافة المحلية ودمجها ضمن البرامج الدراسية بما يكفل تهيئة بيئة تعليم تعزز من قدرة الطالب على فهم تراثه والالتزام بقيمه وتقاليده المجتمعية ومواكبة متطلبات اقتصاد المعرفة، مشيرة إلى ان حفز الطالب على المشاركة في الفعاليات ذات الصلة بتراث الدولة وثقافتها ودمج أنشطة الهوية الوطنية ضمن العملية التعليمية، بات من اهتمامات الجهات التربوية التي ينبغي عليها تكثيف الأنشطة اللاصفية والمصادر ذات الصلة التي تتعلق بغرس قيم الهوية والانتماء والاخلاق الحميدة في نفوس الناشئة وتشجيعها على الاطلاع على تاريخ وثقافة وتراث الدولة.

مشكلات سلوكية

وقالت رانيا عبدالرحمن - تربوية - إن التعليم هو مقياس تطور الدول، وإن أي مشروع لتطوير التعليم لا بد أن يتبنى الجانب الشمولي للعملية التربوية بحيث يكون محور التنشئة الاجتماعية مرتكزاً أساسياً فيه، مشيرة إلى ان المدرسة أصبحت مطالبة بعدم الاكتفاء بالجانب العقلي والتحصيلي في تربية الطلبة وإنما التكفل بهم في شخصية متكاملة في جوانبها الجسمية والعقلية والوجدانية والاجتماعية، حتى يتحقق الهدف من التربية، وهو تكوين الشخصية السوية المتكاملة المتمتعة بالصحة النفسية من خلال القدرة على التكيف النفسي والاجتماعي، فإذا اختل هذا التوازن اضطربت هذه القدرات وظهرت سلوكيات شاذة عديدة منها المشكلات الدراسية كقلق الامتحان والغش في الامتحان، والمشكلات السلوكية كالعدوانية والتدخين، لافتة إلى ان المشكلات الدراسية والسلوكية تمثل أحد أهم العوائق، التي تعاني منها المنظومة التربوية بصفة عامة والمؤسسات التعليمية بصفة خاصة، ولها انعكاسات سلبية على كل من الأسرة والمدرسة والمجتمع.

بيئة مثالية

وأكدت أمينة باليوحة - تربوية - على ضرورة محافظة المدارس على بناء علاقات طيبة مع أولياء أمور الطلاب والمجتمعات التي يخدمونها، وكذلك الحرص على تهيئة البيئة المثالية للطلاب بمختلف خلفياتهم الثقافية لتحقيق طموحاتهم والشعور بالانتماء إلى الوطن والحفاظ على الهوية، والعادات والتقاليد، مشيرة إلى ان المدارس ينبغي ان تولي أهمية كبرى للتواصل مع الأسرة، للبحث مع المعلمين مسألة أداء أبنائها والتعرف على كل ما تقدمه لهم المدرسة، لافتة إلى تحمل المدرسة مسؤولية تعليم وتهيئة قادة المستقبل، باعتبارها مؤسسة تربوية تعمل من اجل تزويد الأبناء بأسس وركائز المعرفة، وأهمها الثقافة والوعي بالهوية الوطنية وتعزيز الانتماء لديهم، والحرص على السلوكيات الايجابية.

سلوكيات سلبية

أكد عدد من أولياء أمور الطلبة أن الأبناء يتأثرون بالمناهج الخفية التي يخطط لها عن طريق المناهج المدرسية أو البرامج التربوية بنسبة 80%.
وأكدت منى الهاشمي - ولية أمر- أن هناك سلوكيات سلبية يكتسبها الأبناء داخل المدرسة مثل المناهج التي لا يخطط لها بشكل صحيح وسليم، وكذلك من بعض المعلمين، ومن أبرز السلبيات: تزييف وعي الطالب، وإبراز الصراع بين ما يتضمنه المنهج الرسمي وما يتعلمه الطالب في الحياة اليومية، وقتل الإبداع، والنزعة الاستهلاكية، وتعليم الطلبة الاتكالية، والنزعة المظهرية، لذلك ينبغي على الجهات المسؤولة التدقيق عند اعتماد المناهج واختيار المعلم، فالطالب الذي يتعلم ضمن المنهاج المدرسي أن التدخين محرم وضار بالصحة فيجد معلمه يدخن جهاراً عند خروجه من المدرسة، وعلى النقيض نرى طلبتنا يتعلمون الكثير من السلوكيات الإيجابية التي قد لا تكون ضمن المنهج الرسمي المخطط أحياناً، مثل: احترام الأنظمة والقوانين والتعليمات، والمحافظة على الأملاك العامة، وكيفية بناء العلاقات مع الآخرين، والترتيب والنظام.. إلخ، لذلك ينبغي تكوين الوعي بأهمية التعامل الإنساني مع الطلبة، وممارسته عملياً داخل البيئة المدرسية.

منظومة القيم

وقالت انتصار علي صلاح ( تربوية ) إن معظم الأدبيات التربوية في مناهجنا المدرسية توضح أن المفاهيم العامة للقيم التربوية وتنميتها في السلوك الاجتماعي اليومي لأبنائنا الطلبة في المؤسسة المدرسية قد تم إعدادها وتنظيمها في إطار ما يسمى بالمنهاج التربوي الخفي في معظم الموضوعات المرتبطة بالمواد الدراسية، إذ توضح معظم القراءات والمؤشرات للمواد الدراسية ان هناك تأكيداً على منظومة القيم الحميدة الموروثة في واقعنا الديني وعاداتنا العربية الأصيلة، وتراثنا الحضاري الزاهر الذي يمثل هذه القيم.
وأشارت إلى ان هذا التراث الزاخر يحمل ثقافة فكرية تم إعدادها وصياغتها بأساليب تربوية كمادة علمية في مناهجنا الدراسية ما يفترض أن يكون لها أبعاد راسخة في عملية التنشئة الاجتماعية وفي السلوك الاجتماعي للطلبة داخل المدرسة، وان على المربين القائمين على رعاية وتعلم أبنائنا توصيل هذا السلوك الاجتماعي القيمي بمجموعة من الأساليب التربوية المحببة إلى نفوس وأذهان أبنائنا الطلبة من خلال الموقف التعليمي أو الأنشطة الإثرائية أو القدوة الحسنة للسلوك التربوي للمعلم في المدرسة.

تنمية القيم

وقالت مها الميسري - ولية أمر - إن تنمية القيم السلوكية تتم من خلال الخبرات التربوية التي يمر بها الفرد في حياته سواء في المدرسة أو خارجها، ويشارك في تحقيق ذلك المجتمع من آباء ومعلمين ورجال دين وغيرهم، ويتبلور هذا التعلم في مظاهر القيم السلوكية للمتعلم، وهي الإلمام بالمعارف الأساسية المرتبطة بالقيم المتنوعة الإسلامية والوطنية والعلمية والخلقية والاقتصادية، مشيرة إلى ان ممارسة المهارات التي تمكن المتعلم من التمييز بين القيم المطلوبة اجتماعيا وبين القيم الوافدة التي لا تتناسب مع منظومة القيم في مجتمعه، والعمل التعاوني الجماعي وإدارة الوقت واستثماره، واحترام الأنظمة واتخاذ القرار، والشعور الإيجابي تجاه تقدير الذات، مما يعزز لديه مجموعة من القيم أبرزها: الصدق والأمانة والعدالة والإخلاص والوفاء والاحترام والتقدير والتواصل مع الثقافات.

تعزيز وتنمية السلوك الاجتماعي لدى الطلبة

أشارت مها الحوسني - ولية أمر- إلى أن مناهجنا التربوية قد ساهمت إلى حد كبير في تعزيز وتنمية السلوك الاجتماعي وتوظيفه تربويا وعلميا في الموضوعات المتعلقة بالمقررات الدراسية والأنشطة الإثرائية المساندة من خلال الموقف التربوي لجميع المربين في المؤسسة المدرسية، لافتة إلى ان تنمية القيم السلوكية تتم من خلال الخبرات التربوية التي يمر بها الفرد في حياته ويشارك في تحقيق ذلك المجتمع من آباء ومعلمين ورجال دين وغيرهم، ويتبلور هذا التعلم في مظاهر القيم السلوكية للمتعلم.
وقالت عواطف أبو الشوارب - أم لخمسة أبناء - إنه على الرغم من أن الأسرة هي المحيط الاول، والمسؤول عن تكوين ما يسمى بالشخصية القاعدية للطفل إلا ان دور المدرسة يبدو أخطر وأكبر من ذلك، لا سيما في عصرنا الحالي الذي يعيش ثورة انفجار علمي ومعرفي أثّر في كافة نواحي حياة الفرد، مشيرة إلى ان للمدرسة الفرصة الأكبر من باقي المؤسسات الاجتماعية الأخرى في إعداد الفرد للمستقبل، من حيث تنمية القيم السلوكية لدى التلاميذ، وخلق الانسجام بين أبناء المجتمع على اختلاف جنسياتهم ومفاهيمهم واتجاهاتهم وسلوكياتهم وثقافتهم.

تعليم الأبناء معاني حب الوطن

قالت جيهان إبراهيم - أم لطالب في مدرسة حكومية - إن المدرسة تستطيع أن تؤثر تأثيراً ايجابياً في تكوين الفرد تكوينا نفسيا واجتماعيا، كما تستطيع ان تخلق من تلاميذها شخصيات متوافقة مع نفسها ومع مجتمعها من خلال إعداد المناهج التي تراعي حاجات واستعدادات الأبناء، وعلى المدرسة أن تعمل بوسائلها المختلفة على تخليص الطفل من رغبته في التمركز حول ذاته عن طريق السماح له بتكوين علاقات مثمرة وايجابية مع زملائه، وأن يتعود تقبل وجهات نظر الآخرين بصدر رحب.
فيما أكدت شيخة الجنيبي - ولية أمر- أن التركيبة السكانية في الدولة أصبحت عاملاً مهدداً لهوية أبنائنا وانتمائهم، مشيرة إلى ان غربتنا أصبحت تزداد يوما بعد يوم، وعلينا ان ننتبه إلى ذلك من خلال تعليم الأبناء معاني حب الوطن والتمسك بهويته، مشيرة إلى ان مدارسنا الحكومية أدت دورها مشكورة خلال فترات طويلة لكنها أصبحت لا تواكب متطلبات حياتنا الحديثة في الدولة، وأن محاولات وزارة التربية والتعليم للإصلاح كثيرة.

التدقيق في المناهج الأجنبية لخطورة بعضها

قالت فاطمة أبوبكر- أم لطالبين في مدرسة خاصة - إنه ينبغي التدقيق في المناهج الاجنبية التي تدرس للطلبة، والتي يشكل بعضها خطراً على قيمنا وهويتنا الوطنية، كما ينبغي التدقيق عند اختيار المعلمين الأجانب والاهتمام بالمعلم المواطن المخلص في عمله لله ولوطنه، والمتفاني لخدمة بلاده وأبناء وطنه دون كلل أو ملل، مؤكدة أننا نحتاج اليوم إلى تغيير شامل خاصة في ظل تحديات التركيبة السكانية، ولا نريد تعليما يبعد أبناءنا عن هويتهم وانتمائهم لوطنهم، واعتزازهم بدينهم.
وأكدت آمنة الزعابي - اختصاصية تربوية - أن هناك بعض التحديات التي تواجه الأسرة وتؤثر سلباً على قيامها بدورها التربوي المطلوب، في ظل المشكلات التي تفاقمت وتنوعت في المدارس واكتست بمظاهر انحرافية، حيث نلمس كل يوم ذلك القصور في تعديل سلوكيات الأبناء، واتساع المسافة بين تفكير الأبناء وتفكير الآباء، وعزوف الأبناء في كثير من الأحيان عن الاستفادة من خبرات الآباء، إلا أن الأمل كبير في أن الأسرة هي أيضاً قادرة على مواجهة تلك التحديات والتغلب عليها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"