ثريا شاكر كفاح لم يتوقف منذ الأربعينات

عمرها 85 عاماً وتتفاءل بمستقبل مصر
12:26 مساء
قراءة 4 دقائق

في عامها الخامس والثمانين تقف ثريا شاكر بشموخها المعتاد وضحكتها المجلجلة تنظر لتاريخها الشخصي فتجده مضفوراً بتاريخ مصر، فهي امرأة حاضرة في الشأن العام بجرأة منذ الأربعينات، وتعرضت للسجن والحرمان من أطفالها الثلاثة وزوجها الذي لقب بمعتقل كل العصور المهندس فوزي حبشي .

في بيتهما الهادئ الذي تحمل جدرانه ذكريات ومعاني وصوراً ولوحات وتماثيل لأيام وأشخاص أثروا كثيراً في حياة الناس وأفكارهم لكن أكثر ما يلفت الانتباه هو تلك الصدفة العجيبة والجميلة التي تضم بورتريهاً لثريا شاكر التي بدأ حوارنا بسؤالي عنها، فضحكت ضحكة جميلة وقالت: هذه الصدفة من جبل الطور وجدها فوزي هناك حينما كان في المعتقل عام 1948 وأرسلها لي في عيد ميلادي مع أحد ضباط المعتقل وكان صديقاً له يلعب معه الشطرنج .

ارتبطت حياتك ونضالك بثمن فادح، فهل تذكرين أول مرة تعرضت فيها للاعتقال؟

- سبقني فوزي إلى دخول المعتقلات، لكن بالنسبة إليّ قبض عليّ عام 1959 من دون تهمة، وتم التحقيق معي في نيابة أمن الدولة العليا، وكنت وقتها أشترك في مظاهرة فأمسكوا بنا وحبسونا في زنزانة في قسم قصر النيل، وكنا 45 امرأة ورجلاً والزنزانة شديدة الضيق والحر، لأن ذلك كان في شهر يوليو/تموز، وأذكر أن العرق كان يتصبب من الجميع لدرجة أن ماء العرق كان يصل إلى أكثر من 2 سم على حائط الزنزانة وظللنا في هذا الوضع من دون ماء للشرب ووسط رائحة خانقة ساعات طويلة حتى المساء، ثم نقلونا إلى أقسام أخرى، وكنت أنا من الذين نقلوهم إلى قسم الخليفة،وهناك حبسوني مع متهمات بالدعارة فصرخت واعترضت، وبعدها نقلوني إلى زنزانة أخرى وكان معي فيها والدة الرسام زهدي العدوي ووالدة الدكتور أحمد مستجير، وحينما قبضوا عليّ هذه المرة كان فوزي حراً فلم أقلق على الأولاد .

فرقت السجون بينك وزوجك سنوات طويلة، حدثينا عن هذه الرحلة الشاقة؟

- قبض على فوزي بعد زواجنا بستة أشهر عام 1948 وظل عامين في المعتقل، فخرجت في تظاهرة لأول مرة في حياتي وقتها وقبض عليّ وأخذوا يستجوبونني طوال الليل، وفي الرابعة فجراً أفرجوا عني فأخذت تاكسي وعدت إلى البيت وكنت فخورة بنفسي جداً، وبالنسبة إلى فوزي خاض رحلة شاقة وطويلة في كل معتقلات مصر وسجونها وحرمونا منه أنا والأولاد طويلاً .

أما أنا فقد دخلت المعتقل مرة واحدة من دون تهمة لكن قبض عليّ خمس مرات وحبست في أقسام الشرطة، وكانت أول مرة في مارس/آذار 1959 في عيد الميلاد الثامن لابني الأكبر ممدوح، واقتادوني إلى مباحث أمن الدولة بلاظوغلي وأصدروا أمر اعتقال ثم رموني في قسم الموسكي أقذر قسم بوليس في الدنيا، ولتخويفي أحضروا بعض أبناء الشوارع إلى زنزانتي ليقوموا بأفعال مقززة فاعترضت على ذلك، وبعد جدل طويل مع الضابط المسؤول أخرجوهم وذهبنا إلى سجن القناطر، وكان فوزي قد حكى لي عن قذارة السجون والمعتقلات، لكنني لم أكن أتصور أنها بهذه الكآبة .

كيف تعايشتما مع كآبة السجون كل هذه السنوات؟

- كانت أيامنا الأولى فيها صعبة جداً ومرهقة، ثم بدأنا في تنظيم المعيشة وتقسيم العمل بيننا لتصبح الحياة محتملة، وأذكر أنهم أحضروا لنا 300 عسكري لتخويفنا . كما أحضروا لنا بعض المسجونات الجنائيات ليضربننا بقسوة شديدة ويسحلننا في حوش السجن .

كيف كان تعاملكن مع أوقات الفراغ الطويلة في السجون؟

- قمنا بعمل مسرحيات من تأليف وإخراج الزميلة انتصار خطاب، وكان الجميع يشتركن تقريباً في التمثيل ما عدا اثنتين أو ثلاث متفرجات، وكنت دائماً من المتفرجات وفي أعياد ميلاد أولادنا وأزواجنا كنا نحتفل وفق المتاح لنا .

هل طال الاعتقال أبناءك في ما بعد أم أنهم ابتعدوا عن السياسة؟

- اعتقل ابني ممدوح مرة واحدة عندما أرسل لي من ألمانيا 200 مارك وهو مبلغ ضئيل جداً فأتوا وفتشوا البيت واعتقلوه شهراً بتهمة أنه يساعد الحزب الشيوعي مادياً وتم الإفراج عنه، أما حسام ونجوى فقد ابتعدا عن السياسة .

الخطابات المتبادلة بينك وزوجك التي نشر بعضها في كتابه معتقل كل العصور تقطر حناناً وجمالاً، حدثينا عن هذه الخطابات، وهل فكرت في ضمها في كتاب مثلما فعل الدكتور عبدالعظيم أنيس وزوجته عايدة ثابت في كتابه رسائل الحب والحزن والثورة؟

- كان ممنوعاً علينا في السجن تلقي أو إرسال الخطابات، لكن استطعت من خلال صداقتي مع إحدى المسجونات العاديات، وهي تاجرة مخدرات، أن أتلقى باسمها خطابات من البيت لأطمئن على الأولاد، وحتى لا يتم اكتشاف الأمر كان اسمي في الخطابات نجفة واسم ممدوح ابني محمود واسم حسام أصبح حسن ونجوى أصبحت عيشة .

أما عن الخطابات المتبادلة بيني وفوزي فكان أجملها أيام اعتقاله في الهايكستب عام ،1948 وكنا قد تزوجنا قبلها بشهور، وضمت الخطابات أشواقنا وحكايات كل منا للآخر وأخباره، وقد توصل فوزي لطريقة مبتكرة في كتابة الخطابات بطريقة استخدام قلم خشبي رفيع وورقة نشاف، ويكتب لي الخطابات على ورقة بيضاء فإذا جفت تختفي الكتابة فيرسم على الورقة أي رسم لقطعة موبيليا، وعندما أغمر الرسالة في الماء تعود الكتابة للظهور، ولانزال نحتفظ بمجموعات هذه الرسائل التي تحمل ذكرى أيام مهمة وصعبة وجميلة في حياتنا .

هل شاركت في ثورة يناير؟

- أيدت الثورة من بعيد لعدم قدرتنا الجسدية أنا وزوجي، فسننا لا تسمح فأنا عمري 85 وفوزي 90 سنة، لكن متفائلة بأن مصر ستنصلح حالها رغم كل السواد ورغم كل شيء .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"